شبكة ذي قار
عـاجـل










في سابقة فريدة من نوعها، عبرت جوقة الجواسيس والعملاء والأقزام في بغداد المحتلة عن عزمها استحداث مادة جديدة ستدرس في كل المستويات مطلع العام الدراسي القادم في العراق واختارت لها عنوانا لافتا استقر الرأي حوله على " جرائم البعث " وبررت السلطات العميلة قرارها هذا بحتمية هذا النهج حتى يتسنى للشعب العراقي مزيد التعرف على جرائم حزب البعث العربي الاشتراكي وتجربة حكمه للعراق.

وفي الحقيقة، جاء هذا القرار نتيجة الضغط العالي الذي مارسه حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي وهو الحزب الإيراني الفارسي نشأة وأهدافا ورؤى وتوجهات، الأمر الذي أجبر بقية الأقزام على الانصياع له.
فما هي جرائم البعث التي ستتضمنها هذه المادة المستحدثة يا ترى؟
وما هي الدوافع الحقيقية التي ألزمت حزب الدعوة الإيراني ومن سانده بمثل هذا التمشي؟

وما هي العوائد المنتظرة من هذا القرار؟

إن الحديث عن جرائم البعث عنوانا لمادة تدريسية لا يمكن التعاطي معه فنيا ولا إجرائيا فحسب، بل ينبغي لفهمه وملامسة جوهره الغوصٌ في ثنايا الذاكرة ورصدٌ ما حصل في العراق ليس منذ غزوه عام 2003 بل بما هو أبعد من ذلك بعقود.
فمن نافلة القول إن العراق بثقله التاريخي والحضاري وموروثه الفكري العظيم، كان على مر التاريخ وجهة للأطماع الخارجية، فعملت كل الامبراطوريات خلال كل الحقبات على التعامل معه حسبما تفتضيه مصالحها سواء بإقامة علاقات طيبة معه واتخاذه وجهة للاستنارة منه وتبادل الخبرات أو باستهدافه بغية تطويعه وإلحاقه بها لتستوي لها الأمور.

وتضاعفت مكانة العراق في عصرنا الحديث مع نجاح حزب البعث العربي الاشتراكي في ثورته التي وصل عبرها لسدة الحكم ليدشن عهدا جديدا في حياة العراق والعراقيين، وبالقدر ذاته تضاعفت محاولات استهدافه من طرف القوى الدولية والإقليمية على حد السواء.

لم يكن ذلك الاستهداف عبثيا، بل إنه تمخض عن تقديرات الجهات المتربصة بالعراق والعرب شرا لما يمكن أن يخلقه حزب البعث بسياساته وتوجهاته الوطنية والقومية من تغيير جذري في العراق، وكان أكثر ما تخشاه تلك الجهات هو تعميم نهج البعث على باقي الأقطار العربية بما يعنيه ذلك من ثورة ونهضة عربيتين عملاقتين ستقلبان حتما موازين القوى وستبعثر السياسات الاستراتيجية الموضوعة سلفا من طرف الدوائر الاستعمارية والامبريالية والحركة الصهيونية العالمية وتوابعها.

وفي هذا الإطار، تتنزل الاعتداءات الإيرانية الفارسية المبكرة التي عمل فيها الخميني مدفوعا بثاراته وأحلام الفرس التوسعية ناهيك عن الحقد الصفوي الدفين على العراق والعروبة، على ضرب التجربة البعثية في المهد. ولما فشل الخميني في مسعاه باعتباره مجرد أداة غربية استعمارية، كان لا بد من تدخل القوى الكبرى مباشرة وهو ما تحقق منذ تسعينات القرن العشرين حيث احتشدت الحشود العسكرية لأكثر من ثلاثين دولة وأمطرت بلاد ما بين النهرين بوابل خيالي من القنابل والأسلحة الفتاكة، ثم أطبقت عليها حصارا غير مسبوق تواصل على امتداد 13 عاما حرم فيه العراقيون من أبسط الأساسيات، ليكون الغزو الأمريكي البربري للعراق عام 2003 بداية عهد جديد من تخريب العراق وتدميره ونقطة انطلاق أخرى في سبيل عقاب العراق والعراقيين عقابا جماعيا اتسم بالعنصرية والوحشية استٌفْرِغت فيه كل النزعات الشيطانية الآثمة ليس أقلها القتل على الهوية والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي والاستعانة بالميليشيات الطائفية الإرهابية والمجردة من أدنى ذرات الإنسانية والمرتبطة بالاحتلال الإيراني المجرم.

إن هذا الاستعراض المقتضب لحقيقة ما تعرض له العراق، يحيلنا مباشرة للإجابة عن السؤال الأول حول جرائم البعث، لأنها – أي تلك الجرائم كما يقدرها المناوئون للعرب وللعراق – مرتبطة ارتباطا جدليا وسببيا بما عاشه العراق ارتباطا وثيقا، وهي الدافع الأساسي له بصرف النظر عن رواية حزب الدعوة الإيراني الإرهابي.

فجرائم البعث في العراق، لم تزد عن أكثر من:

1: على المستوى العراقي
* العمل على تركيز السيادة الوطنية للعراق وتفعيلها وضمان وحدة شعبه وحماية أمنه.
* تأميم ثروات العراق وتسخيرها لصالح شعبه وضمان رفاهيته.
* توفير الأمن والسهر على راحة المواطنين.
* اعتماد المواطنة مقياسا وحيدا للتعامل مع الجماهير مراعاة للتنوع العرقي والعقائدي وفي هذا الإطار يندرج العمل على محاربة الارتباطات المناطقية والعشائرية الضيقة.
*منح الأكراد العراقيين حكما ذاتيا بلا نظير: على عكس الحصار والتعامل الوقح المتغطرس الذي تعرض له الإخوة الأكراد في شمال العراق خصوصا عند الاستفتاء من طرف حكومة الجواسيس.
* تعصير التعليم في إطار الرهان على العقل العراقي وإنشاء جيوش جرارة من العلماء والمهندسين والأطباء في كل الاختصاصات.
* توفير الرعاية الصحية والاجتماعية للعراقيين كافة.
* تطوير البنى التحتية والخدمات المسداة للمواطن تحت عنوان التنمية الانفجارية.
* الحرب على الأمية بشقيها: مقاومة الأمية الأبجدية والأمية الحضارية.
*إنشاء جيش عقائدي عصري وقوي يعمل على تأمين البلاد ويدفع عنها الاعتداءات الخارجية.
* إنشاء وتركيز الصناعات بمختلف الأصعدة: الصناعات العسكرية والصناعات الثقيلة والتقنية.
* العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، عبر استصلاح مساحات واسعة بتكلفة هائلة وإنشاء نهر هو " النهر الثالث " بين الفرات ودجلة من شمال بغداد لجنوب البصرة على امتداد 650 كلم ويحمل كل مواصفات النهر عمقا وعرضا وتدفقا.
* تجذير الانتماء والهوية العربية في الشخصية العراقية.

2- على المستوى العربي:

*الانضباط الكلي للعقيدة والمصلحة القومية العربية الاستراتيجية العليا.

* الاستماتة في الدفاع عن حقوق العرب كافة، والعمل على استرجاع الأراضي المغتصبة.

*الوقوف المبدئي مع فلسطين والأحواز العربية: كان العراق زمن حكم البعث الداعم الأكبر للفلسطينيين في الداخل والخارج، كما كان أول من طرح وجوب استرجاع الأحواز لحاضنتها العربية بتخليصها من الاستعمار الإيراني.

*ريادة المجهودات الحربية العربية في رد الاعتداءات الصهيونية المتكررة على العرب: المشاركة في كل الحروب والحيلولة دون سقوط دمشق بيد الصهاينة رغم عدم إعلام العراق بالحرب مسبقا.

* فتح العراق أمام الطلبة والعمال العرب ومنحهم كافة امتيازات المواطن العراقي.

* رفع شعاري " نفط العرب للعرب " و " ثروة الامة للأمة " بما يعنيه ذلك من استحقاقات، فكان يخصص نصيبا من النفط للدول غير المنتجة بأسعار تفاضلية لا تتجاوز سعر تكلفة استخراج البرميل.
* التشديد على ضرورة تخصيص عوائد النفط للتنمية القومية في الأقطار العربية.

*صد الأطماع الإيرانية الفارسية الصفوية الخمينية، والحيلولة دون ما يسمى بتصدير الثروة الإسلامية كما نص على ذلك الخميني. ولقد وقى البعث والعراق وجيشه الأمة العربية ويلات مخططات التغلغل الفارسية، وأجلها. ولقد ثبت بالتجربة اليوم أن إيران تخترق المنظومة القومية العربية وتستبيحها منذ غزو العراق وإسقاط النظام الوطني فيه بقيادة حزب البعث.

* الإسهام المتقدم في دعم المجهودات العربية التنموية: فلقد صرف العراق زمن حكم البعث للاستصلاح الزراعي في السودان 50 مليون دولار، وصرف للأردن إبان ما يعرف بثورة الغلاء 150 مليون دولار، ناهيك عن نجدة اليمن زمن المجاعة ولإقامة جسر جوي وفر كل الاحتياجات لليمنيين، بعد أن رفضت الصين مساعدته.

* المساهمة في المجهودات والسياسات التعليمية في الأقطار العربية وخاصة الفقيرة، فكان العراق يطبع على نقته الخاصة الكتب المدرسية لتلك الأقطار كما قام ببناء وتشيد عشرات الجامعات والمستشفيات فيها، ولم يستخدمها ورقة للتدخل في شؤونها الداخلية.

* دفع المنح والهبات للمنشآت الثقافية في الأقطار العربية: وعلى سبيل المثال، صرف 50 مليون دولار لمكتبة الاسكندرية.

*الدفاع عن الأقطار العربية ضد الأخطار الخارجية: دفع العدوان السينغالي على القطر الموريتاني في أقصى غرب الوطن العربي.

هذا غيض من فيض جرائم البعث التي بسببها أقدم أسياد حزب الدعوة الإيراني على استهداف الحزب والعراق ونظامه معا، فما الذي ستتضمنه مادة " جرائم البعث " يا ترى خلاف هذا؟ فلا أحد يعلم للبعث من جرائم سواها، إلا إذا كان المضمون مخزون مجمع الحثالات في بغداد المحتلة من الافتراء والأكاذيب والادعاءات والتلفيقات.

أما بالنسبة للدوافع والجهات التي تقف وراء حزب الدعوة الإيراني الفارسي لمثل هذا التمشي، فإن الأمر أشد وضوحا.

فبحكم نشأة حزب الدعوة الإيراني الفارسي في الحضن الإيراني ووفق التعاليم الفارسية، وعلى خلفية الحقد الدفين على العراق والعرب والعروبة وعلى البعث معا في العقيدة الإيرانية، وبحكم نزعته الإرهابية أيضا، ونظرا لعمالته وخياناته المعروفة للقاصي والداني، فإن إيران هي من أوعزت لربيبها وزعيمه المجرم نوري المالكي بهكذا توصيات.

وحزب الدعوة وانضباطا لنهجه التآمري والخياني، وتوافقا مع طبيعته الوضيعة، لم ينس ولم يغفر للبعث إحدى أكبر جرائمه على الإطلاق، ألا وهي صرامة حزب البعث في ضرب أوكاره لما تكشفت ارتباطاتهم الإيرانية ولما توضحت مخططات الدعوة العميل ومساعيه لإثارة البلبلة وزرع الفتن الطائفية في العراق، هذا وتبقى الجريرة الأشد فظاعة والذنب الأعلى لحزب البعث، هو طبعا صده لمشروع الخميني بعد أن تجرع السم الزعاف عقب الحرب الغادرة التي شنتها إيران على بلاد ما بين النهرين.

وسيكون من السذاجة بمكان القبول بمثل هذين التفسيرين على وجاهتهما وصلابتهما ذلك أن حزب الدعوة الإيراني يشعر بمركبات نقص كبير وفادح مقارنة بالبعث، إذ ورغم كل التشويهات والفبركات ضد البعث، ورغم الملاحقات والتشريد والتقتيل لأعضائه ومناضليه وقياداته، ظل البعث شامخا قويا صلبا مهابا يحظى بكل الاحترام والتقدير لدى العراقيين والعرب بل وكل أحرار العالم، وفي المقابل تآكلت شعبية الدعوة الإيراني وتهاوت وانحسرت بفعل تعري حقيقته

مع الأيام، حيث لم ينتج سوى العملاء واللصوص ونهابي المال العام والطائفيين القتلة الإرهابيين.

لم يجد حزب الدعوة الإيراني من سبيل للهروب من فشله المروع في التعاطي مع الشأن العام العراقي شأنه شأن بقية الجواسيس والعملاء الذي قدموا على ظهور الدبابات الأمريكية الغازية وجاؤوا متخفين في نعال المستعمر، إلا أن يبتدع هذه الحيلة الخبيثة عساها تكن سبيله لاسترداد فتات من إشعاع أو تعاطف شعبي.

هذا، ويوقن حزب الدعوة الإيراني الطائفي الإرهابي، أن ما يعايشه يوميا من تراجع شعبي يقابله مجاهرة شباب العراق بالحنين لأيام البعث حتى وإن لم يعاصروها، وإشادتهم بالبعث والبعثيين وبنظافة يدهم ونزاهتهم وإخلاصهم وتعففهم ووطنيتهم ونخوتهم، سيعجل حتما برحيله غير مأسوف عليه خصوصا مع تعاظم الأخطار المحدقة سواء به أو بأولياء نعمته في طهران الشر والرذيلة.

ولا تتوقف مركبات النقص عند حزب الدعوة الفارسي كلما قارن نفسه بالبعث عند هذه الحدود، فتتعمق مآسيه بسبب استقرار الرأي عند الجميع بعمالة هذا الحزب مقابل أصالة البعث وثباته ووفائه لشعبه وأرضه ولشجاعته وإقدامه وعبقرية رجالاته وصمودهم في وجه أعتى آلات الحروب التدميرية لأكثر من ستين دولة بالتمام والكمال ومقاومتها مقاومة أسطورية.

فكيف بعد كل هذا لا يٌجرّم البعث؟ وكيف بعد هذه الحقائق لا يجن المالكي ومن معه؟

إنه ولكي نفهم الدوافع لمثل هذا القرار الوقح، يتوجب علينا أيضا التفكير في الجهات المستفيدة فعليا من ورائه. وفي الواقع ليس هناك من مستفيدين إلا الصهيونية العالمية والدوائر الامبريالية وإيران والعرب المعادون للعروبة والمتنكرون لها، فهؤلاء جميعا كانوا ولا يزالون متحالفين متوافقين متجانسين حول ضرورة اجتثاث حزب البعث وهدم صرحه ليتسنى لهم تحقيق مآربهم وإنجاح مخططاتهم.

أما عن العوائد المنتظرة لهذا القرار، فإن البعث لا يضيره أن تمتد إليه نفس الأيادي القذرة المرتعشة الخائنة لتشوهه.

فالحزب الذي تحدى الاجتثاث، والحظر والملاحقة والمادة 4 من قانون الإرهاب وغيرها، لا يخشى مثل هذه الفرقعات والشطحات التي لا تعكس مدى التخبط والعجز والفشل الذي يعانيه حلف الشر ومجمع الأراذل والمرتزقة العملاء الصغار في بغداد المحتلة.

والبعث وهو الحزب الذي روى بدماء خيرة مناضليه وعقوله ورجالاته أرض العراق من زاخو للفاو، وافتدى العراق وشعبه بــ 160 ألف شهيد من القادة النوعيين الكبار والأعضاء العاملين، لن ينجح في ضرب شعبيته ولا في تلطيخ سمعته، إدراج مادة هجينة لا قيمة لها ولا مدلول أعدها سفسطائيون متفسخون متملقون طائفيون لا عقول لهم ولا ضمير ولا همم ولا كبرياء ولا حياء.

بل إن هذه المادة المستحدثة، ستكون سهما جديدا يرتد لصدور مطلقيه فتسرع برحيلهم واندحارهم مذمومين مدحورين قريبا بإذن الله تعالى.





الخميس ١٦ ذو القعــدة ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تمــوز / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة