شبكة ذي قار
عـاجـل










ما أن طفت على سطح الأحداث بعض الأنشطة السياسية للبعثيين على ساحة أميركا، وما أن فهم العالم أن هذه الأنشطة ليست فردية، وليست اجتهاداً شخصياً وليست مبادرة معزولة عن عقل البعث في بغداد، حتى اشتعلت قنوات الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي بردود أفعال عنيفة صاخبة، تجعل الإنسان يصاب بنوع من الغثيان.

ويمكننا تصنيف نوعين متناقضين من بين هذا الكم الهائل من العمل الإعلامي والصدمات والكدمات، التي نتجت عن مؤتمرات مشيغان وواشنطن التي عقدها رفاق البعث بتوجيه من قائده الشجاع الأمين الرفيق عزة إبراهيم :

الأول : هو رد الفعل الهادئ للمجتمعين ولمؤيديهم من البعثيين وأحرار الأمة والإنسانية، ويمكن تلخيصه ببساطة متناهية على أنه رؤية وطنية تتمتع بحصانة عقائدية ومبدئية بمستوى الوصف الرسالي لأصحاب القضايا الرسالية من الرجال، إنهم فتية آمنوا بربهم ووطنهم، وقرروا أن يكسروا الحصون الخانقة، ويعبروا الأسوار العالية، ويعلنوا أنهم بعثيون مجتثون مقصيون، في عقر دار البلد الذي قتل رفاقهم واجتثهم وأقصاهم عن الحياة، مع الإقرار بأنهم لم يمدوا يد استجداء ولا استعطاف للقوة الغاشمة، التي تحركوا في شوارعها وقاعاتها وفنادقها وجامعاتها، بل كانوا صناديد شجعان يصدحون بحق وطنهم، والظلم الذي لحق به وبشعبهم وبحزبهم، وبالجريمة التي ارتكبتها الولايات المتحدة، ليس بغزوه وتدميره فقط وإنما بتسليمه غنيمة لإيران المجرمة.

لم يأبه رجال العراق العرب الأحرار للاختلافات التي نشبت بفعل فاعل بينهم، ولا بالهجمات الصاخبة من سياسيين وإعلاميين عرب وعجم، في كل أنحاء العالم لسبب بسيط :

أن البعث عندما يقرر ويقتنع فإنه يقرر ويقتنع بناءً على عقيدته ومبادئه، التي لم ولن تكون عُرضة لتنازلات ولا لمساومات، بل هي التعبير الأبدي والأزلي عن إرادة شعبنا وأمتنا، والبعث عندما يقرر فإنه لا يخشى رد فعل لأنه لا يغلط أبداً بحق نفسه ولا بحق شعبه وأمته.

الثاني: وفي هؤلاء لا يهمنا نواح ولطميات وبكائيات أحزاب ايران، وضباعها وأفاعيها من أحزاب وميليشيات السلطة، الذين لم يغادروا الحياء والرجولة والشرف فقط، بل تحولوا إلى نعام يقبر رأسه في الرمال، ويمثل دور الغبي الساذج الذي يظن أن ظهره مدفون هو الآخر وليس مكشوفاً تعبث به كل الأيادي، هؤلاء أكثر شبهاً ببائعات الهوى حين يشتمن الزبائن، فهم لا يتورعون عن شتم أمريكا وبريطانيا مع أنهم يعرفون أن وجودهم في الخضراء وفي العراق ما كان له أن يدوم حتى الآن لولا الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، ونسوا صورة المجرم ( عبد العزيز الحكيم ) حين نزع عمامته وهو يهم بدخول بوابة البيت الأبيض، ونسوا صورة المجرم ( نوري المالكي ) وهو يزور مقابر قتلى الأمريكان في العراق، ومن المضحك المبكي من هؤلاء أن يستكثروا ويخونوا البعث لأنه تحرك ونشط سياسياً وإعلامياً على الساحة الأمريكية، ليصدم السلطة والشارع الأمريكيين على حد سواء، بأن الحزب حي لم يمت، وأنه شجاع يطالب بالقصاص من الجريمة الأمريكية بحقه وبحق وطنه وأمته في عقر الديار الأمريكية.

الذي يهمنا أكثر هنا هم أصدقاء ورفاق :
هؤلاء الذين اهتزت قلوبهم كأن لم يدخلها الإيمان من قبل، وارتابت نفوسهم كأنها لم تعرف البعث الوحدوي التحرري القومي الاشتراكي البطل.
هؤلاء الذين نسوا يد القانون البعثية الوطنية التي أعدمت الجواسيس، وأممت النفط، وبنت العراق عمراناً وإنساناً، وقاتلت إيران وانتصرت.
وقاتلت ٣٣ دولة فيما عُرف بعاصفة الصحراء المجرمة وانتصرت، وغلبت غوغاء ١٩٩١ التي كانت غزواً إيرانياً رافق عاصفة الحرب الكونية وقَبَرَتْها.
وقاتلت الحصار وردات العدوان العسكرية لأربعة عشر عام وما تنازلت، ثم مرغت أنف أميركا عام ٢٠٠٣ وما تلاها وما مدت يداً ذليلة.

نسوا كل هذا السفر الذي لم يعرف العراق والعرب له مثيلاً، ولم يخطر في عقولهم غير احتمالات أن يتنازل البعث عن منهجه وعقيدته، احتمالات أن تغلبه الأفعى والدهاء الأمريكي، احتمالات أن تتعبه التضحيات ويبحث عن متنفس للهواء، احتمالات أن تطغى عليه نزعات العودة للسلطة فيتنازل.

هؤلاء الأخوة والرفاق والأصدقاء نسوا أن للدم ثمن، وللرسالة وحملتها سمات وسحنات لا تتبدل، ونسوا أيضا أن البعث هو من يقاوم الاحتلال، ومن حقه أن يفاوضه لترتيب مسارات التحرير والاستقلال، مثلما فعل الجزائريون والفيتناميون والكوبيون وغيرهم.

وبقي أن نقول : أن البعثيين في الخارج عليهم أن يكونوا كلهم مع بطولة رفاقهم الذين اقتحموا السواتر الأمريكية، لأن البعثيين وشركائهم هم المسؤولون عن طرد الاحتلال الأمريكي، وقبله طرد الاحتلال الذي سلطته أميركا، فأميركا مسؤولة عن خطئها المركب في العراق، وعليهم جميعاً أن يروا في عودة العراق إلى أهله حقاً، وليس خيانة ولا تراجعاً عن المبادئ، وليس إذعاناً لأمريكا، لأن البعث لم ولن يذعن.





الجمعة ٣ ذو القعــدة ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / تمــوز / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة