شبكة ذي قار
عـاجـل










مرت ستة عشر سنة على غزو العراق، واختراع عملية سياسية احتلالية شاذة وفريدة من نوعها، من حيث قِوامها الإداري السياسي، ومن حيث أدواتها التنفيذية. كان هدف العملية السياسية الاحتلالية المخابراتية هو إقامة ( دولة ) عراقية مغايرة ومناقضة للعراق الوطني القومي الحر السيد الواحد، فبُنِيت العملية السياسية على افتراض متهالك خبيث أرعن، هو أن الديمقراطية تتحقق بتعددية حزبية طائفية، فيها غلبة واضحة عددية ومعنوية لطائفة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنظام الولي الفقيه الكهنوتي الإيراني، وبمشاركة أدنى لسواها من الطوائف، ومشاركة سياسية عرقية تعطي لكردستان العراق حكماً فيدرالياً خاصاً، بُني أصلاً على صيغة الحكم الذاتي التي طبقها حكمنا الوطني لشعبنا الكردي، وتستند على دستور فيدرالي ( لم يطبق ) منه غير فيدرالية الشمال، وتحول هذا الدستور إلى سيف مسلط على رقبة الوحدة الوطنية العراقية، يهددها بالتشرذم كلما اقتضت الضرورة.

تمكين الأحزاب الطائفية وميليشياتها وأصحاب النزعات العرقية المغتربة عن الوطنية، والمصلحة العليا وعن وحدة الشعب، واعتماد دستور فيدرالي طائفي تُسَيِّره مرجعيات طائفية، ويكرس عملياً سلطة الولي الفقيه، وإيقاف التنمية وفتح الأبواب مشرعة أمام الفساد الأخلاقي والمالي والإداري، كلها سياسات مميزة للعملية الأمريكية، وتعني أمراً واحداً هو أن يكون العراق هيكلاً خاوياً فيه سلطات متعددة، لكل منها قواه العسكرية والمالية وفيه منابع للإرهاب، الذي يمكن أن يمارسه الجميع ضد الجميع عندما تقتضي غوايات المال والسلطة، لكنه ليس دولة بأي حال من الأحوال.

إذا كانت أميركا قد تعمدت صناعة عراق ضعيف فاقد لمقومات الدولة وأضافت بفعلها هذا جريمةً لجريمة الغزو، فإنها بتسليطها لإيران لتكون بلداً محتلاً تحت الاحتلال الأمريكي، ومكنت أحزاباً وميليشيات صنعت منهم التعددية الديمقراطية المزعومة، فإنها بذلك قد أضافت جرائم إلى جريمة الغزو.

إن من يتعامل مع سلطة الخضراء على أنها تمثل بلداً ودولةً فهو يعبر عن غباء وبلاهة سياسية، وخنوع ودونية لن يجني منها غير غضب الله والتاريخ، فالعراق بعد ٢٠٠٣ ليس دولة.

لقد قررنا أن نتناول هذا العنوان في لحظة ألم استثنائية، حين شاهدنا فيلماً لمقتدى الصدر قبل يومين يقف فيه على رؤوس عراقيين اعتقلتهم ميليشياته، وهو يذلهم ويهينهم ويسلط عليهم سفاحين ومصاصي دماء، بحجة سخيفة هي أنهم اعتدوا بالكلام على آل الصدر.

الصدر هذا كان يتوعد العراقيين، وهم بالعشرات بالويل والثبور إن ثبت تجاوزهم على آل الصدر، وكأنه هو القانون وهو الدولة وهو القوى الأمنية، فهل يوجد دولة في العالم يحصل بها ما يحصل في العراق الذي احتلته أميركا، وسلطت عليه رعاع الفرس؟ وهل يحق لأمريكا بعد أن شاهدنا عبر ستة عشر عاماً كل مظاهر الموت والانحلال الأخلاقي والنهب والسلب، الذي جعل العراق أسوأ مكان للعيش في العالم أن تتبجح بالديمقراطية وحقوق الإنسان؟

أسئلة لن يجيب عليها أحد، ولن يُقَوِّم الاعوجاج والرذيلة التي تعج في العراق المحتل إلا شعب العراق، وهو شعب مجرب، وقد تخبوا نجومه لزمن ما، لكنها لا تلبث أن تضيء.
 





الثلاثاء ٢٢ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / حـزيران / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة