شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ قرن والدول العربية تعيش حصيلة واقع سياسي غاشم فرضه التقسيم الدولي وتكالب المصالح الاستعمارية وكرسته بما سمى اتفاقية سايكس بيكو 1916 . وتشير الدلائل أن الصراعات العاصفة التي تعيشها المنطقة هي امتدادات للتقسيم السابق مع تجديد مصالح لدول استعمارية صاعدة خلال القرن العشرين ومنها الولايات المتحدة الأمريكية.

وبات من اليقين أن ثمة تقسيم جديد لدول المنطقة على ضوء التغيرات في موازين قوى النفوذ الدولي الاستعمارية بالمنطقة [فرنسا والمملكة المتحدة وبظهور الولايات المتحدة كقوة استعمارية عالمية، مضافا إليها ظهور الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة منذ 1948]، وما لهذا الكيان من دور فاعل اليوم في تخطيط وتنفيذ وتكريس التقسيمات الجديدة، والعمل على تجزئة الأقطار العربية، وسعيه المستمر إلى إنهاء الوجود الفلسطيني، كبؤرة مركزية في الصراع العربي الإسرائيلي.

ينظر الكثيرون إلى تلك الاتفاقية على أنها كانت نقطة تحول في العلاقات الغربية العربية. فمنذ قرابة قرن كامل منذ أن ألغت بريطانيا كل وعودها للعرب ( بما يتعلق بوطن قومي عربي في منطقة سوريا الكبرى مقابل دعم العرب لبريطانيا ضد الدولة العثمانية). وقد انكشفت بنود تلك الاتفاقية السرية بوصول البلاشفة الروس] إلى سدة الحكم في روسيا في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1917. وأشارت إليها صحيفة الجارديان البريطانية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1917: [ كان البريطانيون محرجين، والعرب مستاءين، والأتراك مسرورين. ولازال إرث الاتفاقية يلقي بظلاله على النزاعات الحالية في المنطقة ].

وبوصول القوة العسكرية الأمريكية إلى المنطقة وتواجدها العسكري على أراض وقواعد واسعة في العراق وسوريا والخليج العربي، وانتشار النفوذ الأمريكي سياسيا واقتصاديا، مبشرا بانجاز مخططات جديدة للمحافظين الجدد بما يسمى مشروع ( إقامة شرق أوسط جديد)، وهذا الأمر الجديد سيشمل إعادة نظر كبيرة وواسعة بكل خرائط اتفاقيات سايكس بيكو القائمة منذ قرابة قرن، للأخذ بنظر الاعتبار لمصالح النفوذ الجديدة وخاصة بالنسبة إلى تكريس هيمنة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وقدوم التواجد الروسي في سوريا ومصالح التدخل التركي في شمال العراق وسوريا وحتى ليبيا أخيرا.

إن ملامح لــ " صفقة القرن" بدأت تتسرب تشكيلاتها يوما بعد يوم من خلال التحرك والعمل الأمريكي على تنفيذها بشكل مباشر، وتتم لها اجتماعات ومؤتمرات بصيغ علنية وأخرى سرية على قدم وساق، وفرض المشروع الجديد كأمر واقع بسبب الضعف العربي الشامل، وانهيار دول أساسية في النظام الإقليمي العربي، مثل العراق وسوريا وليبيا والسودان، وغيرها من البلدان العربية التي تسودها حالات معقدة من الاضطراب الاجتماعي والسياسي.
كلما اقترب موعد المؤتمر الدولي الذي دعا إليه البيت الأبيض الأمريكي لعقده في البحرين نهاية الشهر حزيران الجاري 2019 لبحث ما سمي الشق الاقتصادي من "الخطة الأمريكية للسلام". يزداد الغموض حول المؤتمر، وتزداد التناقضات في المواقف الدولية حوله.

تتحدث التسريبات الأمريكية عن عشرات المليارات من الدولارات من الاستثمارات في الأراضي المحتلة، من المتوقع طرحها في المؤتمر بهدف التهيئة لفرض الحلول السياسية، كما أن الكثير من التقديرات تذهب أيضا إلى أن محصلة هذا المؤتمر ستكون محدودة، ولن تتجاوز ما وصل إليه ما سبقه ، مؤتمر وارشو الذي عُقد قبل أشهر في العاصمة البولندية.

وخلال الأشهر الأخيرة بدا الشروع بتحضيرات الشق الاقتصادي من (خطة السلام الأمريكية) "صفقة القرن"، وهو الأمر الأكثر وضوحا تعكسه أحاديث المسئولين الأمريكيين الذين يركزون على هذا الجانب، مقابل غموض، مرتبك ملفت للنظر في الموقف العربي غير الواضح؛ خاصة عند الدول العربية ذات الصلة بالتزامات ما ترتبط بترتيبات صفقة القرن، كالموقف المصري وألاردني والفلسطيني خاصة. وبطبيعة الحال إن دولا عربية أخرى سوف لن تكون بعيدة عن مخططات صفقة القرن، كالعراق ودول الخليج العربي. إن الشق السياسي من الصفقة الذي لم يعلن عنه بعد، لهذا سيظل محط تساؤلات وتحليلات سياسية تأتي من هنا وهناك، وهي أشبه بالرجم في عالم الغيب ، طالما لم يفصح الجانب الأمريكي عنها بكل وضوح.

كانت جولة "جاريد كوشنر" ، مستشار الرئيس الأمريكي وصهره، في المنطقة، في فبراير/ شباط الماضي، مؤشرا لنقطة الشروع في العمل، حيث اطلع قادة الدول التي شملتها تلك الجولة (الإمارات وسلطنة عُمان والبحرين وقطر والسعودية وتركيا)، مركزا على الجانب الاقتصادي من المبادرة، دون التطرق إلى ملفات حساسة تتعلق بالوضع النهائي للقدس والجولان، ولم تتم الإجابة على السؤال الأهم: فيما إذا كانت "الصفقة" ستؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية؟ أم ذلك المشروع سيتعرض بدوره إلى تغييرات كبيرة وجذرية تستهدف ابتلاع الضفة الغربية وتغيرات في غزة وما يجاورها من المحيط المصري في سيناء؟.

"صفقة القرن"، وكما هو عنوانها، لا تخلو من توظيف المال والسياسة معا؛ فخلفها وأمامها تلهث استثمارات مالية دولية ضخمة ؛ وبحكم تفكير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، كرجل أعمال ومستثمر؛ فان التحرك الأمريكي سيبدأ من العاصمة البحرينية المنامة، أين ستعقد "ورشة اقتصادية" يومي 25 و26 يونيو/ حزيران 2019 الحالي، والتي ستكون بمثابة الخطوة الأولى العلنية في سياق تنفيذ "الشق الاقتصادي" لصفقة القرن الأميركية، المعروفة إعلامياً باسم (صفقة القرن).

وللتحضير لهذه الورشة فإن كبير مستشاري الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، والمبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، توصلا إلى تفاهمات معينة مع قيادات دول خليجية على الخطوط العريضة لعدد من المشاريع الاقتصادية في المنطقة العربية، ومنها مشروع الغاز الإقليمي، الذي ستشارك فيه كل من مصر والأردن وإسرائيل. ولم يخف الإسرائيليون بأن لهم دور في جميع تلك الصفقات الاقتصادية في المنطقة وأهمها الحديث عن مكتشفات الغاز في الساحل الفلسطيني وفي قطاع غزة وحتى في سيناء؛ حيث تقدر حجوم كميات الغاز الموجودة في شرق المتوسط بأنها هائلة جدا، ومثل هذه الأمور وغيرها يراد ربطها مع اقتصاد غزة والكيان الفلسطيني، الذي يراد تشكيله، وفق نظام الحصص والصفقات التي يجري وضع التصورات عنها. وتلوح إسرائيل بترك بئري غاز للفلسطينيين؛ إذا ما أخذت مقابلها ثمنا سياسيا وجيوسياسيا ، خاصة ما يتعلق بشكل حدود ووضع الدولة الفلسطينية المطلوب إعلانها، وفق المنظور الصهيوني الإسرائيلي.

في 19 مايو/ أيار 2019، أعلن بيان بحريني أمريكي مشترك، أن المنامة ستستضيف بالشراكة مع واشنطن، ورشة عمل اقتصادية تحت عنوان ( السلام من أجل الازدهار) يومي 25 و26 من حزيران/ جوان الحالي، وفي الحادي عشر من حزيران/ جوان 2019 أعلنت ثلاث دول عربية هي مصر والمغرب والأردن رسميا عن نية مشاركتها وحضورها المؤتمر، في حين يصر الموقف الفلسطيني الرسمي وكل فصائل منظمة التحرير رفضه القاطع للمشاركة في هذا المؤتمر ويدعو الى مقاطعته شعبيا ورسميا، فلسطينيا وعربيا ودوليا .

ان " ورشة البحرين الاقتصادية" في المنامة تسيل لعاب الفاعلين الاقتصاديين في المنطقة والعالم، وستشهد إعادة طرح مشاريع وخطط اقتصادية، قديمة – جديدة، وبثوب جديد؛ خاصة أنه سينتج عن هذه الورشة لجان فنية تقوم بصياغة ما يتم التوصل له من نتائج ليصل إلى حد التطبيق. وحسب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، أنه ( لم يتم التشاور مع الفلسطينيين بشأن ورشة ستعقدها الولايات المتحدة الأمريكية في البحرين نهاية الشهر الحالي، لبحث الاستثمار الدولي في الأراضي الفلسطينية).

مكان وتوقيت انعقاد الورشة التي دعت إليها إدارة الرئيس ترامب في المنامة، ليس صدفة؛ بل هناك هدف كبير يقع خلف مكان انعقاد "الورشة" ، وهو: ( جعل مصالح العرب الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل أهم من الالتزام بالقضية الفلسطينية)،في تزامن مع العديد من التصريحات، وخاصة القادمة من المنامة،التي باتت تتحدث عن "إسرائيل الدولة الناجحة"، وحيث لم يعد حل القضية الفلسطينية يطرح؛ كما كان إبان اتفاقيات أوسلو بشرط التطبيع مع الدول العربية، خاصة بعد الاكتشافات الهائلة للغاز في منطقة شرق المتوسط، حيث يجري الحديث عن (مكانة إسرائيل كدولة مصدرة للغاز).

وطالما أن هناك مؤشرات تتحدث عن تعاون كبير بين بعض الدول العربية وإسرائيل في مجال تسويق الغاز المكتشف قبالة السواحل الفلسطينية والذي تسرقه إسرائيل، وحتى غاز قطاع غزة المكتشف منذ عشرين عاما الذي لم يجد تسويقا له، بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وتتجاهله دول الجوار، وبفعل الضغوط التي مارستها إسرائيل؛ بل أكثر من ذلك أن هناك بعض التقديرات الجيولوجية تشير إلى أن إسرائيل تسرق غاز غزة بشكل مباشر، لدرجة أن حقول الغاز قبالة غزة يتوقع لها أن تنضب خلال 15 سنه المقبلة، نتيجة لسرقة إسرائيل للغاز، وفي هذا المجال من المتوقع أن تصبح إسرائيل جزءا من أسرة الدول المصدرة للغاز في شرق المتوسط.

القراءة السياسية لمؤتمر البحرين، كما عبرت عنها مواقف وبيانات فلسطينية وعربية يشكل ضربة للمواقف العربية المعلنة في كل القمم العربية الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، ومنها بيانات القمم ( الخليجية والعربية والإسلامية) الثلاث التي انعقدت بمكة نهاية شهر رمضان الحالي، التي تستبق مؤتمر المنامة، وترى في مضمون بيانها حول القضية الفلسطينية حول رفض المؤتمرات الثلاث حول القضية الفلسطينية وما جرى من مواقف أمريكية حول القدس والجولان يحتاج إلى المصداقية وخاصة في مواجهة الموقف الأمريكي الذي يسير تماما بالضد من المواقف العربية وبيانات قممها.

إن المواقف الأمريكية إذا ما استمرت في دعم حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتنياهو ستكون ضربة للمبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 في بيروت. ولهذا فان "ورشة المنامة الاقتصادية" التي يجري الإعلان عنها تحت عنوان مضلل وهو (السلام من أجل الازدهار)، هي في الحقيقة محاولة من الإدارة الأمريكية لتمرير المرحلة الأولى من "صفقة القرن". ولهذا فقد رفضت غالبية الفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية مسبقا الحضور لهذا المؤتمر ودعت إلى مقاطعته والامتناع عن المشاركة فيه .

منذ البداية وفي 21/5/2019 رحبت كل من السعودية والإمارات بالإعلان عن ورشة المنامة، ودعمها، وحتى المشاركة فيها، كما أكدت إسرائيل مشاركتها فيه أيضا. وفيما رفضت القيادة الفلسطينية المشاركة رغم كل الضغوط عليها فلا زالت متمسكة بخيار المقاطعة على المستويين الشعبي والرسمي. وفي بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، شددت السلطة الفلسطينية: ( على أن أحداً لم يستشرها بشأن المؤتمر الاقتصادي، وأنه لا يحق لأي طرف التفاوض بالنيابة عنها). كما نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية حينها، عن سفير الصين في فلسطين " كواه وي" ، قوله ( إن بلاده وروسيا لن تشاركا في ورشة البحرين). كما أشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن غالبية عناصر "صفقة القرن" كانت قد نفذت دون أية أثمان وبتوافق بين فريقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على (حسم تدريجي لكافة قضايا الحل النهائي من طرف واحد ولصالح الاحتلال).

وذكرت الوكالة أن تلك القضايا، بما في ذلك مسائل القدس واللاجئين الفلسطينيين والاستيطان والاحتلال، تم إخراجها من إطار التفاوض وإسقاطها عنوة، متهمة البيت الأبيض بالإدلاء بتصريحات وطرح مواقف "من شأنها أن تؤسس لقانون جديد قائم بالأساس على التفوق الأمريكي والحصانة الإسرائيلية من أية مساءلة".

وشددت الخارجية الفلسطينية على أن إدارة ترامب تخضع لتطلعات نتنياهو الذي ليس معنيا بإطار سياسي لـ"صفقة القرن" ولا ينوي تقديم أي تنازلات بموجبها، معتبرة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تمكن مرة أخرى من فرض رؤيته وإقناع البيت الأبيض بتأجيل الشق السياسي من خطة السلام الجديدة والحديث عن السلام الاقتصادي، في "محاولة لإغواء الفلسطينيين والعرب باستثمارات عديدة لنكتشف لاحقا أنها أموال عربية أصلا".

وجددت الخارجية الفلسطينية تأكيدها أنه "لا سلام اقتصاديا دون سلام سياسي مبني على أسس المرجعيات الدولية المعتمدة"، مضيفة: "كل أموال الدنيا لن تجد منا شخصا يقبل التنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين وعاصمتنا القدس الشرقية المحتلة". وحسب المحلل السياسي، طلال عوكل، في حديث مع “القدس العربي( أن المشاركة العربية في ورشة المنامة لن تعطي الإدارة الأمريكية الغطاء الكامل للمضي بفرض صفقة القرن فحسب؛ لكنها تعطي مؤشرا واضحا على ان العرب مستعدون للانخراط في المشروع الأمريكي الإسرائيلي).

ويعتقد طلال عوكل أن هذا الغطاء سيبقى مجزوءا طالما بقي الموقف الفلسطيني رافضا للصفقة باعتبار ان جوهرها يقوم على “تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والإطار الخارجي لها يقوم على الأطراف الإقليمية العربية”.

في حين لا تخلو اللهجة الأمريكية من التهديد بشأن المقاطعة أو المشاركة بورشة المنامة فحسب تصريحات المبعوث ألأممي غرينبلات ( إن السلطة الفلسطينية تحول “بشكل مخز” دون مستقبل أفضل للفلسطينيين)، محاولا (نفى أن واشنطن تعطي الأولوية للشق الاقتصادي على المشكلات السياسية). ووصف في بيان خطة فريقه الاقتصادية بأنها “رؤية طموحة”.

وأضاف غرينبلات خلال جلسة لمجلس الأمن خصصت لمناقشة الوضع الفلسطيني خلال مايس الماضي (إن الفلسطينيين سيخسرون كثيرا إذا لم يشاركوا في مؤتمر البحرين الشهر المقبل).

هذه الورشة الاقتصادية الموعودة تشكل المدخل لتقديم الاقتصاد في صفقة القرن على حساب الفلسطينيين وحقوقهم السياسية، رغم أن فصول من صفقة القرن التنفيذية، قد طبقت على الأرض، من خلال قراري الرئيس ترامب بضم القدس للكيان الصهيوني وضم المستوطنات وإلغاء حق العودة من خلال تجفيف الدعم المالي عن منظمات الإغاثة مثل "الأونروا" ومحاولة إحالتها للتقاعد؛ إن لم تسعى الى تصفيتها وإلحاقها بالمشروع القادم، إلى جانب فرض السيادة على منطقة الأغوار الفلسطينية، فهناك محاولات أمريكية بالإعلان عن ضم مناطق (ج) في الضفة الغربية لإسرائيل.

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية وعربية مرارا عن مخطط أمريكي لـ "تصفية" وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) خلال ورشة العمل الاقتصادية التي تعقدها الإدارة الأمريكية في البحرين يومي 25 و26 يونيو/ حزيران للإعلان عن أولى ملامح "صفقة القرن".نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، عن مصدر مقرب من البيت الأبيض أن واشنطن ستوصي بإنهاء عمل الأونروا خلال مؤتمر البحرين باعتبارها "أحد أسباب استمرار الصراع".

سبق أن ركزت صحيفة "القدس العربي" على موعد مؤتمر البحرين كونه يتعارض مع موعد مؤتمر دعت إليه الأمم المتحدة الدول المانحة للاجئين الفلسطينيين بمقرها في نيويورك نهاية يونيو/حزيران المقبل لحشد التمويل للمنظمة وتعويض عجز موازنتها. وقال مسئول كبير في الأونروا، لم تكشف الصحيفة عن اسمه، إن إقامة ورشة البحرين في نفس موعد مؤتمر مقرر للمانحين "عمل مدبر يحمل دلالات خطيرة".

وفي 22 مايو الماضي، طالب مبعوث الولايات المتحدة للشرق الأوسط جيسون غرينبلات بضرورة تفكيك الأونروا خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في أحدث هجوم أمريكي على الوكالة التي بدأت عملياتها عام 1950.
واقترح غرينبلات نقل خدمات الأونروا إلى الحكومات المضيفة أو إلى منظمات غير حكومية دولية أو محلية أخرى حسب الضرورة. لكن المفوض العام للأونروا بيير كراهينبول رفض ذلك مشدداً على أن "تفويض الأونروا أمر يرجع للجمعية العامة للأمم المتحدة بأسرها، وليس إلى دولة واحدة أو دولتين".

وكشفت "القدس العربي"، نقلاً عن المسئول بالوكالة، عن حدوث "تلاسن" بين غرينبلات وكراهينبول خلال الجلسة، إذ قال الأول "لقد انتهى دوركم"، وهذا ما يؤكد وجود مخطط أمريكي لتصفية الوكالة.
في الأثناء، قالت الأونروا، الاثنين، إن أكثر من مليون فلسطيني في غزة، يعتمدون كلياً على توزيع المواد الغذائية، موضحةً أنهم بحاجة لتوفير الغذاء كل ثلاثة أشهر. وكانت الوكالة أكدت، الاثنين 13 مايو2019، حاجتها إلى 60 مليون دولار لتوفير الغذاء لمليون لاجئ فلسطيني خلال يونيو/حزيران المقبل.

وأوقفت واشنطن تمويلها السنوي للأونروا (قرابة 370 مليون دولار) في أغسطس/آب الماضي. ويرى القادة الفلسطينيون أن هدفها "تركيع" الفلسطينيين والضغط عليهم للقبول بصفقة القرن التي يصفها الفلسطينيون بالمتحيزة للدولة العبرية.

ورغم أن بعض الدول العربية سعت لسد العجز الذي سببه وقف الدعم الأمريكي للوكالة، لكن لم يتضح استمرار هذا الدعم بشكل سنوي أم لا. والمعروف أن الأونروا تقدم المساعدة والحماية لقرابة خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتدير 19 مخيماً للاجئين في الضفة وحدها، يقطنها أكثر من 828 ألفاً ما عدا أكثر من مليونين في المدن وأريافها.

ان التلويح بعقد صفقة القرن اصطلاحا ومفهوما، وكما يخططها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمستقبل المنطقة وقضية الصراع العربي الفلسطيني بات ينتقل من حالة التكتم إلى العلنية، وكما تكشفها تسريبات بعض من بنود تلك الصفقة إلى الإعلام خلال الفترة الأخيرة.

ولعل في تصريحات القيادي الفلسطيني محمد دحلان بداية شهر رمضان الماضي: (، أن صفقة القرن الأمريكية صارت قيد التطبيق، والجميع يدعي أنه يريد إسقاطها.) وأضاف دحلان ، ( أن الصفقة أخطر ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، فهي ستغير معالم المنطقة، كما تغيرت في الحرب العالمية الثانية).

ودعا (من يمتلك المصداقية لمواجهة الصفقة، للموافقة على حكومة وحدة وطنية انتقالية، ثم يعيد الأمانة لأهلها عبر الانتخابات).

ويسود قلق كبير على الجانب الرسمي لإدارة السلطة الفلسطينية في رام الله وكذلك قيادة منظمة التحرير وسط حالة الانقسام الفلسطيني وضعفه ن ما بين إدارة الحكم الذاتي وسلطة حكومة رام الله وانفصال واضح لمنظمة حماس في ادارة قطاع غزة، وبغياب الدعم العربي الواضح للسلطة الفلسطينية تكتفي القيادة الفلسطينية عبر ما تبقى من هيئات منظمة التحرير الفلسطينية بالبيانات السياسية بالتعبير عن مواقفها، وكما أكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، في الخامس من ماي 2019 خلال ندوة سياسية عقدتها جامعة القدس: ( أن الرد على ما يسمى "صفقة القرن" يكون بالتمسك بالقانون الدولي والشرعية الدولية، مشددا على أن فلسطين لم ولن تخول أحدا للتفاوض عنها، وأن منظمة التحرير هى الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطينى).

ان ملامح مشروع صفقة القرن يحاول تجاوز وإلغاء ما قبله من مشاريع وخاصة خلال المرحلة السياسية الحالية حيث ( لا يوجد شريك إسرائيلي ولا أمريكي لعملية السلام) ، وهكذا يعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبدعم من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إلغاء حل الدولتين واستبداله بنظام الفصل العنصري، ويقوم على أساس إنكار الوجود الفلسطينى كشعب له حقوق وطنية أولها حق تقرير المصير، وهو بالضبط ما يعبر عنه "قانون القومية العنصري" الذي يستند تنفيذه على قاعدة إنكار وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه.

ولم يخف صائب عريقات من ( أن لقاءات عدة قد عقدت مع إدارة ترامب، أربعة منها على المستوى الرئاسي، تم خلالها تقديم الفرصة لهذه الإدارة للمحافظة على حل الدولتين، والتوصل إلى اتفاق وفق القانون الدولي يقود إلى إنهاء الاحتلال، وحل كافة القضايا الجوهرية، وتجسيد الاستقلال بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية)، وحسب عريقات : (إلا أن إدارة ترامب أفشلت هذه المساعي بقراراتها لصالح إسرائيل، وأولها قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ظنا منها أن العالم سيقبل أملاءاتها، حيث يتعامل الرئيس ترامب بمنطق الصفقات ويعتقد أن بإمكانه المقايضة على حقوق وثوابت شعبنا الفلسطيني، مستخدما ما يتمتع به من نفوذ وقوة).

تفرض الإدارة الأمريكية شروط مشروع ترامب عبر الإملاءات الأمريكية؛ ووفقا لقواعد جديدة تقوم على أساس ما تم فرضه من وقائع احتلالية سابقة على الأرض، متأثرة بما يمليه الجانب الإسرائيلي. وتمهيدا لإلغاء مشروع حل الدولتين الذي وافقت عليه القمم العربية السابقة، واعترفت به المملكة السعودية بدأ العد التصاعدي لإملاء "صفقة القرن" التي مهد لها، ونفذ منها ترامب بخطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإلغاء قضية اللاجئين، وضم المستوطنات، وفصل الضفة عن غزة.

ان بعض التسريبات حول صفقة القرن، سواء كانت موضوعة للتنفيذ او تطرح كبالونات اختبار لكل من يعنيهم المشروع تحدّثت مثلا: عن ( " تبادل أراضٍ" ، حيث يكون للفلسطينيين قطاع غزّة فقط "مشروع غزّة أولاً" ، تضاف لها بعض الأراضي من صحراء سيناء والأردن، على أن تقوم السعودية بتعويض تلك الأراضي للدولتين العربيتين، بالإضافة إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم..).

وهكذا فان المخطط الأهم في تلك الخطوات هو ما تريده دولة النظام الصهيوني على أراضي دولة فلسطين التاريخية المحتلة والمجزأة حاليا، وفي ما يتعلق خاصة بمشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، وهم منتشرون في غالبية البلدان العربية التي تستضيفهم كنازحين ومهاجرين منذ 1948 وما تلاها من حروب عربية - اسرائيلية ، اضطرت فلسطينيين آخرين الى النزوح الى الاردن ولبنان وسوريا والعراق ومصر .

وبمتابعة تصريحات نتنياهو الأخيرة قبل الانتخابات الإسرائيلية نجد فيها الأهم من ما سرب إلى الإعلام تكشف تلك التصريحات عن جزءٍ هامٍ من ملامح تلك "الصفقة"، والتي اعتبر فيها نتانياهو ( أنه لن يقبل بتفكيك المستوطنات؛ بل سيزيدها، وأن القدس بأكملها ستكون عاصمة "إسرائيل"، وأنه سيضمّ الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، وسيطلب من الرئيس الأميركي ترامب الاعتراف بتلك السيادة).

ومن تصعيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة وإقراره رسميا بنقل السفارة الأميركية إلى القدس في [6 ديسمبر 2017 ] وبعدها تم الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، يمكن التكهّن بأن ترامب سيقوم بالاعتراف بضمّ الضفة الغربية إلى "إسرائيل"، مستغلا نجاح الضغوط الأمريكية على الأنظمة العربية وإجبارها على قبول التطبيع مع إسرائيل لاسترضاء الإدارة الأمريكية التي تحتاج إلى دعم اللوبي اليهودي الصهيوني في أمريكا بالإضافة إلى أصوات الكتلة الإنجيلية والحاجة إليها في انتخابات الكونغرس النصفية التي ستجرى عام 2020.

وقد يبدو للبعض أن صفقة القرن ومخططاتها تتمحور حول حل القضية الفلسطينية النهائي برؤية ترامبية جديدة فقط؛ ولكن ما يترشح عنها يفضح ان تلك المخططات ستتجاوز جميع القضايا المعلقة في الشرق الأوسط الكبير، وهي تشمل جوانب اقتصادية وسياسية وأمنية، كما أشار إلى ذلك أخيرا عدد من المسئولين الأمريكيين.

ويعترف جيسون جرينبلات المبعوث الأمريكي الخاص بشأن الشرق الأوسط عبر شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأمريكية في 12 أيار/ مايس الحالي ( " إن القول بأن صفقة القرن هي خطة اقتصادية فقط هو قول يجافى الصواب ، فهي خطة اقتصادية وسياسية أيضا، وهناك شوط طويل يتعين على الأطراف المعنية قطعه قبيل التوقيع النهائي على صفقة القرن. وإن مسألة التفاوض متروكة للأطراف المعنيين أنفسهم)، مشيرا في 8 ماي الماضي إلى: ( أن صفقة القرن لن تعلن إلا بعد انتهاء شهر رمضان وتشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل والاحتفال بعيد "شافوعوت" اليهودي في العاشر من شهر يونيو المقبل).

تابع جيسون جرينبلات تصريحاته مشيرا الى : ( أن هناك شيئا واحدا، لن تقدم الولايات المتحدة عليه، وهو المساومة على أمن إسرائيل). وفي العبارة الأخيرة لجيسون جرينبلات تكمن كثيرا من التفاصيل التي بدأ الإعلام الغربي والصهيوني يثيرها، كبالونات اختبار، للكشف المبكر لتقدير مدى استعداد البلدان العربية التي ستشملها "صفقة القرن" لقبول التنفيذ لما هو مطلوب منها، وفي مقدمتها إعادة توزيع واستيطان النازحين الفلسطينيين، حيث يجري الحديث عنها في السر والعلن كجزء أساسي ضمن مفردات الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، التي ستتضمن اتفاقيات وتعديلات حدود وإعادة توزيع السكان في الإقليم، تشمل هجرات منظمة واستيطان نحو حدود سيناء المصرية وشرق الأردن، وصولا إلى العراق وبلدان عربية أخرى.

ولا يخفى على المراقبين أن الجهود الأمريكية تسعى حثيثة نحو إضعاف صمود الشعب الفلسطينى بكل الوسائل المتاحة لدى الإدارات الأمريكية، تجلت في قطع المساعدات الاقتصادية عن السلطة الفلسطينية، ومحاولة إلغاء "الأونروا"، ووقف المساعدات حتى عن المستشفيات في القدس، وقد تم إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وكذلك تم إغلاق القنصلية الأمريكية في القدس، كدليل على إنكارها للوجود الفلسطينى كشعب. وكل تلك الاجرءات وكما تعتقد الإدارة الأمريكية ( أن من شأنها إضعاف ثبات الموقف الفلسطينى). ويجري تكريس الانقسام الفلسطيني في غزة ، كي يتعزز مخطط الاحتلال بفصل القطاع الذى يهدف من خلاله إلى قتل إمكانية قيام دولة فلسطينية مترابطة الأجزاء عبر الأراضي المحتلة، وكذلك للتخلص من الثقل الديموغرافي المتمثل بوجود مليوني فلسطيني كشرط لتنفيذ قانون القومية العنصري.

وأمام هذا الواقع الفلسطيني والعربي تطرح " صفقة القرن" ، أو ما يسمى " الاتفاق النهائي" ، هو مقترح وضعه الرئيس الأمريكي دونالد ترمپ لإنهاء ما اسماه [ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني] وأساس الفكرة والمشروع، كصفقة ترامبية، ( توطين الفلسطينيين في وطن بديل، خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنهاء حق اللجوء للاجئين الفلسطينيين في خارج فلسطين).

وفي خضم الاستعدادات لفرض المخططات تجد ان مفهوم الصفقة يعبر عن نفسه، من خلال تجنيد الأموال الطائلة واستثمارها في المشروع عبر مراحله المتتالية، ما يستدعي اشتراك أطراف عربية ودولية، كرها وطواعية، للتنفيذ والتمويل وحتى تقديم الأرض والمنافذ والموانئ والممرات.

وما تسرب عن الخطة ما يوحي ببعض التفاصيل منها:

- 1 إقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزة والمناطق ( أ، ب ) وأجزاء من المنطقة (ج) في الضفة الغربية.
- 2 توفر الدول المانحة 10 مليارات دولار لإقامة الدولة وبنيتها التحتية، بما في ذلك مطار وميناء بحري في غزة والإسكان والزراعة والمناطق الصناعية والمدن الجديدة.
- 3 وضع القدس وقضية عودة اللاجئين سيؤجلان لمفاوضات لاحقة.
- 4 مفاوضات حول محادثات سلام إقليمية بين إسرائيل والدول العربية،.
انتهى القسم الاول ويليه القسم الثاني بعنوان : وما خفي عن صفقة القرن سيكون أعظم ؟





الاحد ١٣ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / حـزيران / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة