شبكة ذي قار
عـاجـل










يزخر تاريخنا العربي المعاصر بصفحات كثيرة مشرقة ومشرفة . فعلى الرغم من ان هناك احداثا وملاحم جرت في بقاع معينة من الوطن العربي ، الا ان اشعائها امتد ليضيء لنا الطريق على امتداد الوطن الكبير ، اما لانها شكلت دفاعاً قوياً عن وجود ومصالح ومستقبل الامة ، او لتأثير نتائجها الحاسمة وانعكاساتها التي أدت الى حماية المصلحة القومية وتعميق التلاحم العربي. فصارت تلك الاحداث معالم شامخة في تاريخنا العربي المعاصر ينبغي ان نتمثلها الان ونستلهم منها الدروس والقيم ، ونتزود من تفصيلات مجرياتها بشحنات من العزم تجدد فينا روح الاقدام في معاركنا الراهنة ضد اعداء الامة من قوى الشر والعدوان التي تستهدف وجود الامة وكينونتها وهويتها في الصميم في فلسطين وسوريا والعراق واليمن والخليج العربي وليبيا ، كما وتجدد فينا الثقة والصبر والمطاولة في سعينا لحماية مصالح الامة وخياراتها ودورها الرسالي الانساني ..

يسلط برنامج " ايام مشرقة في التاريخ العربي المعاصر" الضوء على هذه الاحداث ، ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في التلاحم النضالي بين ابناء العروبة في عموم وطنهم الكبير ، من هذه الايام المشرقة هي :

تحرير جنين انتصارالرجال الاوفياء لأُمتهم


بعد انسحاب الاستعمار البريطاني من فلسطين العربية المحتلة وانهاء انتدابه ، ترك خلفه فراغاً مقصوداً لتتمكن المجامع الصهيونية من الزحف لاحتلال الأرضي الفلسطينية عبر حرب قذرة استمرت اكثر من عام ، مستغلة اصدار الأمم المتحدة لقرار تقسيم دولة فلسطين العربية الى دولتين عربية ويهودية . وفور مغادرة القوات البريطانية فلسطين في الخامس عشر من أيار/ 1948، بدأ اليهود يستعدون للاستيلاء على المدن والقرى الفلسطينية. فأخذ أبناء فلسطين يشترون السلاح من الأردن وسورية ومصر والعراق للدفاع عن أنفسهم وعن وطنهم . في تلك الفترة قام عبد القادر الحسيني بزيارة لمدينة جنين، وتم عقد اجتماعات في المدينة وقراها لترتيب أمر الدفاع عنها. وعلى أثرها تطوع عدد كبير للجهاد بقيادة المناضل فوزي جرار، تحت رعاية الهيئة العربية العليا، وقيادة عبد القادر الحسيني. وقام عدد من أبناء قرى جنين ومنهم : نجيب الأحمد من رمانة، ومصطفى الأسمر من أم الفحم، وعبد الرحمن عبد الحميد من اليامون، وعبد الغني سنان من جنين بتشكيل فصائل ومجموعات من المناضلين للمشاركة في الدفاع عن المنطقة ريثما تدخل الجيوش العربية إلى فلسطين. وقبل بدء انسحاب القوات البريطانية، بدأت العصابات الصهيونية تستولي على طرق المواصلات، وتغير على المدن والقرى وتستولي عليها وتشرد أهلها. ولما كانت مدينة جنين تتميز بموقع استراتيجي هام، على الطريق الداخلي الوحيد الذي يربط شمال فلسطين بجنوبها، وهي مركز تجمع لطرق المواصلات القادمة من نابلس وبيسان والناصرة وحيفا، لذا فقد بدأ الصهاينة منذ السادس عشر من أيار بالاستعداد للزحف على جنين، وأخذت طائراتهم تشن غاراتها يومياً، وقاموا بمهاجمة القرى الواقعة شمالها فاحتلوها.

شاركت الدول العربية التي كانت في جلها ممالك مرتهنة الإرادة بسبب خضوعها الى الهيمنة الاستعمارية المباشرة وغير المباشرة لبريطانية التي هي نفسها من تقود وتوجه العصابات الصهيونية الغازية وهي نفسها من أعطى وعد بلفور المشؤوم الذي منح الصهاينة الحق في إقامة دولة على ارض فلسطين العربية. فكان ان شاركت الأقطار العربية وهي مصر والأردن والعراق وسوريا ولبنان والسعودية بجيوش تكاد تكون رمزية هدفها المعلن هو الدفاع عن الشعب الفلسطيني الأعزل . فلم تتعد القوات العربية النظامية التي تقدَّمَت على المحاور الرئيسة الخمس ما مجموعه - “فرقَتَين”، أي بحدود (20,000-25,000) جندي !!! ولسوف يتقابلون مع ما لا يقلّ عن (100,000) فيما المُفتَرَض أن يكون معدّل المهاجِمين إلى المدافِعين بنسبة (3) الى (1). مما يشير إلى عدم التكافؤ العددي المقصود اصلاً والمخطط له عمداً من قبل بريطانيا . ولذلك إختلّ التوازن سِراعاً بتقادم الأيام حتى غَدَت “المبادأة” بيد الصهاينة فباتوا في موقف التعرّض بكل الجبهات وأمسَى العرب بحالة دفاع .

في مثل هذه الظروف وتحت ضغط الشعب العربي في العراق قررت الحكومة العراقية آنذاك المشاركة في الدفاع عن فلسطين فتحرك الجيش العراقي بتاريخ 23نيسان 1948 وبعد أسبوعين من حركته عبر نهرالأردن باشر بالهجوم على المواقع الصهيونية حال وصوله. وكانت القوات العراقية بقيادة نور الدين محمود، وأنيطت باللواء الذي يقوده المقدم (عمر علي ) الدفاع عن المثلث العربي الفلسطيني المتكون من (جنين - نابلس - طولكرم(.

في تلك الفترة شن الصهاينة هجوماً واسعاً على مدينة " جنين" احدى اهم المدن الفلسطينية ذات الموقع الاستراتيجي الحيوي ، واحتلوها ودار قتال عنيف في شوارعها بعد أن أحكموا الحصار عليها وقطعوا الاتصال بينها وبين مدينة نابلس. فقد بدأ الصهاينة في يوم 31 /أيار /1948 قصف مدينة جنين بمدافع الهاون والطيران وتركز الهجوم على مدينة القلعة ، وكان الهدف من الهجوم هو تحقيق اهداف استراتيجية واهداف عسكرية ، منها التمكن من عزل القوات العراقية ودفعها للانسحاب الى الخلف او الاستسلام مما سيعزز الوضع العسكري للصهاينة في قضائي بيسان المحتلة من قبلهم، وكان الهدف الاخر هو منع هجوم القوات العراقية المحتمل على منطقة مرج ابن عامر الاستراتيجية والذي كان من شأنه عزل الصهاينة في بيسان وطبريا .

فبعد ان احتلت وحدة (كرميلي) بقيادة مردخاي مكليف خليج حيفا ، كان هناك الكتيبتين 21 و 22 والكتيبتين 14 و15 من لواء (غولاني) يسندهما قصف جوي صهيوني استهدف (ام الفحم) . اغارت ثلاث طائرات معادية على جنين وانطلقت الكتيبة الصهيونية 13 لاحتلال أهدافها المحددة. كان عدد القوات الصهيونية المهاجمة (4000) عنصر وبالمقابل كانت القوات العربية المدافعة عن جنين قوامها (250) جندي مشاة موزعة على سريتين الأولى بقيادة الضابط العراقي عبد الله الحلبي من مدينة الموصل والضابط محسن الاعظمي . وكان يتجحفل مع القوات العراقية فصيل فلسطيني مؤلف من (50) جندي يقودهم داود الحوراني وفصيل اخر يقوده عبد الرحمن الصحن فاستبسل الجميع دفاعاً عن المدينة .

و بعد قتال شرس ومرير وتفوق صهيوني بالعدة والعدد ، تمت سيطرة الصهاينة على التلال المحيطة بالمدينة واقتحام البعض من اجزائها وحاصروا " السرايا " – مركز البوليس الواقع على طريق حيفا حصاراً محكماً لوجود مناضلين ومقاتلين من البوليس الفلسطيني فيه ، وبدأوا بقصفه بمدافع الهاون. وقد دبت الفوضى في المدينة التي كانت بحكم الساقطة عسكريا في أيدي اليهود. الامر الذي حدى بالقائد العراقي عبد الله الحلبي الذي تحصن في قلعة قوات الشرطة الفلسطينية آنذاك الى طلب النجدة والمدد من القوات العراقية القريبة منه بعد ان اوشكت الذخيرة على النفاذ .

كان اللواء العراقي بقيادة المقدم الركن (عمر علي) يتحرك من مدينة نابلس إلى غرب فلسطين إلى مدينة طولكرم ومن ثم يتمركز في مدينة قلقيلة وكفر قاسم شرقي مدينة تل أبيب. وعند مفرق دير شرف التقط المقدم الركن (عمر علي) استغاثة المحاصَرين لاسلكياً وهم يطلبون النجدة. فما كان منه إلا ان حوّل اتجاه اللواء إلى جهة الشمال نحو جنين بدل ان يتجه غرباً نحو طولكرم بدون الرجوع للقيادة العراقية . فجنين تعد أهم استراتيجياً من طولكرم لأنها أكبر بكثير منها حيث كان يعيش فيها حوالي 35000 فلسطيني بالمقارنة مع 9000 تسكن في مدينة طولكرم . لذا فقد اندفعت قوات هذا اللواء إلى جنين لتدخل المعركة على الرغم من انها لم تجهز بخريطة عسكرية تعبوية للمنطقة، فاتخذت لها نقطة عسكرية في سهل قباطية في منطقة بئر جنزور.

تحركت القوات العراقية بقيادة المقدم (عمر علي) مع المقدم ميخائيل شليمو (امر الفوج الاخر) الذي كان يتعرض لحرب نفسية قذرة شنها عليه الصهاينة داعينه لترك العرب المسلمين باعتباره مسيحي اشوري ، فلم يأبه بهم واستمر في استبساله دفاعاً عن عروبة فلسطين حتى اللحظة الاخيرة من القتال ضارباً اروع صور التلاحم الوطني والقومي دفاعاً عن الارض والعرض.

حاول الصهاينة إيقاف القوة القادمة لفك الحصار عن جنين وتحريرها مستخدمين الطيران للقصف من مدينة دير شرف الى جنين لكنهم لم يفلحو لان القوات العراقية كانت تتحرك ليلا ، وبعد معركة شرسة بالسلاح الابيض قادتها سرية عراقية بقيادة ملازم اول ادريس عبد اللطيف تمكن ابناء الجيش العراقي من السيطرة على سفوح برقين وتل الخروب الاستراتيجية.

وقُبَيلَ فجر (3/حزيران) وقف اللواء الركن عمر علي منادياً بأعلى صوته ، فهرع الضباط الأقدمون والجنود نحوه ليستوعبوا الموقف، فيما أوقف المُؤذِّن “كريم قوريات” إلى جانبه لينادي سبع مرات:

الله أكبر… الله أكبر… حيّ على الجهاد… حيِّ على الجهاد

وفي غضون نصف ساعة كانت سرايا البندقيات الثلاث مع الهاونات والرشاشات المُلحَقة بها جاهزة للحركة. رُفِعَ علم الفوج فوق رأس الامر عمر علي وأمسك حَربَةَ إحدى البنادق بيده اليمنى صارِخاً:

" يا رجال العراق… با أبطال فوجنا العالي… يا من قهرتم الجبال… هذا يومكم..، وأنا في مقدمتكم… فإذا رأيتموني متردِّداً فلا تتقدموا شبراً… وإن تلمّستموني خائفاً فإقتلوني… أطلبوا الموت توهَب لكم الحياة… واذا ما صُرِع أحدُنا ففي جنّة الخلود، وإن لم يُصِبهُ شيء فرأسه مرفوع… لا يجبن أحدكم فَيُخزى… فلنتوكّل على الله -سبحانه- وننقذ رجال الفوج الآلي المُحاصًر فلا نَدَعهم أذِلاّء مُهانين تحت أيدي اليهود…. الله أكبر… الله أكبر" .

وكرر الخطاب باللغتين الكردية والتركمانية ليفهمه جميع الجنود والمقاتلين… فردّد الجميع خلفه : ((الله أكبر… الله أكبر))… وتراكضوا مندفعين كالاسود متقدمين نحو جنين..

وفي لحظة المباشرة بالمسير جرى توديع قرية " دير شرف " مع إشراقة شمس (3/حزيران) مُحَمَّلين بسيارات نقل نحو " عَرّابة- قَباطية " في طريقهم إلى " جنين"، سائرين ببطئ على الطريق العام حذِرين ومترقّبين لئلاّ يقعوا في كمين.

وما ان حلت الساعة الثامنة من صباح يوم 3 / حزيران/ 1948 حتى بدأ الاشتباك . فبعد ساعة ونصف من المسير الحذِر اقتربت القوة من بلدة "قَباطية" فعالَجَتها السرية الأمامية من دون خسائر وسيطرت على التلال المُطلة على الطريق، في حين إلتحق بهم (15) مسلّحاً فلسطينياً فاخبروهم بإحتلال الصهاينة لكامل مدينة “جنين” وجنوبها، فأمر القائد ( عمر علي ) الجميع بالترجل والإنفتاح قبل أن تنهمر عليهم عشرات القنابر . وفيما أسرعت السرية الأمامية بتسلّق الهضاب بين " بَرقين" و" جنين" ، تم اتخاذ أعلاها مرصداً يُشرف على عموم المنطقة وبالأخص " قلعة جنين" العملاقة ومحيطها وحتى المدينة بهدف الأستطلاع الآني ووضع خطة سريعة للهجوم، وتم فتح مقر خلفي ومنطقة إدارية خلف التلال لادامة زخم المعركة بدفع الأعتدة إلى السرايا عند الحاجة واستقبال الجرحى والمُصابين.

وبسبب خلل مفاجئ في الاسناد المدفعي فقد حرمت تلك القوة من ذلك الاسناد الا ان الوقت كان ثميناً جداً ، فبلوغ "قلعة جنين" والسرعة في إستردادها كان على قدر كبير من الاهمية والخطورة . لذا قررت القوة تجاوز غياب الإسناد المدفعي - رغم دوره البالغ الاهمية – واكتفت بما لديها من الهاونات (3عقدة) ورشاشات " فيكرس" معتمدةً على الحركة السريعة والإسناد المتبادَل كسباً للوقت الذي كان ينقضي سِراعاً، وقد استفادت القوة من المدافع المضادة للجو الملحَقة بإمرتها في تدمير البعض من مواقع العدو الحصينة.
و إقترَبَت السرايا الثلاث نحو العدو المُحاصِر لـلقلعة طوال الظهيرة بإندفاعات شجاعة تُسنِدهم الهاونات والرشاشات ، ورغم النيران الهائلة التي صبّها الصهاينة على رؤوسهم من اجل شن هجوماً مقابلاً فورياً، فقد تم ارغام الصهاينة على التراجع مهزومين وتاركين خلفهم عدداً كبيراً من قتلاهم وأسلحتهم… وكان ذلك للمرة الأولى منذ إندلاع الحرب.

وما ان حل العصر حتى وصل إلى قاطع جنين جحفل الفوج/2- اللواء الجبلي/4 بقيادة “المقدم يونس شليمون” – قادماً من “الأردن” لتوّه من دون إستراحة. فتم دفع إحدى سراياه إلى “خانق جنين” لتستُرَ الجناح الأيمن وأخرى بإتجاه هضاب “بَرقين” لتحمي الجناح الأيسر. في تلك الساعة طلب آمر جحفل اللواء/4 “العقيد الركن صالح زكي توفيق” حضور القائد عمر علي الى ”المقر الخلفي للقيادة ” لأُطلِعاعه على الموقف، فاعتذر عن مغادرة موقعه القتالي قائلاً :

(أنا الآن يا سيدي أقود معركة بكل فوجي، فلن أترك قيادته أمام أنظار جنودي كي ألتقيكَ، فإذا رغبتَ فتكرّم بالحضور إلى مرصدي لتشاهد تفاصيل مجريات الأمور، فـ " الآمرون في الأمام " في كل صفحات القتال عدا الإنسحاب، وإذا لم ترغب فإبعث أحد ضباط الركن لينقل لك الموقف). وهكذا بقي قائد القوات عمر علي في مكانه مع ضباطه وجنوده طيلة المعركة الباسلة

حاول الصهاينة القيام بهجوم معاكس لكنهم اصطدموا بكثافة النيران بل وتمكنت القوات العراقية والمتطوعين الفلسطينين من شن هجوم اخر يوم 4 / حزيران /1948 حيث تم طرد الصهاينة من كل الاحياء السكنية للمدينة وملاحقة الفلول الهاربة .

إنقضت بعد ذلك الساعات التي سادها صراخ الصهاينة المَرعوبين وصياح المُستنجِدين وهروب المَصدومين منهم ونُواح جرحاهم ومصابيهم وتراجع الخائفين وعويل المجَنَّدات ، وما ان حلّت الساعة السادسة من صبيحة (4/حزيران) حتى فتح باب “قلعة جنين” وسط الإستبشار الذي تعلوه صيحات (اللــــه أكبر…. اللـــه أكبر) من كل حدب وصوب . فاخذ الجنود بجمع ما تركه الأعداء من هاونات ثقيلة ومتوسطة وخفيفة ورشاشات وبنادق وغَدّارات مُهانة وألغاماً متنوعة وخُوَذاً فولاذية وألوفاً من مختلف الأعتدة. وكانت غنائم القوات العراقية في معركة جنين البطولية ،300 بندقية من مختلف الأنواع و10 مدافع و20 رشاش و4 أجهزة لاسلكي . وقدرت خسائر الصهاينة بـ 300 قتيل وجريح ومن القوات العراقية والفلسطينية 100 شهيد ونحو 50 شهيد مدني ما زالت تشهد لهم مقبرة شهداء الجيش العراقي في قرية جنزور الواقعة في –مثلث الشهداء- شمال قباطية احدى قرى جنين .

وعندما تمت الهدنة جاءت الأوامر إلى المقدم الركن عمر علي بتبادل الأسرى والقتلى وكان من بين القتلى الصهاينة ابنة بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني، وأول رئيس له فأرسل من يطلب تسلم جثة ابنته من دون ان يطالب بجثث المئات الذين قتلوا معها في معركة جنين، فاصرالقائد (عمر علي ) على إذلاله فطلب منه ان ياتي بنفسه لتسلم جثة ابنته ، وان ينحني للقائد العراقي، كما فرض على الصهاينة الأنسحاب مسافة 12 كيلو متر عن مدينة جنين، ولقد مكن هذا الأنسحاب الجيش العراقي من الوصول إلى مشارف تل ابيب. فاستجاب بن غوريون لهذين الشرطين صاغرا واستطاع استلام جثة ابنته.

وهكذا تمكنت القوة العربية الصغيرة من الجنود العراقيين و المجاهدين الفلسطينيين وبعد قتال شرس فك الحصار وتحرير مدينة جنين وطرد الصهاينة منها بعد تلك المعركة الحاسمة التي يقر المؤرخون الصهاينة اليوم بانها كانت واحدة من اصعب المعارك وأكثرها مرارة خلال حرب 1948 .

لقد اذهلت نتائج المعركة جميع المحللين والمؤرخين حين استطاع جيش تعداده 822 مقاتل من دحر قوة من عشرة الاف مقاتل من الصهاينة بكامل عتادها وعدتها، فحررالمدينة وطرد المنظمات الصهيونية منها والتي كانت على رأسها منظمة "الهاجانا" الاجرامية.
لقد كانت جنين المدينة الوحيدة التي احتلها الصهاينة ، وطردوا منها بالقوة لتبقى عربية حرة ، الا ان الانتصار العربي المبين في معركة جنين لم ينحصر في ارغام الصهاينة على مغادرة المدينة صاغرين فقد ، بل ترتبت عليها نتائج هامة امتدت إلى ما بعد القتال، وكان من أهمها :

• شجعت قيام العراقيون و الفلسطينيون بهجوم على القوات الصهيونية التي تمركزت في القرى الواقعة شمال جنين بعد انتهاء الهدنة الأولى في 9 تموز/ 1948 ونجاحهم في استرداد سبع قرى منها هي : قفوعة وعرانة وصندلة والجلمة وعربونة ودير غزالة ومقبيلة.

• أن طرد الصهاينة من جنين قد حمى الضفة الغربية من الاحتلال لقرابة العشرين عاما لاحقة

• كان للنصر الكبير في معركة جنين الاثر الكبير في ارتفاع معنويات العرب في مثلث (جنين – نابلس – طولكرم) وانتشر الذعر والخوف في المستعمرات الصهيونية، فقام الكثير من سكانها بمغادرتها والرحيل إلى المدن ينشدون فيها الأمن.

وتخليدا لهذه المعركة الخالدة في التاريخ العربي المعاصر اقام الجيش العراقي وبالتعاون مع بلدية جنين، نصباً تذكارياً وسط المدينة، تذكاراً لشهداء جنين وقراها، وتم الاحتفال بإزاحة الستار عنه حيث ألقى المقدم محمود شيت خطاب قصيدة رائعة لوداع الاهالي فيها . كما أقام الجيش العراقي نصباً تذكارياً آخر لشهداء العراق في المعركة عند مفرق طريق (جنين – قباطية – نابلس).

واليوم تستلهم الاجيال العربية الصاعدة ذلك النصر المبين في تلك الصفحة المشرقة من التاريخ العربي المعاصر لتقاوم الاحتلال الصهيوني وحليفه الاحتلال الايراني في العراق وامتداده الاخطبوطي في الوطن العربي . فالحق منتصر لا محالة مهما بلغت قوة العدو وتفوقه الغاشم ، فالامة العربية باقية تنبض بالحياة حيثما يرفع ابناؤها راية الثورة دفاعاً عن وجودها واستقلالها وحقها في الحياة الحرة الكريمة .

مكتب الثقافة والاعلام القومي
٢ / حـزيران / ٢٠١٩





الاربعاء ٢ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / حـزيران / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة