شبكة ذي قار
عـاجـل










في الأطر العامة، الأخلاقية والمبدئية، الدينية والاجتماعية، يشكل الاعتراف بالخطأ فضيلة، تسمو بمن يمارسها إلى مراتب الحكمة والشجاعة وكرم النفس، ذلك لأن الاعتراف بالخطأ يمكن أن يسد أبواباً للانتقام بسفك الدماء أو بهدر الأموال وفقدان الأمن والطمأنينة، وما يمكن أن تفضي إليه الارتدادات الانعكاسية من تأجيج وتصعيد للعداوات والثأر بين الأفراد والتجمعات البشرية والدول. وعليه فإن اعتراف القيادة الوطنية وقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي بالخطأ الذي وقعت فيه في قرار الدخول للكويت يمكن لأي إنسان سوي وعاقل ومتمدن وحكيم أن يضعه في مساره الأخلاقي والمبدئي. ويمكن حتى لمن لا يريد الإقرار بهذا الخطأ كموقف شخصي أن يتفهمه إن كان نقي السريرة ولا تحركه عوامل وأغراض خاصة غاطسة بالعداء والضغائن.

ومن يطالع الفقرات التي وردت في الخطاب بدقة وبعيد عن الغرضية العدائية لن يجد كلمة إساءة واحدة لشعب العراق، لا معنوية ولا مادية، بل فيه إدانة لقرار القيادة بالدخول للكويت كما لن يجد فيه كلمة اعتذار واحدة لأي شخص ولا لأي جهة كويتية بل أن الخطاب يُذكر الكويت شعباً وحكومةً بالمراجعة التي أقدمت عليها القيادة لموضوع دخول الكويت، وما يتوجب على الكويت أن تقوم به بالمقابل. ومن هاجموا الخطاب فيما خص به موضوع الكويت قد سقطوا في هفوه وغلط مُركب لا وجود له في الخطاب لا ككلمة مباشرة ولا كمعنى.

إن معالجة أي تصرف أو قرار ينتج عنه أضرار جسيمه، كالذي حصل في موضوع الكويت بطريقة حكيمة وموضوعية وعلمية أمر تفرضه مصالح عليا، تخص الوطن والشعب والحزب، ولا علاقة لها بشخص بذاته ولا بأفراد محدودين خاصة في حالة العراق والكويت، ذلك لأن من يعنيهم الإقرار بخطأ القرار إما  قد مضوا إلى حيث الرفيق الأعلى ولم يعد يعنيهم أمر في هذه الدنيا لا من الكويت ولا من غيرها، وأما الذين ما زالوا على قيد الحياة فإن الكويت لا تستطيع أن ترد عنهم الردى الذي عاشوه ومازالوا يعيشون به ويتعايشون معه، والرفيق عزة ابراهيم أولهم وهو لم يطلب لنفسه ولا لأحد أفراد عائلته أو أقاربه عوناً ولا عفواً من الكويت، بل إن خطابه برمته خطاب وطني وقومي ويتحدث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، غير ان الخطاب قد ذهب للمطالبة برفع الأذى والأضرار التي بدأت مع الغزو ولمَّا تزل متواصلة عن حزب البعث العربي الاشتراكي وعن العراق، ومن يدين أو يهاجم هذا التوجه فهو معادي للعراق ومعادي لحزب البعث العربي الاشتراكي . 

من المستفيد من بقاء الأزمة مع الكويت :

بعد مضي ستة عشر عاماً على غزو العراق واحتلاله وحصول ما قد حصل من كوارث ودمار شاركت به الكويت ولا زالت تشارك بكل إمكاناتها الذاتية وبإمكانات مستعارة من دول ومخابرات أخرى غير كويتية، فإن مخاطبة الكويت شعباً وحكومة وباللغة التي استخدمها القائد الأمين عزة ابراهيم هدفها المعلن والواضح والصريح هو كف الأذى عن العراق وشعبه، وضمناً هو إعلان صريح عن دور الكويت الذي في جله غير معلن ويقف خلف أسوار من التعتيم والظلام الدامس والسرية التامة ولم تتبجح به قنوات فضاء ولا تصريحات رسمية  للحكومة الكويتية التي اكتفت بأن تنال فورات حقدها وسيول ثاراتها وثورة غلها حرائق العراق وسيول دماء أبنائه والخراب الشامل والدمار الخرافي الذي ألحقه به الغزو وما تلاه من مناهج سياسية تدميرية. لقد ظلت الكويت تشفي غلها وغليلها بصمت وبأقل ما يمكن من أصوات الشماتة.

إذن، ضمناً كان خطاب أمين عام البعث قد كشف الخط العام للدور الكويتي في تدمير العراق وأكد استمراريته إلى الآن.

كذلك وبناءً على ما أوردناه انفا فإن البعث يعلن ضمناً في خطاب الرفيق الأمين أن العلاقات التي بنتها العملية السياسية الاحتلالية مع الكويت وكل ما قامت به الحكومات المتعاقبة في المنطقة الخضراء لم تجد نفعاً في إيقاف الغل والعدوان الكويتي المعلن منه قليلاً والمخفي منه الكثير الكثير ضد العراق.

إن كل ما قدمته حكومات الاحتلال في ترسيم الحدود والتنازل عن الأرض والمياه والتعويضات المادية الهائلة، لم توقف الدور التخريبي الذي تمارسه حكومة الكويت ضد العراق وشعبه. لذلك فإن استمرار الدور التخريبي التدميري للكويت في العراق لا يخدم غير أعداء العراق والأمة العربية ومنها الكويت بذاتها.

وخطاب أمين عام البعث قد فضح ضمناً هزالة وسخافة العلاقات ( الطيبة ) التي حاول عبيد الاحتلال في العراق انتهاجها تنفيذاً لتوجيهات أسيادهم وغرضها الأخطر والأهم هو تأثيث بيئة مناسبة لتواجد أدوات المشروع الإيراني في الكويت تمهيداً للحظة الانقضاض التي تمهد لها إيران لاحتلال الكويت والبحرين وأجزاء من المنطقة الشرقية في السعودية.

لم يكن القائد عزة إبراهيم فريداً متفرداً في الدعوة إلى مراجعة كويتية لمواقف الانتقام وسياسة العداء التي تمارسها ضد العراق عموماً وضد حزب البعث العربي الاشتراكي خصوصاً. بل إن تاريخ العالم مليئ منذ القدم بمراجعات وتصالح وعبور للاقتتال والحروب البينية والداخلية. والذي يطالع الخطاب بتمعن يدرك دقة اللغة وعمق المواقف النابعة من الكرامة وعزة النفس والشجاعة وكرم الأخلاق. فالقائد كان يخاطب الشعب الكويتي وحكومته بلغة الثائر وليس بلغة التاجر ذلك لأن الخطاب وضع مصلحتين كبريين في ميزان عدله الدقيق:

- مصلحة الكويت والعراق والأمة العربية.

- مصلحة حزب البعث العربي الاشتراكي.

فمصلحة الكويت لا تكمن في إدامة عدائها للبعث، لأن البعث في كل الأحوال وبغض النظر عما قد جرى وكان ابن ظرفه ودواعيه، هو أول من سيقف للدفاع عن الكويت إن تعرضت لعدوان إيراني وهو عدوان يلوح في الأفق وكل الكويتيين يعرفون حيثياته وسريان حريقه تحت أرض الكويت بل وحتى فوق سطحها. والتحالفات الدولية الراهنة ليست فرماناً سماوياً بل هي عرضة للتغيير والتبديل فليس حكماً ثابتاً أن تجد الكويت أميركا وبريطانيا تصطف معها وتحميها لأن العلاقات والتحالفات السياسية عرضة للتبدل الدراماتيكي الديماغوجي:

حزب البعث العربي الاشتراكي وحده في العراق وفي الخليج وفي كل مكان هو من سيدافع عن الكويت، بغض النظر عن سوء العلاقة وبعيداً عن تداعيات الأمس لأن عقيدة البعث الوطنية والقومية ثابتة تجاه الشعب والأرض العربية وليست عرضة لتقلبات السياسة وتناقضاتها. ومن باب التأكيد الضمني هنا وكما أكد الرفيق القائد إن طرد إيران من العراق لن تقوم به أميركا ولا بريطانيا كما يتوهم المتوهمون بل شعب العراق وطلائعه وفي مقدمتها البعث، هو القادر فقط على تحرير العراق من إيران وإزالة أخطاره المحدقة بالخليج خصوصاً وبالمشرق العربي عموماً ودلالات المخاطر شاخصة وصريحة وعلنية.

كان القائد واضحاً في إضاءة المشهد أمام الكويتيين حين أكد لهم وَهْمَ ما يظنون، ما يظنون هُم ومَن يثقون بقوته الغاشمة من دول، بأن البعث باق لا يموت لأنه أمة العرب المصغرة، والأمة لا يمكن أن تفنى ولا تُعدم لأنها محمية بإرادة الله سبحانه. فالاجتثاث والحظر إلى زوال، طال الزمن أو قصر، والبعث سيعود إلى مشهد الحياة العراقية السياسية والاجتماعية بقوة أعظم من قبل رغم أنه لم يغادر أصلاً، حين تعود حياة العراق والعراقيين إلى سابق عهدها الطبيعي قبل الغزو.

إن من يجيد تحليل بل يجيد قراءة هذا الخطاب سيقف إجلالاً لروح القائد البعثية الرسالية الجهادية ولجرأته البعثية وصراحته القومية المعهودة وسيجد معاني عميقة عكس ما تناوله البعض من ضعاف النفوس فهي تتضمن نصحاً مغمساً بالتحذير بل هو تحذير يتجاوز حدود التهديد.

القائد الحقيقي:

الأمين عزة إبراهيم يقود حزب الأمة من العراق، حيث تلاحقه ملايين من جنود جيوش الأعداء وميليشيات إيران ومخابرات أميركا ودول العدوان. لا يعرف وصفاً حقيقياً لما حل بالبعث في العراق بعد الاحتلال بتفاصيله وبانتشار مساحته الإجرامية غير الله سبحانه وعزة إبراهيم ورفاقه في القيادة.

ما جرى من عدوان وجرائم صُممت بحيث يفنى البعث تنظيماً وفكراً وليس لمداعبات كارتونية يتخيلها مرضى الإعلام الرخيص والسياسة الوسخة، غير أن قيادة البعث وعلى رأسها الرفيق الأمين عزة إبراهيم بعد اعتقال القائد الشهيد صدام حسين قد تمكنت من ممارسة الأدوار التي وصفت نظرياً للقائد في أدبيات الثورة والثوار ولِمَ يمتاز به القائد من خواص وقدرات استثنائية. القائد هو الذي ينبع ويعمل مع رفاقه في الظروف العصيبة الاستثنائية فيكون هو النور في الظلام وهو أقباس الاشعاع في نضح المبادرة والخلق والابداع لرفاقه، القائد الجيد هو الذي يصدر قرارات ويضع خطوط عمل ويقترح حلولاً ويعبر حواجزاً ومطبات، لا يستطيعها أحد غيره. ونحن نرى أن رسالة الرفيق القائد الأمين للكويت تقع ضمن توصيفات الاقتدار القيادي الاستثنائي، وليقل أعداء البعث والعراق ما يشاؤون، فالبعث لا يقوده تمثال مصنوع من التمر.





الاربعاء ٤ رمضــان ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أيــار / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة