شبكة ذي قار
عـاجـل










۞ انتهت مرحلة الانقلابات العسكرية .

۞ انتهت مرحلة تأبيد أو توريث السلطة أو تكاد .

۞ معايير الصراع تتغير .. ونبض الشارع هو الأقوى .

۞ وقوى الشعب الوطنية والقومية يجب أن تتوحد على هدف التغيير .

يتساءل البعض ، لماذا لا تنتفض جماعير الشعب في الساحات العربية للتنديد باحتلال العراق وبقرار اجتثاث البعث الذي يُعَدُ روح الأمة ورسالتها ؟ ، ما هي المسببات التي تجعل قوى الأمة العربية لا تأخذ المبادأة وتتصدى لاحتلال العراق ولاجتثاث البعث طالما كان البعث منبرًا حيًا في كل الظروف للنضال القومي العربي على مرور العقود الماضية ؟ .

وأمام هذه التساؤلات ، يتوجب التوقف عندها لفحص معايير العلاقة بين النظم العربية الحاكمة والجماهير بصورة عامة وبين المعايير التي تحكم القوى الوطنية والقومية والإسلامية بصورة خاصة .. ومن هذه الزاوية يتضح الآتي :

1-  إن النظم العربية ومنذ عام 1948 ولحد الآن تراوغ مع الجماهير وتتماشى معها بالقدر الذي تحافظ فيه على ( أمنها القطري ) ، الذي هو أمن نخبها القليلة أو عائلاتها ومصالحها الذاتية ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، إن هذه النظم ليست متجانسة من حيث رؤيتها للأمن القومي العربي ولا موحدة إزاء المصلحة العربية العليا - ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذه النظم العربية نظامًا نظاماً - لأن الجميع يعلم بأن هذه النظم تعني بما ينطبق مع المثل العراقي الشهير ( كلمن يحود النار لكَرصته ).. بمعنى كل نظام يحاول أن يجعل النار المشتعلة بالقرب من رغيفه ولا يهم باقي الأرغفة . وفي هذا أنانية مطلقة لسنا بصددها .

وإن هذه النظم تبني علاقاتها على وفق رؤيتها للحماية الخارجية خاصة النظم الضعيفة التي تعتمد كليًا على القوى الخارجية في أمنها واقتصادها وتجارتها وغذائها ومواردها ومائها ومشاريعها وعمرانها وتتباهى بشامخاتها. فهي بهذا الأسلوب تحول الشعب العربي إلى مستهلك غير منتج وغير مبتكر تشبع معدته وتلسع ظهره بالسياط إن فتح فمه بالإصلاح والديمقراطية الشعبية بقيادة القوى الوطنية والقومية .. هذا الواقع غير المنسجم وغير المتجانس هو سبب الهجمة الشرسة التي ضربت العمق العربي من الشرق المجوسي ومن الغرب الصهيوني ، يجعل أوضاع الأمة في حالة عدم الاستقرار وهش من الداخل لأي هزة داخلية أو خارجية .

2-  حين كانت لجماهير الأمة قدراتها النضالية العالية في الشارع العربي ، يحسب لها وزنها في التأثير ، خاصة في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم .. كانت جماهير الشعب العراقي خاصة بقيادة البعث والقوى الوطنية تجتاح الشوارع لنصرة الثورة الجزائرية ومقاومتها الباسلة ، لم يكن للأحزاب الإسلاموية أي تأثير في زخم قيادة الجماهير ، ولكن مثل هذا التأثير بدأ منذ إشتعال الحرب في أفغانستان وخروج جيوش الاتحاد السوفياتي بتنظيمات القاعدة التي تأسست في العاصمة الأفغانية كابل حيث استقطاب الشباب العربي ، فيما كان احتلال العراق بتحالف استراتيجي مع إيران تم بعد مؤتمر لندن سيئ الصيت والصفقة التي عقدها المجرم باقر الحكيم مع الأمريكان نيابة عن النظام الإيراني .. التيار الإسلاموي الذي ولد في لندن وباركته الصهيونية العالمية ورعته أمريكا ( أخوان المسلمين ) وأحزاب أخرى واجهة له كحزب الدعوة وأحزاب تطلق على نفسها التنمية والبناء والاعمار إلى ما هنالك من تسميات بحسب مواسم نزع جلود الأفاعي السامة ، والتي يباركها ويدعمها نظام الملالي في طهران .. هذا التيار الإسلاموي المسيس الفاشل قد أوصل ( محـمد مرسي ) الأخواني إلى قمة الحكم في أكبر دولة عربية اعتقادًا من أمريكا أن الشعب العربي في مصر سيرضخ لإملاءات القوى الخارجية التي أوصلت مرسي بـ( 50 ) مليون دولار قبضها مرشد الأخوان في القاهرة ، لكن العكس حدث ولم يبق مرسي في الحكم سوى بضعة أشهر حيث لفضه الشعب المصري جملة وتفصيلاً وطارد فلول الإرهاب الأخواني في كل مكان في الدوحة والكويت واسطنبول وعواصم عربية مغاربية .. لماذا حدث الذي حدث ؟ :

3-  لأن ( التجريبية ) الأمريكية التي كان لوقعها تأثير في الضغط على انسحاب السوفيات من أفغانستان وتعهد إيران باجتياح المنطقة من العراق ، بما يحقق لأمريكا مصالحها و( لإسرائيل ) أمنها ، التجريبية الأمريكية الفاضحة - في استراتيجيتها القريبة المدى - فشلت تمامًا في منتصف الطريق أمام يقظة جماهير الأمة العربية ، ولكن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي بلورته الإدارة الأمريكية في خريف عام 2003 وهو ( سياسي – اقتصادي ) ، وذلك بإحكام القبضة العسكرية الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط لتغيير هيكلية المنطقة بما يعرف (Middle East Greater) ، وهو مشروع يمتد من موريتانيا إلى باكستان مروراً بتركيا والسعودية والخليج ، وبطبيعة الحال ، يعد ( شيمون بيريز ) أول من دعا إلى شرق أوسطية موسعة تتكامل دولها في ما بينها عبر تكامل البنى التحتية والاقتصادية التي تخول الكيان الصهيوني قيادتها بديلاً عن ما يعرف بالتنمية والتعامل والتكامل الاقتصادي العربي ، إلا أن الولايات المتحدة رفعت من سقف مشروعها لربط تماسك الأمن القومي الاستراتيجي الأمريكي باستراتيجية ( مكافحة الإرهاب ) ، مما كان له الأثر البالغ في إنحسار أي دور للتكامل الاقتصادي والسياسي العربي مستقبلاً ، على الرغم من أن مثل هذه الخطوات كانت متعثرة بسبب تنوع الرؤى والتدخلات الأجنبية التي تمنع التكامل الاقتصادي العربي الوحدوي ، وهو قرار ظهرت ملامحه بمنع الوحدة بين مصر وسوريا منذ حكم نابليون بونابيرت لمصر ، لأن الصهيونية لا تريد أن يكرس أي رابط استراتيجي بين مصر وسوريا ، على وجه الخصوص بحيث يخنق ( إسرائيل ) !! .

امتدت هذه الاستراتيجية الصهيونية لحماية كيانها في فلسطين المحتلة لتتربع قمة الاستراتيجية الأمريكية حتى الوقت الحاضر ، وإذا رجعنا إلى أولويات الاستراتيجية الأمريكية في برنامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (usaaid) للفترة من 2004- 2009 والخاص بالشرق الأوسط ، لوجدنا أربع محاور أساسية وهي أهداف سياسية واستراتيجية محضة :

أولاً- السلام بين العرب وإسرائيل !! .

ثانيًا- تحقيق الاستقرار والديمقراطية في العراق !! .

ثالثًا- تحقيق الديمقراطية والاقتصاد الليبرالي في العالم الإسلامي !! .

رابعًا- تحقيق الديمقراطية والأمن في أفغانستان !! .

والمعنى في تفسير هذه المحاور وضع اليد على النفط وحماية ( إسرائيل ) .. فكل من العراق والسعودية مثلاً يختزنان أكثر من 60 % من الطاقة ، فيما تتربع ( إسرائيل ) قمة الترابط الاستراتيجي مع الولايات المتحدة تُعاونها إيران .

4-  النظم العربية تحكمها أقليات ( أوليغارشية ) حاكمة بالقوة والاستبداد ، كما أسلفنا ، هما السطو على قرار الشعب في الحرية والديمقراطية الشعبية ، فضلاً عن السطو على موارد الدولة واحتكار الثروة وتبديدها في الاستهلاك وبناء الهياكل الكونكريتية التقليدية الباهرة غير الانتاجية .. ففي العراق ، الأحزاب الإسلاموية التابعة لإيران قد حققت للإمبريالية والصهيونية ما عجزت عن تحقيقه منذ قرن من الزمن .. والأخطر في ذلك هو الأسفين الذي غرزه ( حزب الأخوان المسلمين ) و( حزب الدعوة ) وتابعوهما في قلب المجتمع العربي ، وذلك بمحاولات الفصل أو فك آصرة القومية العربية والإسلام الحنيف ، والإصرار على جعل الدين ( قوة سياسية تدميرية ) ، فيما الأساس أن الدين قوة روحية وأخلاقية مقومة للحياة الدنيا ( فلا دين في السياسة ، ولا سياسة في الدين ، ولا دين يقود الدولة ويحتكر قرارها السياسي ) .. هذا هو الواقع الذي أفرز النهب والسلب والفسق وقتل الأبرياء باسم الدين !! .

من شجع هذا التيار ليدمر القومية العربية ويمزق الهوية الوطنية والقومية ؟ ، هي أمريكا وبدافع صهيوني وبمعونة إيرانية .. وهنا تلتقي ( مصالح ) الأمريكيين والصهاينة والفرس الصفويين لشق وحدة الشعب العربي القومية وشق وحدة المسلمين على وفق المذهبية الزائفة ، وترجيح المذهبية على الدين والقومية ، ومن هنا نرى أن التيار الإسلاموي هو بطبيعته ( أممي ) عابر للقوميات ولا يعترف بالهوية القومية للشعوب كافة ، الأمر الذي يجعل منه أداة لتدمير المجتمع العربي وتمزيق الدين الإسلامي الحنيف بالمذهبية التشيعية الفارسية .

5-  ومن أجل مجابهة هذا التيار المسير إستخباريًا ، فإن ذلك يشترط أن يجمع الأحزاب والقوى السياسية في الوطن العربي منهجاً نضالياً متفق عليه لكي يضع له أولويات نضالية تستند إلى معايير موحدة ، لتتمكن من الوقوف بوجه التحديات والمخاطر والخروقات القائمة والمحتملة التي يتعرض لها الوطن العربي .. وتقديرات هذه القوى يجب أن لا تكون محدودة ، وتتجاوز ( ظاهرة الهجمة الواسعة في العمق العربي ) التي تعرضت لها الأمة العربية وجعلتها حبيسة ساحاتها بفعل القمع السلطوي والحجر الاعلامي والسياسي على واقع الساحة المعنية ، التي تجعلها غير قادرة على التصدي لجبهتين أو لساحتين في آن واحد .

الاستقطابات الجماهيرية .. هل هي استقطابات وطنية خالصة أم عفوية وطنية أم دينية مسيسة يدفع بها حزب الأخوان المسلمين في الساحات العربية ، التي يعتريها عدم الاستقرار وفقدان الأمن مثل السودان والجزائر وليبيا وتونس وسوريا والعراق على وجه الخصوص ؟! .

النزوح الجماهيري إلى الشارع نزوح وطني يتبنى زخمه الشعب العربي ، يجابه حالة ( تداخل الخنادق ) في ضوء ( مصالح ) و( آيديولوجيات ) .. والخطورة هنا تكمن في سياسة خلط الأوراق .. فأين تكمن الإشكالية ؟ .

أولا- الإشكالية في المرجعيات السياسية الأجنبية .

ثانيا- الإشكالية في المرجعيات الدينية .

هاتان الإشكاليتان السياسية والدينية تعدان مصدرًا من مصادر إجهاض التحرك الجماهيري الوطني .. ومصدرًا خطيرًا لسياسة خلط الأوراق .. ومصدراً مهمًا لزعزعة الأمن والاستقرار في الساحات العربية ، مع اختلاف كل ساحة وتميزها عن الساحات العربية الأخرى .

في العراق ، مرجعيات سياسية وإستخباراتية متعددة مع مرجعيات دينية مرتبطة أيديولوجيًا بعواصم أجنبية ومن أخطرها طهران .. وأدوات عملها الأحزاب الإسلاموية الطائفية المسيسة .. فيما يعد ( الأخوان المسلمون ) في ساحات عربية أخرى أحد أخطر الأدوات التدميرية في تلك الساحات ، على الرغم من إنحسارها وتشرذمها بعد سقوط ( محـمد مرسي ) من قمة السلطة في مصر العربية .

ما العمل ؟ إزاء هذا المد الجماهيري وتداخل الخنادق وسياسة خلط الأوراق ؟ :

يبدو أن مسألة الفرز في صيغة تحالفات استراتيجية تعمل على تثوير الشارع وحمايته من الاختراق السلطوي وغيره ، في ضوء تخطيط مرحلي واضح ، هو العمل الاستراتيجي القادر على أي عمل إجهاضي أو خرق متداخل يسعى إلى الانحراف أو إلى حلول وسطية أو مؤقتة أو سطحية .. والخلاصة تكمن في عدم السماح بتداخل الخنادق والعمل على توحيد الجهد النضالي ، مع اليقين بأن معايير الصراع تتنوع فمنها الثابت ومنها المتغير الذي تقتضيه الظروف الموضوعية ، فيما تبقى حسابات حدود الفعل الثوري قائمة تحت رقابة الراصد الوطني .





الجمعة ٢٨ شعبــان ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أيــار / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة