شبكة ذي قار
عـاجـل










ما انفك الإصرار على التمسك بورقة الكويت والتلويح بها بمناسبة وبغيرها يتصاعد ويحتد، فيفتر حينا من الدهر ثم يطفو على السطح مجددا بأشرس مما كان عليه قبل فتوره. وحين نتكلم عن ورقة الكويت، فإننا نعني حصرا علاقة الكويت بالعراق، وهي علاقة مركبة معقدة متشعبة ولا ريب.

ولقد أعاد خطاب الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الأعلى للجهاد والتحرير بمناسبة الذكرى 72 لتأسيس الحزب، ورسائله لجماهير الأمة والأنظمة العربية الرسمية سيما نظام الكويت، وأعادت ردود الأفعال المرافقة له، تلك الورقة لتتصدر الواجهة لدواعي عدة تباينت في منطلقاتها وفي غاياتها.

ولكن، ومهما تكن الأسباب والدوافع وموجبات توظيف تلك الورقة، فإنه لا يجب السماح لها بأن تسبب جرحا مفتوحا لا ينقطع نزيفه، حيث أن تبعاته لم تعد محتملة ولا مقبولة بصرف النظر عن تباين وجهات النظر والتقييمات والمواقف منها كل حسب منظوره الخاص وحسب مآربه.

لقد أدت تعقيدات العلاقة العراقية الكويتية لخسائر كبيرة، بل يمكن القول إنها شكلت إحدى أهم مشاكل العرب التي ظلت عصية عن الحل.

ولا ينبغي تأويل هذا على أنه إنكار لخطورة الأدوار التي لعبتها الكويت طويلا وخلفت ضررا جسيما مباشرا بالعراق اقتصاديا وأمنيا بل واستراتيجيا سيما في العقود الأخيرة. ولكن، ومهما بلغت الأمور من مراتب السوء، فإن هذا الإشكال العالق لا يمكنه أن يتواصل إلى ما لا نهاية، ولا أن يظل صداعا مزمنا، يحول دون سبل المراجعة والتسوية والحلحلة.

فالعراق والكويت جاران عربيان ولا ريب، ومن الطبيعي أن تنشب بين الأجوار خلافات ونزاعات وحتى صراعات، لكن لا يمكن أن تكون القطعية الدائمة مآلا واحدا لمسار العلاقة الثنائية. وعليه، فإن الإطناب في تأزيم تلك العلاقة لا ديبلوماسيا وسياسيا فقط، بل وحتى ثقافيا وفكريا وتاريخيا، يدعو للبحث في جذوره وفي تبعاته وفي المتضررين والمنتفعين منه، والمقارنة بين نتائج استمرار الأزمة وبين نتائج تسويتها نظريا، ويتم إثرها وعلى ضوء نتائجها الانتصار للأسلم.

إننا لن نبحث حاليا في سبل تسوية الملف العراقي الكويتي، ولكن سنركز على البحث في من يريدون بقاء الكويت مخرزا مغروسا في الخاصرة العراقية وأهدافهم من ذلك.

ورغم أن الأمر لا يتطلب فراسة نادرة أو عبقرية فذة، ورغم أن الجواب لا يحتاج عناء كبيرا، إلا لا بد من التسليم بأن أعداء الأمة العربية التقليديين هم العاملون على تأبيد حالة العداء البيني وتعميق الخلافات وتأجيج الصراعات بين العراق والكويت، ولا نعتقد أن هذا خاف على أحد.

فبمنتهى الوضوح، نقر ونعلنها صريحة مجلجلة، أن الامبريالية بزعامة أمريكا والصهيونية العالمية ومعهم إيران الفارسية هي الجهات المشرفة والموجهة والراعية لهذا الوضع، خاصة من خلال نجاحها في جر القيادة الكويتية لمكائدها وخاصة بتثبيت أكذوبة مفادها أن العراق القوى خطر جدي وتهديد مباشر لها، حتى تناسى الكويتيون كل الأعداء الحقيقيين واستسلموا وانساقوا وراء الدسائس الامبريالية.

وليس في هذا رجم بالغيب أو تكهن أو مغالاة، ذلك أن أولئك الأعداء يدركون جيدا ما للعراق من وزن مهم وثقل معتبر في المعادلات القومية العربية كافة، ويعرفون أكثر من غيرهم أن أي نماء فيه وأي ازدهار سيشكل ضربا لمصالحهم ويفشل مخططاتهم، لذلك دجنوا محيطه وحولوه لمنصات مناوئة له تمنع أي نهضة حقيقية فيه وتعرقل أي مشروع يعمل على تحقيقه.

ولقد أسهب الرفيق القائد عزة إبراهيم في تفصيل ذلك، وسعى لاحتوائه وامتصاص تداعياته، فكرر توجيه الدعوة للكويت بأن تطوى صفحة الماضي بكل ما فيها، وأن تحتكم الإراداتان لتطلعات الجماهير المستقبلية وانتظاراتها، بما يتماهى والمصلحة القومية العربية العليا التي من أهم لبناتها رأب الصدع العربي وتجاوز أي إشكالات عالقة.

فالأكيد أن لكل جانب مؤاخذاته ولومه وأحزانه وتقييماته لما جرى، لكن استمرار الحال على ما هو عليه لن يزيد الأوضاع إلا تعفنا، كما أنه لن يعود بالنفع على أي منها حتما، بل إنه سيجعل من الكويت لقمة سائغة لإيران التي تتأهب للانقضاض على الخليج العربي بعدما سيطرت على أربع عواصم عربية كبرى بشكل شبه مطلق، كما أنه لن يخدم هدف تحرير العراق بتاتا.

إن الحرص على إبقاء الكويت مخرزا في الخاصرة العراقية، هو إحدى الممرات الحيوية لوأد أحلام العرب في الوحدة والتحرر وفي إقامة المجتمع العربي الحر المبني على المواطنة والقائم على العدالة الاجتماعية والمرتكز على التضامن العربي.





الاربعاء ١٩ شعبــان ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / نيســان / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة