شبكة ذي قار
عـاجـل










هي بغداد , عندما تستحضرها يدور في خاطرك نيسان , نيسان الفكرة الثورة والانتصار , نيسان حلم الوحدة والحرية والانسان , نيسان التاريخ المحلة السوك والدار , نيسان الرشيد ابي نواس والرصافي معروف وابو جعفر المنصور , نيسان الياسمين العراقي المختلط بأعراس الشهداء ورائحة البارود , ما بين الرصافة من السعدون الى باب المعظم المستنصرية الاعظمية الوزيرية الى حي الثورة الكرادة و9 نيسان , الكرخ من كرادة مريم الكاظمية الحرية المنصور حتى الرشيد الاسم التاريخ والمكان .

من شهرزاد وشهريار وحكاية الف ليلة وليلة , انكسر فيها نيسان في ليلة فمن الكرامة والجمال , الى نيسان الغزاة والأنذال , من عباءة العروبة وبوابة الأمان والطمأنينة , الى ارض يديرها العجم ويحكمها ( ابو رغال ) .

نيسان ذلك الذي ابتدأ بهدير الصحاف , وعسكري الخاكي الأخضر , وأعراس الشهداء , وانكسر بزفرة دبابة الجسر , وفوضوية ووحشية المارينز القادمين من خلف المحيطات والبحار .

ودجلة التي تلبس امواجها في نيسان بساقها احلى الخلاخل , ارض جعلت من الطين حضارة , والتاريخ نور ومشاعل , فيها صنع البشر الحرف والشرائع , على ترابها كان للانبياء رسائل , وعلى جُدُرها تحطمت جيوش وغزاة ومطامع .
منذ انكسر نيسان وتجمع كل مرتزقة الارض فيها والانذال , سرقوا التاريخ وزوروا الطرقات والأنهر وحتى الحسين بات في اغتراب .

منذ انكسر نيسان باتت مسلة حمورابي في حيرة , وملحمة كلكامش اقدم قصة كتبها الانسان قد اضاف لها التاريخ ايضا ابشع ما قد يراه الانسان .

منذ انكسر نيسان كان الوجع في القلب فلسطين , وبات في تلك اللحظة ينقسم بين القدس وبغداد , وأسد بابل قد وقف مدهوشا اي مجازات واستعارات وترميزات سيرسلها عن القوة والعظمة وعن الضعف والهوان .

منذ انكسر نيسان , حل ما حل في بوابات بغداد , هوت بوابة البصرة فدخل الغزاة من كل ارض الدنيا وخلف غبار عجلات دباباتهم دخل الزناة والأنذال , هوت بوابة الشام فانكشف ظهرها وباتت للغزاة مسرحا للفوضى والقتل والدمار , وبوابة الكوفة التي من خلالها ادخل الغزاة والزناة الطائفية وتفرقة ابناء الوطن الواحد وشوهوا وجه الحجر في تلك الأرض قبل البشر والانسان , ومن باب خرسان عاد العجم مرة اخرى بلا استئذان , وحمل ابو لؤلؤة خنجره المسموم وغرزه طعنا في اظهرنا في أرضنا العربية في كل مكان .

منذ انكسر نيسان اختلط الحبر في شارع المتنبي مع الدم والأشلاء , وشارع الكفاح لم تعد تستذكر الباب الشرقي فيه ولا باب المعظم الذي بات مجموعة من الحواجز تمنعك من ان تنفذ منه الى ابي حنيفة النعمان .

لم يكن يخطر يوما في بالي أن اكتب عن احتلال بغداد , ولم يكن قد يدور حتى في احلامي ان ارى مثل هذا اليوم , اليوم الذي انكسر فيه نيسان , فاختلف وجه الأرض فيه وتبدلت الفصول والأيام , والحلم العربي الأخضر بات مجرد شبح باهت اصفر , والضمير العربي في سبات , ماتت يومها فينا النخوة , ونسي فيها العرب انهم قد كانوا يوما اخوة .

منذ انكسر نيسان بتنا ما بين ازيز الرصاص ونزيز الدم , الطائفية ما بين المواقف والاقتتال , شلال دم لا يجف ودموع لا تكفكف , حتى الربيع قد بات اكذوبة يندس من خلالها الفساد والارهاب وقتل الانسان بلا اسباب . الحي منا قد بات مجرد رقم يحصون من خلاله الضرائب التي لم نعد نستطيع ان نحصي مسمياتها , والميت منا ما بين جثث بلا هوية , واخرى لم يعد لها صفة ولا عنوان .





السبت ٨ شعبــان ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / نيســان / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المهندس صهيب الصرايرة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة