شبكة ذي قار
عـاجـل










يستعد ما يسمى البرلمان العراقي لمناقشة مشروع جديد للجنسية في العراق الأسبوع المقبل، حيث سيتم إدخال تعديلات جوهرية على شروط الحصول على الجنسية العراقية لعل أهمها تيسير تجنيس من قضى بالعراق عاما واحدا حيث جاء في النص المقترح ما يلي ( تمنح الجنسية العراقية لكل أجنبي مضى على وجوده داخل العراق أكثر من سنة بغض النظر عن امتلاك والديه أي جنسية )، أو من تزوج عراقية أو من لديه إثباتات بأنه من أصول عراقية، وهي شروط تضرب قانون الجنسية في العراق المعمول به منذ عقود.

وبالتمعن جيدا في هذه الشروط، وبقراءة هادئة لما يراد من خلالها، وبربطها بوضع العراق المحتل، وبخلفية المنظومة الجاسوسية المخابراتية الطائفية العميلة الحاكمة فيه والمنصبة من قبل الغزاة والمسنودة إيرانيا، فإنه لا يمكن تنزيلها إلا في إطار مشروع تصفوي لعروبة العراق وضرب هويته وتمزيق نسيجه المجتمعي ونسف تاريخه واقتلاع كينونته من جذورها، بل وإنها تهدف لتحويل العراق إلى مكب نفايات بشرية تحوي من هب ودب بلا ضوابط ودونما استحقاقات بديهية متعارف عليها من طرف البشرية جمعاء، ذلك أن الانتماء لأي شعب أو وطن أو أمة يخضع لمحددات وضوابط صارمة وصلبة، حيث لا يمكن للهندي أن يصبح موزمبيقيا خالصا وإن أراد ذلك أو ادعى، بل حتى وإن مكث في الموزمبيق دهورا، فإنه سيظل متشبثا بهنديته معتزا بها وفخورا، وقس على ذلك.

فبالعودة لما يجري بالعراق، وعلاوة على الأهوال التي تعرضت لها بلاد ما بين النهرين والأسلحة الفتاكة التي جرّبت واستخدمت ضدها وضد شعبها، وزيادة على التدمير الممنهج للبنى التحتية ولمنجزات العراق الحضارية والإنسانية والثقافية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والعسكرية كافة، وفوق حروب الإبادة الجماعية وتشريد شعبه وأسر قياداته الوطنية واغتيالها وملاحقتها، ابتلي العراق بما هو أخطر من ذلك كله ألا وهو محاولة إيران السيطرة عليه بمختلف الأشكال بعد تسلمها زمام الأمور فيه بعد انسحاب الجيش الأمريكي منه عام 2011 ، فعمدت إلى تركيز ميليشياتها الطائفية الإرهابية وأذكت النزاعات الطائفية والمذهبية وغذت الصراعات العرقية والإثنية، ولم يكن رهانها في ذلك آنيا أو مرحليا، بل كانت غاياتها استراتيجية وطويلة المدى منطلقات ومخرجات وأهدافا.

ولقد اعتمدت إيران سياسات التهجير القسري للسكان الأصليين مستفيدة من الفظائع والجرائم الوحشية التي ارتكبتها ميليشياتها وأذرعها الطائفية وقواتها الرسمية من حرس ثوري ومخابرات وغيرها سيما في الشطر الغربي من العراق، وكانت بذلك ترنو لإنجاح المخطط الأشد مكرا وخبثا والأكثر خطورة ألا وهو سياسة التغيير الديموغرافي، فعمدت لإغراق محافظات العراق ومدنه وقراه بوافدين أجانب فرس وباكستانيين وأفغان وغيرهم. ولما اصطدمت إيران بمقاومة عراقية شعبية هادرة تمثلت في الصمود الأسطوري للعراقيين والثبات بوجه كل المحن والدسائس والشدائد ناهيك عن تمسكهم الأصيل بأرضهم ووطنهم، تفتقت قريحتهم عن التعكز على القانون وذلك بالاستفادة من سطوتها وسيطرتها المطلقة على منظومة الحكم الجاسوسية كافة، فأوعزت لها بسن هذا القانون الفاضح المهزلة، وهو القانون الذي لا يخطئ أي عاقل في استشعار البصمة الإيرانية الفارسية الصفوية الخالصة فيه.

إن قانون الجنسية الجديد، يفضح نفسه بنفسه، ويفضح معديه ومقرريه، ويفضح أيضا من سيمررونه بما لهم من شرعية ظاهرية، فلقد جاء قانونا مسخا هجينا، مائعا، عائما معوّما فضفاضا، وجاء فوق كل ذلك مضحكا حد البكاء.

هو قانون مسخ ومائع، وذلك لما انطوى من تسهيلات خرافية جاوزت كل حدود العقل، وتعدت كل المتعارف عليه في شتى الشرائع والقوانين على سطح الأرض. وإلا فكيف يعقل أن يصبح عراقيا من بقي بالعراق سنة واحدة؟ وما معنى عراقيته حينئذ؟ وهل لمن بقي عاما واحدا في العراق أن يستوي مع أبناء البلد الذين عانوا الأمرين وكابدوا تآمر أشرار الأرض وشياطين الإنس عليهم كافة خلال عقود وخاصة منذ 1991.؟

وأصلا، من هم يا ترى الذين يقدرون من الأجانب والغرباء على البقاء في العراق عاما واحدا في الأوضاع الراهنة خارج دائرة أبناء العراق الغيارى الصابرين المربوطين إلى أرضهم بأوثق الروابط تاريخيا وحضاريا وعمرانيا ونفسيا ووجدانيا وروحيا وأخلاقيا وثقافيا؟ وبمعنى أوضح، من هم الذين سيشملهم هذا القانون؟

إن البديهي تماما، أن هؤلاء لن يزيدوا عن أولئك الذين ستزرعهم إيران في العراق على شاكلة المغتصبين الصهاينة الذين أغرقوا فلسطين إبان الانتداب البريطاني الغاشم. وإنهم حتما قطعان المرتزقة والمأجورين من الفرس والباكستانيين والأفغان والبنغلداشيين من ذوي الهوى الإيراني الفارسي الصفوي الحاقد على العراق وعلى عروبته وحضارته العملاقة. فهؤلاء فقط ومعهم من يسمون بزوار العتبات المقدسة يمكنهم البقاء في العراق عاما واحدا أو أكثر، دون أن ينغص عليهم عيشهم أحد.

هو قانون هجين ومخزي ولا ريب، حيث يعكس انحطاط معديه ويكشف سوأتهم مجددا ويشي بعمالتهم لإيران وبمعاداتهم للعراق وبتآمرهم على شعبه، وما التساهل الذي يحمله بين جنباته إلا حجة ساطعة على ذلك.

فهذا التساهل المريب، لا نكاد نعثر له على شبيه في كل قوانين الدول. فقد يكون مفهوما اللجوء لمثل هذا التساهل في بعض الحالات كأن تعاني الدولة المشرعة له اختلالا كبيرا بين الولادات والوفايات بحيث تسجل نسب النمو تراجعا كبيرا أو تهبط لما دون الصفر كبعض الدول الاسكندنافية أو ألمانيا وغيرها، أو كأن تعاني الدولة تدني مؤشرات الكثافة السكانية ونسب الإعمار فيها كأستراليا وكندا. فما الذي اضطر العراق المحتل إذن، لمثل هذا القانون إن لم يكن هدفه خدمة المخططات الإيرانية الفارسية التوسعية الاستيطانية العنصرية الشعوبية؟

إن أهداف هذا القانون جلية واضحة، وتتركز خصوصا في تمزيق النسيج المجتمعي العراقي، وتغيير ديموغرافيته وبالتالي تفسيخ هويته ومحو كيانه، واجتثاث عروبته واقتلاعه من حاضنته العربية تدريجيا، ذلك أن المنتظر أن يشمل هذا القانون الجديد المخزي الملايين من المستوطنين الفرس وغيرهم، ما سيحدث في المستقبل المنظور اختلالا ديموغرافيا رهيبا، يصبح فيه العراقي أقليا داخل وطنه، ليتحكم بمصيره الفارسي والبنغلاداشي وكل من هب ودب من شذاذ الآفاق وقطاع الطرق وقراصنة أعالي البحار.

وللتمويه على النوايا الحقيقية لهذا القانون، ولإضفاء بعض المصداقية ( وهو الفاقد لأي شرعية ومشروعية من الأساس ) تم استثناء الفلسطينيين من هذا القرار، وفي ذلك محافظة على قانون الدولة العراقية إبان حكمها الوطني، حيث كان نظام البعث يرفض بشدة منح الجنسية العراقية للفلسطينيين بل ويرفض تجنيسهم بأي جنسية أخرى حفاظا على فلسطينيتهم ولتفويت الفرصة عل الصهيونية العالمية وكيانها المسخ وإجهاض مساعيها لانتزاع بعض المسوغات على تفاهتها لوجوده. ولا بد من التأكيد ههنا على هذه النقطة المحورية لتبيان كذب أصحاب هذا القانون ودجلهم ومتاجرتهم بقضية فلسطين، إذ لم يكن استثناؤهم للفلسطينيين إلا لذر الرماد في عيون السذج والبسطاء، وإلا فكيف نفسر أن هؤلاء أنفسهم وميليشياتهم قد ارتكبوا مجازر مروعة بحق الفلسطينيين وقياداتهم غداة الغزو الأمريكي الغاشم للعراق ونكلوا بهم تنكيلا؟ وكيف نهضم يا ترى، فضائح تعامل كل مكونات الطيف السياسي الجاسوسي الحاكم فيما يسمى بالمنطقة الخضراء مع الصهيونية وتواتر التقارير المؤكدة عن مئات الزيارات التي أداها أقطاب هؤلاء العملاء نوابا ووزراء وشيوخا ومعممين وعسكريين لتل الربيع ولقاءاتهم مع أكبر قيادات الكيان الصهيوني المجرم؟

إن هذا القانون، ليس إلا محاولة إيرانية لمزيد بسط نفوذها الكلي على العراق وتدعميه وتأبيده، وهو لا يزيد عن كونه حلقة تآمرية جديدة على العراق شعبا وأرضا وحضارات، الهدف منها تمزيق النسيج المجتمعي العراقي، وتخريب الدولة العراقية، واجتثاث العراق من بيئته العربية الأصيلة، وجعله تابعا لا حول له ولا قوة يتحرك وفق أهواء السيد الإيراني الفارسي الطائفي العنصري.

وإنها، لمرحلة جديدة من مراحل النضال الطويلة والمقاومة الشرسة في العراق المحتل، على النخب الوطنية والقومية والإسلامية النهوض لها ووأد هذه المؤامرات في مهدها، وذلك بتصعيد الوعي الشعبي في العراق وتثوير الجماهير وتحفيزها على إسقاط هذا القانون الإجرامي المتخلف والمهدد لمصير العراق وكينونته من الأساس.





السبت ١٠ رجــب ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أذار / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة