شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد تسعة أشهر تقريباً ولدت الحكومة التي تشكلت من ثلاثين وزيراً بينهم عدد من وزراء الدولة اقتضت الضرورات السياسية تعيينهم لإرضاء الكتل النيابية، وليس لحاجة وطنية.

هذا التضخم في عدد الوزراء فضلاً عن كونه يثقل الخزينة العامة بأعباء مالية، فإنه يثقل أيضاً الأداء الحكومي بالمضمر من النوايا عند التصويت على القرارات التي تتطلب أكثرية موصوفة .لكن المشكلة ليست في هذا التظهير للمشهد الحكومي، بل المشكلة عند الذين يعتقدون أن هذه الحكومة ستنقل البلد من حال إلى حال، وكأن هؤلاء الذين تقلدوا مناصب وزارية ليسوا من طينة القوى الممسكة بمفاصل السلطة .فإذا كانت الحكومات السابقة لم تحقق ما هو مطلوب منها أساساً لإدارة رشيدة للمرفق العام، ولم تطبق حوكمة فعلية لأداء القطاعين العام والخاص، فكيف لهذه الحكومة أن تحقق ذلك، والصراع والتجاذب اشتد حول الوزارات الدسمة. ففيما كان التنافس يشتد سابقاً بين أطراف السلطة على الوزارات المسماة "سيادية" وهي تسمية غير صحيحة أصلاً، رأينا أن التنافس يشتد حول الوزارات التي تنطوي على إنجاز صفقات كالطاقة والموارد والاتصالات والأشغال والزراعة وأضيف إليها البيئة والثقافة والصناعة والتنمية الإدارية.

هذه الوزارات الأخيرة سال اللعاب عليها، ليس لأن من طالب بها يريد أن يرسم استراتيجية عمل تحقق ما هو مطلوب منها في إطار الخدمات المناطة بها، بل لأن مؤتمر "سيدر" رصد للحقول الداخلة في اختصاص عمل هذه الوزارات مبالغ كبيرة وهنا بيد القصيد .

إننا إذ نسجل هذه الملاحظات فلأن من يريد أن يحقق إنماء وطنياً، لا يرهق الميزانية العامة بأبواب أنفاق غير منتجة، وعلى سبيل التذكير فقط أنه بعد أحداث 58 شكلت حكومة رباعية، وأعطيت صلاحيات تشريعية، مكنها من إصدار سلة من المراسيم الاشتراعية الناظمة للإدارة العامة وإنشاء المؤسسات والهيئات الرقابية، ورغم عدد الوزراء المحدود جداً فإنهم جعلوا الوزارات التي أشرفوا عليها، تتحول إلى ورشات عمل وحققت إنجازاً على صعيد بناء مؤسسات الدولة.

يومذاك، أمكن القول أن لبنان دخل فعلياً إلى رحاب مشروع الدولة التي يطمح المواطن إلى إنجازها. وهذا الدخول إلى مشروع الدولة كان بأقل عدد ممكن من الوزراء وبأكثر عدد ممكن من الانجازات .

أما اليوم، فإنه بأكثر عدد ممكن من الوزراء والذي كان مرشحاً لأن يزيد عن الثلاث عشرات، يسجل الوضع العام تراجعاً في تفعيل المرفق العام، وسلوكاً خطيراً للخروج من مشروع الدولة الناظمة للحياة العامة، إلى مشروع الإقطاعيات السياسية، الطائفية الشكل والمضمون.

من هنا، فإن هذه الحكومة كما سابقاتها لن يعول عليها في تحقيق إصلاح اقتصادي ومالي واجتماعي، يوفر شبكة أمانٍ اقتصادية واجتماعية ومعيشية للشريحة الأوسع من الناس، لأن الفساد أصبح سمة من سمات القوى الممسكة بالسلطة، ومن كان فاسداً في أدائه السياسي والاقتصادي، هل يمكن أن يكون شفافاً؟! بطبيعة الحال لا.

لذلك فإنه لا مراهنة على إنقاذ اقتصادي واجتماعي، وكل ما في الأمر أن تشكيل الحكومة، انهى فراغاً في إحدى المؤسسات الدستورية، والأزمة ستبقى قائمة وتدار من الموقع الرسمي فيما كانت تدار من موقع تصريف الأعمال.

وعليه، فإن الحلول التي تضع حداً للعبء الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي على حياة المواطن، إنما تكمن بإعادة تركيب السلطة من القوى التي تمثل فعلاً الإرادة الشعبية الوطنية، والتي غيبت باعتماد قانون انتخابي سيء جداً وحيث لا مجال لإعادة الاعتبار لهذه الإرادة الشعبية، إلا بوضع قانون انتخابي جديد، خارج القيد الطائفي وعلى أساس الدائرة الواحدة، والنسبية. ومن هنا تبدأ مسيرة البناء الوطني الذي الف باءه الدخول بمشروع الدولة، دولة المواطنة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات، وليست دولة تدار سلطتها بمنظومة فاسدة.

إن الحكومة التي تشكلت ستنال الثقة من المجلس النيابي، لأن خبز هذه الحكومة من عجين هذا المجلس لكن وإن نالت أكثرية نيابية موصوفة إلا أنها ليست محط الثقة الشعبية، وبالتالي لا ثقة شعبية لها.
 





الخميس ٢ جمادي الثانية ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / شبــاط / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة