شبكة ذي قار
عـاجـل










عادت العصابات الصهيونية للتلويح جديا بشروعها في مطالبة العرب بتعويضات عن ممتلكات اليهود العرب الذين هاجروا لفلسطين المحتلة مع بدايات اغتصابها بعد التفويت فيها من طرف بريطانيا للصهاينة وغرس الكيان الصهيوني اللقيط في قلب الوطن العربي، وتواصل تدفقهم إليها فيما بعد على فترات متلاحقة.

والجديد في هذا التهديد الصهيوني هذه المرة أن الصهاينة قد حددوا المبالغ التقديرية لتلك التعويضات والتي بلغت حوالي 250 مليار دولار، كما حددت الدول التي عليها دفعها وكانت عشر دول وهي تونس وليبيا والجزائر والمغرب ومصر والعراق واليمن ولبنان وسوريا بالإضافة لتضمين إيران بين قائمة الدول المطالبة بدفع نصيب من التعويضات.

وفي الحقيقة، فإن هذه المطالب الصهيونية ليست إلا خطوة تصعيدية جديدة بل وهي أقرب إلى إعلان حرب اقتصادية مباشرة ومدمرة على العرب، كما أنها تأتي في سياق استغلال الصهيونية لحالة الجزر القومي العربي بعدما أثخنت جراح الأمة وتشظت أقطارها التي ترزح كل حسب ظروفها وخصوصياتها إما تحت الاستعمار المباشر أو غير المباشر أو تعاني الاحتراب الداخلي فقتل قسم كبير من أبنائها وهجر قسم آخر فيما يكتنف المجهول مصير البقية.

هذا، ويظل من البديهي أن هذا القرار الصهيوني الجديد إنما هو تنفيذ للمقررات الصهيونية السرية وحتى المعلنة والتي ظل تنفيذها رهين تهيئة الظروف المناسبة له، حيث أن مطلب التعويضات هذا ليس بجديد ولا بمفاجئ، ولم يكن مهملا، وحتى وإن تم التسويق له على أساس ذلك، فإن من أهمله هم العرب حتما سيما في صعيدهم الرسمي والنخب المرتبطة به والسائرة في فلكه. إذ، وخلال محادثات كامب ديفيد في جويلية 2000، ساوى الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بين حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحقوق من أسماهم باللاجئين اليهود الذين انتقلوا لفلسطين المحتلة قادمين إليها من الوطن العربي، ودعا لبعث صندوق دولي لتسوية مطالب اللاجئين العرب واليهود، في ضرب وإنكار تام للقرار 194 الذي يقضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في أقرب فرصة ممكنة، والتعويض عن الأضرار التي لحقتهم بسبب طردهم من ديارهم مما يفتح الباب على مصراعيه أمام الكيان الصهيوني لتحقيق مصالحه المنبثقة عن ضعفه الديمغرافي والجغرافي. ولقد نجح الصهاينة في طرح وفرض قضية تعويض اللاجئين اليهود الذين غادروا الدول العربية في اتفاق الإطار الأمريكي للتسوية، وتبنى مجلس النواب الأمريكي اقتراح الرئيس كلينتون في أفريل 2008، ضمن قرار يقضي بوجوب الاعتراف باللاجئين اليهود كلاجئين بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، ومن ثم وجوب إنشاء صندوق دولي لتعويض اللاجئين اليهود والفلسطينيين عن فقدان ممتلكاتهم. وقضى قرار مجلس النواب والذي عرف بقرار مجلس النواب رقم 185 ( بعدم حل قضية لاجئين واحدة دون حل مشكلة اللاجئين الثانية في الوقت نفسه ).

وبالنظر لهذا التصعيد الصهيوني المتجدد، فإنه لا يمكن التفاعل معه بدون تسليط الأضواء على الملابسات التي تحيط به والغايات منه.

لقد استند الصهاينة في طريقهم الخبيث هذا، على ثابت في العقيدة الصهيونية لا يحيد عنه العقل الاستراتيجي الصهيوني مطلقا، والذي يتمثل في ترديد الأكاذيب والمداومة على تكرارها وإشاعتها وترويجها إعلاميا بما لهم من سطوة شبه مطلقة على شبكات الإعلام ومصادره في العالم أجمع، حتى تغدو تلك الأكاذيب فيما بعد حقائق لا غبار عليها ولا مجال للتشكيك فيها، وأيضا استمسك الصهاينة بتقليد أو عرف صهيوني ثان لا يقل خطورة عن الأول ألا وهو قلب الحقائق وتحريف الوقائع وتزييف التاريخ هذا من جهة، وكذلك التحايل على المصطلحات وتطويعها بما يخدم ادعاءاتهم من جهة أخرى.

فمن أكبر الأكاذيب على الإطلاق، هو الادعاء بأن اليهود العرب قد هاجروا إلى فلسطين المحتلة وغادروا الأقطار العربية مضطرين وهربا من مظالم سلطت عليهم أو جرائم ارتكبت بحقهم. فالمعروف والثابت تاريخياً أن اليهود لم يلقوا معاملة أفضل في كل تاريخهم من تلك التي وجدوها في بلاد العرب، بل إنهم استمروا وتمسكوا على العيش فيها لما لمسوه من أمن وأمان معهم، على عكس ما لقاه اليهود في غير بلاد العرب من ازدراء وكراهية فكانوا منبوذين مكروهين.

ولقد استوطن اليهود في البلاد العربية خلال كل العهود، فكانوا يمارسون أعمالهم وتجارتهم بكل حرية، يتفيؤون ظلال الأمن والأمان، بل وارتقى كثيرون منهم إلى مراكز حساسة في إدارة الشأن العام في مختلف المراحل قديما وحديثا، ويضيق المجال بتعداد الشواهد على ذلك.

بل إن الحقيقة، هي أن اليهود في الوطن العربي تعرضوا فعليا لإرهاب الصهيونية العالمية لإجبارهم على الرحيل صوب الكيان المستحدث، وذلك لحاجته الملحة لهؤلاء اليهود العرب خصوصا من زاوية تعديل الكفة الديمغرافية والتي كانت تعرف ميلا ورجوحا لصالح العرب والفلسطينيين. وحققت تلك الاعتداءات الإرهابية إصابة عصفورين بحجر واحد، أولهما التعدي على سيادة الأقطار العربية ضمن السياسة العدوانية الصهيونية، وثانيهما إشاعة الخوف بين اليهود في تلك الأفكار وحملهم على الرحيل القسري صوب الكيان المنشئ في قلب فلسطين، بما يتماشى مع متطلبات الوطن القومي لليهود كما أكدت عليه الأطروحات الصهيونية دوما، والتي من بينها تهجير السكان الأصليين ودفعهم لخارج فلسطين التاريخية، وتعويضهم بمستوطنين غرباء يحبون محلهم.

ومن أهم تلك الأعمال الإرهابية الصهيونية بحق اليهود العرب، نورد عمليات ( عزرا ونحميا ) التي دفعت يهود العراق إلى مغادرته بعد تكرر عمليات تفجير استهدفت معابد يهودية، ومتاجر ومقاهي تعود ليهود العراق، وكذلك عملية ( بساط الريح ) في اليمن التي أدت لترحيل 50 ألف يهودي يمني إلى فلسطين المحتلة سنة 1950، وتكررت هذه السيناريوهات خصوصا في مصر وخاصة باستهداف معابد اليهود ومتاجرهم سيما في عهد الزعيم جمال عبد الناصر.

ولقد كانت هذه الأعمال التخريبية والاعتداءات الإرهابية الصهيونية تحت إشراف ما كان يعرف بالوكالة اليهودية والتي كانت من أهم مهامها كما حددها المؤتمر الصهيوني السادس عشر، تطوير حجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بصورة متزايدة، وشراء الأراضي في فلسطين كملكية يهودية عامة، وتشجيع الاستيطان الزراعي المبني على العمل اليهودي، ونشر اللغة والتراث العبريين في فلسطين.

وفي المقابل، لم يسجل التاريخ، أن قامت دولة عربية واحدة بطرد اليهود أو النيل من حقوقهم أو معاملتهم من خارج الأعراف والتقاليد العربية، إلا من ثبت عمله لصالح الصهيونية وتأكد تآمره على المصلحة العامة وغير ذلك.

إلا أن الصهيونية، ومستفيدة من خبرتها الطويلة في بث الأكاذيب والتدليس وطمس الحقائق وفرض أراجيف بديلة عنها من جانب، ومن سذاجة الطرف العربي المقابل وعدم استملاكه لأدوات المواجهة حينا أو لعدم الرغبة في ذلك أحيانا من جانب آخر، ومستفيدة خصوصا من النجاح الباهر الذي حققته عبر الاستثمار في خطاب المظلومية، استنجدت مرة أخرى بهذا الأسلوب، لتفرض على العرب شروطا مجحفة من جهة، ولتحقق أهدافا كبرى واستراتيجية من جهة أخرى.

فبصرف النظر مثلا عن القوانين والتصريحات الرسمية لأقطاب الحكم في الكيان الصهيوني حول مسألة هذه التعويضات حيث تشرف على مشروع حصر ( ممتلكات اليهود العرب ) وزيرة المساواة الاجتماعية الصهيونية غيلا غملائيل، التي ترى أن الوقت قد حان لتصحيح الظلم التاريخي الذي وقع على اليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم في الدول العربية، وأنه لا يمكن التحدث عن الشرق الأوسط دون النظر إلى حقوق اليهود الذين أجبروا على ترك مجتمعاتهم المزدهرة تحت العنف، أو إلى قانون أقره الكنيست الصهيوني في 2010 يقضي بربط جميع مفاوضات السلام بـقضية التعويض عن فقدان الممتلكات اليهودية في الدول العربية وإيران، وغيرها من القوانين ذات الطبيعة والخلفية العنصريتين، وخاصة قانون يهودية الدولة، فإن الكيان الصهيوني تعمد اتخاذ هذه الخطوة التصعيدية وتلقف الظرف الأنسب لها وذلك لارتباطها الزمني الوثيق بصفقة القرن وبقية الإجراءات الأمريكية الموغلة في ضرب الحقوق العربية وإنكار الإرهاب الصهيوني بعد قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية لدى الصهاينة للقدس، لتحقيق جميلة من الأهداف المتشابكة ولعل أهمها :

1- ابتزاز الأقطار العربية وذلك باستهدافها اقتصاديا لحملها على الهرولة للاعتراف بالكيان الصهيوني والانفتاح رسميا وعلنيا معه بتبادل التمثيل الديبلوماسي والتبادل الاقتصادي وغير ذلك.

ويتأكد ذلك من خلال قائمة الأقطار العربية المعلنة والمطالبة بدفع تعويضات، خاصة إذا ما لاحظنا أن أغلبها باستثناء مصر، لا يقيم علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني. فيما، تشهد كل تلك الأقطار إما أوضاعا غير مستقرة أو هزات عميقة، أو هي حلبة لحرب ضروس سيما ليبيا وسوريا واليمن والعراق من جهة، وتعيش أوضاعا اقتصادية معقدة وصعبة جدا من جهة أخرى إذا استثنينا الجزائر.

وفي المقابل، خلت القائمة من عديد الأقطار الثرية والتي تتعامل مع الكيان سرا وعلنا.

2- تصفية القضية الفلسطينية وإسقاط حق العودة وإنكار حقوق اللاجئين الفلسطينيين نهائيا.

فبإثارة ملف التعويضات ( في إطار ما يعرف بسياسة العصا والجزرة ) لما يسمى باللاجئين اليهود الفارين من الأقطار العربية، تسعى العصابات الصهيونية إلى فرض واقع جديد مركب وشديد التعقيد، لتلزم فيه الطرف العربي بالتخلي عن عديد الثوابت في المسار التفاوضي ( بصرف النظر عن عدم جدواه وعن عدم اعترافنا به وبمخرجاته ) ومن بينها قضية اللاجئين، ليتخلى عنهم العرب حتى لا يجدوا أنفسهم مطالبين بدفع تلك التعويضات الهائلة والتي كان من المفروض أن يدفع الصهاينة للفلسطينيين ولكل العرب الذين طالتهم اليد الإرهابية الصهيونية أضعافا مضاعفة مما يطالب به الصهاينة رغم افتقاره لأي مصداقية تاريخية.
3- فرض صفقة القرن على العرب، وإجبارهم على الانخراط فيها تحت التهديد.

إن التلويح بتلك التعويضات المتوجبة على العرب، حسب المزاعم الصهيونية، يهدف إلى فرض المساومة على قاعدة إما القبول بصفقة القرن بما تحمله في طياتها من تنصيص على شطب حق العودة، وهو ما يقتضي وجوبا توطين اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين في الأقطار العربية لكن بلا أدنى شروط تشترطها وعلى رأسها الاستحقاقات المادية، وإما الدفع والتعويض لليهود المهجرين ضحايا الاضطهاد داخل البلدان العربية.

وهكذا، يدخل العرب مرة أخرى نفقا مظلما في مسار الصراع العربي الصهيوني، وسيتواصل الظلام دون أن تلوح أي بارقة أمل ما لم يحسم العرب أمرهم ويدركوا أن مسارات التفاوض العبثية من جهة ورضوخهم للوصاية الأجنبية واستمرارهم على تشرذمهم واقتتالهم فيما بينهم من جهة أخرى، لن تجلب لهم سوى مزيد من الدمار والهوان والخسران.





الخميس ١٨ جمادي الاولى ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / كانون الثاني / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة