شبكة ذي قار
عـاجـل










في السياسة توقعات ، مبنية على معطيات تؤكدها حقائق شاخصة على أرض الواقع ، وليست تخيلات أو رغبات أو تمنيات .. فالعرّافون والمنجمون يسوقون أفكارهم انسياقًا في مسار التأملات الذهنية التي قد تكون تأملات ميتافيزيقية – طوباوية ، كمن يغزل من خيوط الشمس مخملاً عسى أن يقيه لفحة برد الصقيع ، أو كمن يتدفئ على ضوء شمعه بعيدة عنه كثيرًا .. والضوء لا يدفئ إنما يعطي إحساسًا غير واقعي بالدفئ .. وهذا هو الفارق بين التوقعات المبنية على معطيات ، والتنبئات المبنية على تخيلات !! .

معطيات عام 2018 هي الفرشة ، التي سيتم استخلاص نتائجها لتوقعات ما يمكن أن يحدث لعام 2019 وليس لتنبئات ما يمكن أن يكون عليه في العام الجديد .. فما هو الممكن الذي ستفرزه معطيات الانهيارات التي حلت في العام الماضي الذي يشكل عمقه منذ عام 2003 وما قبله 1991 وما قبله 1988 وما قبله 1979 ولن نروح بعيدًا .. فهذه الحقبة كفيلة بمعطياتها المتسلسلة المراحل التي يحتويها نهج ثابت نسبيًا مع بعض تغيرات في شكل الأدوات وثبات المرامي والمقاصد والأهداف .. ثم هناك محطات في إيران وسوريا ولبنان واليمن والعراق :

- لن تشتعل حرب أو حروب إقليمية .. لا أمريكا تشن حربًا على إيران ، ليس لأنها غير قادرة عليها ، ولكنها ستستمر حروبها الاقتصادية والنفطية لحد الاختناق والتسليم بالأمر الواقع ، ولا الكيان الصهيوني يشن حربًا على إيران رغم تهديداتهما المتواصلة منذ عقود دون أي تنفيذ يذكر .

- الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا هو انسحاب تكتيكي يأخذ مداه الاستراتيجي من واقع تعزيز القواعد العسكرية الأمريكية في العراق ، وخاصة قاعدتان مهمتان في عين الأسد والأخرى بالقرب من محافظة أربيل التي استكملت مدارجها الثقيلة مهماتها .. ولا أحد يستطيع ملء الفراغ لا نظام دمشق ولا ميليشيات الحشد الشعبي ولا ميليشيات داعش أو القاعدة ، لأن ملء الفراغ يعني الدخول في مصيدة القاعدتين الأمريكيتين آنفة الذكر .. والاتفاق أمريكي روسي اطلعت عليه أنقره واستبعدت طهران !! .

- لا خيار أمام روسيا سوى باب المساومات وعقد الصفقات .. وذلك لاعتبارات تخص أوضاعها الاقتصادية التي تعتمد فيها على مبيعات النفط والغاز .. وإذا ما نجح مشروع ( جو لايدن ) ، الذي تسميه الإدارة الأمريكية ( محور الطاقة ) في شرق حوض البحر المتوسط ، فإن وضع روسيا سيكون صعبًا في ظل نزيفها في أوكرانيا والقرم على سبيل الحصر .. فلا مجال أمامها سوى الصفقة الكبرى في سوريا .. فيما الاعب الفارسي سيكون خاسرًا ، لأن صفقة الإنقاذ لا تشمله وعليه الانسحاب من سوريا دون قيد أو شرط مهما عقد من اتفاقات ثنائية مع النظام السوري تشمل قيادته لـ( الفرقة الرابعة ) وتأسيسه مصانع السلاح لإمدادات ميليشياته وميليشيات حزب الله في الجنوب اللبناني ، ومشروعاته الاقتصادية المشتركة في الزراعة وصناعة النفط والسلاح وتكريس ( الاستيطان ) الطائفي .. هذا الوجود الفارسي سواء كان عسكريًا - ميليشياويًا أم وجودًا طائفيًا في أي شكل كان ، عليه أن يغادر سوريا .

- الازدواجية التي تعكسها السياسة الإيرانية في مغالطة ( الدولة القومية والثورة الإسلامية ) التي روج لها البعض ، وخاصة منذ أن أطلقها ( هنري كيسنجر ) ، تأخذ طريقها إلى التفكك بانكشاف الغاطس الإيراني الذي يعري نهج السياسة الخارجية الإيرانية تمامًا ، وهو الأمر الذي سيقود إلى زعزعة قاعدة النظام وعزله داخليًا وإحكام العزلة الخارجية إبتداءً من المحيط القريب حتى البعيد ، نتيجة تآكل صدقية النظام منذ تسعة وثلاثون عامًا من الكذب والدجل والمراوغة والخداع والنيات الإجرامية المبيتة حيال مختلف دول العالم .

- النظام الإيراني يريد أن يحيى عن طريق القتل ونشر الفوضى ، ولكن ، ورغم ذلك فقد فشل النظام في الوصول إلى أهدافه فشلاً ذريعًا .. ليس ذلك فحسب ، إنما إستحالة أن يحقق أهداف إمبراطوريته التوسعية أبدًا ، فوضعه الاقتصادي سيزداد تدهورًا ، وموارده المالية ستمسي شحيحة جدًا ، وإمداداته المالية لأذرعه الطائفية المسلحة سينتهي بها إلى والضعف والتفكك والاندحار ، وبؤر خلاياه المزروعة إستخباريًا في ساحات العالم المختلفة ستفقد قدراتها على الصمود وتأدية مهماتها الإرهابية .. فيما ينشطر النظام إلى ساحتين : ساحة الشعوب الإيرانية المضطهدة ، وساحة النظام الذي يجمع الملالي والحرس .. الساحة الأولى ستتسع ويتصاعد غضبها وثوراتها على طغمة النظام بسبب الظلم والحاجة والفوارق الطبقية الهائلة ، والساحة الثانية ستشتد صراعات وانقسامات ، فستتصدع وتتفكك وينتهي بها الحال إما إلى الانتحار أو إلى الانكفاء والتسليم للأمر الواقع إمتثالاً لإرادة الشعوب الإيرانية .. وكل ذلك يجري دون إعلان حرب أمريكية أو إسرائيلية مخادعة .. الحصار هو الحرب وتجفيف مصادر الإرهاب هو وسيلة للاختناق .

- وما سيحدث للخلية السرطانية في طهران خلال شهور العام 2019 نتيجة للمعطيات آنفة الذكر وليس بناءً على تنبئات غيبية أو تنظيرات ميتافيزيقية وخيالية ، سيحدث في العراق بسبب معطيات تراكمت منذ عام 2003 والتي فاقت الخيال والتصورات ، وأرجعت العراق إلى أكثر من نصف قرن إلى الوراء في كل شيء حتى بات العراق وشعب العراق على حافة التفسخ ومواجهة الفناء الوجودي بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. الأمر الذي سيضع عناصر إيران الحاكمة في العراق أمام مفترقين : إما الانحياز إلى الشعب العراقي أو الإصرار على الانحياز إلى إيران وسياساتها الإرهابية التي أصابها الضمور والعجز والتفكك .. وهنا سيكون مصير هذه العناصر السحق حد العظم وربما السحل في الشوارع .. وهذا الأسلوب ليس غريبًا على شعب العراق .. فإيران لم تعد ضامنة ماديًا ، وليست ضامنة مذهبيًا صفويًا وفارسيًا .. فهل أن عناصر إيران في العراق مصيرهم معلق بمصير نظام طهران ؟ ، ولما كانت المعطيات تشير إلى مستقبل أسود يواجه طغمة الملالي في إيران فعلى أي أساس يستمر أتباعها يركضون في وحل العراق ويستمرون في تفسيخه ونهبه وتدميره ؟ ، والمتوقع ، أن الفاسدين واللصوص سيختفون تدريجيًا الواحد بعد الآخر ، والمتورطون في أعمال القتل والإبادة سيفتشون عن مبررات التمويه والاختباء وربما الإفلات من العقاب ، فيما يلوذ الآخرون بالصمت ونزع السلاح تبعًا لواقع المتغيرات الحتمية .

- إن معطيات إيران خلال 39 عامًا إذا قورنت بأحداث التاريخ لم تحقق شيئًا إيجابيًا ملموسًا على صعيد الشعوب الإيرانية وكذلك على الصعيد الإقليمي والدولي ، سوى تقليد صواريخ وأسلحة روسية ، وشراء أسلحة روسية وفرقاطات وزوارق حربية إيطالية وغواصتان ألمانيتان ، تريد منها أن تعكس للعالم بأنها قوة إقليمية كبرى عالمية .. إستعراض القوة هذه طيلة أكثر من ثلاثة عقود تَرافقَ مع نهج تصدير ثورة الإرهاب إلى المنطقة والعالم وإحكام الطوق على المعابر والمضائق التي تحيط بمنطقة الخليج العربي وتأثير ذلك على حركة الملاحة والتجارة العالمية وتهديدها .. وهو نهج يقع في إطار استراتيجية تصادمية هجومية لا تكترث بقوى العالم ومصالحه ، فهو نهج إنتحاري في محيط يعيش فراغات أمن وفراغات سياسة وهو المحيط العربي !! .

- كما أن معطيات نظام الملالي إنشاء كيانين ( متوازيين ) ، كيان ( الدولة ) التي تتعامل من خلالها مع دول العالم بطريقة الخداع والمراوغة والكذب واستخدام وسائل الإرهاب لتنفيذ برامج الدولة الإيرانية ، وكيان موازي يتسم بالتسلط الداخلي وبالعنف الدموي ضد الشعوب الإيرانية .. هذا سوف لن يستقر على حاله بعد فشل النظام في تسويقه .

- إن تسويق النظام الإيراني لخططه السرية التي تبدأ بمراحل ( الغزو ، ثم الهيمنة ، فالسيطرة ، ثم الحُكْمْ ، فقوة الدولة ذات المؤسسات الموازية ) التي لم تعد سرًا فقد تكشفت تمامًا وتهرت ولم يعد النظام قادرًا على ستر عوراته ، وإن إنهيارات ركائزه ستكشف عنه شهور العام الجديد .. فحالة إيران لم تعد حالة مَرَضية فحسب ، إنما حالة غير طبيعية ومركبة من تسويق المخاطر والهرولة غير الطبيعية المؤكدة على نهج تصدير الثورة العرجاء التي لن يصغي إليها أحد خلال العام 2019 ، لا في داخل إيران ولا في خارجها ، إنما على العكس سيعلو صوت الشعوب الإيرانية وتعلو أصوات الذين يرفضون الدولة التي ترعى الإرهاب ، فيما تتساقط حجج النظام وتتساقط ركائزه ، ركيزة بعد ركيزة على مدى الشهور القادمة .. إنها توقعات قائمة على معطيات وليست تنبئات المنجمين !! .





الثلاثاء ٢ جمادي الاولى ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / كانون الثاني / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة