شبكة ذي قار
عـاجـل










احتضنت طهران يوم السبت الماضي 24/11/2018، فعاليات المؤتمر الثاني والثلاثين للوحدة الإسلامية تحت عنوان " القدس محور وحدة الأمة ".

ولقد دأبت إيران على عقد هذا المؤتمر سنويا في ذكرى المولد النبوي الشريف، وكانت في كل مرة تختار له عنوانا أو شعارا لا يخرج عن دائرة غيرة إيران على الإسلام واستعدادها للذود عنه بوجه الاستهداف الخارجي له وخاصة ما تسميه بمجمع الاستكبار أو الطغيان الدولي وغيرها من المصطلحات المعروفة والادعاءات الجوفاء، وذلك تماهيا مع مبادئ ما يمسى بالثورة الإسلامية أو ولاية الفقيه واقعا.

وفي الحقيقة، فإن مثل هذه المؤتمرات لا تزيد في جوهرها عن مساعي إيران للتعمية عن حقيقة مشاريعها وأحلامها التوسعية وأهدافها في تزعم العالم الإسلامي وقيادته والسيطرة عليه وفرض وصاية حقيقية على كل المسلمين، كما تسعى من خلالها إلى تلميع حقيقتها وإخفاء مخططاتها ونزعتها الطائفية وضلوعها في تأجيج الصراعات المذهبية والإثنية في رقعة واسعة من العالم وسيما الإسلامي.

وأول أهداف طهران هو إذابة أو إلغاء مفهوم الأمة العربية بدعوى الانتماء إلى أمة إسلامية.

ولقد ركزت منظومة الملالي من خلال هذه المؤتمرات تركيزا عاليا على الظهور بثوب المقاوم والممانع في وجه السياسات الامبريالية عموما وخاصة بوجه الكيان الصهيوني، واتخذت من فلسطين شعارا براقا للمتاجرة بها والمزايدة وبالتالي إبراز انخراط طهران الفارسية الخمينية في مشروع تحريرها انخراطا كليا مع أنها بعيدة كل البعد عن هدف تحرير فلسطين .

ورغم أنه لم يلامس العرب ولا المسلمون في شتى أصقاع العالم أي فعل أو توجه أو خطوات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية حقيقية تدلل على صدق شعارات إيران، فإنها نجحت في خداع فريق واسع من العرب والمسلمين وشراء ذممهم على حد سواء حتى ثبتت ( رسخت ) ادعاءاتها المقاومة رغم افتضاح علاقاتها الاستراتيجية مع الصهيونية العالمية وكيانها الغاصب المجرم في عشرات المواقف، علاوة على التماهي والتكامل في الأدوار الوظيفية لكلى المنظومتين الصهيونية والفارسية الصفوية خاصة فيما يتعلق باستهداف الأمة العربية ضمن المخططات الامبريالية الاستعمارية.

وها أن سلسلة المفاجآت الإيرانية لا تتوقف، وها هم الملالي يختارون شعارا جديدا لمؤتمرهم لا يختلف عن سابقيه، بل يزيد عليها جميعا من حيث دلالاته وقوته وعمقه.

ولكن، يبقى أكبر ما يثير في هذا الشعار الجديد هو هذا الإيحاء الجديد الذي طلع به دهاقنة الفرس حتى لَيٌخَيّل للمتابع أول الأمر أن إيران قد نزعت عمامتها الطائفية وخلعت رداءها الإسلاموي واقتلعت طابعها الطائفي ( قناعها واقعا )، وقررت أن تصبح قٌطرا عربيا.

فشعار " القدس محور وحدة الأمة " لا يمكن أن ينطبق علميا على العالم الإسلامي وهو عالم متناثر الأجزاء ومختلف في كل المقومات والتفاصيل لغة وحضارات وتقاليد وحتى المصالح بل ولا تشترك مكوناته إلا في الدين، وهو شعار لا يستوي أن ينطلق إلا من بيئة عربية خالصة، ولا يستوي صدوره إلا من العرب بدءا.

وهذا الشعار ليس ابتكارا فارسيا ولا إنجازا صفويا، وهو ليس اختراعا تفتقت عنه قريحة الملالي والولي الفقيه، والأدهى والأمر أنه ليس شعارا صادقا متى تغنى به الفرس.

فهذا الشعار هو سطو ممنهج واستنساخ حرفي لإحدى أكبر شعارات حزب البعث العربي الاشتراكي وانتحال لأعظم ثوابته النضالية ومثاباته الفكرية والجهادية معا.

لقد سطت إيران الفارسية على الشعار الذي خطه الرفيق القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق في خطابه ومقالته الشهيرة بعنوان " تثبيت الخيارات الأساسية في النهضة العربية " وهي كلمة تاريخية في السابع من نيسان - أفريل عام 1984، بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لتأسيس حزب البعث الاشتراكي، وهي موجودة في الجزء الثالث من كتاب " في سبيل البعث " حيث يقول فيها:

( .. أيتها الجماهير المناضلة
إن القضية الفلسطينية، هي قضية تحرير فلسطين، كجزء له مكانة مميزة من وطن كبير تعرض للاغتصاب والاحتلال والتجزئة. وهي في الوقت نفسه، قضية تحرر الأمة العربية ونهضتها ووحدتها.. لذلك اتخذت القضية الفلسطينية بحق هذه المكانة في النضال العربي، وفي التصور الثوري للنهضة العربية، بأنها القضية المركزية، التي يفترض أن يكون تبنيها، والاضطلاع بما ترتبه من مسؤوليات نضالية، هو الموجه لسياسة كل قطر عربي، والموجه للسياسة العربية القومية.. وهي عندما تكون الموجه لسياسة الأقطار، ولنضال المناضلين، تصبح هي الوحدة. أي معركة الأمة. " لذلك كانت فلسطين طريق الوحدة، وكانت الوحدة طريق فلسطين. "...

( وإنه بإطلالة سريعة على هذا الخطاب التاريخي، سيتبين القارئ أن هذا المقال تعرض بالتفصيل لخطر الطائفية وعرى الأطماع الحقيقية لنظام ولاية الفقيه، كما فضح حليفها الاستراتيجي نظام حافظ الأسد وكيف فوت على العرب بردته وانقلابه وتوجهه الطائفي فرصا كبيرة على العرب في سبيل تحرير فلسطين.

فكيف إذن، عاد الفرس والملالي بعد أربعة وثلاثين عاما ليبنوا على شعار بعثي مركزي أصيل، كان ولا يزال محركا مهما لمنهاج البعث الاستراتيجي العام ولمشروع النضال القومي عموما، وكيف أدركوا أنه شعار وجيه ومعبر تعبيرا علميا وعمليا عما يجب أن يكون عليه فعل مقاومي الصهيونية والاستعمار؟

وهل باستنساخ الفرس لشعار البعث، إقرار بصحة ومبدئية مواقف الحزب؟ وهل في ذلك اعتراف بأن الحرب الظالمة التي شنتها إيران الفارسية الصفوية على العراق قلعة البعث وقلعة القومية العربية كانت خدمة مجانية وعبثية لنفس العدو الذي تتشدق إيران بمحاربته، وأنها شكلت طعنة نجلاء للقضية الفلسطينية؟

أم ترى - وغير هذا وذاك - العقل الباطن الفارسي قد غلب في لحظة من الزمن جبروت ومكابرة وطغيان الخمينية ومشروع ولاية الفقيه الإجرامي المتخلف؟

وماذا عن موقف ولاية الفقيه من البعث بعد هذه السرقة الموصوفة لشعار من شعاراته المركزية المهمة؟ ماذا عن تكفير الخميني للبعث ومناضليه وقياداته فور ركوبه الطائرة التي نقلته من باريس لطهران لما سطا على ثورة الشعوب الإيرانية؟

ثم ماذا عن التكرار السمج لاتهام البعثيين بالوقوف وراء كل الأزمات في العراق وغير العراق حسبما تقتضيه مصالح طهران وعملائها؟

هذا فيما بتعلق بالشعار المرفوع عنوانا لمؤتمر طهران هذا العام، أما متابعة تصريحات كبار المسؤولين الفرس السياسيين والعسكريين والدينيين، فتحيل إلى تظاهر بحرص إيران على جيرانها العرب واستعدادها لمساعدتهم. ولم يكتفوا بذلك، بل ذهب حسن روحاني لحد التعبير عن استعداد بلاده للدفاع عن الجزيرة العربية كما ساعدت العراق وأفغانستان وبدون أي مقابل حسب قوله. فهل الواضح هنا أن المساعدة التي قصدها هي مساعدة الغزاة والاحتلال والعملية السياسة إلى حد مشاركة الأمريكان في الاحتلال.؟

ولم يكتف بذلك بل جدد التأكيد على أن إيران لا تشكل خطرا على أي أحد منوها بالقول: عليكم أن تخافوا القوى العظمى والخونة، نحن إخوانكم ونقف إلى جانبكم.

إننا لا نعلم ما المقصود بالضبط بهذه المساعدة المزعومة ولا من تشمله تحديدا، فهل هي في واقعها لا تزيد عن تأليب الطائفة الشيعية في الجزيرة العربية سيما في البحرين والسعودية على تلك الدول وسلطاتها، وهو الدور الذي برعت فيه إيران لحد الآن وهذا ما لا ينكره أحد، وهل تندرج ضمن التقية الفارسية ( العقيدة الثابتة لدى الفرس ) فتكون المساعدة تخريبا، والعون تدميرا، والإسناد زرع بذور التفرقة وتأجيج الصراعات المذهبية وإذكاء فتيل الاقتتال الطائفي كما نسجت خيوط تلك الفتن في العراق واليمن وسوريا ولبنان من قبل، وما علاقتها بالتصريحات الإيرانية السابقة حول إحياء الامبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد؟ وماذا عن التبجح بالسيطرة على أربع عواصم عربية كبرى؟

ماذا حدث لتنقلب إيران كل هذا المدى، فتتحدث بخطاب يرقى للخطاب العربي المفقود؟

أهي مراجعات جذرية يمهد الملالي لبسطها قريبا في اطار خداع العرب ؟

أم هي مجرد محاولات استعراضية جديدة لمزيد شق صف الأمة العربية واختراق نسيجها المجتمعي وتقويض أمنها وهو ما قد اختارت له ولاية الفقيه مطية جديدة هذه المرة بمثل هذا التودد المخاتل للعرب؟

هل غدت إيران عربية بين عشية وضحاها؟ أم هي مجرد مواد استهلاكية أرسلها عتاة القوميين الفرس العنصريين الشعوبيين وأوعزوا بها لأذرعهم المنتشرة في أرجاء الوطن العربي ليلوكوها لوقت معلوم؟





الثلاثاء ١٩ ربيع الاول ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / تشرين الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة