شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تحظ مسألة باهتمام البعث مثل مقاومة الصهيونية والتصدي لها، حتى غدا من باب المستحيل تناول المسألة الصهيونية دون اقتران ذلك بذكر البعث والتنصيص على ريادته لمسار فضح أكاذيبها ودفع أخطارها وكشف مؤامراتها وتعرية حقيقتها العنصرية ونزعتها الإرهابية وتحريض الجماهير العربية على رفضها جملة وتفصيلا وتنبيهه إياها من مغبة التهاون فيما يتعلق بها أو التساهل معها أو الركون للحملات النفسية الهوجاء المفتوحة التي تشنها الصهيونية العالمية وأدواتها وعملاؤها لتطويع العرب وتركيعهم وإدخالهم بيت الطاعة بملئ إرادتهم.

فمنذ اليوم اليوم لإعلان الصهيونية العالمية عن انتصاب كيانها الغاصب في قلب فلسطين، كان البعث في مقدمة الرافضين المتصدين لتلك الخطيئة الاستعمارية الكبرى، وأعلن النفير العام وعبّأ الجماهير وحرضها وشجعها على التوجه لفلسطين والدفاع عنها بقتال العصابات الصهيونية واستهدافها بلا فتور أو تكاسل. ولقد عبرت عن ذلك مواقف البعث وأطروحاته وبياناته ومواقفه وقبلها أفعاله وخطه النضالي العام، حيث كان مؤسس البعث المفكر والمناضل الأستاذ ميشيل عفلق رأس النفيضة في تحشيد الشباب العربي واستنهاض هممه وشحذ عزائمه للنهوض لمحاربة الصهيونية وعصاباتها، فكان رحمه الله يلقي الخطب في كل الفضاءات سواء كانت مقاهي أو مدرجات الجامعات أو الأسواق أو غيرها، وكان يبسط مكائد الصهيونية ويفصّل رهاناتها وغاياتها الاستراتيجية، ولم يكتف بذلك بل توجه لأرض فلسطين حاملا السلاح بوجه مغتصبيها لإيمانه الشديد بكون الكفاح المسلح هو السبيل الأوحد لاسترجاع الأرض العربية المغتصبة وهو ما ترجمه في مقالاته الشهيرة ومن أهمها " فلسطين لا تنقذها الحكومات بل العمل الشعبي " و " إنقاذ فلسطين " و " نداء للجماهير للالتحاق بالثورة الفلسطينية " و" العراق ومعركة فلسطين " و " فلسطين قضية الثورة العربية " و " القضية الفلسطينية قضية العصر "، كما خصص لفلسطين حيزا مهما جدا من كتاباته كانت كلها تؤكد على مدى التصاق الرجل ومن ثم التصاق حزبه ومناضليه بقضية فلسطين إدراكا لحجم المؤامرة التي استهدفتها والتي استهدفت معهما ومن خلالها الأمة العربية أيضا.

ولا يجب أن يفهم من ذلك أن رفض البعث للتعامل مع الصهيونية من خارج دائرة محاربتها ومقاومتها بكل الوسائل وضرب مصالحها في مختلف الساحات وفي جميع الأزمنة وعدم الاعتراف بها والتواصل معها بأي شكل كان، إنما مرده فقط كونها اغتصبت أرض فلسطين وفصلت شطري الوطن العربي وعوقت وحدة العرب وارتكبت بحقهم بشرا وتاريخا وحضارات أكبر الجرائم الإرهابية، أو لأنها إحدى أحاييل الامبريالية والاستعمار ودسائسهما.

ودوافع رفض البعث للصهيونية وعدم الاعتراف بها أعمق وأشمل وأعم، فالبعث كان يدرك منذ إرهاصات تأسيسه الأولى، أن مخاطر الصهيونية تتعدى طابعها الاستعماري لما هو أخطر من ذلك بكثير. فالصهيونية وهو ما أكد عليه البعث هي حركة عنصرية إلغائية استعلائية، تقوم أساسا على إلغاء الآخر وإنكار حقوقه في العيش بسلام وأمان.

ومن البداهة بمكان أن يتصادم إذن البعث مع الصهيونية تصادما مفتوحا لا ينتهي في الزمان ولا المكان، إذ لا يستوي لقاء حملة الرسالة الخالدة ذات الآفاق والمنطلقات التحررية الإنسانية مع العدو الحقيقي والخطر المحدق لا بالعرب فحسب بل وبكل العالم. فالصهيونية وفق تقديرات البعث وقراءاته وتحليلاته وحسب منهاجه الاستراتيجي لا تهدد العرب أو لا تخصهم بالتهديد دون غيرهم، بل إن التظاهر بذلك إنما هو تكتيك مرحلي أملته الظروف سيما تلك المتعلقة بالأمة العربية وقتها وهي التي كانت تعاني من ويلات الاستعمار الذي أعقب انهيار الامبراطورية العثمانية بكل تداعياته على الجماهير والبلاد العربية.

وعليه، فلقد تبوّأ الموقف الرافض للصهيونية شكلا ومضمونا، مبنى ومعنى، مكانة محورية في فكر البعث وفي سياساته ونضاله الميداني اليومي.
ولهذا، فلقد قاتل البعث الصهيونية منذ فجره الأول، واستمر على دأبه ذاك وسيظل متمترسا عليه إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
ولقد تنوع قتال البعث للصهيونية واتخذ أشكالا متعددة منها العلني ومنها السري، ومنها السياسي ومنها المسلح، وكذلك الرسمي والشعبي.

إنه لا غرو في القول إنه من المستحيل أن ينافس حزب أو تنظيم عربي سواء كان تقدميا أو إسلاميا، قٌطريا أو قوميا أو أمميا، حزب البعث العربي الاشتراكي في منازلته للصهيونية، كما أنه من الصعوبة بمكان خلاء تنظيم بعثي واحد مهما كان حجمه ومجاله الجغرافي من شهيد له أو جريح أو أسير على درب تحرير فلسطين والتصدي للصهيونية.

وإن حزب البعث لم يكتف بالجوانب المسلحة أو السياسية في تصديه للصهيونية، بل ناضل ضدها لما استلم الحكم في العراق، وراد النظام الوطني بقيادة البعث المد العربي والعالمي الحر والمقاوم للخطر الصهيوني. ويكفي للتدليل على ذلك الإشارة إلى إسهامات الحزب ونظامه الوطني في شد أزر شعب الجبارين ماديا وسياسيا وديبلوماسيا وقانونيا وثقافيا وإعلاميا وغير ذلك. فلقد كان العراق رائد حركة عدم الانحياز، وكان حاضرا بفعالية وقوة فريدتين في كل المنتديات والفضاءات المناهضة للصهيونية، وكان سباقا للدفع في اتجاه تجريم التعامل مع الصهاينة بأي شكل كان، وقد لا يسقط في هذا الصدد الموقف العراقي الشهير من خيانة السادات الذي قام بجر مصر العروبة لخندق الاستسلام الذي سموه سلاما، فكان أن مارس كل الضغوط وعزل مصر الرسمية وتم تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية ناهيك عن إخراج مقرها من القاهرة ونقلها لتونس، دون تناسي التضحيات الجسام الأخرى في سبيل فلسطين وعلى درب محاربته للصهيونية والتي قدمها الحزب إبان نضاله في السلطة ومنها خصوصا أدواره الفعالة في كل الحروب التي خاضها العرب ضد الكيان الغاصب وسنامها منع سقوط دمشق وتهاوي الأردن في قبضة الغاصب الصهيونى.

ولقد ثبت حزب البعث على العهد والوعد اللذين فرضهما على نفسه وعرضها على جماهير أمته في كل المراحل ورغم جميع المحن التي تعرض لها، فكانت فلسطين قضيته المركزية واقعا لا ادعاء، فعلا لا أقوالا كما دأبت على اجترار ذلك أنظمة عربية أخرى كثيرة مكتفية برفع فلسطين ومظلمتها التاريخية شعارات للتنويم والاتجار والخداع، وهو ما لامسته جماهير شعبنا العربي في فلسطين وبقية أبناء أمتنا أثناء الحصار الكوني الظالم على العرق، حيث ورغم الخسائر الفادحة لم ينقطع دعم النظام الوطني العراقي لفلسطين يوما، بل وكان الوحيد الذي استخدم سلاح النفط نصرة لها ولشعبها في وقت كان العراق فيه محتاجا لأي فلس، فقد حالت مبادئ البعث وصرامته وجدية موقفه الرافض للصهيونية ولكيانها الغاصب دون أي رضوخ أو تسليم، وظل البعث وفيا لطرحه أمينا ثابتا على دربه لا يتزحزح قيد أنملة عن ثوابته.

ولما ألمت بالبعث محنة الاستهداف الكوني الجائر، ورغم الادعاءات والتلفيقات التي لفت ذلك الهجوم المسعور عليه وعلى نظامه الوطني في العراق وعلى تنظيماته كافة، كان البعث مدركا أن المحرك الأول لأعدائه وأعداء الأمة من امبرياليين بقيادة أمريكا والقوى المتحالفة معها والمنصاعة لها والقوى الإقليمية الأخرى، والمغذي الرئيس لضرب العراق إنما هو دفعه للإذعان للإملاءات القاضية بضرورة اعترافه بالكيان الصهيوني وتخليه عن فلسطين، وكان البعث مستوعبا لحقيقة أنه وبمجرد الموافقة على تلك الشروط فستنتهي محنته وسيبقى في السلطة، وسيتوقى ما أعدته له العقول الشيطانية المجرمة من مكائد.

لكن، آثر البعث وقياداته ورجالاته الموت عن الانصياع لمسار من الذل طويل، واختار المشانق والسجون والمعتقلات والمطاردة والنفي والتشريد والاجتثاث على خيانة الأمة والتخلي عن فلسطين إيمانا منه بأن القدس تستحق أغلى التضحيات وأكثر العطاء، فنصرتها وإنقاذها وخط حريتها بالدماء العربية الزكية واجب وطني وقومي وديني وإنساني، واستحقاق نضالي وشرف لا يخطه إلا الأصلاء ولا يكتب سِفْره إلا النجباء المخلصون المتصالحون مع ذواتهم والمتشبعون بقيم الإيثار والفداء وذوو الهمم العالية والنفوس العظيمة والعقول الراجحة الشامخة.

وإنه من المفارقات المحيرة، أن ما سار عليه البعث ورغم نصاعته وعظمته، لم يمنع من تخاذل المتخاذلين وتهاون اللئام وقعود الجبناء الكذابين، إذ ها هي الاختراقات الصهيونية اليوم تبلغ مدايات خطيرة وغير مسبوقة، ويجاوز مستوى تسرب الصهيونية وتغلغلها في الجسد العربي كل مسموح أو مقبول رغم أنه ما كان ذلك بمقبول مهما كانت التبريرات.

وها هم الأعراب اليوم في مشرق الوطن العربي أو مغربه يتسابقون دونما حياء للاعتراف بالصهيونية وبالتواصل المكشوف والتعامل العلني معها في صفحة غدر سوداء قاتمة جديدة يخطها أولئك المفلسون المترددون المعادون لمصلحة أمتهم وجماهيرها. بل إن هذه الهرولة الممجوجة والمترعة خزيا وعارا تكشف بما لا يدع مجالا للشك أن جذور التآمر العربي على النظام الوطني العراقي بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي هي رأسا رفع الحرج عن أولئك المتنازلين عن شرفهم والمتخلين عن كرامتهم والمنقادين لأوامر الصهاينة المغتصبين العنصريين القتلة.

وإننا حين نتحدث عن مقاومة الصهيونية، فعلينا الإقرار بلا خجل أنها كانت مهمة وأدوارا رادها العرب بمشاركة أحرار العالم، وما التراجع العالمي في مقاومة الخطر الصهيوني الزاحف على الإنسانية برمتها إنما سببه الرئيسي الانعطافة التاريخية التي انحدر لها الفعل العربي الذي فقد بغزو العراق وإسقاط نظامه الوطني بقيادة حزب البعث سندا ومحركا عظيما، فخبا قبس مد التصدي للصهيونية وتراجع وهج قضية فلسطين.
وإنه من الأهمية بمكان في هذا الصدد أيضا، وبمناسبة تناولنا لمقاومة الصهيونية، أن نعري مرة أخرى كذب أدعياء فضل لم يؤتوه يوما وشرف لم يخطوه لبرهة، ونعني حتما من يشنفون الآذان يوميا بكونهم محور المقاومة والممانعة، أي إيران الفارسية الاحتلالية التوسعية الشعوبية العنصرية الأخرى وتوابعها وبيادقها ونغولها من أعراب رسميين وشعبيين تاهوا بدورهم على طرق الخيانة المغلفة والتخاذل المبطن بأكثر من رداء كاذب.

فشتان ما بين مقاومين أصلاء يضحون بأعلى المكاسب والمناصب ويهبون مئات آلاف الشهداء على درب استرجاع الحقوق العربية وتحرير فلسطين وطرد المستعمرين كافة مهما كانت لكنتهم وقوميتهم، وبين قتلة مجرمين فضلوا قتل شعوبهم وإحراق أرضهم لكن دون أن يطلقوا رصاصة واحدة على من يسمونه عدوا ويوجهون له مئات الرسائل التحذيرية الكاذبة يوميا ..

فعلى البعثيين الأصلاء العقائديين الثابتين في سوح المقاومة والممسكين بجمر المبادئ والعاضين عليها بالنواجذ أن يفخروا بحزبهم العملاق الريادي وبقيادته الطلائعية المقاومة.

إنهم وحدهم من ينطبق عليهم قول شهيد الحج الأكبر الرفيق القائد صدام حسين : " ويكفيكم فخرا أن حزبكم هو الوحيد في الدنيا الذي لم يمد يده للصهيونية ".





الثلاثاء ١٢ ربيع الاول ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة