شبكة ذي قار
عـاجـل










يتوهم النظام السوري، ومحازبيه من المنتفعين إن كانوا من نظام الأسرة الاسدية، أو بعض المتورطين، أن النظام يعيش انتصاراً تحقق على الشعب السورية الذي ناضل بكل قواه وفئاته وحركاته ضد الطغيان والنظام الأسري الديكتاتوري، من أجل حياة إنسانية تليق بالبشر، ولم يحقق النتائج المرجوة بسبب أخطاء في التخطيط والعمل كعامل ذاتي، وبسبب حجم القوى الأجنبية التي قدمت الإسناد المادي والعسكري الفعلي كعامل موضوعي، بالإضافة إلى القوى الدولية التي غضت النظر عن جرائم النظام، فمكنت النظام من تحقيق مكتسبات على الأرض، ولكن هل هذه المكتسبات استراتيجية طويلة الأمد، أم هي تكتيكية قصيرة الأجل. جرعة حياة تلقاها النظام ولكن هذه الجرعة ليست أبدية لأنها مقطوعة الجذور بالوطن السوري، وهناك نتيجة سوداء سيشهدها النظام تفاصيلها دون أدنى ريب في ذلك.

ترى هل خسر النظام السوري أسباب بقاؤه، وهل هذه الخسارة مفاجأة للجماهير أو للنظام ...؟

بموضوعية، أن النظام بدأ يتآكل منذ أن طعنت الشرعية الحزبية الديمقراطية طعنة نجلاء بعد حركة 23 / شباط / 1966، بصرف النظر عن الأهداف المعلنة أو الكامنة كنوايا. والشخصيات الحزبية التي استسهلت الانقلاب على قيادتها مرة، ستعتاد على الأسلوب مرات أخرى، حتى سيصبح القوة العسكرية سبيلاً أوحداً للتفاهم وضمن مداولات الشؤون الحزبية، وهو ما عايشه الحزب واقعياً للفترة الممتدة من 23 / شباط / 1963 وحتى 16 / تشرين الثاني / 1970، وكانت فترة مشحونة بالتوتر والترقب، وأجواء انقلاب صامت وقيادات دولة لا سلطات لها بسبب التشرذم، حسمها الأسد بانقلاب شامل على ما تبقى من أنظمة الحزب الداخلية وقيمه الاعتبارية داخل صفوفه أولا، ثم بين أوساط الجماهير الشعبية.

عاشت سورية عواقب هذا الانهيار والتآمر داخل الحزب أولاً إلى تعطيل شامل لبرامج حزب البعث العربي الاشتراكي في العهد الأسدي الرامية إلى تحقيق تنمية تنطلق من واقع حاجات الشعب، بإخلاص ونزاهة، وتحول الحزب إلى عصابات تريد البقاء على رأس السلطة، وتواجه القوى المعارضة بأساليب القمع بدرجاته القصوى، مع فشل كامل في إدارة الدولة لاعتماد المحسوبية والولاء الشخصي " للقائد"، وتزكية لابد منها من الأجهزة الأمنية والقمعية. وأظهرت السلطة الأسدية بوضوح رؤيتها ومواقفها حيال أحداث حاسمة كالحرب اللبنانية بوقوفها إلى جانب القوى الفاشية المعادية للشعب اللبناني، واشتداد وتصاعد وتائر القمع الدموي داخل سورية في أواخر السبعينات، وحتى مطلع الثمانينات، ثم شهدت تحول النظام إلى سلطة دموية بصفة تامة، وازدهرت معسكرات الاعتقال والسجون، والمجازر الجماعية، وبذلك سقطت وإلى الأبد ما كانت تروج له أبواق الدعاية الحكومية، أن العهد الأسدي سيشهد عهداً يتميز بالحريات الديمقراطية.

ولكن السلطة الأسدية حاولت أن تستعيد ألحان وأجواء انقلاب 16 / تشرين / 1970 لتبديد التشاؤم خلال عملية توريث السلطة لأبن الرئيس المتوفي، بتزوير حزبي وحكومي ودستوري مثير للسخرية، يتيح لرئيس يفتقر لأبسط مقومات وشروط الولاية، مشيعاً أجواء حوار وحرية تعبير موهومة، كانت فخاً لمن أعتقد وآمن بها، ليصبحوا بعد فترة قصيرة جداً نزلاء السجون ومعسكرات الاعتقال. وعندما أيقنت الجماهير الشعبية مالعمل .. كانت السلطة الفاشية قد حزمت قرارها بالتصدي لأي نسمة معارضة مهما كانت بسيطة بالقمع والويل والثبور.

الثورة جاءت عفوية، وتواصلت عفوية لفترة طويلة وفق مؤشرات عديدة، يدركها حتى من هم بعيدون عن مواقع الحدث، ولكن الرد على الفعل العفوي كانت مبيتاً ومقرراً، دموياً قاتلاً لا يستثني الأطفال والشيوخ والنساء، وما لبث النظام أن أستنفذ مخزونه من الصواريخ البالستية التي تردد ألف مرة من استخدامها في " حروب التحرير "، لكنه أستخدمها بوفرة ضد الشعب الذي دفع ثمن هذا السلاح، فقتل الناس دون تمييز كأن قاتلا فاشياً مجرماً بامتياز تاريخي، بل وأستخدم حتى الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً.

اليوم وبعد مسيرة سنوات في النضال السياسي السلمي والمسلح، يعتقد النظام أن من خف لنجدته باق إلى الأبد، متناسياً أن هذه المواقف تمليها المصالح السياسة، والسياسة من أولى صفاتها وسماتها هو التغير والتبدل المتواصل، والنظام خسر إلى الأبد فقرات جوهرية لا يمكن تعويضها أو استعادتها، وطالما أن طابع النظام هو رأسي ( القائد هو كل شيئ وفوق كل شيئ ) فهو المسؤول البديهي عن ما حصل منذ استلامه المشؤوم للسلطة وحتى اليوم.

ــ وفي مقدمة ما خسره النظام، هو حتى ذلك الغطاء السياسي المهلهل ( الحزب القائد )، وخسر نظام الحزب على مساوئه.
ــ خسر النظام غطاء الشرعية الدستورية وإن كان مزوراً أصلاً.
ــ خسر النظام الهوية الاجتماعية ( الاشتراكية )، حتى بصيغتها الدعائية الإعلامية غير الواقعية.
ــ النظام ورأسه كان يرعى ( إدعاء ) التوجه الديني للدولة، إذ كان يحرص رئيس النظام زوراً رعايته وحضوره في المناسبات الدينية.

ماذا تبقى للنظام ... ولماذا ينبغي أن يبقى في الحكم ..؟

لم يتبقى سوى حقيقة موضوعية لا يستطيع أحد تجاهلها، بما في ذلك حلفاء النظام : التشخيص الموضوعي بأنه حكم أسرة طغياني ديكتاتوري فاسد دمر البلاد وقتل الناس وهجر الشعب، ووضع الوطن تحت وطأة الديون والقروض والفقر، لأمد غير معروف. نظام فشل في تحرير الأرض الوطنية المحتلة، وفقد سيادته على سائر الأراضي الوطنية. لماذا يجب أن يبقى هذا النظام الساقط دستورياً وشرعياً وخلقياً، وما هي أبسط مستلزمات ومستحقات بقاؤه، غير الحراب الأجنبية التي تحميه وتتصرف وفق مصالحها الجيوسياسية، ولكن على حساب شقاء الشعب السوري.

كل هذا اليوم غدا واضحاً، والجماهير السورية قادرة أن تبلور مواقف جديدة، تعبأ فيها قوى الشعب في معركة سياسية، تواصل الرفض بكل الأساليب الممكنة مصادرة حقوقه وكرامته وحريته، وتقاوم المشاريع التي باتت علنية في التهجير والتلقين الطائفي، والفارسي، أملاً في إحداث تغير يبقى على نظام العائلة، وهذا حلم غبي يتحدى التاريخ والجغرافية، وسيعود بالضرر الأكيد من يسعى إليه. فتجارب كهذه قامت بها قوى وأنظمة أقوى وأمضى بكثير من نظام الأسرة الأسدية، ولكن هذه المشاريع وأصحابها دفنوا في مدافن التاريخ كصفحات بشعة، وفاشلة، وعادت بالأضرار على من حاول القيام بها، وحلفاء النظام من الروس أكثر من يعلم بأمر هذه المحاولات ومصيرها.

جماهير شعبنا العزيز
إلى مزيد من التلاحم، إلى وعي دقيق بمصائركم .. ووحدة شعبية حديدية، القوى الوطنية والقومية والتقدمية والإسلامية المتنورة، مدعوة إلى دراسة وتفهم الموقف بكافة أبعاده، ونبذ ما لا يستحق أن يطرح كأولويات ... فالأولوية الأولى والأخيرة هي وحدة الوطن والشعب وحريته وكرامته، ولا تعلو عليها أية أهداف أخرى.

قيادة التنظيم السوري لحزب البعث العربي الاشتراكي
دمشق ــ أواخر تشرين الثاني / ٢٠١٨





الثلاثاء ١٢ ربيع الاول ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حزب البعث العربي الاشتراكي / التنظيم السوري - المكتب الثقافي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة