شبكة ذي قار
عـاجـل










السياسة في معظمها مراوغات في الحسابات ، وتراجعات فيها .. ولكن السياسة - الاستراتيجية ينبغي أن تتسم بثبات نسبي .. فحين يصدر مثلاً قرار الدولة الأمريكية بالعقوبات التي تأخذ مرحلتين أولاهما: عقوبات اقتصادية وثانيهما : عقوبات نفطية ، فإن مثل هذا القرار يرتبط بصدقية الدولة في اتخاذ قراراتها ، ولا تنفع معها أي تبريرات أو ذرائع للتراجع .. لأن مثل هذا القرار في أساسه لا يتخذ إلا بعد الدراسة العميقة واستحضار كل السيناريوات والاحتمالات والاستعداد لها وسد الثغرات فيها ، وهو الأمر الذي يستند عليه القرار ، وخاصة في إطار استراتيجية جديدة للولايات المتحدة خاصة بمكافحة الإرهاب ، الذي خلقته وعاونت عليه الدولة الإيرانية .. وهي الدولة التي ترعى الإرهاب وتمول الإرهاب ، الدولة التي يجدها العالم غارقة في ممارسة الإرهاب في سوريا وجنوب لبنان واليمن والعراق وباقي دول المنطقة ، وتمارس أعمال الإرهاب في العواصم الأوربية وآخرها محاولة تفجير اجتماع رسمي عام يضم آلاف الحاضرين وفي قلب باريس العاصمة فضلاً عن محاولة فاشلة في الدانمارك .

إيران أعلنت بكل صلافة ووقاحة وعجرفة أنها تقاتل على أرض ليست أرضها ( أرض سوريا واليمن ولبنان والعراق ) وبجنود هم ليسوا جنودها ( ميليشيات طائفية شكلتها من العراق ( الحشد الشعبي ) ومن جنوب لبنان ( حزب الله ) ومن اليمن ( عصابات الحوثيين ) ومن أفغانستان وباكستان والبلوش ( تنظيمات فاطميون وزينبيون ) ومن العرب تعاملوا مع ( حماس ) و( الجهاد الإسلامي ) ، كما تعاملوا مع القاعدة في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وفي أفريقيا وأمريكا اللاتينية .. وتنفق طهران الكثير من الأموال هي أموال الشعوب الإيرانية المُسْتَعْبَدَة وأموال الشعب العراقي المنهوبة لتمويل الإرهاب .. فيما أعلنت أمريكا، أن زواج المتعة مع طهران قد وصل إلى منعطف نتيجة للابتزاز الإيراني ( لثروات ) اللص الأمريكي المحتل ، الذي سلم العراق لها على طبق من ذهب بالوكالة .. وإن عقد المتعة هذا وهو في منعطفه الحاد ، لم تكن نتائجه لسواد عيون العراقيين أبدًا .. لأن أمريكا هي التي احتلت العراق وهي التي فككت العراق وفككت شعب العراق وهي التي حطمت العراق ودمرته في ظل زواج المتعة مع النظام الفارسي .. أمريكا وطوال أكثر من عقد ونصف العقد تلتزم الصمت ساكتة أمام التدمير الممنهج الكامل والشامل للشعب وبنيته التحتية ومشاريعه في الزراعة والري والصناعة والتعليم والصحة والبيئة بكل أبعادها وتفاصيلها .. أمريكا مسؤولة عنه ومتواطئة مع طهران منذ ما قبل جريمة إحتلال العراق ، حين وقعَ ( عبد العزيز الحكيم ) في واشنطن - بعد انفضاض مؤتمر لندن - على التعهد الإيراني الذي يحمل وجهين :

الأول : عدم تعرض شيعة إيران في العراق للقوات الأمريكية الغازية إذا ما قررت أمريكا الحرب على العراق ، وذلك بطريقة الفتوى التي أعلنها علي السيستاني حيث حَرَمَ مجابهة قوات الغزو الأمريكية للعراق .

والثاني : التعهد بعدم تعرض القوات الإيرانية ، الجوية والصاروخية ، للطيران الحربي الأمريكي في حالة دخوله الأجواء الإيرانية ، لأي سبب ، خلال عمليات الحرب على العراق .. أما قرار حل الجيش العراقي النظامي فقد كان شرط وضعه ( علي السيستاني ) لتعاونه مع الاحتلال الأمريكي - حسب بول بريمر- في كتابه المنشور مؤخرًا وتصريحه المتلفز واسع الانتشار .

فيما كانت أمريكا قد خططت لغزو العراق ومن ثَمَ إرباك المنطقة العربية بأسرها بالفوضى ( الخلاقة ) ، التي استهدفت تحطيم التوازن الاستراتيجي فيها وإحلال ( فراغات الأمن ) لأغراض الفوضى عملت فيه الأداة الإيرانية تهديمًا سياسيًا وآيديولوجيًا وديمغرافيًا تحت خيمة التوافق الاستراتيجي بين أمريكا وإيران .. فما الذي حصل لهذا التوافق ؟ ، هل انتهى عقد زواج المتعة بين الطرفين ؟ ، أم أن تعديلاً جرى لأغراض التحول المرحلي الذي تتبعه أمريكا بين إدارة وأخرى تبعًا لمعطيات الواقع وصراعاته من جهة ، وأهمية غلق الملف القديم المقلق لصالح الكيان الصهيوني بالمقايضة ؟ .

الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري هو الفاصل في حد اللعبة الأمريكية الكبرى .. وحالات الالتفاف على القرار الأمريكي الذي عليه أن يثبت مدى صرامته إبتداءًا من العراق ، الساحة التي تعتبر المنقذ الوحيد لإبقاء إيران تطاول وتراوغ وتماطل ، لأن أتباع إيران يهيمنون على موارد النفط والثروة الوطنية ويسيطرون على الوزارات والمؤسسات والبنوك والمصارف وبيدهم بيع العملة الصعبة بالمزاد العلني ، فضلاً عن شبكة الاتصالات والعلاقات التجارية المفتوحة بين بغداد وطهران .. فكيف يمكن التحكم بثروات النفط وهو يتسرب بالشاحنات من حقول كركوك إلى كرمنشاه الإيرانية ؟ ، وكيف يمكن السيطرة على نفط العراق في الجنوب والأنابيب تفرغ شحناتها في شاحنات ميليشيات الحشد الشعبي وتهريبها إلى إيران بأسعار تصل (7) دولارات للبرميل الواحد ، عدا أنابيب السحب المائل ، والاستحواذ الإيراني على ما يسمى بالحقول المشتركة .. فكيف يمكن ضبط المعادلة في واقع فاسد تعرفه أمريكا جيداً وعملت على تكريسه منذ أكثر من خمسة عشر عامًا ؟ .

الحد الفاصل للقرار وصدقيته يكمنان في النتائج .. والنتائج ملامحها معروفه للمراقبين والمتابعين والمطلعين .. إما أن تسقط سمعة أمريكا إلى الحضيض أو أن تضع النظام الفارسي الإرهابي في قفص ، لكي تنقذ سمعتها الملطخة بالعار والكذب .. إنها جولة لا أحد شريف يعول عليها أبدًا ، قد تمتد سنتين يشتعل فيها اليابس والأخضر وهو ما تريده أمريكا وخلفها الصهيونية العالمية التي وضعت منطقة الخليج العربي على نار هادئة إسمها الخيارات الصعبة (hard choices) ، بين الموت بالذل أو برصاصة الرحمه !! .





الخميس ٧ ربيع الاول ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / تشرين الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة