شبكة ذي قار
عـاجـل










بينما يزداد عدد إصابات تسمّم مواطني البصرة، ليرتفع إلى أكثر من 57 ألف حالة "رسمية"، بحسب الإحصائيات، وتستمر التظاهرات والاحتجاجات على الوضع الخدمي المزري والإجرامي بحق المواطنين في واحدةٍ من أكبر مدن العراق وأغناها وأهمها، يعقد البرلمان العراقي جلسة بطلب من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وعلى مدى نهار كامل سمع العراقيون مداخلاتٍ لا علاقه لها بمعالجة التسمم الجماعي الذي حصل لأهل البصرة، ولا بحلول إنقاذهم أو إسعافهم على وجه السرعة، أو وضع الإجراءات اللازمة لتوفير الماء الصالح للشرب، ووقف ما يحصل، بل لم تتصدّ أي مداخلة من نواب البرلمان لمثل هذا الأمر، أو حتى لحلولٍ تستجيب لمطالب المواطنين والمتظاهرين، ولو شكليا. بل بدت الجلسة مرتبة من تكتل "سائرون" لتكون مدخلا إلى دعوة أتباعه في البصرة، للخروج بتظاهراتٍ تحتوي تظاهرات البصريين واحتجاجاتهم. وانحصرت المداخلات بنواب هذا التيار ومؤيديه.

ولم يكن صعبا ملاحظة أن هؤلاء ألقوا كلماتٍ مكتوبة ومعدّة سلفا، وهي مداخلاتٌ سبق لهم إعادتها وتكرارها على الملأ، ليس عشرات المرات، بل مئات المرات عبر القنوات الفضائية وباقي أجهزة الإعلام الأخرى، فالنائب "الشيخ" صباح الساعدي، عضو مفوضية النزاهة سابقا، ومن "سائرون" حاليا، لا يملّ ولا يكلّ من تكرار "ما كلف به"، كما يتأكد اليوم من دور
"فضح للفساد" يقتصر على التذكير بهذا الأمر لا غير، منذ أكثر من عشر سنوات، فمهمته كشف فساد المسوؤلين الحكوميين أمام المواطنين ليس أكثر، فلا قاضي يسمعه؟ وذلك على الرغم من الوثائق التي يقول إنها في حوزته، ولا هو قدّم أستقالة من مفوضيةٍ كهذه، وحكومة ينخرها الفساد من قمتها إلى أخمص قدميها، ولا حتى قام بواجبه في تقديم تلك الوثائق إلى المحاكم، لكي تتم محاسبة الفاسدين، وممن تشير إليهم هذه الوثائق التي يدّعي امتلاكها، لكنه فجأة، وبعد كل هذه السنوات من العمل، براتبٍ ضخمٍ كما غيره من المشاركين في العملية السياسية، يطالب، ولأول مرة، إذ لم يسبق أن طالب، لا هو ولا غيره، باستقالة من فشل في عمله من المسوؤلين في الدولة، وهو واحد منهم. أما النائب ماجدة التميمي من التيار نفسه فهي "مكلفة" بايصال احصائياتٍ تبيّن للشعب العراقي كلف المشاريع، وتخصيصات الميزانية، وحجم الفساد، وإهمال إنجاز المشاريع وتوقفها. وبطريقة "الشيخ" الساعدي، يبدو كلام النائبة جميلا للوهلة الأولى، لكن المواطن سرعان ما يكتشف أن ما يُساق له من كلام معسول من نوابٍ أنقياء مثل هذه النائبة وزميلها السابق لم تتلطخ أيديهم بفساد، وبالدور الإجرامي لتدمير العراق عبر العملية السياسية ،هو مجرّد وهم، وأن من ساسة هذه العملية ممن يكشفون الفساد، ومشاركون، في الوقت نفسه، في الفساد وتوزيع حصص الكعكة، كما صرّحوا به مرات وفي أكثر من مناسبة.

الأعجب والأدهى مداخلة وزيرة الصحة التي، وبدلا من أن ترسل، على عجالة، متطلبات طبية لعلاج المصابين وحماية حياة المواطنين وضحايا التسمم، أخذت تقلّل من أهمية ما جرى لأكثر من 70 ألف مواطن، متكئةً على "تقارير دولية" لا تُعرف صحتها، ولا علاقه لها بما يجري من كارثة. كل هذه المداخلات تكرار لم يأت بجديد حول الفساد، فعدد غير قليل من ساسة المنطقة الخضراء اعترف، عبر شاشات القنوات المختلفة، بوجود ملفات فسادٍ لديه بشأن زملائه، بل لمس الشعب العراقي، وخلال السنوات الخمس عشرة الماضية، ما هو أفظع مما قاله المتداخلون في هذا الجلسة التي سميت جلسة إسقاط رئيس الحكومة، حيدر العبادي، فقد ذهب محللون سياسيون إلى أن جلسة البرلمان هذه كانت فخا لإسقاط العبادي من إخوته الأعداء، فهل يختلف العبادي وأتباعه من حزب الدعوة عن التكتلات التي تطمح دائما إلى تشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان، للسيطرة على الحكم، على الرغم من تشكيله كتلة النصر التي دخل فيها إلى الانتخابات؟

رئيس الوزراء جزء من هذه الكتلة، ومقتدى الصدر من أهم داعميه، لكن الهدف من دعوة التيار الصدري إلى عقد هذه الجلسة، بشكل أساسي، إرجاع هيبة العملية السياسية التي أسقطها شباب البصرة المنتفضون بتظاهراتهم واحتجاجاتهم وشعاراتهم، وخصوصا بإصرارهم إلى هذا اليوم، وفي المستقبل، على المواجهة مع القوات الحكومية، ومع مليشياتها التي اخترقت التظاهرات، وأحرقت المباني الحكومية بنفسها، كما أظهره فيديو عسكري، يشهد بنفسه على براءة المتظاهرين، وكما صرح العبادي بنفسه في زيارة له للبصرة لكي تنعت كل من يتظاهر بالمدسوس، وتدمغه باليد الأجنبية، كما قال محافظ البصرة إن التحريض جاء من جنوب فرنسا! وما دعوة مقتدى الصدر أتباعه في البصرة فقط ( وليس في بغداد )، وبسرعة، إلى الخروج في التظاهرات إلا لركوب الموجة القوية والمستمرة التي لفظت أحزاب العملية السياسية الدينية، ومرّغتها بالوحل، بما فيها التيار الصدري، وما جاءت هذه الدعوة إلا خوفا من انهيار عملية الاحتلال السياسية وبرامج خططها في العراق.

وقد تزامن خروج التظاهرات الصدرية هذه في المدينة مع استعراض سرايا الدفاع، ومحاولاتها ردع المتظاهرين، واتهامهم بالقيام بالفوضى والتخريب، ونزول مليشيات الحشد الشعبي التي هدّدت، على لسان قائدها الذي ظهر وخلفه السفير الإيراني، بالتعامل مع "المندسّين" في المحافظة، كمعاملة تنظيم داعش الإرهابي. في مكالمة مع أحد المتظاهرين، ومن أتباع التيار الصدري سابقا في مدينة البصرة، قال: "الصدر سيارة إسعاف للعملية السياسية". لكن الصدر لن يتمكّن في كل مرة من إنقاذ العملية السياسية، خصوصا أن كثيرين من أتباعه، كما يخبرنا المتظاهرون، بدأوا بالانفضاض من حوله. وليس منسيا أن أكثر من 80% من العراقيين رفضوا الذهاب إلى التصويت في الانتخابات، وخصوصا الشباب المتظاهر الذي هتف مخاطبا الصدر هتافا غاضبا ومتحدّيا ومحذّرا: "هذا الشعب وحده طلع، لا تركب الموجة". بمثل هذا التحدّي والتصميم من رجال العراق لن يستطيع، لا التيار الصدري ولا غيره، مهما فعلوا، رد اعتبار العملية السياسية التي فصّلها الاحتلال الأميركي، وأوكل حياكتها لوكيله الإيراني، وأسقطها شباب البصرة.





الاحد ٦ محرم ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أيلول / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة