شبكة ذي قار
عـاجـل










الخلاصة ..

يبدو واضحاً من خلال استعراض وقائع النزاع المسلح من زاوية القانون الدولي باعتماد عناصر تحليل الأحكام ومدى تطابقها ، أن الحكومة الإيرانية قد انتهكت انتهاكاً صارخاً جملة من مبادئ وأحكام القانون الدولي .

فقد خرقت هذه الحكومة مبادئ وأحكام حسن الجوار بعدم استجابتها للمبادرات العديدة التي اتخذها العراق في سبيل إرساء العلاقات بين البلدين على أسس تنسجم مع المصالح المتكافئة والمنافع المتبادلة ، وصعّدت بتصريحات مسئوليها وعدم اتخاذها الإجراءات الكفيلة بصيانة حرمة المؤسسات العراقية في إيران وضع العلاقات بين البلدين في مستوى من التوتر لا ينسجم مع ما يمليه عليها القانون الدولي من واجب العيش بسلام مع الدول المجاورة .

وعمدت إلى خرق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية حين نقلت ما صرح به مسئولوها إلى صعيد الواقع الفعلي تحت شعار " تصدير الثورة الإسلامية " والتي افترضت بموجبه لنفسها الوصاية على العراق والولاية على شعبه ، فقامت تبعاً لذلك بأعمال التهديد والتدخل المسلح وتنظيم ومساعدة وتمويل وتحريض أعمال الإرهاب والتخريب بهدف إسقاط نظام الحكم الوطني في العراق .

كما سعت الحكومة الإيرانية بموجب أعمال القوة هذه إلى منع الشعب العراقي من التمسك بهويته القومية ، وخرقت حق العراق في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي دون تدخل خارجي .

كما تشكل سياسة الحكومة الإيرانية هذه خرقاً خطيراً لمبدأ المساواة بين الدول في السيادة ، وواجب تنفيذ الالتزامات الدولية المترتبة عليها بشكل كامل وبحسن نية .

فقد قامت الحكومة الإيرانية ، في ضوء هذه الأعمال والتصرفات التي تنتهك أحكام ومبادئ القانون الدولي ، اعتباراً من 4 / أيلول/1980 باستخدام القوة المسلحة ضد سيادة العراق وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي .

إن هذه المبادأة من قبل إيران باستعمال القوة جاءت خرقاً لميثاق الأمم المتحدة الذي يحرم استخدام القوة في العلاقات الدولية ، إذ لم يصدر من جانب العراق في تلك الفترة أو قبلها أي عمل يبرر اتخاذ إيران لذلك السلوك والتصرف .

كما أن هذه المبادأة تشكل " بينة قاطعة " على ارتكاب إيران لعمل العدوان المسلح ضد العراق ، لأن الظروف والملابسات التي كشفتها وقائع النزاع ، والتي استعرضناها تفصيلاً ، لا يمكن أن يستخلص منها أي دليل بخلاف ذلك .

فالأدلة تشير إلى أن إيران هي التي بدأت باستعمال القوة وبقصد عدواني ، وهذه الأدلة هي :

أولاً - الأعمال والتصرفات المناهضة لمبادئ وأحكام القانون الدولي والتي تم ذكرها بصورة مفصلة .

ثانياً - انتهاك الحكومة الإيرانية للالتزامات ، التي كانت قد ترتبت على عاتقها بموجب اتفاقية الجزائر وعدم الاعتراف كلياً بالاتفاقية المذكورة تمهيداً لرفع قيود الاتفاقية الملزمة لها في ما يتعلق بسلامة العراق الإقليمية .

ثالثاً - إن أعمال القوة المسلحة الإيرانية ارتكبت من داخل الأراضي العراقية ، التي سبق أن تجاوزت إيران عليها خلافاً لأحكام الاتفاقيات الدولية النافذة ، مما يجعل إيران بوضع المحتل بالقوة لتلك الأراضي ومن ثم بمركز المعتدي .

رابعاً - إن العراق قد ناشد الحكومة الإيرانية بلزوم رفع تجاوزها المسلح على الأراضي العراقية بعد أن استمرت أعمال القوة المسلحة الإيرانية ثلاثة أيام ومنحها مهلة كافية لإيقاف ذلك التجاوز ورفعه ، ولم يلق ذلك النداء أية استجابة .

خامساً - إن أعمال القوة المسلحة ، التي ارتكبتها الحكومة الإيرانية ضد العراق استهدفت ضرب المدن الآهلة بالسكان والمنشآت الاقتصادية الحيوية ، وأعمال وتصرفات الحكومة الإيرانية غير المشروعة التي سبقت استخدام القوة المسلحة وما تمخض عنها من نتائج والتي هددت أمن العراق وسلامته واستقراره كانت على درجة كبيرة من الخطورة .

وبهذا تكون عناصر العمل العدواني المادية والمعنوية قد اكتملت في أعمال وتصرفات الحكومة الإيرانية بموجب القانون الدولي على النحو الذي سبق تفسيره عند التطرق للمادة (2) من تعريف العدوان .

ومما يعزز هذا الرأي أن أعمال القوة المسلحة الإيرانية يسري عليها أيضاً وصف العمل العدواني في القانون الدولي كما ورد ذلك في المادة (3) من تعريف العدوان موضوع البحث .

أما في ما يتعلق بالإجراءات ، التي اتخذها العراق ، فهي إجراءات تنسجم تماماً مع ممارسة الحق الطبيعي للدولة في الدفاع الشرعي نظراً لتوفر شرطي الضرورة والمعقولية اللذين يقررهما القانون الدولي لقيام هذه الممارسة بشكل مشروع .

فشرط الضرورة قد تحقق للأسباب الآتية :

أولاً - تهديد سيادة العراق وسلامته الإقليمية وأمنه واستقراره من خلال أعمال وتصرفات الحكومة الإيرانية المناهضة لمبادئ وأحكام القانون الدولي التي تم استعراضها وتفسيرها .

ثانياً - عدم التزام الحكومة الإيرانية بواجبها في عدم الاعتداء على الاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للعراق طبقاً لما قررته اتفاقية الجزائر لعام 1975 وقواعد القانون الدولي .

ثالثاً - حجم ونوع وكثافة الأعمال المسلحة الإيرانية ، التي استهدفت المدن الآهلة بالسكان والمنشآت الاقتصادية الحيوية في العراق .

رابعاً - عدم الاستجابة لنداء العراق برفع التجاوز الإيراني عن الإقليم وتصاعد الأعمال المسلحة الإيرانية .

أما شرط المعقولية فهو متحقق أيضاً للسببين الآتيين :

أولاً - إن أعمال القوة المسلحة ، التي قامت بها القوات المسلحة العراقية قد اقتصرت على إزاحة الاحتلال الإيراني من الأراضي العراقية وتوقفت تلك الأعمال عند إكمال تحرير تلك الأراضي دون التجاوز على الحدود الدولية للبلدين .

ثانياً - إن الحكومة العراقية قامت بتذكير الحكومة الإيرانية بالتزاماتها بموجب اتفاقية الجزائر لعام 1975 وتوجيه النداء لها بالانصياع لما تقرره التزاماتها الدولية بموجب الاتفاقية والقانون الدولي .

فبالنسبة للإجراءات العراقية التي اتخذت اعتباراً من 22 / أيلول/1980 فأنها هي الأخرى تقع ضمن سياق استمرار ممارسة حق الدفاع الشرعي لتوفر شرطي الضرورة والمعقولية .

ففي ما يتعلق بالضرورة ، يتوفر هذا الشرط لسببين :

أولاً - إن الإجراءات العسكرية الدفاعية العراقية ، التي اتخذت في الفترة من 8 ولغاية 11 / أيلول /1980 لا تشكل أي انتهاك لقواعد القانون الدولي .

ثانياً - بالرغم من نداءات العراق الموجهة إلى إيران لتذكيرها بالتزاماتها الدولية بموجب اتفاقية الجزائر لعام 1975، كانت استجابة الحكومة الإيرانية لتلك النداءات متمثلة بتصعيد الموقف إلى حد الحرب الشاملة ، وذلك من خلال قيام القوات المسلحة الإيرانية بتعطيل الملاحة في شط العرب وفي نهاياته وشن الغارات الجوية المكثفة على القوات المسلحة العراقية الموجودة في الإقليم العراقي وإعلان النفير العام وغلق الأجواء الإيرانية والاستمرار بقصف المدن الآهلة بالسكان والمنشآت الاقتصادية الحيوية للعراق .

أما شرط المعقولية ، فهو متحقق أيضاً للأسباب التالية :

أولاً - إن العراق لم يخرق أي التزام دولي نافذ عليه ، وإن قراره باعتبار اتفاقية الجزائر ملغاة جاء منصباً على الالتزامات التي أملتها الاتفاقية المذكورة على عاتق الطرفين وتلبية لإلغائها من جانب إيران قولاً وفعلاً .

وعليه ، فإن زعم الحكومة الإيرانية بأن العراق قد ألغى الاتفاقية تمهيداً لارتكاب العدوان لا يقوم عليه الدليل قانوناً بعد أن ثبت ارتكاب إيران للعدوان ضد العراق قبل تاريخ اتخاذ القرار العراقي باعتبار اتفاقية الجزائر ملغاة للأسباب التي تم ذكرها آنفاً .

ثانياً - إن العراق أعلن باستمرار أنه لا يملك أطماعاً إقليمية في إيران وأنه لا يستهدف سوى نيل اعتراف إيران بحقوقه المشروعة في السيادة الإقليمية على كامل الإقليم البري العراقي والنهري في شط العرب وأن القوات المسلحة العراقية ستنسحب من الأراضي الإيرانية بمجرد تحقق الاعتراف الإيراني بتلك الحقوق ومصالح العراق الحيوية .

ثالثاً - إن الإجراءات العسكرية العراقية ، وإن القوات المسلحة العراقية أمرت بتجنب ضرب الأهداف المدنية الإيرانية إلا إذا استمر الجانب الإيراني بضرب الأهداف المدنية العراقية .

رابعاً - إن العراق أكد أن احتلال بعض الأراضي الإيرانية من قبل القوات المسلحة العراقية جاء نتيجة الاضطرار المتمثل بدفع الخطر والأذى عن المدن والمنشآت الاقتصادية والنفطية الحيوية والسكان في العراق . وقد عبر عن تلك الحالة بكل دقة ووضوح الرئيس الشهيد صدم حسين ، رحمه الله ، في حديثه في الجلسة الثانية للمباحثات مع " لجنة السلام الإسلامية " التي شكلت بمقتضى القرار رقم (6) الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي انعقد في الطائف ، تلك الجلسة التي انعقدت في بغداد بتاريخ 2/3/1980 ، إذ جاء في حديثه ، رحمه الله ، بشأن البعد الدفاعي للإجراءات العراقية ما يأتي :

(( ... نعم الآن المنطق القانوني والعملي أراض إيرانية محتلة في دخولنا داخل الأراضي الإيرانية ، ولكن هذه ليست هي الحقيقة كلها وإنما هذا هو الاضطرار عندما يريدون أن يهينوا المدن العراقية والأطفال العراقيين والنساء العراقيات ، وعندما تقوم الحرب أمر طبيعي أن يستخدم كلا الطرفين إمكاناته ، فأفضل من أن تدور الحرب وتدور رحاها على أرض العراق وعلى مدن العراق دعها تدور رحاها على أرض إيران .. لماذا لم ندخل عبادان حتى الآن ؟ ، هل لأننا غير قادرين على دخولها ؟ ، لماذا لم ندخل ديزفول والشوش والخفاجيه ؟  بآخر معركة ، هذا الهجوم العام المقابل لهم عملياً تركوا الخفاجيه وكانت رغبة القائد المحلي هو أن يجتاح الخفاجيه لكنا أوقفناه لأن هذا يعني أنه تدمر المدينة ، الجيش عندما يدخل ويدور قتال والقتال داخل المدينة سيقتضي أن يستخدم الطرفان أسلحتهما ، وهذا يضيف عُقَد إلى نفوس الناس سواء الناس الموجودين هناك محلياً أو عموم الإيرانيين ، أين ما يكونون ، منشآتهم البترولية ليست بعيدة جداً من الحافة الأمامية لقطعاتنا ، آبارهم البترولية ، وليس المنشآت التي تستخرج البترول فقط إنما البترول ، لماذا لم ندمرها ونحن نعرف إذا ما دمرت هذه سيصبح سعر نفط إيران أقل مما هو الآن من الناحية المادية ؟ ، لأنه لا نريد أن ننسف كل الجسور .. لا نريد أن نقطع الصلة مع أفق المستقبل ولا نريد أن نقطع الصلة مع أفق المبادئ ونستخدم التصرف بقدر الضرورة ) .

تمت .. بعون الله عز وجل  





السبت ٢٠ ذو الحجــة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / أيلول / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة