شبكة ذي قار
عـاجـل










تعيش مدينة البصرة منذ أيام على وقع كارثة إنسانية حقيقية تهدد حياة المواطنين تهديدا جديا.

وتتمثل مظاهر كارثة البصرة في تسسم أكثر من 6000 مواطن خلال الأيام الأخيرة، وذلك نتيجة ارتفاع نسبة الأملاح الذائبة في المياه والتي بلغت مؤخرا 7500 tds بحسب وزارة الموارد المائية، في الوقت الذي تحدد فيه منظمة الصحة العالمية النسبة المقبولة بــ 1200.tds، ناهيك عن ارتفاع نسبة الملوحة لحدود غير مسبوقة، وارتفاع نسبة التلوث حيث بلغ التلوث الكيميائي في مياه الإسالة 100%، والتلوث الجرثومي 50%.

وتعود هذه الكارثة إلى تزايد كميات النفايات الكيميائية الملقاة في مياه شط العرب وهو أهم الموارد المائية المعتمدة في مياه الإسالة.

وحري بالتذكير أن كارثة البصرة ليست حديثة، ولا هي بمعزل عن تداعيات مشروع الغزو الأمريكي للعراق ثم احتلاله من طرف إيران بالنيابة. إذ يعود سبب تلوث مياه شط العرب لكون التربة أصبحت مشبعة باليورانيوم المنضب الذي استخدمته القوات الأميركية منذ العام 1991، إضافةً إلى النشاطات العسكرية على الأراضي العراقية منذ 2003، ولتنامي الجرائم الإيرانية وسياساتها العدوانية ضد العراق بفعل تحويل مياه الصرف الصحي من إيران إلى شط العرب وكذلك نفايات مصافي عبادان منذ سنوات، ما أدى إلى تلوث كبير في بيئة الشط، فأصبحت مياه 70% من مناطق البصرة غير صالحة للشرب. وأدى قطع مياه نهر الكارون وانخفاض مياه شط العرب إلى صعود مياه الخليج إليه، فأصبحت مياهه مالحة وغير صالحة للشرب أو للزراعة، وهو ما أثر بشكل كبير على النشاط الزراعي وتربية الحيوانات، وأصبحت مناطق من الفاو والسيبة وأبو الخصيب منكوبة، ونزحت أعداد كبيرة من العوائل نتيجة ذلك منذ 2009.

وتعمقت مأساة البصرة البيئية بفعل انخراط الحكومات المتعاقبة على العراق منذ غزوه عام 2003 في تلك السياسات الإجرامية، حيث لم تتخذ إجراء واحدا لتطويق الكارثة المطلة كابوسا مفزعا على كبرى محافظات الجنوب العراقي، وصمّت آذانها عن التحذيرات والمناشدات التي أطلقها خبراء البيئة وتقارير المنظمات العراقية والدولية التي تنذر بواقع بيئي كارثي.
وبالعودة لحادثة التسمم الأخيرة، وتضرر الآلاف منها، ولتبيان النزعة الإجرامية لحكام العراق الجدد، فإن سبب التسمم الأول هو تلوث المياه التي تنقلها المركبات الحوضية التي وفرتها الحكومة لحل المشكلة بالمحافظة، بالإضافة لكون نسبة الكلور المعقم للمياه في معظم محطات التحلية هي صفر بالمئة. ولا تتوقف جرائم الحكومة عند هذا الحد، بل اكتفت بالمشاهدة ومتابعة كارثة البصرة كأي متابع عادي، متناسية واجباتها المفترضة – بصرف النظر عن قناعتنا وثقتنا الكلية بأنها لا مسؤولية لها ولا شرف ولا ضمير -، وحتى الوعود التي أطلقها كبار المسؤولين سابقا لمعالجة الوضع في البصرة ظلت حبرا على ورق، ولم تنفق أي من الاعتمادات التي تشدقت بأنها رصدتها للبصرة والمقدرة بــ 2500 مليار دينار.

وفي الحقيقة، لقد تجاهلت الحكومات العراقية المنصبة من الاحتلال مشاكل المواطن العراقي أينما كان، في الشمال وفي الجنوب، وأوغلت في ترهيبه وإبادته مرة باسم المذهب ومرة باسم الطائفة ومرة باسم العِرق وأخرى بذريعة مقاومة الإرهاب وغير ذلك، ولم يكن يعنيها سوى سرقة خيرات العراق وتكديس الثروات لأركانها.

ولا تخرج مأساة البصرة الحالية عن هذا السياق العام، بل إنها تتخذ بعدا إضافيا، حيث تصر الحكومة العراقية على معاقبة أهلها عقوبة جماعية لحملهم على العودة عن انتفاضتهم التي انطلقت مطلع الشهر الماضي.

حيث، ولما فشل رهان الحكومة وأسيادها في طهران على عامل الوقت، ولما تواصلت وتوسعت المظاهرات الشعبية المطالبة برحيل الفاسدين والعملاء الذين عاثوا ببلاد الرافدين فسادا، تفتقت قريحة دهاقنة الاحتلال الإيراني وعملائهم عن ضرورة الانتقام والتشفي من البصراويين لحملهم على الكفر برفض الاحتلال المزدوج للعراق وأذنابه واستشراء الفساد فيه وتنامي الطائفية والمحسوبية وتصاعد نسب البطالة والفقر وغيرها من المشاكل.

ولهذا، أحجمت الحكومة العراقية عن التعاطي مع أحداث البصرة بما تتطلبة من سرعة التدخل واتخاذ التدابير المستعجلة الكفيلة بنجدتها وقد باتت محافظة منكوبة بكل المقاييس، إذ تسببت مشكلة المياه علاوة على تسمم المواطنين في نفوق الأسماك والمواشي وتدمير القطاع الزراعي، وهو ما يصح اعتباره مرحلة جديدة من مراحل الاجتثاث التي جاء بها الغزو الأمريكي وتسهر إيران وأحزابها وميليشياتها في العراق على إنجاحه، ليعيش العراق على وقع اجتثاث الطبيعة بل والحياة من الأساس.

إلا أنه، وعلى الرغم من قتامة هذا المشهد الكارثي المخيم على العراق، فإن الفشل سيظل قدر الحكومات العراقية، كما هو قد مشروع الغزو.

فبعد اعتقاد حكام العراق أن الأمر قد استوى لهم وأنهم بتخاذلهم وتقاعسهم عن نجدة البصرة وأهلها، وبتعطيشهم قسريا، سيتراجع السخط الشعبي وسينكفئ البصراويون وأهل الجنوب والعراق كافة عن محاصرة الحكومة الفاشلة، جاء الرد الجماهيري العراقي الأصيل مباغتا وسريعا، فتداعى أبناء الأنبار وبغداد وبقية المحافظات لنجدة إخوتهم في الوطن، وسيّروا قوافل إغاثة متنوعة أساسها الماء الصالح للشرب لشد أزرهم وتعزيز صمودهم في محنتهم.

ولقد كانت الحملات الواسعة الداعية لنجدة البصرة وإنقاذها، رسالة قوية مفادها أن العراقيين موحدون ومتشبثون بوحدتهم الوطنية ومعتزون بانتمائهم للعراق العربي أقوى من ذي قبل، وأن كل سياسات الفصل القسرية على أسس مغشوشة وملغومة والتي قام عليها مشروع الغزو، إنما هي سياسات خائبة ردت إلى نحور أصحابها.

وإن هبة العراقيين في الشمال لنصرة أهل الجنوب، لهي إيذان بأن السخط الشعبي والثورة على منظومة العملاء والجواسيس في العراق متواصلان، وأن مسألة إسقاط مشروع الغزو وتحرير العراق إنما هي مسألة وقت لا أكثر..





الثلاثاء ١٦ ذو الحجــة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / أب / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة