شبكة ذي قار
عـاجـل










أكثر ما أثار سخط الشارع العراقي وفجر غضبته، إلى جانب فساد السلطة ونهبها هي الميلشيات المنفلتة التي تسوم المواطن سوء العذاب وتبتزه وتعتدي على كرامته.

وبعد الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، التي قاطعتها نسبة 80 بالمئة من العراقيين، تأكدت مخاوف العراقيين من استخدام الميليشيات الشيعية كحاجز في طريق إحداث تغيير سياسي في العراق، بات الجميع ينشده كضرورة ملحّة لإنقاذ البلد، ولإدخاله في مرحلة جديدة مغايرة للمرحلة الحالكة التي يمرّ بها حالياً.

لقد تصدرت الميليشيات قوائم الفوز في تلك الانتخابات المزورة وتبددت الآمال في أي تغيير مأمول.

وفي مؤتمره الصحفي الأخير، فتح أبو مهدي المهندس القائد العسكري الأول لمليشيات الحشد الشعبي، النار على الدولة العراقية، بعد تحالف الصدر والعبادي، ملمحاً إلى أن السلاح سيكون حاضراً إذا تسنم العبادي منصب رئاسة الوزراء لولاية ثانية ولوح بأن الحشد الشعبي سيقاوم أي حكومة تستثني من سماهم المجاهدين بالسلاح.. فهل سيشهد العراق قريباً صراعاً تذكيه الأجندة الإيرانية وتموله إيران ويدفع ثمنه العراقيون؟

عملت هذه المليشيات المسلحة تحت أغطية مختلفة، لكنها ظلت غير بعيدة عن معرفة السلطات السياسية والأمنية ومتداخلة معها، حتى تم تأسيس الحشد الشعبي في صيف 2014 بناء على فتوى المرجع الشيعي السيد علي السيستاني لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، فأصبح هذا الحشد هو الغطاء القانوني لهذه المليشيات التي ازداد عددها، منذ ذلك الوقت، إلى أكثر من أربعين مليشيا.

وفي حزيران 2015، قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن مليشيات الحشد الشعبي جزء من منظومة أمنية عراقية، ورفض وصمها بالطائفية، مؤكدا أن تمويلها يأتي من الحكومة، في حين ثبت أن تمويل أغلب هذه الميليشيات يأتي من إيران.

وامتد نشاط هذه الميليشيات في القتل، الآن، إلى الجميع وليس السنة فقط، بل أصبح بطشها بالشيعة المناوئين أشدّ وأقسى.

والواقع، أن العراق لا تحكمه دولة بمؤسسات وقوانين، وإنما تحكمه ميليشيات منفلتة أصبح أفرادها قطاع طرق وكوّنوا عصابات، بعد أن لمسوا بوضوح ضعف الحكومات، التي تعاقبت على العراق، منذ احتلاله في نيسان 2018.

والحق، أن سلطة الميليشيات أقوى من سلطة الحكومة لسبب بسيط هو أن وزراءها لا ينفذون أوامر الرئيس لأنه لا يملك أن يقيلهم من مناصبهم وينفذون أوامر الأحزاب، التي جاءت بهم إلى الوزارة وتملك أن تقيلهم منها، ولكل حزب من تلك الأحزاب ميليشيا، وعملياً، لا يوجد هناك شيء يمنع الأحزاب السياسية من استخدام الميليشيات لتطبيق الأجندة الخاصة بها، لذلك بدت الحكومة ضعيفة أمام إرادة سلطة الأحزاب، فالقرار ليس بيد الرئيس، وإنما بأيدي الأحزاب، وتلك هي لعنة المحاصصة.

حتى العصابات العادية شعرت بهذا الضعف، الذي يدب في أوصال الحكومة، فصرنا نسمع عن ارتكاب جرائم لعصابات يرتدي أفرادها زي القوات الأمنية ويستقلون سيارات شبيهة بسياراتها، بل أن هذا الضعف أغرى أفراد الميليشيات أن ببتزوا الناس ويرتكبوا جرائم تحميهم صفتهم الميلشياوية.

وحتى العشائر استشعرت هذا الضعف فبدأت تطالب بتسليحها ليتسنى لها الدفاع عن أفرادها، بمعنى أنها تطالب بأن تشكل ميليشيات تضاف إلى الميليشيات التي يمتلئ بها البلد وتسمع جئير الناس بالاستغاثة من أفعالها، ولا من مغيث.

وفي هذا السياق جاءت مطالبة قبيلة شمر، الأكبر في العراق، حكومة بغداد بتسليح أبنائها للدفاع عن أنفسهم بعد عمليات قتل وخطف تعرضوا لها من مؤخراً في مناطق صحراوية وسط البلاد.

إن تقاعس الدولة العراقية عن حماية مواطنيها سيفتح البلاد أمام حملة تسليح ذاتي تروّج لمنطق الميليشيات بصفة موازية لمؤسسات الدولة المركزية الأمنية والعسكرية، كما أن لجوء الأهالي إلى التسلّح سيصب في أهداف الإرهابيين لجهة تفكيك الدولة وتهديد اللحمة الاجتماعية الداخلية وتعبيد الطريق نحو حرب أهلية بين من يحملون السلاح بحجة الدفاع عن النفس.

وقبل أيام فقط، حصلت حادثة سطو وسرقة في مدينة الرمادي في وضح النهار نفذها سارق هاجم سيارة نوع (بيك أب) قرب مطعم السدرة وسرق رواتب موظفي بلدية قضاء عنه في محافظة الأنبار، وترك سيارته نوع (سوناتو) وهرب.

وسبقتها بقليل، جريمة اغتيال مدير جوازات محافظة بابل العقيد صفاء الدليمي بعد عودته من عمله قاصداً منزله، وفي وضح النهار.

وما جرى في شارع فلسطين، في مركز العاصمة، دليل آخر يفضح ضعف الحكومة، فقد قالت قيادة عمليات بغداد إنها فقدت أحد جنودها أثناء العملية، التي نفذتها في شارع فلسطين شرقي العاصمة، بعد تلقيها معلومات استخبارية تفيد بوجود أحد أفراد العصابة المنفذة لعملية خطف العمال الأتراك.

وإذا أردنا أن نعدد أمثلة على ذلك فسنعجز عن التعداد ونقصر عن التبيان، وفي الوقت الذي جريت عملية انتخابية فاسدة شابها الغش والتلاعب والتزوير، بدأت امتحانات الدراسات العامة الاعدادية بمادة الإسلامية بحالة غش جماعية غير مسبوقة أجبرت وزارة التربية على إلغائها وتحديد جدول جديد للامتحانات.. أليس هذا دليلاً آخر على ضعف الحكومة وفقدانها لهيبتها؟

والسبب هو المحاصصة، التي بنيت على أساسها العملية السياسية، والتي فرضها الأمريكان وأدت إلى هذه المآلات، ولا يتحمل نتائجها الكارثية سوى العراقيين قتلاً واعتقالاً وتدميراً لبنية بلدهم التحتية ونهباً لأموالهم وثرواتهم.

وهذا البنيان المتداعي، الذي يسمى حكومة عراقية أو عملية سياسية لو لم يكن محمياً بحراب إيرانية وأمريكية لسحقه العراقيون، منذ زمن، وساروا ببلدهم في طريق البناء والاعمار واستعادة هيبته وسيادته المفقودتين منذ 15 سنة.

وبعد أن غسل العراقيون أيديهم من أي تغيير في واقع حياتهم المريرة جاءت انتفاضة البصرة، التي تابعتها فيها المحافظات العراقية ومازالت نارها تسري حتى تعم مساحة العراق كلها.





الاثنين ٣ ذو القعــدة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / تمــوز / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة