شبكة ذي قار
عـاجـل










ان جوهر العقيدة البعثية هي إيمانها بأن العرب امة واحدة ، لها الحق في ان تحيا في دولة واحدة ، سواء كانت بصيغة الوحدة الاندماجية وهذا حلم قد لا يتحقق بفعل ما غرسته العقلية القطرية ليس في نفوس الحكام فحسب وإنما في نفوس قطاعات من شعب القطر الواحد ، وفي نفوس من ينتمي إلى أحزاب السلطة القطرية أو الأحزاب التي لا تؤمن بالمبادئ القومية ، أو بصيغة الوحدة الاتحادية وهي الصيغة الأقرب إلى التطبيق وتكون ذات نتائج إيجابية على وحدة الأقطار التي تصل إلى تحقيق هذا النموذج ، وأكدت العقيدة البعثية أن لا جدوى من قيام أية وحدة بين قطرين او اكثر اذا لم يقترن ذلك بمبداين مهمين واساسيين لديمومة وبقاء الوحدة ، وهما الحرية والاشتراكية ، فالحرية تعني تحرر الفرد والمجتمع من القيود البالية وفي اولها التحرر من السيطرة والتبعية الاجنبية لأية جهة كانت ، أما الاشتراكية فتعني التخلص من الفقر والفاقة والاستغلال الطبقي وتفجير طاقات الشعب ليعمل ويبني ومن ثم تحقيق العدالة الاجتماعية والسعادة للأفراد والمجتمع ، فيسود العدل وتنتهي الفوارق الطبقية في مجتمع خالي من الرواسب والقيود الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي عاشتها الأمة وشعوب المعمورة الأخرى ، ومنذ العام 1947 والبعث يناضل ويحث الخطى من اجل ان تتحرر الأمة وان تصل إلى أهدافها ، وهنا يطرح السؤال الذي يجول في عقول وافئدة الكثير من المناضلين وابناء الامة المخلصين وخاصة بعد الاحتلال الامريكي الصهيوني للعراق وهو : لقد مضى احدى وسبعون عاما على ميلاد العقيدة البعثية القومية ، فما هو المتحقق والمنجز على طريق الاهداف والمبادئ البعثية ؟ وهل هناك معوقات حالت دون الوصول الى تحقيقها ؟

وما هو دور الظروف الذاتية والموضوعية في تعطيل تطبيق المبادئ البعثية ؟ ، وقبل الاجابة على ذلك لابد ان لا ننكر ونتذكر حقيقة وهي ان المبادئ القومية للبعث استطاعت أن تلعب دورا كبيرا في خلق مقومات التحرر من الاستعمار وطرده من أقطار الامة في نهاية النصف الأول من القرن الماضي وبداية النصف الثاني منه ،لأنها ساهمت في خلق الوعي الشعبي الرافض للاستعمار والتبعية ، وقد نالت الأقطار العربية استقلالها وعلى رأسها سورية والعراق القطران اللذان كان البعث فيهما ناشطا واستطاع ان يصل إلى دفة الحكم فيهما ، ففي سورية استطاع البعث ان يحقق الوحدة مع جمهورية مصر العربية في شباط / 1958 ، وتوصل العراق وسورية ومصر إلى إعلان اتفاق 17 / نيسان للوحدة الثلاثية عام / 1963 والذي لم يظهر للوجود لأسباب كامنة في كيان عبد الناصر ، وعلى الرغم من قيام حكم حزب البعث في سورية عام 1963 وفي العراق عام 1968 اي الشوط الأكبر من عمر النصف الثاني للقرن الماضي لكن الوحدة المرتقبة لم تظهر للوجود ، ولا يمكن هنا ان نعفي قيادة البلدين عن اسباب عدم قيامها ، لان الظروف كانت تسمح لقيام الوحدة لكن الخلافات كانت ذاتية وليس للعامل الدولي تأثير كبيرا عليها ، والمراقب لطبيعة الحال في كلا البلدين يجد أنهما يرفعان شعار البعث ولكل منها قيادة قومية ويناديان بالتحرر والبناء والنهضة والاستقلال السياسي والاقتصادي والعمل على قيام الوحدة وتحرير فلسطين والأراضي العربية المغتصبة ، لكن هذا العمل والمنجز منه ظل في اطار الدولة القطرية ، وان حالة الرفاه المتحققة هي من حصة شعب القطر الواحد وليس لشعب الأقطار العربية الأخرى التي كان البعض منها يشكو العوز وقلة مصادر التنمية حصة له فيها ، في حين تريد المبادئ البعثية وتؤكد على ان يتقاسم كل شعب الامة حالة الرفاه والتقدم ، وان الثروات الكبيرة التي يمتلكها اي قطر من الاقطار عليها ان توظف لخدمة أقطار الامة الأخرى ، حتى يعط ذلك قوة للمبادئ القومية ويجعل خيار الوحدة قويا في نفوس أبنائها، وهنا وللانصاف فقد كان العراق يعاون ويساند أشقائه بالدعم وخاصة القضية الفلسطينية والافطار الفقيرة الأخرى التي كانت عرضة للضياع والاستلاب على يد الاجنبي نتيجة الحاجة الماسة الى المال ، لكن يبقى عنوان الوحدة هو الأهم وهو درع الأمة في الحفاظ على وجودها وان تكون امة محترمة بين الامم لا يستطيع أن يطمع بها طامع ، او يستولي عليها أحد ، وفي ضوء ذلك وللإجابة عن تساؤلنا في اول المقال نقول أن المتحقق والمنجز للمبادئ القومية في ميادين الأمة ورحابها منذ التاسيس وللوقت الحاضر لا يتناسب ويرتقي إلى قمة ورصانة هذه المبادئ وحجم نتائجها الكبيرة ايجابيا ، ويبدو ان المبادئ ظلت متقدمة على الطلائع التي امنت بها ولم تستطع تلك الطلائع ان توازيها في الفعل او تتقدم عليها وتستلهم منها دروسا في ترصين البناء المجتمعي وفي كيفية الحفاظ على التجربة البعثية واستمرار وجودها وعلى خلق الأجواء والتفاهمات التي تحقق الحد الادنى من الوفاق العربي وتطوير صيغ العمل المشترك بما يخدم الأمة على طريق وحدتها الشاملة وليس على طريق التباعد والتناحر وبروز القطرية المدعومة من أعداء الأمة كعامل من عوامل إجهاض الوحدة والتقارب العربي ، وهنا لابد من التوكيد إلى أننا عندما نتحدث بهذه الرؤى لا نريد ان ننتقص من التجربة القومية للبعث لانها حققت الكثير من المنجزات والركائز لشعب العراق وافاضت على ابناء الامة ، كما نؤكد حقيقة وهي ان الطرق ليست معبدة لتطبيق المبادئ القومية فنحن نفهم ونقدر حجم الاخطار الكبيرة التي يتمثل بها اعداء المشروع القومي والدول الطامعة في ارض وخيرات الامة ، وطبيعة الانظمة القطرية التي لا تريد للوحدة ان تكون عنوانا للعرب ، فهذا بحد ذاته واقع مرير لكن تجاوزه يمكن ان يكون بالحكمة والثبات والاناة والخطوة المدروسة النتائج، وكيفية التعامل مع الافعال وردودها ، فمثلما يخطط الغرب وامريكا والصهيونية ويؤسسون مراكز بحوثهم ودراساتهم التخصصية في جميع دروب السياسة وعلوم المجتمعات وفي الاقتصاد وفي الاستراتيجيات وقد يقطفون ثمارها في عشر سنوات او نصف قرن من الزمن علينا ان نكون كذلك ، فنرى الثغرات ونعمل على غلقها ، ونطور النهايات الحميدة ونعمل على تعزيزها ، فالعقيدة فكر ومبادئ وطريق ، والطريق لا يعبده الا اصحاب المبادئ بضوء قدرتهم على استيعابها وكيفية تطبيقها واستخدام المرونة للوصول اليها ، لانهم يتحملون النجاح والخطأ فيها ، وان يضعوا امامهم أن العالم في صيرورة دائمة والمتغير الدولي لن تقف عقارب ساعته ولن تعود للوراء ، وان صناعة الاحداث هي في ضوء الامكانيات المتاحة لحركة المبادئ القومية ، لكن يبقى الشيء المهم للوصول اليها ومهما كانت المتغيرات الدولية هو التمسك بالمقاومة لانها الطريق التي تجبر اصحاب المشاريع الظلامية على الرضوخ لإرادة الشعوب وحقوقها الوطنية والقومية ولا شيء سواها ، وعلى رواد الفكر القومي ان يتوحدوا بغض النظر عن وجهات النظر التي يحملونها والاختلافات التي تقع بينهم هنا او هناك ، لان الأساس وراس المال هو في نجاح المشروع القومي وفي مقدمته تحرير العراق من الاحتلال وايقاف المشروع الصهيوني وتحرير فلسطين ، وإبطال ورقة الإرهاب والقضاء عليه لانها ورقة خبيثة في تمزيق الأمة والوسيلة في الاستيلاء على اقطارها .





الخميس ٧ شــوال ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / حـزيران / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة