شبكة ذي قار
عـاجـل










ليس أسوأ من مصطلح "الديمقراطية التوافقية" سوى مصطلح "الرئيس القوي" المستحدث مؤخراً، والانتقال بالبلد الى أن يحكمها ثلاثة رؤوساء أقوياء بثلاثة رؤوس تشكل ترويكا رئاسية جديدة، تنسف في مضمونها كل شعارات الإصلاح والتغيير ولبنان القوي التي أمضى أصحابها سنوات قاسية من النضال المرير يرفعونها أمام اللبنانيين، ثم تراهم اليوم وقد غطسوا في لعبة المصالح وتقاسم النفوذ لسلطة احتكار التمثيل الطائفي والمذهبي وتجيير هذا التمثيل في نفس الوقت لصالح أفراد وكيانات لخصت بحضورها الوطن كاملاً.

فهل أدرك اللبنانيون الذين اقترعوا لغير صالح القوى التغييرية الحقيقية من مرشحين اكفاء وأنقياء، أنهم بذلك قد فوضوا لأمراء المذاهب والطوائف أن يكرسوا احتكار تمثيلهم لأربع سنوات جديدة عبر إبقائهم في حظيرة المذهب والطائفة، فلا حقّ لهم بعد اليوم من وظيفة او خدمة عامة او إنماء او توق مشروع لمستقبل أفضل إلا بموافقة آمري الحظيرة ورضاهم، بالتوافق والتفاهم مع أمراء الحظائر الأخرى الممتدة على عديد دوائر الانتخاب في الأقضية والمحافظات!

وهل يعلم أولئك الذين تقاتلوا في سبيل "صورة" الزعيم الى حد التذابح المعنوي والمادي أبان فترة الانتخابات،
إنه بمجرد فرز النتائج في الصناديق تحول الأعداء الى أصدقاء تجمعهم المصالح ولا تفرقهم حماسة الأتباع الذين عليهم لوحدهم، دون غيرهم، دفع أثمان تداعيات تلك العداوات وتلك الجراح المعنوية التي من الصعوبة بمكان أن تلتئم في مجتمعات الجهل والتخلف والانقياد الأعمى وبالتالي صار عليهم أخذ العظة والعبر مما سوف ينتظرهم مستقبلاً من أجواء مماثلة لن يدفع غيرهم أوزارها ومواجهة ما ستفرزه من أحقاد وضغائن.

ألم يتعلم اللبنانيون بعد أن مصطلح "الديمقراطية التوافقية" التي خرج بها أمراء الميليشيات المذهبية والطائفية عليهم، منذ بعد اتفاق الطائف، لم يكن سوى الالغاء التدريجي لكل ما يتعلق بالديمقراطية ومقوماتها الأساسية التي لا تستقيم إلا بالمعارضة وحكومة الظل والمساءلة والمحاسبة،
فتراجعوا بالديمقراطية الى اقتسام "عادل" فيما بينهم، كلّ على قدر ما يمثل في البرلمان وعلى الأرض والميدان، وبالتالي الغوا، وعن سابق تصور وتصميم، كل معارضة حقيقية يمكن أن تساهم في مراقبة السلطة وأدائها وتكوين البدائل لها في حال إسقاطها، ليتركوا أمور الاعتراض الى الشارع غير المنظم المحكوم بردات فعل غير منظمة يوصمون بها قوى الاعتراض الحقيقية غير المشاركة في تقاسم جبنة الحكم، من منطلق تشويهها وعزلها وصولاً الى حرمانها حتى من التفكير بتداول السلطة من منطلق العمل السياسي المشروع والمنظم.

إزاء كل ما تقدم يحق لنا أن نسأل :
هل الرئيس القوي هو الذي يحاصص غيره من "الرؤساء" الأقوياء على خيرات ومقدرات البلد لمصلحة الحزب والتيار الذي يمثل،
أم أن الرئيس القوي هو الذي يحضن الجميع ضمن عباءة الوطن، فيخرج بدوره من عباءة التكتل والحزب والتيار الى أفق الوطن وسماحة أبنائه وأريج ترابه.

والى كل من يعنيهم الأمر نقول :
لقد أجهضتم الإصلاح وهدمتم كل جدران الممانعة الداخلية لشعبكم على مذابح مصالحكم ومشاريعكم الخاصة، وصار التغيير على أيديكم بعيد المنال، والسيادة أضحت بلا حرية واستقلال،

ولكم كنا نتمنى أن نكون على خطاً فنعتذر منكم على الملأ دون أي حرج او ارتجاف،

لولا أن الفساد قد "عشعش" في أدمغتكم وشرايين دهاليزكم، الأمر الذي يجعلنا نستعيذ من شروركم ونواياكم، لندعو الى قيامة الوطن من جديد، بمؤسسات قوية تخضعون لها، لا تُخضعونها لكم، وذلك ليس بالمستحيل على حركة اعتراضية شعبية عريضة بعرض الوطن ومساحته لا قائمة لها إلا بزنود الشرفاء في هذا البلد وأحراره وفي مقدمتهم الشباب، المستفيد الأول من التغيير، الذي صار عليه رفع البطاقة الحمراء في وجه كل الفاسدين ليقول لهم "كفى".





الاربعاء ٦ شــوال ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / حـزيران / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة