شبكة ذي قار
عـاجـل










الانتخابات النيابية الأخيرة، تتعرض نتائجها لقراءات مختلفة. فبعض أول رأى فيها تغييراً في نصاب الأكثرية الذي كان سائداً في تركيبة المجلس السابقة، وبعض ثانٍ لم ير تغييراً في نصاب الأكثرية، لأن الأكثرية والأقلية في التمثيل النيابي هي مسألة نظرية ولا تسقط على طبيعة التمثيل الذي يعكس التمثيل الطوائفي للمكونات التي يتشكل منها المجتمع اللبناني. وآخر من أدلى بدلوه في هذا المضمار قاسم سليماني قائد ما يسمى بفيلق القدس، الذي اعتبر أن "حزب الله" أصبح يحوز على الأغلبية في المجلس وأن حصته باتت 74 نائباً من أصل 128 .هذا الموقف لسليماني آثار ردود فعل من مواقع سياسية مختلفة، وغلب على ذلك، اعتباره تدخلاً في الشؤون الداخلية اللبنانية.

في السجالات النظرية حول الأكثرية والأقلية في المجلس النيابي يصح القول بأن ما أفرزته الانتخابات من نتائج لم يكن بسبب تغيير موازين القوى التي أفرزت هكذا نتائج، بل بسبب النظام الانتخابي الذي اعتمد النسبية في تحديد الحاصل الانتخابي. فلو كانت الانتخابات النيابية جرت على أساس القانون الأكثري الذي كان معمولاً به سابقاً، لما كانت النتائج تغيرت إلا لجهة الأسماء المنضوية في اللوائح ولو كانت الانتخابات السابقة التي حصلت عام 2009، جرت على اساس القانون الجديد الذي جرت العملية الانتخابية في ظل أحكامه لكان أفرز ذات النتائج التي أفرزتها العملية الأخيرة.

إذاً، التبدل الحاصل في النتائج ليس بسبب تبديل موازين القوى بل بسبب طبيعة القانون الانتخابي.

هذا القانون الجديد، كما القانون السابق، وأن أدخل تغييراً على نظام احتساب الأصوات، إلا لأنه لم يحدث تبديلاً على طبيعة التمثيل النيابي لأن الترشيح والفوز كانا وبقيا على أساس التمثيل المذهبي مع تغيير في التقنيات الشكلية للعملية الانتخابية، وطالما أن القانون الجديد وما افرزته العملية الانتخابية من نتائج استند إلى المعايير المذهبية في الترشيح والفوز، فإن كل الفائزين في الانتخابات فازوا باعتبارهم ممثلين لمذاهبهم وليس باعتبارهم ممثلين للشعب وخلافاً لنص المادة 27 من الدستور.

وعلى هذا الأساس، فإن طبيعة التشكيل الطوائفي للمجلس النيابي، تسقط فعلياً فرضية وجود موالاة ومعارضة بالمعنى السياسي، لأن هذه المعارضة او الموالاة التي يكثر الحديث عنهما إنما تتعلقان بتقاسم الحصص في كعكة الحكم. وحتى تتوفر شروط فعلية وحقيقية لوجود موالاة ومعارضة يفترض تغيير الأساس لقانون للعملية الانتخابية، وسن قانون جديد خارج القيد الطائفي وعلى أساس النسبية وضمن الدائرة الوطنية الواحدة وعندها يتم الترشيح والفوز على أساس البرامج السياسية وليس على أساس التمثيل المذهبي. ولهذا فإن المجلس النيابي يتشكل اليوم كما سابقاً من الأكثرية الساحقة أن لم نقل الشامل من ممثلي الطوائف والمذاهب وهؤلاء وأن اختلفوا إلا أنهم يبقون محكومين بنظام المحاصصة الذي يحافظون عليه طالما أن تشكيلاتهم البنيوية هي مذهبية وطائفية.

وأما وعن تصريح سليماني، فهو ليس بالأمر الجديد في في إبراز حقيقة الموقف الإيراني، لأنه سبق كما غيره من المسؤولين الإيرانيين أن أدرجوا بيروت ضمن العواصم العربية الأربع التي باتت تحت السيطرة الإيرانية. لكنه هذه المرة حاول أن يخرج هذا الموقف بحله جديدة، وهو أن سيطرته تتكئ الى مرتكز لبناني حقق أغلبية في الانتخابات النيابية، لكن الجديد أيضاً هو أنه قبل أن يجف حبر تصريحه رفعت البطاقات الصفراء والحمراء بوجهه من قبل أفرقاء لبنانيين ثبت لهم مرة جديدة طبيعة التدخل الايراني في الشأن الداخلي اللبناني وإذا كان سليماني بنى حساباته الافتراضية على ما أفرزته الانتخابات فعليه أن يعي أن كثيرين ممن فازوا وهم ضد نهج سياسي معين إلا أنهم ليسوا في المقابل مع نهجه ومع مشروع بلاده السياسي.

إن هذا التمثير لنتائج الانتخابات النيابية يجب أن يكون حافزاً لتصعيد النضال السياسي الديموقراطي لأجل قانون انتخابي جديد تنعكس من خلاله حقيقة التمثيل الوطني على أساس البرامج السياسية الواضحة، وعندها تفرز المواقف الموالية والمعارضة على أسس سياسية فإذا حكم فريق بالسياسة يعارض الأخر بالسياسة، وعندها يصح القول عن أكثريات وأقليات في المجلس النيابي وبدء الدخول فعلاً في رحاب دولة المواطنة .





الجمعة ١ شــوال ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / حـزيران / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كلمة المحرر السياسي لموقع طليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة