شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

- العالم يعيش حالة صراعات عائمة على تناقضات لم تعد طبقية إنما سوسيولوجية عارمة يختلط فيها عمدًا إرهاب الجماعات بإرهاب الدول على قاعدة الإيهام بالتناقض أو التعارض الطائفي والإثني ، ليس في نوبات الاستقرار ، لأن الصراع واحتدام الصراع في شكله العام ، مسألة دائمة وأزلية .. والصراع حالة مستمرة في الوجود ، سواء كان في ظل نظام ما أو في خارجه .. والفرق هو تقنين الصراع بدلاً من أن يكون فوضويًا ومتوحشًا ، يمشي على مسار التنافس والتسابق في اقتناص الفرص في إطار قواعد النظام وقوانين حركته .

- ( عقلية الحرب الباردة لم تعد تصلح كمنهجٍ أممي للعلاقات الدولية - شي جينبينغ الرئيس الصيني ) .. كما أن الحرب لم تعد استراتيجية ولا أيديولوجية خالصة .. الحرب الراهنة جيو - اقتصادية كمضمون ، شكله جيو - سياسي ( Geo-Economy ) ، على صعيد مناطق العالم المختلفة .

1- الأمن القومي العربي .. والنظام الدولي ، الذي لم يولد بعد :

الحديث عن الأمن القومي العربي وضرورته القصوى في هذا الزمن العاصف ، يشترط في المقدمة تحديد أهمية المصلحة العربية العليا ، باعتبارها القوة الدافعة لاتجاهات السياسات الخارجية للأقطار العربية – والكارثة ، هناك سياسات خارجية عربية متعددة الاتجاهات والرؤى ، وليس سياسة خارجية عربية واحدة يديرها ( مجلس أعلى للسياسة العربية ) مثلاً - وكل اختلاف في تفسير مضمون المصلحة القومية العليا من لدن أصحاب القرارات العربية ، لابد وأن يرتب إجراء تغييرات مماثلة في مضمون السياسات الخارجية .. وهذه حقيقة مستقرة ولا جدال بشأنها :

والمعنى في هذا المدخل ، هو تحديد المصلحة القومية العليا أولاً والإيمان الجمعي بأهمية تحديدها - إذ ليس معقولاً أن لا تكون هناك مصلحة قومية عليا للأمة ، والأقطار العربية تتنكر لهذه المصلحة وتركز على مصالحها القطرية المحدودة الأنانية في إطار الأمن القطري - والعمل على وضع آليات للأخذ بركائزها القومية . والتساؤل هنا ، لماذا الاهتمام بضرورة تحديد أين هي المصلحة القومية العليا ، والذي يتبع هذه التساؤلات ، ما هي المخاطر والتحديات التي تواجهها على مختلف الصُعُد ؟ ، وما هي الإجراءات العملية الواجب إتخاذها قطريًا وقوميًا من أجل مواجهتها على أساس الدفاع وحشد القوى والبناء والتنمية المستدامة ؟! .

وللأجابة على ذلك :

1- إن تحديد المصلحة العربية العليا ، هو في حقيقته خطة ترمي لحماية السيادة الوطنية والسلامة الاقليمية للدولة القطرية ، ودعم الأمن القومي العربي .. وذلك بغض النظر عن طبيعة النظم السياسية العربية أو معتقداتها وأيا كانت قوتها أو موقعها أو حجمها .

2- إن تحديد المصلحة العربية العليا ، هو لتحديد المخاطر ، التي تحيط بواقع الأمة العربية وبدواخلها ، من أجل حصانتها وسلامتها .

3- إن تحديد المصلحة العربية العليا ، هو من أجل تحديد عوامل نموها وتكاملها الاقتصادي والعمل على تشكيلها قوة اقتصادية مهمة تتعامل مع محيطها القريب والبعيد على أساس ( الكتلة ) الاقتصادية العربية ، التي تمتلك النفط والغاز والثروات المعدنية ، إضافة إلى الموارد المائية والبشرية الهائلة .. هذه الكتلة غير قابلة للاختراق ، وغير قابلة للتعامل المتفرد .. لأن الدول العظمى والكبرى والاقليمية باتت ، ومنذ أمد بعيد ، تستفرد بالأقطار العربية وهي ضعيفة بتفردها مهما بلغت من الثراء والقوة ، لكونها ليست محمية بمظلة الأمن القومي العربي ، ولا بنظام الأمن الجماعي العربي !! .

4- إن تحديد المصلحة العربية العليا والعمل على تكريسها واقعًا عمليًا سيخلق إكتفاءًا ذاتيًا في قطاعات مختلفة ومتنوعة تشمل الدفاع والاقتصاد والزراعة والصناعة والتربية والتعليم والتجارة والاستثمار في الموارد المادية الكائنة والمحتملة ، فضلاً عن الموارد البشرية حيث انتقال الأيدي العاملة العربية الرخيصة والأمينة لإعمار الأقطار العربية في إطار التنسيق العربي المشترك .

5- إن تحديد المصلحة العربية العليا سيفتح مجالاً رحبًا لتنمية القدرات العربية كدافع لاكتساب القوة الاقتصادية والتنموية والعسكرية والفكرية والثقافية وغيرها .

6- إن تحديد المصلحة العربية العليا والإيمان الجماعي بتكريس آلياتها القومية سيزيد من الثراء الاقتصادي وتراكم رأسمال الدولة القطرية والقومية تبعًا لمعطيات تعزيز قدراتها وإمكاناتها ، التي تنسجم والمعطيات الجمعية العربية في كافة مجالات التنمية .

7- إن تحديد المصلحة العربية العليا ، في حقيقته حماية لثقافة الأمة ، الوطنية والقومية ، وحمايتها من أخطار الغزو الثقافي الخارجي الموجه ، وحفاظًا على التراث الثقافي والحضاري للأمة العربية وبالتالي دعمًا للهوية القومية العربية .

ولما كان ميثاق الأمن القومي العربي يقوم على أساس الحماية العسكرية التي تكفلها الأقطار العربية ، إذ تشدها مجموعة من المصالح القومية الحيوية ، التي تدافع عنها وتأمنها عن طريق الميثاق القومي للدفاع المشترك .. إذ لا حاجة عندئذٍ لأي قوة دولية كبرى أو عظمى أو إقليمية للحماية .. لأن نظام الأمن القومي العربي هو في جوهره نظامًا للأمن الجماعي العربي ، الذي يتأسس على قاعدة لا تقبل الجدل ( إن أي هجوم أو عدوان على أي دولة عربية لا بد وأن يقابل بكافة وسائل الرد بما فيها القوة العسكرية الجماعية لكافة الأقطار العربية ) .

تتوفر لدى أقطار الأمة العربية جميعها مستلزمات التطبيق الفعلي لميثاق الأمن الجماعي العربي وبصورة تكاملية تبدء بقاعدة اقتصادية متينة وبهياكل تكاملية في الاقتصاد والتجارة والصناعة وتنتهي بالإدارة السياسية الموحدة ، التي يحكمها ميثاق العمل القومي العربي .. وهو نموذج لعلاقة تقوم على الحرص والحفاظ على المصالح القطرية في إطار الحفاظ على المصلحة العربية العليا ، فضلاً عن آلية فض المنازعات والمشكلات التي تبرز في ما بين أقطارها ، ليس بوسائل القوة إنما بأسلوب يتحاشى ويمنع التصعيد الذي من شأنه أن يراكم الخلافات والتعقيد .

سبع ركائز أساسية في البناء القومي :

1- بناء ثقافة قومية جماهيرية من خلال مؤسسات العمل القومي المشترك في كل عاصمة عربية .. مع مؤسسات إعلامية لا تحيد عن هذا المنهج وتتعاطى مع تطورات العصر وتحديثاته التي تفيد الموروث الثقافي والحضاري ولا تتجاوز عليه .

2- بناء السوق العربية المشتركة يديرها مجلس تمثيلي أعلى ، له صلاحيات من شأنها تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية بين أعضاء السوق العربية من جهة ، وصلاحيات الدخول في مفاوضات مع الخارج من أجل توفير المناخ الموضوعي لعلاقات دول العالم التجارية والاقتصادية مع السوق العربية المشتركة المكفولة بميثاق العمل المشترك .

3- بناء مجلس دفاع ينبع من معاهدة الدفاع العربي المشترك يتولى وضع استراتيجية عربية دفاعية شاملة .

4- إحياء مقترح اقامة صندوق التنمية العربي المشترك الذي قدمه العراق في قمة عمان بتاريخ 27-11-1980 وذلك باستقطاع دولار واحد من قيمة كل برميل نفط لتكوين راسمال يقدر بـ ( 5 ) مليارات دولار ، وقد قدم العراق في حينه ( 500 ) مليون دولار كمساهمة مقدماً .. إلا أن أحداً من الأقطار العربية لم يساهم على الإطلاق ، فيما تحتفظ الولايات المتحدة بأكثر من ( 750 ) مليار دولار لغاية عام 1990 من أموال النفط العربي وهي مبالغ طائلة غير قابلة للاسترجاع في حين بلغت الديون العربية نحو ( 350 ) مليار دولار لنفس العام !! .

5- بناء مركز عربي للدراسات الاستراتيجية له فروع في كل عاصمة عربية .

6- بناء مراكز أبحاث في جامعات العواصم العربية تتولى متابعة تطورات الأحداث في العالم وبصورة تخصصية لكافة الحقول ، وترتبط مراكز الأبحاث هذه بالمركز العربي للدراسات الاستراتيجية من حيث التنسيق وعقد الندوات والمؤتمرات ومتابعة ما يحدث من تطورات في العالم .

7- بناء منتديات علمية وفنية ورياضية لشباب الوطن العربي ترتبط بمركز أنشطة الشباب العربي على أسس تمثيلية .

8- بناء اتحادات تمثيلية للمرأة العربية ، ترتبط بالمركز العام التأسيسي لنهوض المرأة في الوطن العربي .

هذا الهيكل المؤسسي يضع الدولة القطرية على طريق البناء الوحدوي ، حيث يبدأ العمل بتوسيع القاعدة الجماهيرية المعنية بالتطور والحداثة ، وبتوسيع الامكانات والقدرات العربية القادرة على الاستنهاض والتحرر من ضغوط الخارج سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وإعلاميًا وثقافيًا وفكريًا ، وبالتالي تحرير القرار السياسي والاقتصادي العربي من السياسات الأجنبية الموجهة بالضد من كيان الأمة العربية ، ومستقبلها ( كتلة ) سكانية تحمل قدرات وإمكانات النهوض والتقدم في عالم يتصارع ويتنافس ويتبلور على طريق التكوين والتشكيل .

فالتحديات تواجه العالم وفي قلب هذا العالم الوطن العربي ، والمقصود بهذه التحديات مجموعة العوامل المؤدية ، ليس للإبقاء على تجزئة الوطن العربي وتشتيت قواه ، وإنما العمل على تمزيقه وتفتيته بهدف إضعاف قدراته وتكامله وانسجامه والتغلب على مشاكله .

ولأن العصر الراهن يتميز بالاحتكاك والفوضى المصطنعة فإن منهج سياساته وآلياته برزت لتشكل تحديًا خطيرًا يزداد الاحساس بتنامي التحديات وتشابك العلاقات وغياب القانون الدولي والتجاوز على الميثاق ، ومما زاد من الشعور بالتحديات هو الافتقار إلى التكافؤ في العلاقات الدولية .

وعليه ، فإن معرفة نوع التحدي وطبيعته وتشخيص منهجيته ووسائل اختراقاته ، ليس انفراديًا قطريًا فحسب إنما على مستوى مؤسسي قومي ، يعد أمرًا مهمًا يساعد على إضعاف فرص هذه التحديات ويعصم الوطن العربي من مخاطرها ومنزلقاتها .

لقد أدرك الاستعمار والامبريالية والصهيونية والفارسية الصفوية أهمية الوطن العربي استراتيجيًا واقتصاديًا وثقافيًا والخطورة التي تكمن خلف قدراته الهائلة بشريًا على صنع وتجميع عناصر قوة الأمة في وحدة تنهض بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي العربي .

هذا الادراك قد حفز الولايات المتحدة على سياسات إستعمارية صهيونية فارسية فرضت طوقًا صارمًا على الوطن العربي ، منذ أكثر من نصف قرن ، ومنعت عنه تفاعله واستثمار خياراته القومية وبالتالي الوصول إلى وحدته بوسائل استراتيجية مضادة تقع في مقدمتها :

- منع أي صيغة للوحدة العربية أو أي تقارب عربي والإجهاز على أي مبادرات قومية نحو تعزيز الأمن القومي والتنمية العربية .

- إبقاء التجزئة العربية والعمل على تفتيت الكتل الكبيرة أو تحجيمها وشرذمتها وبالتالي إخراجها من معادلة التوازن الاستراتيجي في المنطقة كما حصل حين أُخرجت مصر من معادلة الصراع وضرب العراق وحوصر ثم احتل بالقوة المسلحة وأُخرج من ساحة الصراع في المنطقة .

- منع وصول أدوات وأساليب التطور الحديثة إلى الوطن العربي وخاصة التكنولوجيا المتطورة وإبقاء الوطن العربي سوقًا إستهلاكية .

- إختراق عناصر الأمن القومي العربي جميعها - الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والزراعية والمائية والمعلوماتية .. إلخ - وإفشال ترابط الأقطار العربية الموضوعي وتكريس اختلال التوازن في ما بينها والعمل بكل الوسائل المتاحة على توسيع فجوة المخاطر الفاصلة بين هذه العناصر وبواسطة الإرهاب المبرمج .

هذه الوسائل الاسترايجية الأمريكية لا تنفصل عن مخططات المؤسسة الصهيونية العالمية والماسونية الفارسية في أسلوب تجزئة العالم ، وهو الأسلوب الذي يعد شرطًا من شروط إنجاز أهداف الامبريالية والصهيونية العالمية ، التي تعتمد على عبور الحدود واختراق سيادة الدول تحت حجج مختلفة منها ضبط انتشار الاستراتيجي وتكثيف التبادل وتعديل أنماط العمل الدولي وإعادة تقسيمه ، وإعادة تقسيم الموارد .

الوطن العربي كتلة ضخمة يتمتع بكامل المقومات ، التي تؤهله لكي يكون أحد أهم أعمدة العالم المتوازن بحكم موقعه الجيو - استراتيجي وموارده الهائلة واتساع رقعته الجغرافية فيما يتعلق بالدفاع في العمق ، وعمق حضاراته الإنسانية الموغلة بالقدم وقدرته على إحكام التوازن الاقليمي القائم على الردع المتبادل .. فأين موقعه من التحولات التي تجري في العالم الراهن ، وخاصة ما يتعلق ببلورة نظام دولي جديد لم يتشكل بعد ؟! .

يتبع ...





الثلاثاء ٨ شعبــان ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / نيســان / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة