شبكة ذي قار
عـاجـل










مستفزٌّ مشهد وزير النفط العراقي، جبار اللعيبي، وهو يقف بين يدي ممثل شركة النفط البريطانية ذليلا، بعد توقيع عقد تطوير نفط الشمال كركوك ( جنّة بريطانيا المفقودة )، فشتان بين هذا الوزير ووزراء النفط قبل الغزو في العام 2003. شتان بين حكومة ووزارة أدارت ثروة العراق بشكل مهني عقودا، على الرغم من الحصار والحروب، من دون تدخّل، حتى من الرئيس الراحل صدام حسين بشهادة آخر وزير للنفط في عهده. بينما فتح قطاع النفط والغاز، منذ 2003، لكل الشركات الناهبة، تقرر هي وجودها وتفاصيل عملها، وليس حكومة المنطقة الخضراء، كما تشهد عليه أخبار وزارة النفط المنشورة في الإعلام العراقي، فقد أصبح هذا القطاع خان جغان، كما يقول المثل العراقي، مثل العراق، وعلى صورة الفوضى الخلاقة التي تدرّ على المحتلين وأصدقائهم المليارات من سرقه البلد وتدميره.

صدر قانون النفط والغاز العراقي المعدل، في سبتمبر/ أيلول 2007، وثار حوله جدل كثير بين أحزاب العملية السياسية المنصبة من الاحتلال الأميركي، فمنهمم من رأى أنه يغبن حق مناطقهم ( شمال العراق )، ومنهم من رأى أنه يرهن سيادة البلاد للشركات الأجنبية. وعلى الرغم من هذا وذاك، فقد صوت مجلس النواب على القانون، واعتبر نافذا اعتبارا من إقراره.

فلم يتحرّك ولا قيد أنملة من "هرج" برهن سيادة البلاد، بل أصبح يدافع عن الحكومة التي أصدرت هذا القرار وغيره من القرارات المخلة ليس فقط بسيادة العراق، بل بتدميره وبيعه  قطعة قطعة للأجنبي، كما يحصل في قطاع النفط والغاز منذ غزو العراق ومن دون انقطاع. لأن إبليس ( شركات النفط، بريطانية وفرنسية وهولندية وغيرها ) عاد من جديد إلى الجنة التي طرد منها. ولا يبدو أن لحكومة المنطقة الخضراء كلمتها فيما تقرر هذه الشركات، فكلها تصول وتجول، تدخل إلى العراق هنا وهناك، من دون موانع، فهي السيد وما عداها هم موظفون مطيعون ينفذون الأوامر فقط. ولعل مشهد وزير النفط العراقي، وهو يوقع عقدا لتطوير حقول كركوك قبل أسابيع مع ممثل شركة النفط البريطانية أكبر دليل على ذلك. فقد ولى ذلك الزمن الذي اعتمد فيه العراق كليا على طاقاته في كل مفاصل إخراج النفط وتصديره وتطوير الحقول وصناعته، وكان مكتفيا بخبرة خيرة أبنائه من كوادر عالية تشهد المحافل الدولية على كفاءتها وتمكّنها، ومن عمال ومهندسين وخبراء وفنيين، متسيدا على ثروته التي أممها عام 1971، منتزعا إياها من براثن شركات النفط الشرهة. لم تتسلم حكومة الأحتلال القطاع النفطي مدمرا، بل كان يعمل بأفضل مما يعمل اليوم، فمنذ 2003 لم يصل إنتاج النفط إلى الحد الذي وصل إليه قبل الغزو، على الرغم من كل الأكاذيب التي تسوقها الحكومة وإعلامها.

ليس ذلك فحسب، بل شهدت وزارة النفط نهبا وسرقات استثنائية من خلال عقود التراخيص والشركات الوهمية التي تحول مليارات إلى الخارج، أو إلى إيران بعمليات نصب واحتيال بالصوت والصورة، كما حدث في عهد وزير نفط سابق، عرف بكذبه وبأقواله عن تصدير الكهرباء الممنوع صرفها في العراق منذ دخول القوات الغازية، فلا هو حقق للعراق طاقة كهربائية، ولا صدّر إلى الجيران أو دولة خارجية، بل إنه هرب رسميا في قضية واحدة موثقة بالصوت والصورة فقط أكثر من ستة مليارات دولار، بحجة التراخيص، عبر مافيا لبنانية معروفه علاقاتها. أخذ هذا الوزير شوطا في تهريب مليارات الدولارات من ريع النفط العراقي، ومن عمولات الصفقات، هو وحزبه وعلاقاته، وكانت أنابيب النفط، وفي أنحاء من العراق بيد عصاباتٍ ومافياتٍ تحت سمع كيانات الاحتلال وبصرها، بعد أن كانت خرائطها سرّية تماما، لا يجرؤ على المساس بها كائنٌ من يكون، لكن ذلك كله لا يعني حكومة المنطقة الخضراء، فالسرقة والفساد ونهب المال العام ليست جرائم بالنسبة لها، بل شهدت وزارة النفط بالذات مجموعةً من الحرائق في أقسام الحسابات على عهد وزير التراخيص هذا عدة مرات، وفي كل مرة تخفي الحرائق جرائم القائمين على إدارة النفط والعقود مع الشركات والعمولات.

ليس هذا فحسب، فما جرى للمؤسسات النفطية العراقية منذ سنوات لا يوصف، ولم يحدث في أي مكان في العالم، لكنه حدث على أيدي موظفي الاحتلال. كيف لحكومةٍ مهما كانت أن تسمح ببيع قطع أكبر مصفى للنفط في الشرق الأوسط، وهو مصفى بيجي؟ بعد سيادة السرقة والنهب في المصفى سنوات، بتواطؤ من موظفي الأحزاب السياسية لسرقه النفط في هذا المكان، وتسلطهم على رقاب المهندسين والموظفين، وتهديدهم لهم بالقتل، بدأت عملية تفريغ معدات المصفى، وبيعها ونقلها، إلى جارة الإرهاب، حتى أن العراقيين شهدوا بيع أجزاء كبيرة من المصفى في أسواق الخردة. وقد أخبرني أحد مهندسي المصفى أنه تمت سرقة واحد من أهم أجهزة المصفى الذي لا يوجد منه إلا في العراق والسعودية بقيمة 800 مليون دولار، لتنتهي حياة هذا المرفق المهم من مرافق النفط والغاز في العراق، بذريعة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ). وبالذريعة نفسها، ومنذ 2014 عبثت الدول المشاركة في احتلال العراق بسرقة النفط، فكان أمراء الحرب في شمال العراق، وكما أبرزت ذلك صحيفة العربي الجديد، هم الواسطة لشحن نفط الشمال وتصديره إلى السوق الأوروبية التي لم يزعجها هذا التهريب، عبر وسطاء من الكيان الصهيوني، بل تم تسهيل بيعه، فهو فرصة لملء حسابات البنوك والجيوب.

حكومة المنطقة الخضراء وبرلمانها صوّتا، في الخامس من شهر مارس / آذار الجاري، بعجالة على قانونٍ لتثبيت رفع يد الدولة عن إنتاج النفط وتصديره، لكي يحول هذا القطاع إلى شركة مثل الشركات الغربية الكبرى، كل ما يجري داخلها سري غير موثق، يمكن عبره سرقة ما يُراد، من دون محاسبة ولا رقابة تمول منه شراء الذمم، وبيع مقدرات البلد وثرواته.

همّ شركات النفط التي عادت إلى العراق هو الربح، وليس إعادة بناء القطاع النفطي والغازي وتحديثه. ويجب أن يكون ذلك بأيد عراقية، وبخبرات وطنية في بلد محرّر، وليس محتلا كما كان الحال عليه قبل الاحتلال، فلن تمد شركة أجنبية، حتى لو كانت شركة النفط البريطانية يد العون، لكي ينهض هذا القطاع ويتعافى.





الاحد ٢٤ جمادي الثانية ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / أذار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة