شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

العالم بين مفترق طرق .. وهو يعيش مخاضًا عسيرًا ، إما أن ينتهي بكارثة كونية لا تمنح جيارًا لأحد ، أو تتم ولادة عسيرة لنظام دولي يتم الاتفاق بشأن أبعاده التي تقع في مقدمتها النظام الاقتصادي الذي يحمي شعوب العالم من الرأسمالية المتغولة ، لكي يبني على أساسها نظامه الدولي الجديد وقاعدته القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وآليات جديدة تتولاها المنظمة الدولية بنظام رقابي صارم من مجلس الأمن الدولي الموسع يضمن عدم المساس بسيادة الدول وشرعيتها القانونية والدستورية وأحقية شعوبها في إختيار نظامها الاجتماعي والاقتصادي والقدرة الضامنة على تأمين مستلزمات الأمن والسلم الدوليين .

- بناء نظام دولي جديد ، هل يشترط بناء نظام اقتصادي جديد ؟ :

- أسس النظام الدولي الجديد :

1- بناء نظام دولي جديد ، هل يشترط بناء نظام إقتصادي جديد ؟ :

وكما هو واضح في ما تقدم من أفكار ، فإن أعمال وقرارات مؤتمر الأمن والتعاون الأوربي (Csce) لا يمكن أن تكون إلا لصالح البلدان الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) .. والأخير لم يضع قراراته تحت تصرف مؤتمر الأمن والتعاون الدولي ، كما لم يضعها تحت تصرف الأمم المتحدة ، وإنما اتخذ ( الناتو ) من هذا التشكيل غطاءًا ( قانونيًا ) لسياسة التدخل الخارجي وذريعة لأغراض الحشد الاستراتيجي ، الذي حققه صاحب القرار الأمريكي عام 1991 للعدوان على العراق وعلى ليبيا ومنطقة البلقان !! .

فالغطاء القانوني ، الذي تستخدمه أمريكا للعدوان الخارجي ، وحسب اعتقادها ، بأنه يغطي بدوره ويجنبها عدم قيامها بتصديق الاتفاقيات الدولية ، التي تلزم الحماية بحقوق الإنسان كـ( اتفاقية منع الإبادة والقتل الجماعي المنظم ، وبروتوكولات جنيف لعام 1977 وإعلان الأمم المتحدة لعام 1966 بشأن حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية وإعلان حقوق الإنسان ) .. هنا تكمن الإشكالية التي دأبت أمريكا على نهج التملص والغموض والتهرب من الالتزامات بعدم التصديق الدستوري .. وهي في حقيقتها إشكالية دستورية للمنظمات الدولية أيضاً ، على الرغم من أن باريس قد وضعت بنية أساسية تتحاشي فيها ( استيقاظ ) العسكرية الألمانية ومن أجل ( أوربا موحدة ) وولادة دستورية أوربية مشتركة تضم مجلسًا لوزراء الخارجية الأوربيين ولجنة من الإداريين المختصين ومركز سكرتارية ومركز للاستراتيجية العسكرية ومكتبًا إنتخابيًا .. هذا التشكيل قد ألحقته فرنسا بهيئة برلمانية لكي يكتسب الصفة الدستورية .. ومع ذلك فقد تبخر بفعل النهج السياسي - الاستراتيجي الأمريكي الذي حطم التوازن الدولي والإقليمي ، حين نفذت أمريكا قرار ضرب العراق بالضد من الالتزامات القانونية للمنظمة الدولية وبالضد من إرادة المجتمع الدولي .. الأمر الذي بات فيه السلوك السياسي والعسكري الأمريكي في خارج نطاق المسؤولية الدولية القانونية والإنسانية والاعتبارية !! .

ومع ذلك أيضًا ، تبقى بنية مؤتمر الأمن والتعاون الأوربي ، بنية مشكوك فيها لاعتبارات الانسياق في التدخل الخارجي عن طريق الحماية ، التي يوفرها ( الناتو ) .

إن إشكالية الابتعاد عن تنفيذ الالتزامات القانونية والإنسانية من خلال أطر تنظيمات أوربية مثل (NATO) و(UEO) و(CSCE) تعمل جميعها تحت سقف وآليات تعكس الدوافع الحقيقية للأفعال والتصرفات الأمريكية والغربية ، التي تسعى لتحقيق المصالح دون الأخذ بنظر الإعتبار حماية مصالح دول العالم النامية ، بمعنى : أن مصالح مجموعة راسمالية صغيرة من الدول الغنية تستهلك 80% من الناتج الأجمالي الدولي ، فيما تستهلك باقي دول العالم 20% من هذا الناتج .. الأمر الذي يكرس بونًا شاسعًا بين أمريكا والغرب من جهة وكافة دول العالم من جهة ثانية !! .

هذا الواقع يمثل تجاهلاً متعمدًا للمشاكل والصعوبات التي تثيرها البنية الهيكلية للنظام الدولي المضطرب وهو في مخاضه العسير الذي ربما يفضي إلى الاحتكاك والتصادم .. فالثغرات المستشرية تكرس ( عدم الثبات ) في بنية التنظيم الدولي ، فإنها سرعان ما تجد طريقها إلى البنية ( الداخلية ) للدول الفقيرة والضعيفة فتزيد مشكلاتها تعقيدًا وتأزمًا ، كما تتوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتتزايد معدلات التقسيم غير العادل للثروة والسلطة ، وتتصاعد المديونية الخارجية وهروب الرساميل ، الأمر الذي يدفع إلى الاحتكاك والصراع وظهور نزعات العنف والإرهاب .. وهي في حقيقتها ( صراعات مستقبلية ) تكرس عدم الاستقرار وتخل بالأمن والسلم الدوليين .

حقيقة النمو في عالم الاحتكار واستخدام القوة :

لقد كشفت الأمم المتحدة الهوة السحيقة الفاصلة بين الدول الغنية وبين الدول الفقيرة واتضح - أن الدول الغنية تزداد غنى والدول الفقيرة تزداد فقرًا - و ( أن 20% من الدول الغنية تمتلك 30% ضعف الدخل الذي تمتلكه 20% من الدول الفقيرة ، حيث تضاعف دخلها إلى ما يعادل 60% ضعف الدخل الذي تمتلكه الدول الفقيرة ) ، وهذا يعني ( أن خُمس سكان العالم من الأغنياء ينتج وحده ما يعادل 82.7% من الإنتاج الإجمالي الدولي ، في حين النسبة نفسها من الدول الفقيرة تنتج ما يعادل 1.41% من الإنتاج الأجمالي العالمي ) !! .

هذا الواقع يعد مأساة حقيقية تزرع فيه ألغامًا مستقبلية قابلة للتفيجر .. فهل يحتاج الواقع إلى برنامج اقتصادي دولي للتنمية كبرنامج ( مارشال ) في صيغة أممية يساعد الدول الفقيرة ويحميها من جشع وتسلط الكارتلات الاحتكارية والشركات العملاقة عابرة للقارات ؟! .

أي نظام دولي جديد يتغاضى عن هذه المشكلات يسقط رهينة لألغام المستقبل ؟ ، فكيف يمكن قبول مثل هذا الواقع المتردي والدعوة لبناء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب دون النظر إلى هذا البون الشاسع القائم بين الدول الغنية والفقيرة ؟ .

إن الواقع الراهن غير المتوازن المحتدم دائماً سيشعل حروبًا ساخنة في المستقبل إذا لم تعالج أوضاع العالم الاقتصادية وبصورة جذرية وعادلة ؟ ، فكيف يمكن أن يستقر أي نظام دولي دون أن يرتكز على نظام اقتصادي دولي متوازن ومتكامل وعادل ؟! .

ومن الحقائق البارزة ، إن وحدة التنظيم الدولي في شكل منظمة دولية ، هي جوهر نظام التعددية القطبية ، لا تعني بأي حال وحدة حكومة أو حكومة واحدة أو ما يسمى بـ( الحوكمة ) ، وهو مصطلح جديد ومثير حُشِرَ في قاموس السياسة الدولية حشرًا .. والواقع يؤكد أن العالم تقوم فلسفته السياسية على ( الصراع ) و( التنافس ) المستمرين بين الوحدات السياسية الدولية .. كما أنه من غير المنطق قيام دولة أو وحدة سياسية دون ( سيادة ) ، وإن الوحدة السيادية قائمة على التوازن ، سواء كان إقليميًا أو دوليًا ، وإن ( الترابط ) بين الوحدات قائم أيضًا على أساس الثنائيات في العلاقات ، والعلاقات متعددة الأطراف وليس على أساس أن يَحِلَ الترابط محل السيادة لكي تتشكل عناصر النظام الدولي .. وإذا كانت حالة ( الدفاع ) حق من حقوق السيادة ، فإن الدعوة إلى الاستقرار ورفض الفوضى لا يعني ( هيمنة الأقوى ) على ( الأضعف ) .. بيد أن نهج الهيمنة والاستحواذ على مناطق النفوذ وظهور إزدواجية المعايير ، قد قوضت مساعي الانفتاح ومساعي التعددية ، فيما ظهرت وحشية القلة ( الأوليغارشية ) لتتحكم في العلاقات الدولية .. والمعنى هنا : أن يظل التحكم في النظام الدولي بيد القلة التي تمتلك ( الثروة والقوة ) .. فالثنائية القطبية التي اعتمدت مجموعة ( الخمس الكبرى ) ، وهي مجموعة ( أوليغارشية ) نفعية متوحشة ومتسلطة على التنظيم الدولي ، قد أقصت باقي الدول ومنها الدول الاقليمية من حق النقض ( الفيتو ) .. ولكن سرعان ما جاء دور مجموعة ( السبع الكبرى ) للاقتصاد السياسي ، التي شكلت بداية انهيار الثنائية القطبية وظهور الأحادية الأمريكية المتوحشة .. وأمام واقع التدخل والحروب لم يعد للقطبية الأحادية من قدرة على إدارة نظام مترنح خلق أجواء الفوضى في كل مكان ، كما أربك مناطق حساسة وأشعل فيها النيران المذهبية والعرقية ودفع بها نحو الفوضى الدامية والتفكك .. وهو الأمر الذي مهد لبروز قوى بارزة كالبرازيل وتركيا في تلك المناطق ، أما إيران فهي تريد أن تكون لاعبًا إقليميًا ، ولن تكون ، لأن منهجها الفكري السياسي والعسكري باء بالفشل الملموس على الأرض رغم كل مظاهر التصلب والعجرفة وأساليب الـ( تفريس ) .

فأمريكا خائرة ، ليس لأنها لا تمتلك القوة العسكرية والتكنولوجيا الكبرى الهائلة ، إنما لأنها لا تمتلك قاعدة مبادئ أخلاقية يمكن أن تسود بها ، كما أن وضعها الاقتصادي بات لا يقوى على الحشد وتحمل أعباء فعاليات عسكرية , لأن نزيفها في العراق قد قوض وضعها الاقتصادي وجعلها تفكر جديًا ألف مرة قبل الإقدام على اتخاذ قرار الحرب .. فأمريكا الآن تمتنع عن تكرار ما أسمته بتوجه ( بوش الصغير ) ، كما تمتنع عن تكرار ما أسمته بتوجه ( أوباما ) !! .

فالتحديات التي تجابه أي نظام دولي جديد هي في حقيقتها خيارين :

إما القبول باستمرار الفوضى والحروب ، وإما إرساء دعائم نظام دولي عادل يقوم على القانون الدولي دون انحياز ودون انتقائية ودون معايير مزدوجة .

 فهل يتحقق ذلك من خلال مدركات جادة بطبيعة المخاطر وتأثيرها على الأمن والسلم الدوليين ؟! .

- بقية .. بناء نظام دولي جديد ، هل يشترط بناء نظام اقتصادي جديد ؟ :

- أسس النظام الدولي الجديد :

- تحولات في معايير القوة .. من ( توازن القوى ) في ظل الثنائية القطبية إلى ( توازن المصالح والنفوذ ) في ظل الأحادية القطبية ، ومنها إلى أين ؟ :

يتبع ...





الاحد ١٧ جمادي الثانية ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أذار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة