شبكة ذي قار
عـاجـل










أعترف أني عندما كانت تقع عيني على صورة للدكاترة عبد الكاظم العبودي لا أشعر بالارتياح، إذ أخال أنه شخص متجهم متعال ومتكبر، لكن ظروف العمل الوطني جمعتني به وقربتني منه فوجدته على غير ما كنت أظن.

هو دؤوب متفان يوصل الليل بالنهار، ويبدع أفكاراً عملية عندما يتعلق الأمر بالعمل الوطني، ويجور على سنوات عمره التي تعدت السبعين من أجل أن يوحد القوى الوطنية ويجمعها في جبهى عريضة وأن يقدم شيئاً لخلاص العراق.

يختلط في شخصيته العلمي والسياسي، فهو شخصية متفتحة على الحداثة بنظرة تقدمية، يساري، يجمع بين القراءة العلمية والآداب والثقافة بثلاث لغات العربية والإنكليزية والبولندية.

وهو، سياسياً، يتبوأ منصب الأمين العام للجبهة الوطنية العراقية مطوراً أداءها، ولما كان من قادة العمل الوطني، فمن الواجب تعريفه لجماهير شعبنا المتطلعة لتحرير العراق وخلاصه تمهيداً لنهوضه من كبوته التي سببها له الاحتلال؟

ولد الدكاترة عبد الكاظم العبودي ( وألقبه الدكاترة جرياً وراء إطلاق أشقائنا المصريين هذا اللقب على من لديه أكثر من شهادة دكتوراه ) في ناحية كميت بلواء العمارة ( محافظة ميسان )، ولغياب أي سجل رسمي للولادات في العراق، فقد تم تثبيت تاريخ ميلاده في الأول من تموز 1947، كمعظم العراقيين المولودين في ذلك الزمان.

ينحدر أبواه من أصول عائلة فلاحية معدمة بسبب تكالب الإقطاع عليها، وهما من قبيلة البو محمد العربية، التي استوطنت مناطق الميمونة وكميت على ضفاف نهر دجلة، هذه القبيلة، التي واجهت كثيراً من التعسف والظلم العثماني ثم البريطاني وعهود الحكم الوطني في العراق، وتمتد أصولها إلى العزة وزبيد في نجد.

خلال التحاق والده جندياً في وحدة القوة النهرية، التحق بمدرسة الماجدية الابتدائية ونال تعليمه فيها إلى الصف الثالث الابتدائي لتضطر عائلته، بعدها، للهجرة والرحيل إلى بغداد في العام 1955 فواصل تعليمه الابتدائي وأكمله في مدرسة الخلد الابتدائية بمحلة الوشاش، ومنها إلى متوسطة العروبة فثانوية الشعب للبنين في مدينة الكاظمية، وأخيرا اعدادية الكاظمية حيث نال شهادة البكالوريا.

وعلى الرغم من أن المعدل، الذي حصل عليه في البكالوريا كان يؤهله للدراسة في كلية الطب والهندسة، إلا أن طموحه كان الحصول على بعثة دراسية خارج العراق، فقبل ببعثة وزارة الدفاع لدراسة هندسة الطيران في الاتحاد السوفيتي، إلا أن عدم تمكنه من توفير الكفيل الضامن لبعثته حرمه من السفر فبقي من دون دراسة للعام الدراسي 1965 - 1966، إذ عمل مراقباً في وزارة الأشغال بأجور يومية، بعدها، بعام التحق بكلية التربية قسم الفيزياء، بجامعة بغداد للعام الدراسي 1966 - 1967، وخلالها نشط في قيادة العمل الطلابي والحزبي بتنظيمات القيادة المركزية للحزب الشيوعي ليخوض معها تجربة الالتحاق بالكفاح المسلح، في نهاية العهد العارفي، وبفشل تلك التجربة واصل العمل الطلابي السري ليصل إلى قيادة التنظيم الطلابي والحزبي بكلية التربية.

تعرض، خلال ذلك، إلى الملاحقة والمطاردة والاعتقال، وخصوصا خلال تعيينه مدرساً في ثانوية العزيزية بمحافظة واسط، مما اضطره إلى مغادرة العراق، للمرة الأولى، ضمن البعثة العراقية التدريسية إلى الجزائر في العام 1972، وعاد إلى العراق منتصف العام 1975 فلم يتمكن من البقاء مما اضطره للخروج من العراق والبقاء، مدة من الزمن، في بيروت ودمشق حتى تمكن من الالتحاق بزمالة من الحكومة البولندية عن طريق اتحاد الطلبة العالمي.

وصل إلى بولندا نهاية العام 1975 ليواصل دراسته بجامعة لودز، بعد إكمال دورة تعليم اللغة البولندية تحول إلى جامعة لودز للحصول على شهادة الماجستير في العام 1977 بقسم الفيزياء النووية التطبيقية، وبعدها حصل على دكتوراه دولة في الفيزياء الحيوية، من جامعة لودز ببولندا في العام 1983، ثم غادر للعمل في جامعة دمشق للعام الدراسي 1983 – 1984، واضطر لمغادرة دمشق إلى الجزائر للعمل بجامعة وهران، وخلالها حصل على منحة من منظمة التضامن الأفرو آسيوي، للحصول على دكتوراه علوم كيمياء حيوية اشعاعية "هابيل" في العام 1987، من جامعة لودز نفسها ببولندا.

خلال سنوات دراسته في بولندا ( 1976 – 1983 ) واصل نشاطه الطلابي والسياسي، فكان، بالإضافة إلى تمثيله الطلبة الشيوعيين وأصدقائهم، رئيساً لجمعية الطلبة العراقيين، فرئيسا لفيدرالية اتحادات وروابط الطلبة العرب في بولندا ثم رئيساً لاتحاد عموم الطلبة الأجانب في جمهورية بولندا حتى مغادرته بولندا إلى دمشق بداية العام 1983.

منذ 1980، وبعد انعقاد مؤتمر الروابط والجمعيات الطلابية العراقية، ذات الصلة بالحزب الشيوعي، التي حضرها في براغ، اختلف كثيراً مع الحزب الشيوعي العراقي وقيادته، وقدم استقالته، من جميع المواقع الطلابية والحزبية، وابتعد نهائياً عن مساره، الذي وجد فيه الكثير من الانحراف والتبعية وضيق الأفق الستاليني وتراجع مواقفه الوطنية وانحراف قياداته عن طموحات قاعدته.

خلال عمله في جامعة دمشق، بداية العام 1984، التحق بالجبهة الوطنية الديمقراطية ( جوقد ) عضواً في لجنة العلاقات الخارجية وممثلاً عنها في بولونيا وانتدب ممثلاً لها بزيارة عدد من الدول الاشتراكية، ولكن ظروف العمل والإقامة ومضايقة النشاط السياسي في دمشق اضطرته، مرة أخرى، للخروج من سوريا، والالتحاق بالعمل والتدريس بجامعة وهران، منذ تشرين الأول، إذ عين في العام 1984 أستاذاً للفيزياء بمعهد العلوم الدقيقة، ونال درجة الأستاذية، وواصل أبحاثه العلمية في حقل الإشعاع المؤين وتأثيراته على الخلايا والمادة الحية.

وعلى مدى السنوات ( 1984 - 1990 ) لم ينشط سياسياً، بل عكف على تنظيم نشاط الجالية العراقية في الجزائر والدفاع عن قضاياها، وحمايتها من التعسف، ونظم حملة لاستحصال وثائقها وحقوقها، من خلال تشكيل رابطة للخريجين العراقيين .

وبدخول العراق إلى الكويت في الثاني من آب 1990 تحول اهتمامه الكلي إلى الدفاع عن قضية الشعب العراقي ومواجهة تداعيات جريمة الحصار على العراق، فبادر إلى تأسيس اللجنة الجزائرية لمساندة الشعب العراقي وإلى جانبها اللجنة العربية لمساندة العراق وفلسطين، اللتين استمرتا طوال مرحلة الحصار (1990 - 2003) ثم تفرغ للتوجه الكلي نحو النشاط السياسي والتعبوي لمواجهة قضية الغزو والاحتلال للعراق.

طوال مرحلة الحصار انتظم في الجهد الداعم للعراق ضد الحصار وتوجيه المساعدات الإنسانية إلى العراقيين، وأسهم في تنظيم وإرسال عشرات الوفود والمنظمات العربية والدولية لدعم الشعب العراقي، وبخاصة من خلال تنظيم "قافلة مريم" برئاسة المناضل جورج غالوي عضو مجلس العموم البريطاني، وعدد من الشخصيات العراقية والعربية والدولية، التي رافقته في رحلته إلى العراق، عبر الدول الأوربية والعربية في الطريق البري انطلاقا من لندن، وبعدها، رافق بعثة الإعلامي البلجيكي ميشيل كولوم، التي ضمت، وفداً جزائرياً، مع عدد من البرلمانيين الأوربيين ونشطاء حركة السلام، ومناهضي الحرب على العراق، التي استمر أعضاؤه في الدفاع عن العراق بعد الغزو والاحتلال، ضمن أنشطة منظماتهم الأوربية والعالمية إلى اليوم.

خلال تلك المدة، نشط علمياً في البحث والمتابعة الميدانية والنشر العلمي، متفرغاً لأهم ملفين يتعلقان بمتابعة جرائم الإشعاع واستخدام اليورانيوم المنضب في الحرب على العراق، بإصدار كتابه "بشر نعم .. فئران مخبرية لا" في العام 1993، كما تابع البحث والتقصي العلمي لملف "الجرائم النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية"، منجزاً عشرات الأبحاث والدراسات العليا، فأصدر كتابه "يرابيع رقان.. جرائم فرنسا النووية في الصحراء الجزائرية" في العام 1996 وشارك في عشرات المؤتمرات وورشات البحث الوطنية والدولية حول جرائم الإشعاع وأسلحة الدمار الشامل فأنجز خلاصتها في تقديم رسالتي دكتوراه دولة في فلسفة الأخلاق، بجامعة وهران في العام 2011، متناولاً الجانب الأخلاقي والعلمي والتوثيقي لجرائم أسلحة الدمار الشامل في العراق والجزائر وفلسطين.

شغل مناصب عديدة في مخابر البحث الجامعي وورشاته وأصدر أكثر من 44 كتاباً أكاديمياً وعلمياً، منها عشرة كتب متخصصة حول قضايا الإشعاع والتلويث البيئي، بالإضافة إلى إسهاماته في حقل الترجمة العلمية وتدريس مواد الفلسفة وتاريخ العلوم، إلى جانب تخصصه الرئيس في الفيزياء النووية والحيوية والكيمياء الإشعاعية.

حصل على جائزة المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر، في أول مسابقة حول الأعمال، التي تبحث القيمة العلمية واللسانية للغة العربية في بحث حول "تأملات في مصطلح الخطاب الجامعي"، كما نال عشرات التكريمات والجوائز في الجزائر وعدد من الدول حول دوره في نشر الثقافة العلمية وفضح جرائم الاستعمار في ملفات الحرب النووية والكيمياوية والجرثومية والإبادة والمجازر الجماعية المرتكبة ضد الشعوب.

يشغل منصب أستاذ التعليم العالي بجامعة وهران، منذ العام 1984 إلى الآن، وباحث في حقل الاشعاع والبيئة، وعضو ومدير عدد من مشاريع البحث ومخابر البحث العلمي في الحقل الإشعاعي والبيئي.

سياسياً، واصل النشاط ضمن المؤتمر القومي العربي، قبل انحرافه وتحوله إلى أداة بيد إيران وأتباعها، وقد كان أول من أعلن انسحابه من هذا المؤتمر برسالة أصدرها بعنوان "إعلان وفاة المؤتمر القومي العربي" ليتفرغ بكل جهده للقضية العراقية ويشارك في المؤتمرات والأنشطة الخاصة بالعراق على المستويين العربي والدولي، كان أبرزها تقديم بحوث حول الوضع الصحي والبيئي في العراق، خلال دورات الأمم المتحدة الخاصة بمجلس حقوق الانسان للعام 2013، وبخاصة في الندوة الدولية المكرسة للذكرى العاشرة للعدوان والحرب على العراق بمشاركة نخبة من العلماء والإعلاميين والحقوقيين والنشطاء الوطنيين العراقيين في التخصصات كافة، كرست لفضح العدوان والحرب على العراق، بالإضافة إلى مشاركة باحثين وسياسيين من دول أوربية عديدة .

واستجابة لدواعي الواجب الوطني، ودعما للانتفاضة العراقية للاعتصامات والتظاهرات، التي اجتاحت العراق سنة 2013، كان في مقدمة من أعلن تشكيل وتأسيس "هيئة التنسيق المركزية لدعم الانتفاضة العراقية"، إذ انتخب أميناً عاماً للهيئة، التي كانت نواة انطلاق النشاط الإعلامي والسياسي المنظم على المستوى الدولي لتقديم الدعم والمساندة لنضال الشعب العراقي ضد الاحتلال والعملية السياسية، بعدها، وفي نهاية العام 2013، أسس حركة اليسار التقدمي في العراق، وانتخب أميناً عاماً لها، ورشح، من خلالها، نائباً أول للأمين العام للجبهة الوطنية والقومية والإسلامية والمتحدث الرسمي لها، وبعدها بعام واحد، في آذار 2014، حضر أعمال انعقاد المؤتمر التأسيسي الأول للمجلس السياسي العام لثوار العراق وترأس جلساته على مدى يومين، وانتخب لعضوية المكتب التنفيذي للمجلس، مكلفاً بمهمات عدة منها: لجنة العلاقات الخارجية ولجنة حقوق الانسان، وفي نيسان من العام 2016، عقد المؤتمر العاشر للجبهة الوطنية والقومية والإسلامية فانتخب أميناً عاماً للجبهة، وأعيد انتخابه، مرة أخرى، في نيسان من العام 2017 أميناً عاماً للجبهة، التي أصبح اسمها الجبهة الوطنية العراقية.

اجتماعياً، فإن الدكاترة عبد الكاظم العبودي متزوج ولديه ستة أولاد، أربع بنات، وولدان، له منهم 12 حفيداً وسبطاً، وهو يمارس هوايات: الكتابة العلمية والنشر، الترجمة، الصحافة والإعلام، كتابة الشعر، والتصوير الفوتوغرافي، ويهوى المسرح ويمارس كتابة النقد الأدبي والتشكيلي.

يقيم في وهران بالجزائر ويعمل في مجال اختصاصه أستاذاً للفيزياء وباحثاً في المجالات التطبيقية، وكان موفقاً جداً في متابعة البحث والكتابة في موضوع "التجارب النووية الفرنسية في الجزائر"، وهو من الخبراء القلائل، الذين تابعوا هذا الملف، عن قرب، في العالم، وعلى مدى ربع قرن من المتابعة، كتب وبحث فيه ونشر عنه، وما زال يتابعه إلى اليوم، مثلما تابع البحث والكتابة عن موضوع الآثار البيئية والصحية لجريمة استخدام اليورانيوم المنضب في الحرب على العراق وحاضر حول الموضوع في عديد من العواصم الغربية والعالمية في جنيف وبرشلونة ودمشق وكوالامبور ووارشو.

وكان الدكاترة العبودي قد اضطر للهجرة القسرية بسبب المطاردة والمضايقات السياسية والاعتقال والتعرض للاغتيال لمرات عدة، إذ وصل إلى دمشق وبيروت في محطته الأولى العام 1975، ومنها إلى وارشو عبر دول أوربية عدة، ثم استقر به الحال في الجزائر بجامعة وهران.

شخصياً، يجد في نفسه شخصية اجتماعية متفتحة على الحداثة، وتحترم التراث العربي والإنساني، وينظر إلى الحياة نظرة تقدمية واسعة، وهو يساري الاتجاه، علماني، يمقت الطائفية والجهوية والتعصب والانغلاق والتحجر الفكري، ويجمع بين القراءة العلمية والآداب والثقافة بثلاث لغات العربية والانجليزية والبولندية.

ومنذ أن غادر بلده إلى هذه اللحظة، لم يفارقه اسم العراق وارتباطه به سياسياً ووجدانياً، ارتباط مطلق، وقد حرص على المشاركة في أي جهد في الدفاع عنه والعمل على تحريره وإعادته إلى ما يستحقه بلداً للحضارة والثقافة والعلوم.

هذا هو الدكاترة عبد الكاظم العبودي، الذي تطاله، من وقت إلى آخر، ألسنة السوء، التي تذهب ويبقى تاريخه النضالي المشرف، ولأن أحداً من الذين صنعتهم أمريكا لن يرقى إلى مستواه العلمي والنضالي والوطني تتناوشه سهام الحاقدين لكنه يمضي باسماً ومضحياً في طريق خدمة العراق والعراقيين.

إنه مفخرة عراقية بحق، لذلك كثر شانئوه وطالته الجيوش الإلكترونية لطغمة الفساد في المنطقة الخضراء.





الجمعة ١٥ جمادي الثانية ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / أذار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة