شبكة ذي قار
عـاجـل










المدخل :

أمريكا تحاول أن تغطي على انكفائها الداخلي وتراجعها الاقتصادي وتقهقرها السياسي وعدم قدرتها على تنفيذ أي فعل عسكري حيال معضلات فاصلة تمس مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط ، وذلك بإظهار استراتيجيتها للأمن القومي ، التي تضم جملة من الأوهام والتناقضات امتزجت مع بعضها لتعطي صورة واهنة وقبيحة على أرض الواقع في العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا والمغرب العربي وعموم منطقة الشرق الأوسط تحديدًا !! .

أعلنت الإدارة الأمريكية الراهنة عن ما أسمته بـ ( استراتيجية الأمن القومي الأمريكي ) بتاريخ 16 / ديسمبر- كانون أول 2017 ، حاول مسؤولون أمريكيون في البيت الأبيض تكثيف هذه الاستراتيجية لكي تكون مقبولة الصياغة ، حددوا فيها أربعة محاور أساسية :

الأول - حماية الأراضي الأمريكية ، وحماية الشعب الأمريكي ، وحماية طريقة الحياة الأمريكية - وهذا يشير إلى ( أمريكا أولاً ) .

الثاني - تعزيز الرخاء الأمريكي .

الثالث - تعزيز ( السلام من خلال القوة ) – وهنا لغم كبير .

الرابع - من أجل ( مواجهة أيديولوجيا الإسلام المتطرف ) .. وعلى الدول الثرية دفع تكلفة دفاع أمريكا عنهم – والمقصود ، دول الخليج العربي .

لم تكشف هذه الاستراتيجية عن سبل وأدوات تنفيذها بل اقتصر التلميح إلى أنها ستركز على مواجهة التهديدات في منطقة الشرق الأوسط وبصفة خاصة ( إيران وسلوكها المزعزع للاستقرار ) .. وهذا يرتبط بما أشارت إليه الاستراتيجية ذاتها - على الدول التي تطلب الحماية أن تدفع تكلفة الحماية عنهم - ، فيما تشير ايضًا إلى مواجهة ( أيديولوجية الإسلام المتطرف ) !! .

وتنطوي هذه الاستراتيجية على عدد من الإيهامات والتناقضات من المفيد تحديدها بما يلي :

1-   إن هذه الاستراتيجية مبنية على أساس واقع الحاجة لبناء وترميم الاقتصاد الأمريكي والعسكري والبنية التحتية والتكنولوجية الأمريكية الراهنة المنكفئة تحت شعار ( أمريكا أولاً ) ، حيث التركيز سينصب على الداخل الأمريكي - الهجرة ومافيات المخدرات وحساسيات التصادم العرقي ومشاكل السلاح المستشري والبون الشاسع في الحقوق والمرتبات في الوظائف بين الرجال والنساء وبين الأبيض ومن أصول أفريقية وهندية وآسيوية وأمريكا اللآتينية .. فضلاً عن الإرهاب الداخلي ومتطلبات الحماية الداخلية والمشاركة الاستخباراتية مع الأصدقاء والحلفاء لحماية أمن المجتمع الأمريكي الذي يعيش على صفيح ساخن !! .

2-   إن هذه الاستراتيجية تحمل إيهامات بحماية ( الأصدقاء والحلفاء ) من التهديدات .. ولكن ، بمقابل ثمن للحماية ، والنتيجة المعروفة ، أن لا حماية تذكر إنما مبيعات سلاح لا أكثر ، ومقايضة وهم الحماية بالمليارات الدولارات .. والنتيجة أيضًا ، إبقاء التهديدات على حالها بل رعايتها ميدانيًا والسكوت على خروقاتها وجرائمها ، والامتناع عن منعها أو الحد منها أو إيقافها عند حدها ، كالتمدد الإيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان وباقي دول المنطقة .. وإن شعار ( مجابهة السلوك الإيراني المزعزع لأمن المنطقة واستقرارها ) ، هو في حقيقته سياسة كاذبة ومخادعة .. والدليل ، أن الإدارة الأمريكية ومنذ أن جاء " ترامب " إلى رئاسة البيت الأبيض ولحد هذا اليوم لم تفعل شيئًا سوى ترديد تلك الجملة التي فقدت معناها .. أما الحقائق على الأرض فهي بقاء التمدد والتهديدات الإيرانية على حالها تحمل الصلافة والوقاحة .. وهذا هو المرمى الأمريكي ، والسبب سنفصله في ما بعد .. ويتوجب هنا الانتباه ، أن لا أحد يتوقع من أمريكا أن تحل ملفًا واحدًا من ملفات المنطقة حتى وملفات العالم ، ولسنا بحاجة إلى الأمثلة على ذلك .

3-   إن هذه الاستراتيجية قد تناولت ما أسمته ( مواجهة أيديولوجية الإرهاب الإسلامي المتطرف ومنعه من الأنتشار داخل الولايات المتحدة ) و ( مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة عبر وسائل الإعلام الأجتماعي ) .. والمعنى في ذلك : هو محاولة الإساءة للإسلام بوصفه بالتطرف .. والإسلام لم يكن في يوم ما متطرفًا ، إنما معتدلاً ووسطًا وعادلاً .. بل جماعات تدعي الإسلام وتعمل بالسياسة .. تسلك سلوكًا متطرفًا باسم الدين الإسلامي ، ولا شأن للدين بها ، لأنها تنفذ برنامجًا سياسيًا كغيرها من الجماعات المتطرفة في الديانات المسيحية واليهودية الذين ارتكبوا أعمال الإرهاب والمجازر والإبادة الجماعية عبر العقود وحتى الوقت الحاضر .. والمجازر التي يرتكبها المتطرفون الإسرائيليون خير دليل على إرهاب الجماعات الصهاينة بالضد من الشعب الفلسطيني ، أما مواجهة تلك الأيديولوجيات فستتم عبر وسائل الإعلام الاجتماعي !! .

4-    ( تعزيز السلام من خلال القوة ) ، وهذه سياسة منتزعة من إحدى نظريات القوة ، التي تقول ( إن السلام لن يتحقق إلا من خلال القوة .. والقوة هي التي تصنع السلام .. وهذا يعكس الآتي :

- إن أمريكا من الصعب عليها أن تصنع السلام حتى بالقوة .

- وإن القوة لن تصنع السلام إطلاقًا .

- وإن أمريكا ليس بإمكانها شن الحروب النظامية مجددًا .. كما أن موسكو هي الأخرى لن تستطيع إستخدام جيوشها في حروب نظامية أو تقليدية على غرار الغزو السوفياتي لأفغانستان ، الذي مني بالهزيمة ومن ثم الانهيار .. إنما تعتمد على طيرانها الحربي .. وهي بأمس الحاجة إلى قوات تمسك الأرض لأغراض ( جيوبوليتيكية ) .. كما أن طهران ليس بمقدورها أن تستخدم جيوشها في التمدد خارج حدودها الاقليمية ، إنما تستخدم وتجند مليشيات مسلحة ومؤدلجة مذهبيًا في ساحات الصراع في ( العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها ) .

- وعلى هذا الأساس .. فلا أمريكا قادرة على شن حروب نظامية ولا روسيا قادرة على ذلك ولا إيران قادرة أيضا .

- أمريكا تعتمد على طيرانها الحربي وهي بحاجة إلى قوة تمسك الأرض فوجدت في ( المليشيات الإيرانية المسلحة والحشد الشعوبي والحرس الإيراني ) قوات أرضية رخيصة تعمل بتنسيق مع القوات الجوية الأمريكية على عمليات أرضية تحت يافطة ( محاربة داعش ) .. وهذا يحصل في العراق ( صلاح الدين والرمادي والفلوجة وبيجي والموصل .. إلخ ) وفي سوريا ( حمص وحلب وإدلب وريف دمشق على اتساعه ) .

- إيران تقدم خدماتها لكل من موسكو على شكل مليشيات إيرانية مسلحة تتحرك على الأرض وتنفذ استراتيجية الكرملين .. كما تقدم إيران خدماتها لأمريكا في مجالين :

الأول - إدارة ( العملية السياسية ) الفاشلة والفاسدة بالمشاركة وبالتوافق وبأدوات الأحزاب الإيرانية في العراق .

الثاني - ميليشيات إيران المؤدلجة التي تنفذ بصورة مزدوجة استراتيجية طهران واستراتيجية أمريكا في آن واحد في العراق وعبر العراق نحو سوريا .. وكل ذلك يمر من خلال غرفة عمليات عسكرية أمريكية - إيرانية مشتركة تحت مسمى ( التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ) .. أما التراشق الاعلامي - السب والشتم وتهديد الوجود العسكري الأمريكي في العراق - إنما هي تهديدات فارغة ولا تعني شيئًا حيال الخطط التي تنفذها واشنطن وتوافق عليها طهران !! .

- طهران تلعب دور الخادم للأمريكان على المستوى السياسي ( إدارة العملية السياسية ) وعلى المستوى السوقي العسكري ( محاربة داعش ) .. كما أنها تلعب دور الخادم للروس على المستوى السوقي العسكري في سوريا ، وكذلك على المستوى السياسي في ضوء أجندة متفق عليها بين العاصمتين موسكو وطهران .. وأمريكا تعرف ذلك جيدًا !! .

5- فمنذ مجيئ ( ترامب ) تاجر العقارات إلى البيت الأبيض ، وهو المعروف عنه لا تحكمه مبادئ ولا قيم إنما يحكمه الدولار وما يحصل عليه من أرباح لشركته الكبرى أمريكا .. فهل أمريكا دولة أم إنها شركة عملاقة ؟ .. وعليه فمن الصعب تصديق هذا الرئيس ولا إدارته مهما حاول أن يضفي على سياساته وخطبه واستراتيجياته من تلميحات ودلالات كلامية من الصعب وجود ما يثبت صحتها على أرض الواقع .. فالاستراتيجية النظرية المرسومة على الورق وبصورة إيهامات وألغام وكلام مشبع بـ ( المورفين ) لا يعني شيئًا ، طالما يبقى التمدد الإيراني يزداد صلافة ، وتهديداتها تستمر وقاحة على أرض الواقع .. والعبرة هي ما فعلته أمريكا حين أنتفضت الشعوب الإيرانية ضد نظام ولاية الفقيه المتخلف في طهران .. هي التي كسرت شوكتها ووضعتها أمام خيبة الأمل ، التي يرمي إليها نظام الملالي ، رغم عوراته المكشوفة ، إذ لم يعد له قيمه سوى تحالفه مع موسكو التي لا تريد التفريط به لكونه أداة لها في سوريا وأداة لأمريكا في العراق .. فلولا أمريكا ما كان لإيران من جود في العراق ، ولولا روسيا ما كان لإيران من جود في سوريا .. وبالتالي لولا أمريكا وروسيا وإسرائيل ما كان لإيران أن تتخطى حدودها الإقليمية تجاه العراق والمنطقة شبرًا واحدًا .. أما استراتيجية التخدير الأمريكية الراهنة ، فإنها ما عادت تنطلي إلا على السذج ، لأنها بنيت أساسًا للداخل الأمريكي المتردي ومصالحه وليس لمصالح غيره حتى وإن دفعوا المليارات .. لأن الخرائط الجيو - استراتيجية هي أكبر من توقعات الحماية .. فمتى يستفيق العرب ويعتمدون على أنفسهم قبل فوات الآوان ؟! .





الاربعاء ١٣ جمادي الثانية ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / شبــاط / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة