شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

الواقع يظل معطًا متغيرًا يتوجب متابعة مفاصله الأساسية وتحولاته الجوهرية وتفاصيل حركته وموازينه وتوازنات قواه ، فضلاً عن الاهتمام بقواعد حركته !! .

- بقية .. النظام الدولي الجديد .. رؤية أوربية :

- إشكالات بناء القطبية الأوربية .. ومستقبل حلف الناتو :

1- بقية .. النظام الدولي الجديد .. رؤية أوربية :  

هذا الواقع يتطلب ( إعادة صياغة ) لنظام دولي جديد لا يرتكز على الثنائية القطبية ، إنما يتبلور على أساس القطبية المتعددة .. فيما تكشف حقائق الصراعات الدولية الراهنة وسياساتها غموضًا في السيناريوات وفرضياتها التي تتبنى حلولاً متناقضة ومتزاحمة في سعيها للوصول إلى احتمالات التطبيق الممكنة .. ولكن ليس من السهل أن تجد الأفكار والفرضيات المعنية ببناء نظام دولي جديد طريقها للتطبيق ما دامت هنالك مساعٍ أمريكية خبيثة تعرقل وتجهض وتمنع تطبيقها .

الاشكالية هذه ما تزال مفتوحة ومعروضة في حقل القانون الدولي والسياسة الدولية .. ولكن ، مع ذلك فإن هناك حقائق ومستجدات تفرض نفسها لتجد طريقها العملي والواقعي نحو بلورة هذا النظام الذي لم يولد بعد !! .

إن مشروع تأسيس الأمم المتحدة ، رغم كونه وليد الحرب العالمية الثانية والمنتصرون في تلك الحرب ويفتقر ( التمثيل القاري الديمقراطي العادل ) ، إلا أنه تبنى منذ البدء رفض فكرة الحرب وعدم منح الصفة القانونية لأي إجراء من شأنه أن يمهد لاستخدام القوة .. كما تبنى فكرة التعاون الدولي على كافة الصعد .. ولكن ، فشل مشروع الأمم المتحدة بتحويل نصوصه إلى واقع عملي ملموس ، وظلت حقوق الإنسان وحقوق الشعوب عرضة للانتهاك والنهب الاستعماري والإمبريالي .. فيما ظلت معظم دول العالم دون مستوى التطور وبعض شعوبها انحدر إلى دون مستوى الفقر وخاصة في القارة الأفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية والشرق أوسط .

لقد اتسم ميثاق الأمم المتحدة بالغموض نتيجة الأفكار المبيتة والأهداف المغرضة ، التي سعى إليها المنتصرون في الحرب ، حتى غدت الأمم المتحدة ( أداة ) بيد تلك القوى منذ ( 63 ) ثلاثة وستون عامًا .. فلو كان نظام الأمم المتحدة كاملاً وعادلاً وسلطته التنفيذية عادلة ونزيهة من الأغراض ، الذي تم التوقيع عليه في 26 / حزيران 1945 ، لكان قد حقق بداية جديدة للسلام والأمن في العالم ، ولما حدثت جريمة ( هيروشيما ) و ( ناكازاكي ) بعد أربعة وعشرون يومًا من توقيع ميثاق الأمم المتحدة .. ولما حلت جريمة اغتصاب فلسطين التي استمرت حتى الآن منذ عام 1948 .. الأمر الذي يكشف بدون شك أن نظام القطبية الثنائية قد ارتكب جرائم حرب وكوارث الاستخدام الذري دون أن يحاسب أمريكا على جريمتها .

وكان نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية ، الذي تميز بالتوازن ، لكنه اعتمد على عناصر الردع النووي الشامل كما اعتمد على سباق التسلح واقتسام مناطق النفوذ في العالم على حساب الشعوب !! .

هذا الواقع قد جعل المنظمة الأممية أشبه بالنادي العالمي الذي تتمثل فيه علاقات دبلوماسية عامة وتوازن قوى استقطابية ، قَسَّمَ العالم إلى مناطق نفوذ سياسية وعسكرية بين القطبين الدوليين - أمريكا والاتحاد السوفياتي - وكان التقسيم أفقيًا وشاملاً أنتج حروبًا إقليمية ساخنة ( الحرب الكورية والفيتنامية والصومالية والأفغانية والخليجية وحروب الشرق الأوسط ) خلفت خسائر بشرية هائلة .. فيما غطت شعوب مناطق عدة تحمل رايات التحرر والكفاح المسلح يقابلها حروب أشعلتها أمريكا والقوى الغربية في القرن الأفريقي والحرب الأهلية في أنغولا وموزنبيق وفي أمريكا الوسطى والشرق الأوسط .

إن نظامًا دوليًا عرضيًا يرتكز على فرضيات القوة والتسلح ولا يعترف بحقوق الشعوب وبحقوق الإنسان .. مثل هذا النظام لا يمكن أن يستمر طويلاً ولا بد من انهيار دعائمه بالحروب .. فقد انهار الاتحاد السوفياتي نتيجة لـ ( سباق التسلح ) وعوامل ذاتية أخرى .. كما لم يتسن للقطبية الأحادية الاستمرار فتداعت أركانها الاقتصادية والعسكرية واضطربت اجتماعيًا واعتباريًا نتيجة لحربين شنتهما على أفغانستان والعراق سببت كوارث إنسانية ما يزال مسرحها قائمًا حتى الآن .

ملء فراع القوة الكونية ولعبة التكافؤ :

إن نظام توازن القوى بين القطبين الدوليين كان قد وضع أحد الأقطاب في دائرة الضعف ( الاتحاد السوفياتي ) ، وهو الأمر الذي أعلن عن نهاية الحرب الباردة عام 1989 ، ووضع التكتلات الدولية العسكرية والسياسية في دائرة عدم الأهمية من حيث القدرة والنفوذ والتأثير .. وحين عجز الخصم السوفياتي عن أن يلعب دوره القديم ( لعبة التكافؤ ) لصعوبة المرحلة التاريخية ، التي يمر بها ، نتيجة وضعه الداخلي وتحديات محيطه الخارجي ، ترك الساحة الدولية للوحش الامبريالي الذي ملء فراغ القوة من نهاية عام 1989 مرورًا بعام 1991 - 2003 وحتى نهاية عام 2011 ، وهو عام الاندحار الأمريكي في العراق .. هذا المصير الذي سبق وواجهه الاتحاد السوفياتي في أفغانستان وخرج منها مثخنًا بالجراح ، التي أودت به إلى الانهيار .. لم تتعض منه روسيا الاتحادية بل انغمست ثانية في مستنقع الحرب السورية - رغم الضوء الأخضر من إسرائيل والتوافق مع الولايات المتحدة - إعتقادًا من موسكو الراهنة بأنها تلعب ( لعبة التكافؤ ) ، وهو اعتقاد عقيم ومهلك في نهاية المطاف .. لأن لعبة التكافؤ لم تبلغ ( قواعدها ) موسكو بعد ، لضعف قاسي في اقتصادها وترهل في تحالفها مع طهران – ونظام ولي الفقيه الذي لا مستقبل له - وعدم قدرتها على المطاولة .. فهل تستدرك موسكو ذلك وتنتشل نفسها من مستنقع أغرقتها فيه طهران بدواعي ( مسك الأرض بالميليشيات الإيرانية الإرهابية المسلحة ) ؟! .

كشف هذا الواقع عن ( ثغرات ) في الوضع الدولي الراهن انسحب نحو المنظمة الدولية وأفرغ ميثاقها والقانون الدولي من محتوياتهما تمامًا حتى بات العالم على حافة ( حروب الغابات ) .. وهذه الثغرات القاتلة نخرت البنى المؤسسية الدولية ، وهيأت مناخ يستدعي إعادة النظر كليًا وجزئيًا بأسس ( الوضع ) الدولي الراهن من أجل صياغة نظام دولي جديد عادل .

فالتحولات المفصلية الكبرى لتشكيل النظم الدولية تحتاج إلى ( أحداث غير عادية ) ، كالحرب العالمية الثانية مثلاً ، واستخدام أمريكا للقوة الذرية ، كما أن انتهاء الحرب الباردة كان بحاجة إلى حدث غير اعتيادي لإعادة ( بنية سياسة القوة ) إلى وضعها ( القانوني ) ، الذي يرفض الهيمنة والتسلط على رقاب الشعوب .. ولكنه غير قادر على كبح جماح الرغبة الإمبريالية من النهب والهيمنة !! .

ومن الغريب إن حلف شمال الأطلسي كان قد قرر يوم 6/7/1990 إعادة تنظيم استراتيجيته وتوجيهها نحو مصالحه في جنوب العالم ، في هذا التوقيت كانت موسكو قد أعلنت يوم 7/ 7 / 1990 حل حلف ( وارسو ) وموت المنظومة الشرقية ، فيما أعلنت أمريكا ( إنها مرحلة جديدة تعلن عن ولادة نظام دولي جديد ) .. والمقصود هنا القطبية الأحادية المتوحشة والإعلان عن منح القوة الصفة ( القانونية ) الوحيدة لتأكيد هيمنتها كقوة وحيدة تمتلك القدرة العسكرية الأكثر تطورًا في العالم !! .

ولكن .. أين هي الصفة القانونية للقوة الأمريكية الغاشمة ؟ ، وهل الأمم المتحدة قادرة على أن تدفع بإمكاناتها وقدراتها التنظيمية والبنيوية للمحافظة على الأمن والسلم الدوليين ؟ ، أم أنها قادرة على الحشد الاستراتيجي لشن الحروب غير المشروعة ؟! ، فالأمم المتحدة غير قادرة على القيام بمهام حفظ الأمن والسلم الدوليين ، كما أنها لن تستطع منع الدول الكبرى والعظمى من شن الحروب بصورة منفردة ، ولن تتمكن من فرض التزاماتها القانونية والإجرائية حيال الدول الأخرى وتجاه الشعوب .. لأن إرادة المنظمة الدولية محكومة بإرادة الدولة ( الأقوى ) والأكثر ( نفوذًا ) في العالم !! .

أوربا .. وطموح الهيمنة الأمريكية بأوهام القوة :

منحت ، كما هو معروف ، معاهدة ( ماسترخت ) ولادة أوربا جديدة من خلال تحويل المجموعة الأوربية إلى اتحاد أوربي ، وذلك بصفة سياسية ودستورية ، تهدف إلى تكريس تماسك أوربا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وعسكريًا وأمنيًا وفعاليات بنيوية .. وذلك بإنشاء هيئة تتمتع بالثبات الدولي واعتماد سياسة خارجية موحدة ، وتأسيس وحدة أمن أوربي مشترك تؤدي إلى وحدة دفاعية مشتركة .

أهداف معاهدة ( ماسترخت ) جعلت أمريكا تمتعض ، لأنها تفرغ حلف شمال الأطلسي الـ ( ناتو ) من الزعامة الأمريكية من جهة ، وتبني كيانًا أوربيًا ( دفاعيًا ) رادعًا من جهة ثانية .. ومن هنا ، تبرز سمة ( الاستقلالية ) الأوربية نحو القطبية ، من حيث تكامل بناء عناصر قوة القارة الأوربية .. هذا الأمر جعل أمريكا تفكر في ( عدم السماح ) لأوربا بتنفيذ أهدافها ، وذلك بمشاغلتها والإصرار على بقاء زعامتها المتفوقة لحلف شمال الأطلسي الـ ( NATO ) .. وهذا لا يعني أن معاهدة ( ماسترخت ) ترفض العمل والتعاون مع بنود الالتزامات ، التي أقرها الحلف الأطلسي ، بل على العكس : أن تكون ( تتماشى ) أو ( تتوافق ) مع سياسة الأمن والدفاع المشترك المعتمدة من لدن الـ ( NATO ) .. ولكن ذلك ، لا يعني أيضًا ، إنقياد أوربا أو تخليها عن طموحاتها في السياسة الدفاعية .

والملفت .. هو التداخل بين كيانين أو بين الوحدات السياسية المكونة لكليهما : كيان أعضاء الاتحاد الأوربي ، وكيان أعضاء حلف شمال الأطلسي ، عدا الاتحاد العسكري الذي وضعته الدولتان الفرنسية والألمانية اللتان تحملان ميزان تعادل القوى في القارة الأوربية تحت أسم ( الفيلق الأوربي ) ، من أجل ضمان مستقبل وجود ( جيش أوربي موحد ) .. ولكن ، لن يكون هذا الجيش بديلاً عن الحلف الأطلسي بل ( منافسًا ) للولايات المتحدة في قيادة الحلف في القارة الأوربية .. فقد منحت أمريكا الحلف عام 1992 مهمة ( حق التدخل في خارج المجال الجغرافي والسياسي المقرر للحلف رسميًا ) .. وهي عملية استدراج أمريكية وتوظيف لقدرات أوربا وتسخيرها والحلف الأطلسي في خارج الجغرافيا - الأوربية ولأغراض السياسة الخارجية الأمريكية .. حتى باتت لحلف شمال الأطلسي مهمات ( إحتواء ) التكتل العسكري الفرنسي - الألماني ، وهو تحت قيادة اتحاد أوربا الغربية ( U.E.O ) .

لا يخضع حلف شمال الأطلسي لمجلس الأمن الدولي في تنفيذ المهمات العسكرية ، إستنادًا إلى الفقرة الأولى من المادة ( 53 ) من الميثاق .. ومع ذلك ، فأن حلف شمال الأطلسي يتوافق مع الميثاق من خلال المادة ( 51 ) والتي تمنح الصفة القانونية لأستخدام القوة في حالة ( الدفاع ) وليس ( الهجوم ) .. بيد أن مجلس الحلف قد أقر تعديل نظام الحلف في الحدود الجغرافية أولاً ، وصيغة استخدام القوة في خارج الجغرافيا الأوربية ثانيًا !! .

مستقبل الاتحاد الأوربي :

بعد أن أظهرت الإدارة الأمريكية الراهنة جملة من التوجهات السياسية والعسكرية حيال أوربا ، وذلك في إطار التفرد بقرار الناتو وعدم السماح للأوربيين ببناء كيانهم الأوربي المستقل نسبيًا وهيكلهم الدفاعي ، راحت مساعي الأوربيين تأخذ رؤية مستقبلية ترتكز على أهمية حماية أوربا أولاً بعد أن اتسع نطاق النفوذ العسكري الروسي من جهة ، وتنامي توجهات الاتجاه اليمين المتطرف في دول الاتحاد الأوربي ثانيًا .. وهو الأمر الذي بات يشغل بال أوربا ، ليست الحروب النظامية التقليدية والنووية فحسب ، إنما تنامي حروب جديدة ليست نمطية يمكن تفاديها وتطبيق قوانين الحروب عليها ومجابهتها بأنماط دفاعية جاهزة .. فالحروب الجديدة هي من النوع الذي يكتسح الأراضي والمدن ويحيلها إلى أنقاض ، ويقتحم مراكز الحضارة ويخترق القواعد العسكرية ومخازن الصواريخ الذرية ويؤثر في مراكز الاتصالات الألكترونية شديدة التعقيد .. فيما شخصت أوربا العالم وهو يعيش توترًا شديدًا متناميًا بين الدول في العلاقات الدولية والإقليمية ، ما يهدد باندلاع حروب جديدة ، ليست نمطية .. أما الكارثة الكبرى التي شخصتها أوربا فهي انعدام الثقة بين موسكو وواشنطن بصورة مقلقة وخاصة بين القيادات السياسية والعسكرية القائمة في البلدين ، الأمر الذي يؤشر ملامح سياسة حافة الهاوية ، التي تقترب من حرب كونية قد تعيد البشرية إلى العصر الحجري !! .

- بناء نظام دولي جديد .. هل يشترط بناء نظام اقتصادي جديد .؟ :

- أسس النظام الدولي الجديد :

يتبــــــــــــــــــــــع ...





الخميس ٧ جمادي الثانية ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / شبــاط / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة