شبكة ذي قار
عـاجـل










نعى الناعي إلينا، اليوم، الشخصية النضالية البعثية والبحثية السيد عبد الحسين الرفيعي، بعد صراع مع المرض.

بدأ عبد الحسين إبراهيم الرفيعي حياته الوظيفية معلماً وأصبح سفيراً، واتجه، بعد أن فرغ من الخدمة الوظيفية، كعادة أبناء مدينته إلى التأليف والبحث، فألف عدداً من الكتب.

ولد في محلة الحويش بمدينة النجف سنة 1940، وسجله أبوه في بطاقة الأحوال المدنية بأنه من مواليد 1941، وفي النجف أنهى دراسته وعمل، في بداية حياته الوظيفية، معلماً في مدرسة الطليعة في منطقة تدعى كرمة بني سعد بلواء الناصرية (محافظة ذي قار )، ثم انتقل إلى مدينته النجف وباشر التعليم في مدرسة الرشيد ثم النعمان الابتدائيتين، وبعد ثورة 8 شباط (14 رمضان) في العام 1963، التي أطاحت بالزعيم عبد الكريم قاسم، وجاءت بحزب البعث العربي الاشتراكي، تم تعيينه مديراً لمصلحة نقل الركاب في النجف، بصفته بعثياً، وفي 18 تشرين الثاني من السنة نفسها، وجد الرفيعي نفسه وقد سحبت يده من الوظيفة لمدة طويلة من الزمن، حتى عاد إلى التعليم في مدرسة مسائية، هي مدرسة التضامن.

ولم يتمكن الرفيعي من مواصلة دراسته إلا في منتصف سبعينيات القرن الماضي، عندما حصل على شهادة القانون من الجامعة المستنصرية في العام 1976، ثم حصل على شهادة الدبلوم من جامعة صنعاء سنة 1989. وعلى شهادة الماجستير في التاريخ الحديث في العام 2003 من كلية التربية المسماة ابن رشد في جامعة بغداد، وكان موضوع رسالته (دور النخبة القانونية الفكري والسياسي في العراق بين العام 1908 حتى العام 1932 )، وهي الرسالة، التي أصدرها في كتاب عنوانه (دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة العراقية ) وهو مطبوع وموجود في الأسواق.

عندما عاد حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم بثورته في 17 – 30 تموز من العام 1968، شغل رئاسة بلدية النجف من العام 1968 ـ 1969، ثم نُقل إلى مكاتب مجلس قيادة الثورة متفرغاً للعمل الحزبي، وفي نهايات العام 1975 تم تعيينه سفيراً في وزارة الخارجية وتم ترشيحه سفيراً للعراق في الجهورية الإسلامية الموريتانية للمدة من نيسان 1976 حتى تشرين الأول من العام 1981، كما ذكر لي، ثم عُين من العام 1977 إلى العام 1980 سفيراً غير مقيم في جمهورية غِينيا الشعبية (غينيا سيكوتوري)، وخلال حرب الخليج الأولى استدعي للمعايشة في جبهات القتال ضد إيران، وفي نيسان 1982 عاد من الجبهة ليلتحق سفيراً للعراق في الجمهورية العربية اليمنية، ثم اليمن الواحد في مايس من العام 1985، حتى تشرين الأول من العام 1991، وبعدها عاد إلى وزارة الخارجية في بغداد وتسلم الدائرة الثالثة المسؤولة عن الدول الاشتراكية سابقاً.

وفي العام 1993 نُقل إلى ديوان الرئاسة مديراً عاماً في المنظمات الشعبية، وهي وظيفة بلا عمل، ثم بعد ذلك بزمن قصير نُقل إلى منظمة المناضلين، وهي منظمة للبعثيين المتقاعدين، حتى احتلال العراق في 9 نيسان 2003.

وبالإضافة إلى كتابه الأول، الذي أصدره معتمداً فيه على رسالة الماجستير، كلفه الرئيس الراحل صدام حسين أن يسجل وقائع أبناء الشعب اليمني وحوادثه ومواقفه، رسميين وغير رسميين وأحزاباً ومنظمات من حرب الخليج الثانية، وقد أصدر كتاباً عنوانه (الموقف الشعبي الرسمي لشعبنا في اليمن من أم المعارك)، أتبعه بكتاب دوّن فيه ذكرياته سفيراً للعراق في موريتانيا وغينيا وبلغاريا، التي نقل إليها سفيراً سنة 1982، وهذا الكتاب مطبوع وموجود في الأسواق، ثم ألّف كتاباً عن مدينته النجف حفاظاً على ذاكرة التأريخ ولكيلا يعبث الطائفيون والمزورون والهوامش بمدينته، وهي حصن الدين السليم والعروبة ولغتها، التي حافظت عليها، وقد طُبع هذا الكتاب في بيروت، أولاً، ثم في عمان، التي طبع فيها كتبه كلها، وجرى جدل حول القائد الشيوعي العراقي الراحل عامر عبد الله، بينه وبين صديقه عبد الحسين شعبان، وأصدر كتاباً في ذلك بعنوان ( في الطريق إلى الحق والحقيقة )، ضمنه ملاحظاته واعتراضاته التي سجلها في ذلك الجدل.

اختار الرفيعي طريق البعث عن قناعة، كما أخبرني، من خلال أحد الكتب، وبهذا فهو قد أصبح بعثياً من دون أن يعرض أحد عليه فكرة البعث والانضمام إلى هذا السبيل، وإنما اشترى من سوق الكتب في النجف، التي كانت تسمى، حينها، (قيصرية الكتب )، من مزاد يوم الجمعة، الذي يقام فيها، كتاب ( أحاديث البعث )، الذي يتضمن مختصرات فكرية رائعة وبأسلوب جذاب وبليغ وواضح لفكرة البعث للأساتذة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وعبد الله عبد الدائم وبديع القاسم وصدقي إسماعيل وجمال اتاسي وآخرين، ومن خلال هذا الكتاب المطبوع بدمشق في العام 1948، والذي اشتراه من مكتبة صاحبها الأديب والشاعر والكاتب الراحل عبد الصاحب الدجيلي، الذي كان الرفيعي قد تلقى على يده دروس اللغة العربية في الصف السادس الابتدائي في المدرسة الأولى، والذي لهُ مؤلفات عديدة وتحقيقات، وقد قاد كتاب (أحاديث البعث ) الرفيعي إلى الانتماء لحزب البعث سنة 1954، وهو في الصف الثاني المتوسط.

الهواية الوحيدة، التي لازمت الرفيعي، وقد بلغ عمره 78 سنة هي الكتاب والكتابة، فهو يقرأ كل شيء وفي الاتجاهات كلها باستثناء السب والشتم بمختلف أنواعه وتعابيره، لأنه عدّ نفسه منفتحاً على كل الثقافات وحاول تحري الحقيقة، وهو يميل إلى الكُتب، التي تعتمد الحوار والأفق المفتوح وكان عقله وقلبه يشمئزان من التعصب بكل فصوله ولذلك رافقه في حياته وسواس وهوس للتعرف على أي معضلة في أي اتجاه، فهو عدّ نفسه مشروعاً للتعلم.

غادر الرفيعي بغداد إلى عمان ومنها إلى اليمن وصنعاء في تشرين الأول من عام الاحتلال 2003، بعد أن ناقش رسالة الماجستير ملتحقاً بعائلته في سلطنة عُمان، والذي ساعده في الوصول إلى السلطنة هو راشد الملكي، الذي كان سفير عُمان في صنعاء، والذي ربطته بالرفيعي علاقة عائلية ما زالت قائمة، وهكذا فهو، منذُ العام 2004، وحتى وفاته، اليوم، في سلطنة عُمان متمتعاً بحوار اجتماعي رائع وشارك ما أمكنه في حضور المناسبات الأدبية والثقافية في النادي الثقافي وجمعية الكتاب العمانيين.

كان الاحتلال هو العامل الأول في هجرته، فهو مطلوب من الأجهزة الأمريكية والبريطانية والإيرانية، وقد نسفت قوات الاحتلال داره في حي الجامعة ببغداد وهي فارغة ومعروضة للإيجار وقد ذهب المؤجر، الذي أراد السكن فيه ليجلب حاجاتهِ ولوازم بيتهِ وجاء الأمريكان ولم يجدوا أحداً في الدار فنسفوه.

وحتى وفاته، ظلّ عبد الحسين الرفيعي يحلم، في يقظته ومنامه، بالعودة إلى العراق على الرغم من وفاة الكثير من أحبابه وأصدقائه وهجرتهم وتلك صورة ذبحت كيانه وعقله، ففي مدينته النجف تعاون الجميع على قتل من كان مرتبطاً بحزب البعث أو كان صديقاً لهُ، وبحسب معلوماته، فإن كل بيت في النجف فيهِ نائحة، وتوقع أن التصفيات، التي جرت في النجف، بعد الاحتلال، لم تجر مثلها في أي مدينة عراقية أخرى، وذلك لأسباب معروفة.

وإذ تطوى آخر صفحة من صفحات حياة المناضل الكبير عبد الحسين الرفيعي بعيداً عن وطنه فقد كان من حقه علينا استذكار حياته النضالية وثباته على مبادئه وتحمله الأذى وهو في شيخوخته من أجل البعث، الذي كان يتوقع أن كبوته لن تطول وأته سيواصل النضال حتى تحقيق أهدافع العظيمة في الوحدة والحرية والاشتراكية.

وداعاً عبد الحسين الرفيعي وإلى جنات الخلود.


شرح الصورة :
من اليمين : د. حيدر كمونة – عبد الحسين الرفيعي – حميد المطبعي – عبد المطلب مهدي - سلام الشماع – د. حميد مجيد هدو – الشيخ سليم الجبوري

 





الاربعاء ١٤ جمادي الاولى ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / كانون الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة