شبكة ذي قار
عـاجـل










أطلقت تركيا عمليّة تدخّل عسكري ّشامل في مدينة عفرين الواقعة شمال سوريّة يوم 20-01-2018، في حلقة جديدة من سلسلة انتهاكاتها للأراضي السّوريّة منذ بداية الأحداث قبل سبع سنوات. واستخدمت تركيا في تلك العمليّة جيش البرّ والجوّ، واتّكأت كعادتها على ضمان مصالحها القوميّة وحيلولتها دون استمرار تهديدات عمليّات من تسمّيهم بالإرهابيّين المناوئين لها والمرتبطين بحزب العمّال الكردستانيّ المصنّف على كونه منظّمة إرهابيّة كما جاء في رواية أنقرة الرّسميّة، علاوة على ادّعاءاتها المعهودة حول عملها على إحلال السّلام في سوريّة ومساعدة المدنيّين وغير ذلك.

وفي الحقيقة، لم تتوان تركيا عن معارضتها الشّديدة لدعم الأمريكان لقوّات سوريا الدّيموقراطيّة والتي يشكّل المكوّن الكرديّ عمادها الرّئيسيّ، وهدّدت مرارا باحتفاظها بحقّ التّدخّل عسكريّا وتكرار سيناريو درع الفرات العام الماضي.

وبالرّجوع لمجريات الأمور على الأراضي السّوريّة، فإنّنا نلاحظ وبيسر شديد تحوّل بلاد الشّام إلى حلبة صراع لأجندات دوليّة وإقليميّة واضحة المعالم، ويمكن حصر هذه المشاريع والأجندات في أربعة محاور :

أ- المحور الغربيّ بقيادة أمريكا ومن معها خصوصا أوروبّا والكيان الصّهيونيّ.

ب- المحور الرّوسيّ الذي يستند أساسا على محاولات روسيا استعادة أمجاد الاتّحاد السّوفييتيّ وضمان مصالحها في جزء من البلاد العربيّة بعد أن حرمت منها في العراق سابقا.

ج- المحور الإيرانيّ: وهو الذي يستند إلى التّحالف الاستراتيجيّ بين نظام الملالي في طهران والنّظام الأسديّ، وينبع من دعم إيران لبشّار الأسد ما يخدم مصالحها التّوسّعيّة الاستيطانيّة وبقيّة مخطّطاتها في المنطقة.

د- المحور التّركيّ : وهو الذي يعمل على تنفيذ مصالح الإخوان المسلمين أوّلا ويسعى لمزيد قضم الأراضي السّوريّة من جهة ويعمل على محاربة التّهديد الكرديّ من جهة أخرى.

ورغم تباين هذه الأجندات والاختلاف الهائل في مصالح كلّ طرف منها، إلاّ أنّ ذلك لم يمنعها جميعا من المضيّ في برامجها دونما تصادم حقيقيّ على الأرض ولا في الجوّ، حيث اتّفق كلّ الأطراف على الحدود الخاصّة به وعلى المغانم المنتظرة ممّا يجري في سوريّة حسب الاتّفاقيّات السرّية بينها. فتعارض المواقف الرّسميّة لتلك المحاور لم يزد في جوهره عن مجرّد التّلهية والتّعمية عن المراد حقيقة وهو المشروع الذي يسعى كبار اللاّعبين الدّوليّين على المضيّ فيه قدما، وترعاه وتشرف على تنفيذه الولايات المتّحدة الأمريكيّة وتسمح للبقيّة بتنفيذ أدوار محدّدة لهم مسبقا لا يمكنهم تجاوزها بما في ذلك الجانب الرّوسيّ على ثقل حضوره العسكريّ وخطورة ترسانته الحربيّة الفتّاكة التي استنفذ تجريبها في سوريّة. وإنّه لا يخفى في هذا الصّدد أنّ ذلك المشروع هو معاودة رسم حدود الوطن العربيّ وتقسيمه مجدّدا لدويلات مبعثرة واهنة تقوم أساسا على الاعتبارات الطّائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة وهو ما عرّفته المجرمة كوندوليزا رايس بمشروع الشّرق الأوسط الجديد الذي تعثّر ولا يزال يلاقي صعوبات جمّة بفعل المقاومة العراقيّة الباسلة، وقد يتضاعف أمل انحساره لو استفاق العرب وخاصّة في شقّهم الرّسميّ من غيبوبتهم وتراخيهم.

فبالنّظر لتوزّع تلك المحاور أعلاه، نسجّل غياب المشروع العربيّ غيابا كليّا حيث اقتصر دور العرب في سوريّة على التّمزّق بين الانتصار لهذا المحور أو ذاك واتّفقوا على تغطية نفقات تدمير سوريّة فدعم قسم منهم الأمريكان ووقف أخر مع الرّوس وساند جزء ثالث إيران وركب فريق رابع ركاب تركيا فيما اختار قسم خامس منهم الاكتفاء بالبقاء على الرّبوة منتظرا مآلات الأمور من جهة وساعيا قدر الإمكان إلى توقّي ارتدادات ما يحدث هناك.

وفي ظلّ غياب المشروع العربيّ، يتواصل إجرام النّظام السّوريّ الأسديّ بحقّ سوريّة وشعبها على صعيدين :

1- استهداف الجماهير السوريّة والتّنكيل بها من جهة، والاكتفاء بالتّحرّك ضمن المدايات التي تسمح بإطالة بقائه على رأس السّلطة وما تبقّى من شعبنا العربيّ في سوريّة أكثر ما يمكن من جهة أخرى.

2- تنازله عن سيادة الأراضي السّورية ووحدتها والقبول بالانصياع للأجندات الخارجيّة وخصوصا الرّوسيّة والإيرانيّة، وصمته عن الاعتداءات الصّهيونيّة المتكرّرة وعدم إيلاء استعادة الأراضي السّوريّة المغتصبة سواء في الجولان أو لواء الأسكندرون أيّ أهميّة في برامجه كافّة.

وإنّه لا يمكن تناول عمليّة غصن الزّيتون التّركيّة في عفرين دون الأخذ بهذه الاعتبارات جميعا، حيث وبدونها سيكون من العبث بمكان التّفاعل معها أو قراءتها قراءة سليمة.

فالأتراك بفعلتهم لم يسيئوا لبقيّة المحاور المتنافسة والمتصارعة تصارع الحلفاء على أرض سوريّة بل إنّهم لا يجرؤون على التّفكير في تجاوز حدودهم أو تهديد بقيّة اللاّعبين، ليظلّ الخاسر الوحيد هم العرب عموما والسّوريّون خصوصا وهم الذين سلّمهم النّظام الأسديّ لمن هبّ ودبّ وأعمى بصره عمّا لحقهم من مآسي التّهجير والتّقتيل والتّفقير وغير ذلك.

أمّا عن التّبريرات التي أطنب أركان النّظام التّركيّ في تعدادها، فإنّها لا تزيد عن كونها محاولة لظهور الأتراك كشركاء فعليّين في مجال مكافحة الإرهاب من جهة، وفي أحقّيتهم بالدّفاع عن مصالحهم القوميّة عبر محاربة أكراد سوريّة المحسوبين وفق التّقديرات الترّكيّة على حزب العمّال رغم دعمهم من قبل أمريكا ماليّا وسياسيّا ولوجستيّا وعسكريّا.

ولقد ظهر ذلك جليّا من خلال ردود الأفعال الدّوليّة حول العمليّة، إذ باركت روسيا التّدخّل التّركي ضمنيّا على اعتبار أنّه يستهدف حليفا مباشرا للأمريكان، وسكت العرب كعادتهم في كلّ القضايا والمعارك العربيّة المصيريّة، بينما دافع قسم كبير من أوروبّا عن حقّ تركيا في تأمين حدودها، بينما عارضته الولايات المتحدة الأمريكيّة على استحياء وفي إطار تبادل الأدوار، لتظلّ إيران الطّرف الوحيد الذي عبّر عن رفضها لغصن الزّيتون ومطالبتها بوقفها فورا نظرا لعلاقتها الوثيقة بالنّظام الأسديّ واعتبارها لسوريّة جزءا من امبراطوريّتها، وهو ما دعا الرّئيس التّركيّ للتّشديد على أنّها ستظلّ مفتوحة لحدود تحقيق غاياتها.

ووقوفا عند موقف إيران تحديدا، وعلى خلاف المسألة الكرديّة في العراق حيث عارضت وبشدّة استفتاء الكرد هناك وحاربته وزجّت بحرسها الثّوريّ وفيلق القدس بقيادة المجرم قاسم سليماني لتركيع الإقليم، فإنّها تساند أكراد سوريّة وترفض المساس بهم من نفس الحليف الذي باركت تدخّلاته ضدّ كرد العراق.

وعليه، فإنّ غصن الزّيتون ورغم كونها اعتداء تركيّ سافر وغادر، فإنّها تحدّث بأمرين على غاية من الأهمّية :

1- تأكيد النّزعة العدائيّة التّركيّة للعرب شانها شأن إيران والصّهيونيّة العالميّة، وهي لا تنفصل عن احتلال لواء الأسكندرون، بل إنّها تكشف عن الأطماع الحقيقيّة لتركيا والمتربّصة بجيرانها العرب خصوصا العراق وسوريّة، ما يجعل من احتمال احتلالها واغتصابها لجزء من شمال سوريّة وكذلك العراق احتمالا قويّا ما انفكّ يزداد يوما بعد آخر خصوصا مع تردّي علاقة أنقرة بواشنطن ( الأمر الذي يدفع تركيا للنّظر لدعم أمريكا لقوّات سوريا الدّيمقراطيّة تهديدا جدّيا ومباشرا لمصالحها ولأمنها ناهيك عن تداعيات الانقلاب الفاشل في تركيا بتحريض أمريكيّ ).
2- تداخل وتشابك العلاقات بين المحاور المتصارعة في سوريّة ما حوّلها لساحة مؤهّلة للتّقسيم وفق المخطّطات المرسومة سابقا وحسب ما يضمن مغانم تلك المحاور، وهو ما يشدّد على ضرورة نهوض شعبنا العربيّ في سوريّة للتّصدّي لهذه الدّسائس وعدم الانجرار لغير المصلح الوطنيّة السّوريّة والتي ترتبط ارتباطا جدليّا بالمصلحة القوميّة العربيّة الاستراتيجيّة العليا.

أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في  ٢٤ / كانون الثاني / ٢٠١٨





الخميس ٨ جمادي الاولى ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / كانون الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة