شبكة ذي قار
عـاجـل










في ذكرى عرس الشهادة الحادية عشر، وبعيدا عن مظاهر التقديس والتأليه كما يتراءى لبعضهم، تحضرنا صفحات عز خالدة وأسفار بطولات فارقة عجت بها حياة الشهيد صدام حسين.
ولعل من بين أهم المحطات والبصمات المشهودة والثابتة التي طبعت مسيرة الرجل، وطبع من خلالها ووسم مرحلة مهمة من تاريخ الأمة، هو أن أهم وأعلى ما تحتفظ به الذاكرة العربية وما ستتوارثه حتما الأجيال لقرون لا يعلم عدها إلا الله سبحانه وهو بلا ريب ذلك الأداء الثوري الرسالي الذي انضبط له شهيد الحج الأكبر بغية تسطير مسيرة الكرامة العربية بكل ما تقتضيه من حزم وصبر ومكابدة وتضحيات.

وإنه ليشق على المرء لحد كبير ويستعصى عليه تقفي آثار كل القرارات والخطوات والإجراءات التي خطها صدام حسين على نهج استرجاع العرب لكرامتهم ومزيد تمتين أواصرها وتحصين بنيانها.

ولكن لا بأس هنا من التذكير بعدد من المحطات التي لم تنفصل في أدق تفاصيلها عن ذلك العزم النبيل، فتحضر بقوة تلك المواقف الجريئة التي ارتبطت بمسيرة الكرامة والعزة لعل أعلاها مرتبة الانضباط المتناهي للمصلحة القومية العربية الاستراتيجية العليا واتخاذها مثابة وغاية كل فعل في الوقت نفسه.

لقد كان حرص صدام حسين على المزاوجة بين الارتقاء بالعراق وشعبه ببناء دولة عصرية حديثة ومدنية تعتمد أساسا على المواطنة وعلوية القانون وتقطع مع الترسبات البالية من جهوية ومناطقية وتحارب كل مولدات الشد للخلف وأعلاها رأسا اجتثاث الطائفية والجهل والأمية وغيرها من الآفات الاجتماعية المتوارثة والمنقولة أساسا عبر دسائس الشعوبيين ومؤامرات أعداء العروبة، وبين اتخاذ بلاد ما بين النهرين منصة وقاعدة المشروع القومي الوحدوي فكانت على سبيل الذكر لا الحصر القرارات الخالدة وغير المسبوقة كرفع شعاري "نفط العرب لكل العرب" و "ثروة الأمة للأمة" وتكريسهما واقعا تلمسته جماهير الأمة على امتداد الوطن العربي وفي المهجر أيضا، وجسدته مثلا إقامة المشاريع العملاقة والإستراتيجية في أقطار عربية عدة خصوصا تلك الفقيرة وغير النفطية من خلال دعم المسارات التعليمية والصحية وتعصير البنى التحتية فيها، كما عبرت عنه مواقف العراق القومية من خلال الانخراط بل وريادة جميع محطات الدفاع عن حياض الوطن والتصدي للمعتدين الآثمين ومن بينها حماية دمشق ومنع سقوطها بيد الصهاينة في حادثة معروفة خالدة ناهيك عن المشاركة في كل الوقائع والمنازلات ضد العدو الصهيوني والحيلولة أيضا دون احتلال السينغال لموريتانيا وغير ذلك من الشواهد الغراء على النضال الطويل المبدئي في سبيل كرامة الأمة.

هذا ويبقى في هذا الصدد فتح العراق أمام اليد العاملة والطلبة العرب وتمتيعهم بجميع الامتيازات شأنها شأن المواطن العراقي، والانتصار المطلق لفلسطين الذبيحة بما انطوى عليه من دعم لا محدود سياسيا وأدبيا وماديا وعسكريا وكذلك تبني مظلمة الأحواز العربية وتوفير كل العون لها ولشعبنا العربي فيها إحدى الأمارات الفارقة التي تتمحور كلها وتصب جميعا في دائرة النهوض لبلورة المناعة والشموخ العربي وضمان متطلبات المضي قدما على نهج استرداد الحقوق المغتصبة وقطع الأيادي المسمومة الممتدة للنيل من الكرامة العربية.
إلا أن ذروة التصميم لنحت معالم تلك الكرامة تجسدت من خلال :

1- ملحمة التصدي للمشروع الإيراني الفارسي الصفوي الخميني من خلال الاستبسال في رد العدوان الإيراني الغادر على العراق طيلة ثمانية أعوام كاملة وهو ما منع تصدير ما يسمى بالثورة الإسلامية المزعومة الأقطار العربية وحمى العرب من غطرسة إيران وأخر مخططها التوسعي الاستيطاني الشعوبي العنصري.

2- الثبات على تطويق خطر الإرهاب الصهيوني ودك أوكار المغتصبين الصهاينة بالصواريخ العراقية ناهيك عن محاصرة المخططات الصهيونية عبر كشفها وتعرية المتعاونين والمنخرطين فيها واتخاذ القرارات الريادية لدعم الصمود الفلسطيني بوجه آلة التدمير الصهيونية الإجرامية وهو ما اتضح كأسمى ما يكون من خلال استخدام سلاح النفط بقطع ضخه من جهة وحيلولة العراق بقيادة صدام حسين دون نقل سفارات عدد من الدول لدى العصابات الصهيونية الغاضبة للقدس المحتلة.

3- التخطيط الاستراتيجي النوعي والمبهر لتأسيس المقاومة العراقية للتصدي للغزاة والمشاريع المعدة من وراء احتلال العراق.
ومن نافلة القول إن كل هذه الفصول ما كانت لترتقي فعلا لمرتبة المخطط العملي والعلمي الكفيل برسم معالم الكرامة العربية لو لم تنطلق من الرقي بالعراق على مختلف الصعد وهو ما تجلى من خلال خلق منظومة تعليمية وجامعية عصرية أدت لبعث جيش جرار من العلماء والمهندسين والأطباء في شتى الاختصاصات وأدقها وأكثرها ندرة وتعقيدا ناهيك عن تأسيس جيش مسلح بعقيدة قومية أصيلة توجه فعله وأداءه وحركته وتوفير جميع مستلزمات جهوزيته لما على عاتقه من مهام جسيمة تتواءم ومكانة العراق المفصلية في منظومة الأمن القومي العربي على مر التاريخ، كما كانت ستظل قاصرة عن جدارتها بخط ملحمة بلوغ العزة العربية لو لم تتوفر لها الموارد البشرية النوعية الطلائعية المؤهلة لتحمل أعباء هذه الرسالة الحياتية الخطيرة، وهو ما شكلته كوكبة الرجال المتشبعين بالإيمان والاعتزاز بالانتماء لهذه الأمة المجيدة والمستعدين استعدادا تاما للدفاع عنها وإعلاء راية العروبة وتبليغ رسالتها الخالدة مهما كانت التبعات.

ولقد شكل الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم رفيق درب صدام حسين طيلة مسيرته ثم المؤتمن عليها وعلى العراق والأمة ركنا ركينا في استمرارية نهج الكرامة ومواصلة درب الثبات والفداء والدفاع عن المصالح الاستراتيجية العربية رغم الخطوب والنوائب.

تستمر وتتواصل إذن فصول الدفاع عن الكرامة العربية والرقي بها مع شيخ المجاهدين عزة إبراهيم وتتخذ أبعادا تستند على الموروث النضالي الذي أرسى معالمه وطورها وسما بها صدام حسين وتضيف إليها وتضاعف ترسيخها من جهة وتعمق الوعي بها والانضباط لها من جهة أخرى.

إن من أكبر عناوين الاستمرارية في الملحمة الرسالية وشعارها الأعلى هو الموت دون عزة الأمة ومناعة العرب وكرامتهم، هو قطعا المواصلة الدؤوبة للمشروع التحرري الجهادي الكفاحي الرسالي للمقاومة العراقية الباسلة والبذل المطرد والمتعاظم والصمود الأسطوري في خنادق مقارعة العدوان الشيطاني الآثمة على العراق وشعبه وحضاراته وتاريخه المخصوص، وهو العدوان الذي لم يستهدف العراق فقط وإنما كان استهدافا لكل الأمة العربية وفصلا تآمريا على الوجود والمصير العربيين كاملين.

وبتنزيل الفعل المقاوم على الأرض اليوم بكل ما شهدته وتعرفه المنظومة الكونية من تبدل غريب وتغيير جذري وقلب محير للمفاهيم والأعراف وما رافق ذلك من تعبيرات صارخة تنضح نزوعا جامحا للجريمة وتتميز بإصرار القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على قهر الشعوب وإذلالها وخاصة حملها للتسليم بإملاءاتها والرضا بجورها وظلمها ونهمها وجشعها وإرهابها، فإنه سيكون جائزا لحد بعيد اعتبار مجرد التفكير في الرفض والتمرد على هذا الاعوجاج الصفيق والغطرسة الوحشية في حد ذاته بطولة ليس كمثلها بطولة وثبات لا يضاهيه ثبات. فما بالك إذن بمن يتجاوز الرفض الخجول الحيي ويتعدى التمرد الشعاراتي والمناسباتي ليكرسه عبر تأجيج جذوة المقاومة التي خطط لها حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة شهيده وشهيد الأمة العربية ورفاقه، بل ويوسع مداها ويطور استراتيجيتها ويكيفها ويطوع التكتيكات بما يمكنها من الاستمرار والبقاء والنجاة من كل الفخاخ الرهيبة والحيل الجهنمية التي رسمتها عقول الأعداء بما يتوفرون عليه من إمكانيات رهيبة ؟؟

ليس خافيا على أحد هول ما هز الأمة العربية من زلزال مدمر عاصف تمثل بغزو العراق بما انطوى عليه من غايات ورهانات وبما تعكز عليه من أدوات وسياسات ونظريات مستحدثة وغير مسبوقة من حيث إيجاد المسوغات كافة لتبرير التدمير والتخريب والترهيب المتواصل لكل ما يعترض الوحش الأمريكي الهمجي، وليس يخفى بالقدر نفسه ارتدادات ذلك الزلزال العنيف الضاري، وهي التي جاوزت كل ما عرف عن الحملات الاستعمارية طيلة التاريخ البشري للحد الذي بات فيه الوجود العربي على المحك بكل جدية بل وتتعمق الكارثة بتكشف الغرض الحقيقي للغزو الذي لم يكن محصورا فقط في معاودة تقسيم الوطن العربي لكن جوهره الخبيث هو اجتثاث العروبة.

وإنه من الضرورة بمكان في هذا الصدد أن تشدد على أن هذا الانكشاف لم يحدث بمحض الصدفة ولكنه تولد عن عبقرية شيخ المجاهدين المؤتمن على مواصلة المسيرة الخالدة المدافعة عن الكرامة العربية والحامية للوجود العربي، حيث تفطن بما له من خبرة نضالية طويلة وتجربة سياسية ممتدة لأزيد من نصف قرن، وبفضل حنكته وإلمامه الواسع بطريقة عمل وتفكير الأعداء لهذه الدسيسة الأخطر والأخبث على الإطلاق، فعرضها وبسطها وكشفها لجماهير الأمة وكاشفها بها بكل الوسائل ورغم المخاطر المحيطة التي تشيب الولدان، إذ طرق كل الأبواب التي لطالما أوصدها الأعداء والأمريكان خاصة بما لهم من سيطرة مطلقة على الإعلام وبما لهم من نفوذ سياسي وثقل عسكري أخضع العالم أو يكاد، وأفلح القائد الأمين في تحييد الحصار والالتفاف عليه ليخاطب الأمة وأبناءها في وسائل الإعلام سيما المكتوبة ناهيك عن رسائله للشعوب الأمريكية والإيرانية وغيرها.

قد يكون كافيا اعتبار ثبات الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم على نهج المقاومة هو أرقى عناوين مواصلة مسيرة الدفاع عن الكرامة العربية لما لهذا الأداء من علاقة جدلية بالكرامة والحصانة والشموخ ولما سبق وأن بيناه، لكن سيكون الاكتفاء بهذا القول انتقاصا لفضائل الرجل ودوره العظيم في الذود عن مصالح الأمة العربية الاستراتيجية وما يتعلق بها من عنفوان وشموخ.

لقد حققت المقاومة العراقية بقيادته بعد اغتيال رفيق دربه شهيد الحج الأكبر صدام حسين انتصارات فارقة بل وتجاوزت كل التوقعات إذ نجحت في دحر العدو الأمريكي نهاية عام 2011 وأجبر الإدارة الأمريكية على الانسحاب من بلاد ما بين النهرين.

إن هذا المنجز الأسطوري لا يستمد أهميته فقط من حيث التعامل معه على أنه كسر الشوكة الحربية الأمريكية وقصم ظهرها، بل لاستتباعاته العظيمة الأخرى سياسيا واستراتيجيا. فإلحاق الهزيمة النكراء بأمريكا وقبر مخططها القاضي بنشر الفوضى الهلاكة في الوطن العربي وتقسيمه ثم اجتثاث العروبة بما يبسط السيطرة الأمريكية المطلقة على العالم ومفاصله كافة، هو الذي ضمن للعرب تجنب مصير الهنود الحمر، وهو الذي خفف من حدة المؤامرة رغم ما لحق بالأمة من خراب ودمار.

أوليس هذا سنام الجهاد من أجل الدفاع عن الكرامة العربية؟
وهل كان ممكنا تناول الكرامة العربية لو نجح اجتثاث العروبة لا سمح الله ولو لم يبدع شيخ المجاهدين عزة إبراهيم في سن ورسم معالم الخلاص؟

يتبع





الجمعة ١١ ربيع الثاني ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / كانون الاول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة