شبكة ذي قار
عـاجـل










يُعَدُ برنامج المساعدات الخارجية الأمريكي ، أحد أخطر أدوات السياسة الخارجية الأمريكية منذ الإقرار بما يسمى بـ( النقطة الرابعة ) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور أمريكا ( منقذًا ) وبانيًا لما دمرته الحرب من البنى التحتية للقارة الأوربية والتي جاءت تحت خط مشروع ( مارشال ) أو النقطة الرابعة عام 1947 .. حيث الشروط والقيود والضغوط تشكل سيفًا مسلطًا على رقاب المتلقي للمساعدات ، سواء كانت مساعدات إقتصادية ، مالية ، نقدية ، عسكرية ، فنية ، حتى واستخباراتية ، إضافة إلى ( الهبات ) التي يروم صانع القرار الأمريكي تقديمها إلى الدول أو الحكومات الفقيرة أو التي بحاجة ماسة لها .

برنامج المساعدات الخارجية الأمريكي هذا لم تتخل عنه أي إدارة أمريكية أبدًا .. فهو الأداة التي تستخدمها الدبلوماسية الأمريكية في تعاملاتها ، ويستخدمها البنتاغون في تعاملاته ، وتستخدمها الاستخبارات الأمريكية في تعاملاتها .. طالما يرتبط هذا البرنامج بالسياسة الخارجية الأمريكية وبأهدافها ومحدداتها .. ويعتمد نجاح حركة السياسة الخارجية الأمريكية ودبلوماسيتها واستخباراتها على برنامج المساعدات الخارجية ما دام البرنامج تصاحبه شروط معينة وقبول ببنود الاتفاقات وترتيبات تطبيق البرنامج سنويًا .. فمصر على سبيل المثال : تتلقى مساعدات مالية سنوية تصل إلى (3/1) مليار دولار عدا الهبات الاقتصادية الأمريكية ، فيما تتلقى ( إسرائيل ) مبلغًا سنويًا قدره (2/3) مليار دولار عدا الهبات الاقتصادية والعسكرية .. وكلاهما يخضعان لشروط السياسة الخارجية الأمريكية .

وما ينطبق على مصر والكيان الصهيوني ينسحب بشروطه وآلياته على باقي الدول العربية والآسيوية والأفريقية واللاتينية وحتى الأوربية التي تعاني من مشكلات إقتصادية أو أزمات مالية .. فكلما حاولت أي دولة متلقية للمساعدات الخارجية الأمريكية التصرف على وفق إرادتها الوطنية ومصالحها القومية حول المسائل التي لا تتماشى مع السياسة الأمريكية تراها واشنطن في وضع الافتراق عن مسارها السياسي ، عندئذٍ ، تبدأ الضغوط بقطع المساعدات الاقتصادية الأمريكية عنها ، الأمر الذي يضع الدولة المتلقية للمساعدات أمام حالة استثنائية وخيارات صعبة ، خاصة وإن مبالغ المساعدات السنوية الأمريكية تضعها الدولة المتلقية في برنامجها التنموي وتخطيط ميزانيتها السنوية .

فبرنامج مساعدات أمريكا الخارجية ، إذن ، هو في حقيقته ( فخ ) ظاهره مساعدة الدول الفقيرة والمحتاجة وباطنه تقييد الدول المتلقية بسياسات أمريكا الخارجية ، سواء كان ذلك في مناطق الصراعات ومناطق الاحتقان والمناطق التي تعد حيوية وذات قيمة استراتيجية لمصالح أمريكا ولأمنها القومي ، أو على مستوى الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وأهمية إحتكار أصوات الدول التي تتلقى المساعدات الأمريكية لصالح التصويت المنحاز لما تريده أمريكا وكيانها الصهيوني .

لقد كشفت إدارة " ترامب " أوراقها كاملة حين أعلنت أن قراراتها تعبر تعبيرًا مؤكدًا عن ( صهينة السياسة الأمريكية الخارجية ) ، وأن لا وجود لقرار أمريكي يعبر عن حقيقة ( الأمة ) أو ( المجتمع ) الأمريكي ، وإن الذي يحكم أمريكا هي إسرائيل .. وعلى أساس هذه النتيجة يمكن تشخيص الوضع الراهن لمنهج الإدارة الأمريكية وعلى النحو التالي :

1- كان الجدل منصبًا سابقًا وقبل عقود من السنين على ( من يحكم أمريكا ) ؟ فهل هي تحكم نفسها ، وإن علاقاتها بالكيان الصهيوني علاقة استراتيجية عادية كأي علاقة ثنائية متميزة ؟ ، أم أن الكيان الصهيوني هو الذي يحكم أمريكا من خلال الهيكلية الصهيونية كـ( دولة عميقة ) تنتشر في كل مؤسسات الدولة الأمريكية السياسية والتشريعية والاقتصادية والمالية والنقدية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية والاعلامية ومراكز الأبحاث والمنظمات المختلفة المدنية ذات الصلة التمثيلية كمنظمة ( إيباك ) المسؤولة عن تعيين الرؤساء - خاصة بوش الصغير وأوباما وترامب - واختيار طواقم الرؤساء والوزراء والسفراء والحكام والمحافظين والنواب وغيرهم من المتنفذين .. حتى الكنائس والمسيحيين لم يسلموا من صهينتهم على نطاق مبرمج واسع .. إذن نحن أمام ( دولة عميقة ) صهيونية داخل الدولة الأمريكية تتحكم بقراراتها الداخلية والخارجية .

2- الإدارة الأمريكية الراهنة قد كشفت معظم أوراقها وباشرت في تنفيذ نياتها الدفينة بالسير مع تنفيذ المشروع الصهيوني من النيل إلى الفرات مع أخذ بنظر الاعتبار بعض الخيارات على طريق إنهاء القضية الفلسطينية – خاصة مشاريع إسكان الفلسطينيين في سيناء والتفكير الجدي بما يسمى بـ( الوطن البديل ) ، وهو الأردن .!!

3- الإدارة الأمريكية الآن تتحدى الأقطار العربية برمتها بشأن القدس ، وتتحدى العالم الإسلامي بشأن القدس ، وتتحدى دول العالم بقرارها الذي يخالف إرادة المجتمع الدولي ، التي أجمعت في شكل قرارات اكتسبت الدرجة القطعية وبالإجماع منذ عام 1948 ولحد الآن بشأن القضية الفلسطينية .

4- الإدارة الأمريكية الراهنة تضع الأمة العربية والعالم الإسلامي أمام خيارين لا ثالث لهما : إما القبول بقرار القدس كما تراه إدارة " ترامب " المتصهينة ، وإما قطع المساعدات عن الدول التي تدلي بصوتها المغاير للموقف الأمريكي المجحف بالحقوق الفلسطينية المشروعة . !!

5- فما الذي ستفعله الدول العربية التي تتلقى المساعدات الأمريكية كمصر والأردن والمغرب على سبيل المثال ؟ ، كيف ستواجه هذا القرار أمام شعبها ووضعها الاقتصادي ؟ ، هل سترضخ للقرار الأمريكي فتفقد قرارها المستقل وهيبتها وكرامتها والطعن بمقدساتها وتزعزع علاقاتها بشعبها ؟! .

6- الموقف المبدئي في هذا الأمر يقتضي الإسراع الفوري بعقد جلسة طارئة لمجلس الجامعة العربية يسبقه إجتماع موسع لوزراء الخارجية العرب ووزراء خارجية الدول الإسلامية من أجل تدارس الأمر ووضع حلول سريعة وعملية كإنشاء صندوق مالي للمعونة الطارئة يتولى التعامل مع حالة القرار الأمريكي بتقديم المساعدات للدول العربية والإسلامية التي تتعرض للابتزاز الأمريكي- الصهيوني !! .

هذا الإجراء إذا ما تحقق سيفرغ القرار الأمريكي من محتواه ويعطي دعمًا كبيرًا للقضية الفلسطينية ولكافة القضايا الوطنية المماثلة التي يتعرض لها الوطن العربي والعالم الإسلامي والعالم .. أمريكا المتصهينة تفتح النار على الوطن العربي وعلى العالم الإسلامي .. والبادي أظلم .!!





الثلاثاء ٨ ربيع الثاني ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / كانون الاول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور ابا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة