شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل الحديث عن الخطوط العريضة للاستراتيجية الأمريكية الراهنة ، التي أخذت طريقها إلى التبلور - بمعنى تحول عناصرها إلى واقع عملي ملموس عبر أروقة مؤسسية أمريكية سياسية ودبلوماسية واستخبارية وعسكرية - لابد من الحديث عن بديهيات علوم السياسة وعلوم الفيزياء وبصورة مكثفة نستنتج منها ما يتطابق مع الحقائق ، طالما أن العلوم السياسية هي في حقيقتها علوم تتداخل مع علوم أخرى ، كعلم الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ والاجتماع وعلم النفس والعلوم العسكرية ، كما أن فرضيات علوم الرياضيات والفيزياء تعطي مؤشرات لعلوم السياسة في غاية الأهمية طالما أرتبط الإدراك بالمعطيات والمسببات وبالنتائج حتى بصفحات المستقبل ، ليس على أساس التنجيم إنما على أساس محصلة التفاعلات ، التي تجري على أرض الواقع ، خاصة التي جرت في الماضي وفي راهن الأيام .

ما الذي ينتظره السلوك السياسي الإيراني ، بعد تمدده الشوفيني المسلح في المنطقة منذ عام 1979 ولحد الآن ؟ ثم ، إلى متى يستمر هذا السلوك وهو يزعزع أمن المنطقة واستقرارها .. وإلى أين سيصل ، والمنطقة تعتبر منطقة مصالح متشابكة إقليميًا ودوليًا ؟ :

وللإجابة على هذين التساؤلين يمكن تلمس الآتي :

1- إما أن القوى الكبرى والعظمي ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا ، تشارك إيران في نهجها التوسعي التخريبي .. وهذا الاحتمال وارد في مشروع الشرق الأوسط الكبير .

2- أو أن أمريكا تدرك خطورة التمدد والتهديد الفاشيستي الإيراني ، الذي يتعرض للمصالح الغربية والأمريكية ومصالح دول المنطقة والعالم .. الأمر الذي يجعلها تعمل ببطئ في إطار مؤسسي ، في ضوء استراتيجية تبدو أنها قد تكاملت ، تتفادى فيها الصدامات المباشرة وردود الأفعال المتوقعة والخشية من اتساع دائرة الحرب .. فهي تعمل على تعطيل مفعول القدرات الإيرانية على التمدد ومن ثم تقليم أظافر النظام الفاشي الإيراني ووضعه في قفص داخل أسواره .

معادلات في غير صالح النظام الفاشي الإيراني التوسعي :

- إن أي تمدد يعقبه تقلص لا محالة .. فالتمدد الإيراني وابتعاد أهدافه عن مركز صنع القرار في طهران وضعف التمويل بالعقوبات المتشددة سيقلص من القدرات على التمدد .. ويمنع إستمرار التهديد والتوسع العسكري الميليشياوي بهذه الطريقة أو تلك .

- وإن اتساع ( قوة ) الدولة يستتبع اتساع الدول المجاورة لقوتها .

- وإن اتساع القوة يحفز على تحالفات ( قوى ) من أجل التوازن الاستراتيجي في المنطقة ، ومنع توسع أي قوة ، وضمان الأمن والاستقرار الإقليمي في إطار نظام للأمن القومي العربي .

- بروز سياسة سباق التسلح والتفتيش عن تنويع مصادر التسليح .

ملامح الاستراتيجية الأمريكية الراهنة أزاء إيران :

تتأسس هذه الاستراتيجية على أساس ( الاحتواء التدريجي ) القائم على العناصر الآتية :

أولاً- التشدد بإصدار العقوبات الاقتصادية وشل حركة القيادات الإرهابية الإيرانية لـ( حزب الله - وقادة الحرس الثوري الإيراني - وفصائل الحشد الشعبي المرتبطة بإيران أيديولوجيًا وماليًا - وميليشيات الحوثيين المرتبطين بإيران - وباقي واجهات الإرهاب الإيرانية تباعًا ، ممثلين بحزب الدعوة في العراق باعتباره واجهة من واجهات الإخوان المسلمين ) .

ثانيًا- دعم الدول التي تتعرض للعدوان وللتهديد الإيرانيين .

ثالثًا- عقد ( تحالفات ) مع دول كبرى - الاتحاد الأوربي - و( تفاهمات ) مع روسيا والصين .

رابعًا- تحجيم النفوذ الإيراني وإرجاعه إلى حدوده الإقليمية الطبيعية .

- إن الضغوط الأمريكية والأوربية والعربية وباقي دول العالم والمنظمات الدولية تجعل روسيا تشعر بمزيد من الضغوط ، إضافة إلى الضغوط التي انصبت عليها كمشكلات أوكرانيا ( جزيرة القرم ) والتدخل العسكري في سوريا والضغوط الناجمة عن مشاركة روسيا بجرائم الحرب وزعزعة إيران لاستقرار المنطقة ، وزعزعة روسيا للاستقرار الأوربي .!!

- يقول أحد الكتاب المتخصصين في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يوم 7 / تشرين ثان - نوفمبر 2017 ( من مصلحة الاستقرار الاستراتيجي في الخليج - لم يذكر أنه خليج عربي - ألّا تهزم القومية العربية هزيمة كاسحة أو مذلة إزاء إيران أو تنهزم القومية الفارسية هزيمة كاسحة ومذلة إزاء العرب ، ويزيد الأمر سوءًا إن جرى ذلك بأشكال يمكن تفسيرها بنظرية المؤامرة ) .. ، يأتي هذا الحديث وإيران تمارس عدوانها المستمر وتمددها المستمر وتوسعها الأيديولوجي المسلح المستمر وتدخلها في الشؤون الداخلية للأقطار العربية المستمر .. وهو يدعو إلى ما يسميه إحياء وتعظيم القناعات لدى الداخل الإيراني باستحالة الوصول إلى ( إيران طبيعية ) في ظل إستمرار النظام الراهن ) !! .

- يتناسى هذا الكاتب وتتغافل الأهرام .. أن شاه إيران قد تمدد بـ( القومية الفارسية ) العنصرية ، وخميني وخامنئي قد تمدد بالقومية الفارسية المغلفة بالأيديولوجيا الطائفية الفاشية .!!

- في إيران نظام ( ثيوقراطي ) متحجر ، يحاول أن يجد مرونة لنموه الاقتصادي تحاكي الصين كنموذج .. ولكن من الصعب المقارنة بين نظام شيوعي يتعامل مع العصرنة منذ عقود الثمانينيات ونظام متخشب لا تنفع معه كل وسائل المرونة ، لكونه يمثل ديكتاتورية ( صنمية مذهبية ) منصوص عليها في الدستور ، لا ترى إلا بعين واحدة هي ظل الله على الأرض رغم الآمال التي ترسمها الكلمات التي لا معنى لها لأغراض التجميل والتسويق والظهور بمظهر الإصلاح والمصلحين ، إلا أن واقع الحال يشير إلى الموت البطيء بداء التحجر والضمور القاتل .. فلا النظام الإيراني قادر على استنساخ نموذج آخر لدولة أخرى قادرة على الانفتاح تبعًا لنمط عمقها الفكري والثقافي ولا إن هذا النظام قادرًا على البقاء متحجرًا في الفقه والفكر والسلوك في وسط عالم متغير ومتحول تعصف الاضطرابات بأرجائه من كل صوب !! .

- يخشى النظام المذهبي - الشوفيني المتحجر في طهران إدخال إصلاحات في بنية غير قادرة على هضمها خوفًا من إنهيار النظام ، الذي ترفضه الشعوب الإيرانية وتكاد ( الشروط الذاتية والموضوعية ) ، التي تحكمت بسقوط الاتحاد السوفياتي ملامحها تتكرر وتقترب من إنهيار النظام الإيراني الفاشيستي نتيجة لمسببات تقع في مقدمتها :

أولاً- غرور القوة والتوسع أو التمدد العسكري ذي الأبعاد الامبراطورية في زمن يرفض وبصورة مطلقة هذا المنهج .

ثانيًا- ضمور القاعدة الاقتصادية وتآكل البنية التحتية فضلاً عن التفسخ الأخلاقي المستشري في المجتمع الإيراني .

ثالثًا- انكشاف منهج ( الفقه المذهبي ) و( الفقه السياسي ) اللذين يرميان إلى استثمار السياسة الخارجية للدولة الإيرانية نحو التوسع .

رابعًا- رفض الواقع المحلي والإقليمي والدولي لنهج ولي الفقيه ، الذي يؤسس لـ( دولة دينية – مذهبية ) مرفوضة رفضًا قاطعًا .

خامسًا- مؤشرات تفكك تحالفات النظام الإيراني الفاشيستي المتحجر مع قوى دولية ، وذلك إدراكًا من تلك القوى بأن مصالحها الحيوية أكثر قيمة من تحالفاتها أو توافقاتها الاستراتيجية مع نظام لا مستقبل له وهو في طريقه إلى الزوال ، نتيجة لسلوكه الإرهابي الدموي التوسعي وفساد هيكله السياسي والإداري وتحلل نسيجه الاجتماعي أخلاقيًا بسبب التهتك القيمي المستشري وانتشار ظاهرات متنوعة منها ( البغايا والأطفال غير الشرعيين ) الذين بلغوا الملايين إضافة إلى العاطلين عن العمل .

سادسًا- لم يستطع النظام الإيراني الفاشيستي التعايش بسلام مع جيرانه ومع معظم دول العالم حتى بات في عزلة شبه كاملة إقليميًا ودوليًا .

سابعًا- لم يستطع النظام الإيراني الدموي المتحجر أن يكون سويًا وعادًلا بين القوميات المضطهدة ( العربية والكردية والتركية والآذرية والتركمانية والبلوشية واللور ) وهي قوميات تشكل الأكثرية في إيران وإن نسبتها تتراوح بين 58% - 59% من المجموع العام للسكان .. كما أن هذا النظام يضطهد العناصر الإيرانية الوطنية المتفتحة ، التي تتطلع إلى الاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .. وقد قتل من هذه العناصر في السجون ، دفعة واحدة ، 3000 ثلاثة آلاف وطني إيراني .. والغريب أن الأمم المتحدة ساكتة وأوربا المنافقة ساكتة على هذه الجريمة الشنعاء .!!

ثامنًا- إن نظام ولي الفقيه لا يستطيع أن يتعايش سلميًا مع جيرانه مهما كانت صيغ التعامل ، لأن النظام سرعان ما يتمدد في خلاياه السرطانية المذهبية ، كما حصل في الجزائر والمغرب وتونس ومصر ، ليقوض النسيج الاجتماعي لتلك الدول تحت دعاوى رعاية القبور والمراقد المقدسة وحمايتها بهدف زرع الخلايا التجسسية والإرهابية !! .

تاسعًا- النظام الإيراني ( الثيوقراطي ) هذا لا يستطيع أن يعيش بدون حروب خارجية منذ أن جيء بـ( خميني ) من باريس عام 1979 بتوافق بريطاني أمريكي ومساعدة فرنسية .. وهو نظام أسس خصيصًا لمتغيرات المنطقة ولتغيير خرائطها السياسية وتحويلها إلى ( حرائق ) تطوق نهوض الأمة العربية وتطوق القطبية الروسية الطموحة والقاصرة .. وهو الأسلوب الذي مارسته أمريكا بتأسيسها سلسلة من الأحلاف والتحالفات ، إمعانًا في تطويق الاتحاد السوفياتي .. وتكاد الاستراتيجية ذاتها التي استعادتها أمريكا من أرشيفها تتكرر ، وبدأت بخطواتها العملية منذ دخول الجيش السوفياتي إلى أفغانستان حيث عملت أمريكا على تأسيس مكتب ( بن لادن ) في كابل العاصمة بهدف دعم وتمويل المعارضة الإسلامية الأفغانية لمقاتلة ( الكفار ) مدعومة بأحزمة مقاتلة ومنهم ( العرب الأفغان ) !! .

وعلى أساس ما تقدم .. فأن هذا النظام المتحجر قد انتهت مهمته الموكلة إليه ويجب إما أن يرتد خلف حدوده الإقليمية أو تغيير سلوكه السياسي بتحجيمه أو إسقاطه .. والبديل جاهز ومدعوم من الغرب كله بقيادة أمريكا - لا خيار أمام مرحلة جديدة من الصراع بدون تسويات وتصفيات .. تبدأ بأذرع إيران ( حزب الله ) ونزع مخالبه وترويضه في العملية السياسية اللبنانية غير الطائفية ، مرورًا بإجلاء المليشيات الطائفية الإيرانية من سوريا ، وإنهاء فصل السلاح الميليشياوي الإرهابي في العراق ، وإسدال الستارة على الحوثيين في اليمن المنكوب .. فيما يوضع النظام الثيوقراطي الإرهابي الإيراني في ( قفص ) أمام خيار واحد لا غير ، إما الرضوخ لإرادة أمم العالم دون حروب وتدخلات خارجية والعيش بسلام أو إرغام النظام على تغيير سلوكه السياسي المشين من خلال الشعوب الإيرانية المتحفزة لإسقاطه .. فهو ساقط ، في كل الأحوال ، لا محالة ؟!





الاثنين ١٥ ربيع الاول ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / كانون الاول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة