شبكة ذي قار
عـاجـل










 

يفجع العراق من اقصاه الى اقصاه اليوم ، اثر سكتة قلبية حادة برحيل الاكاديمي والشخصية العراقية العلمية النادرة البروفيسور الدكتور بهنام كريو نيسان السناطي.

وانه من الصعب ان نعبر عن حزننا بمفردات الكلام بغياب هذه القامة العراقية التي اختزلت جميع مكونات العراق الخصبة والمعطاء، بها، خلقا وسيرة ومثابرة نادرة.

كيف نعبر لاسرتك ولنينوى الجريحة مرفع رأسك، وهي المثقلة بالالم، كيف نشاركها عمق حزننا ومأساتنا امام صدمة الغياب لك، ايها الانسان الكبير في علمه وتواضعه وعمق انسانيته وسماحته العراقية ، يا ابن الموصل 1952 ، الباحث العلمي المثابر، كأن العراق اراد ان يقدمك نموذجا للموسوعية والاصالة الحضارية والثقافية، وللحداثة ايضا ،عرفناك المعيا، متميزا من حقل الى حقل اصعب منه واعمق، فمن الترجمة والكتابة والبحث العلمي وباتقان عال لخمس لغات، المتحدث البليغ والكاتب من الانجليزية والفرنسية والالمانية ، اضافة الى لغتك الكلدانية ، ورصيدك العالي في من قراءة القرآن ولغتك العربية والسريانية، عرفناك، الباحث الجاد المتخصص في " علوم تاريخ الاديان" منذ تخرجك بامتياز عال من جامعة السوربون، قد لا نجد بديلك ابدا وانت المتميز العاشق المنغمس في بحور الثقافة والحضارة العراقية، كنت القادر على فك رموزها وطلاسمها، وحتى قراءتها واعادة كتابتها وترجمتها الى اية لغة حتى تمكنت من كتابتها بحروفها المسمارية وبلغاتها الام التي صنعت حضارة هذا العالم، وانت الذي تربيت في مهد السومرية والاكدية والبابلية والاشورية، عرفناك العراقي وفي عمقك ذلك الكلداني الاصيل، القادر على نقل حتى الحان موسيقى العراق من قيثارة شبعاد، وهي مرتلة على ركح ومسارح وكنائس العالم، معبرة بنصوصها والحانها البابلية.

عرفناك ، وانت ذلك العراقي الطيب الذي يبلغ ذروة مجده، بسيطا ، متواضعا، مبتسما ، متفائلا بعودة العراق الى اهله الطيبين، رغم تغول هذا الزمن الموحش عليه ، لقد حملت العراق اينما ارتحلت واينما حللت ، وما ارتضيت غير العراق بديلا في كل عواصم هذا العالم الذي استقبلك بحفاوة التقدير لثقافتك وانتماءك الحضاري، ، وكأنك تحمل نطفة ضمت كل الجينات الاصيلة من ارث العراق الحضاري .

وليس مصادفة ان تكون مترجما ومستشارا ثقافيا للرئيس الامريكي جيمي كارتر ، ولكنك في الوقت نفسه وقفت شامخا في قاعات العالم وجامعاته محاضرا ومتحدثا بكل اللغات التي يسمعها العالم وانت تفضح الاحتلال وما جره على بلادك من خراب ودمار شامل استهدف مهد الحضارات، العراق، وطننا الجميل، بلاد الرافدين .

ما عساي ان اجد من قاموس العراقيين واحزانهم من عبارات ولغة من الشجن النبيل لارثيك باسمي وباسم اخواتي واخوتي اعضاء الامانة العامة للجبهة الوطنية العراقية وكوادرها العلمية والاكاديمية والثقافية، داخل العراق وخارجه.

ترددنا من هول الصدمة، غير مصدقين، ونحن نحاول ان نتأكد ، من نقل خبر الفاجعة عندما توقف نبض قلبك الكبير، وعندما حانت لحظة رحيلك الى جوار ربك ، لقد كنت منتظرا على مضض معنا قدرك، ووافقت السير معنا مهما كانت الصعاب، كانت زوادتك الصبر العجيب، على مدى السنوات الثقيلة التي مرت وتعرفنا من خلالها عليك، وانت تنتظر معنا لحظة بلحظة ساعة تحرير العراق.

ندرك ان عينيك لن تنام ابدا ، اخي وصديقي ورفيقي وزميلي بهنام كريو نيسان السناطي طالما ان الحدباء لازالت جاثمة فوق ركام التاريخ المخزي لبشاعة الحرب والغزو واستباحة الوحوش البرابرة لحياضها ، ولن تنام عينيك كعيوننا وهناك من تحت ركام نينوى لازالت تصل اسماعنا اصوات الاستغاثة والنجدة وانين قتلاها وشهدائها صرخة التشبث بالحياة والوجود الانساني، وهي لازالت مدمية وجائعة ومتشردة تئن تحت القصف والحرق والهدم المستمر ، لن تنام عيناك يا بهنام ، وكذلك عيوننا ، طالما ان الموصل بعدك لن تنام الا وهي واثقة بالعهد لك وللشهداء اننا سنحمل رسالتك الى العالم ، وعلينا عهد وذمة في رقابنا ان نستكمل كتابة وترجمة نداءك الاخير الى هذا العالم الذي وضعك مثلنا، نازحا ومتشردا ومهاجرا لتموت هناك في كمد بالسكتة القلبية في كينيا ومجاهل افريقيا البعيدة .

ان موتك هناك ادانة لهذا العالم ، الذي لم ينصت جيدا لكل مناشداتك ورسائلك وترجمتك له وحديثك عن مدى آلام العراقيين ، وهذا العالم الذي يضم آثار العراق المسروقة في متاحفه ، يركد يوما بعد يوم انه عالم منافق ومتشدق ودعي بالانسانية وحقوق الانسان وهو الحافظ لحضارة الانسان ، وطالما انه لم ينصت لك عندما قدمت له شهادة ناصعة عن اصالتك العراقية وقدمتها له بنصوص وموسيقى محملة بتراتيل معابد سومر بابل واشور فاضحا بصوتك السماوي وبعمق نصوصك الرائعة مظالم الاحتلال وهمجية الحرب على شعب العراق وحضارته.
نصلي جميعا، مسلمين ومسيحيين، في مساجدنا وكنائسنا على روحك الطاهرة

نقرأ الفاتحة لك ولكل شهداء وضحايا العراق، فعسى ان يستجيب خالقنا ليجعلكم في جنات الفردوس ويلهمنا وشعبنا الصبر والسلوان.
وانا لله وانا اليه راجعون

ا.د. عبد الكاظم العبودي
الامين العام للجبهة الوطنية العراقية
٩ تشرين الثاني ٢٠١٧






الجمعة ٢١ صفر ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة