شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

من المفيد النظر إلى طبيعة الفرق بين ( المعلومة ) وبين ( المعرفة ) عند التحليل والاستنتاج ، وإدراك مدلولات الأحداث وأهمية وضعها في سياقها التاريخي .

النظام الدولي الجديد ، ينبغي أن يقوم على دعامات أساسية ، ومن غيرها لا حديث عن نظام دولي جديد يسود العالم بعد أن ينجو من مخاضات ما بعد الحرب الباردة .. ومن أهم هذه الركائز ( سلطة أممية تمثيلية موسعة تشمل قارات العالم ) وتتكفل بإصدار القرارات على وفق قواعد القانون الدولي ، وتعمل على منع اختلال التوازن في ( القوة ) وتراعي توزيع ( القوى ) بصورة متوازنة ، حيث تعتمد عناصر النظام الدولي الجديد على تراكم القيم الإنسانية والضوابط التي تحكم السلوك السياسي الخارجي للدول .. كما تعتمد على مبادئ يقع في مقدمتها مبدأ الحصانة السيادية الوطنية أولاً ، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ثانيًا ، ومبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية واستنفاد وسائلها والركون الى الفصل السادس ، وعند فشل مساعي السلم لإرساء الأمن وحل المنازعات ، الركون إلى الفصل السابع ثالثًا ، والعمل بآلية العقوبات كما يقرها القانون الدولي رابعًا ، وإقرار آلية التعويضات بما تراه المحاكم الدولية ذات الصلة بالمنازعات الإقليمية والدولية خامسًا .

الليبرالية والشيوعية والفاشية .. مقاربات :

- الليبرالية قضت على الفاشية - كما يقول المفكر الكساندر دوجين - ثم هدمت الشيوعية ، وباتت متسيدة على عالم ليس باستطاعة أي قوة أن تقوده بمفردها ، ففشلت أمريكا ذات السياسات التجريبية في قيادة العالم حين أعلنت أن القرن الحادي والعشرين قرنًا أمريكيًا ، وفشلت في عولمته .. وإن زعامتها للعالم أنتجت فوضى وحروب و( فراغات أمن ) جعلت دائرة الإرهاب تتسع ، فزعزعت أمن المنطقة واستقرارها ووضعت العصي في عجلة التنمية وشلتها ، فساد الفقر قطاعات واسعة من البشر ، أدى إلى انتشار ظاهرة الفساد والتفسخ والانحطاط القيمي في المجتمعات .

- الرأسمالية - الليبرالية المتوحشة بنهج الشركات العملاقة عابرة للقارات حطمت ميزان تعادل القوى الإقليمية ، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية عام 1989 ، وهدمت هياكل النظم السياسية في المنطقة العربية حصرًا .. ولم تستطع أن تبني نظامًا سويًا بعد الاحتلال والتدمير ، إنما تركت الساحات مرتعًا للفوضى والقتل والنهب والسلب والتدمير والتهجير القسري بأدوات طائفية فارسية .. عندها دخلت أزمة حقيقية هي جزء خطير من الأزمة البنيوية للرأسمالية المصدرة لشعوب العالم .!!

ويبدو أن مشروع ( الكسندر دوجين ) يقترب من مشروع ( هنري كيسنجر ) ، وإن المشروع الأول يقترب من مشروع ( زبغنيو بريجنسكي ) حول النظرة إلى طبيعة مكونات العالم وتشكيله بعد الحرب الباردة .

- النظام الدولي الراهن هو الذي صنع قوى الحرب العالمية الثانية ، فيما كانت هنالك قوى لم تشارك في صنعه ، إنما تسعى إلى تفعيله لأنه يفتقر الحالة التمثيلية القارية الحقيقية .. فإذا كانت معاهدة ( ويستفاليا ) قد أنهت حرب الثلاثين عامًا والتي مزقت أوربا .. وصلح ( ويستفاليا ) قد وضع نقطة النهاية للحروب الدينية وأفرز ( الدولة ) ذات السيادة القومية ، فإن الإقرار باستقلال الدولة وبحصانتها السيادية وبمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، ومنع فرض العقيدة الدينية أو المذهبية على الشعوب بوسائل التدخل .. يُعَدُ المنطق الذي يرسي الأمن ويعزز الاستقرار في العالم . إذن .. خلاصة الاقرارات التي يرتكز عليها النظام الدولي الجديد :

1- تكريس مبدأ الحصانة السيادية للدولة .

2- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لأي سبب كان .

3- عدم فرض العقائد الدينية أو المذهبية والعرقية عن طريق التدخل .

4- الاقرار بالتعددية لقيادة العالم لا المركز القطبي ( الواحد ) أو ( القطبية الثنائية ) المهيمنة .

5- رفض سياسة تغيير النظم السياسية عن طريق القوة الانفرادية إلا من خلال قرار أممي يعلن أن نظامًا سياسيًا معينًا يشكل تهديدًا إرهابيًا للأمن الإقليمي والدولي ، ويستند إلى الفصل السابع وآلياته ذات الاختصاص وبما لا يؤثر على السيادة الوطنية للدولة المعنية .

6- فكرة توازن القوى تمر عبر محور التوازن الذي يتجسد في نظام من التحالفات والتحالفات المتعارضة .. والمنظمة الأممية هي المعنية بـ( ضبط ) التوازن العالمي ومنع الاختلال فيه أو السيطرة عبر قوة متفردة على العالم .

- قد يلعب ( المثلث الديناميكي ) المكون من أمريكا وروسيا والصين دورًا مهمًا في بلورة نظام دولي جديد .. وإن نقطة الارتكاز في السياسة الأمريكية ، هي أن واشنطن إذا استطاعت أن تضع الصين وروسيا كل منهما في كفة غير متعادلة تميل واشنطن نحو ( إحداها ) لعزل الأخرى أو إبعادها حتى عن تحالفاتها ، أو وضع أي منهما في مواجهة الأخرى .. هذا السيناريو لا تنجح فيه أداة القوة أو التهديد باستخدامها ، إنما أداة الاقتصاد وتحالفات الـ ( Geo – Economy ) دون أي استفزاز يؤثر على طبيعة وحساسية العلاقات مع كفتي الميزان الآسيوي الصيني والروسي وارتباط الأخيرة بدولة الإرهاب المارقة إيران .. بينما تنطوي الفرضية ذات الشقين السياسي والاقتصادي على رؤية استراتيجية وسيناريوهات لإدارة صراع ناجح قد يؤسس أرضية مشتركة خالية من التهديد تبنى عليها أعمدة أساسية من أعمدة النظام الدولي الجديد وهي :

أولاً - تأمين سيادة الدولة القومية وحمايتها بتشريعات القانون الدولي وبصكوك يتبناها مجلس الأمن بعد تعديله ليشمل تشكيلاً تمثيليًا عادلاً على مستوى القارات .

ثانيًا - ترصين مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة وتحريم اختراقها من لدن دولة أخرى مهما كانت الذرائع والدوافع والمبررات ، سواء كانت في صيغة أفكار أو عقائد أو معتقدات دينية أو مذهبية يراد تصديرها أو تسريبها أو تمديدها عن طريق العنف والإرهاب المسلح .

ثالثًا - تحريم العنف بكل أشكاله والتطرف وإرهاب الدولة والدولة الراعية للإرهاب ، سواء كان هذا العنف أو التطرف أو الإرهاب مذهبيًا أو إثنيًا أو إحياءً لكيانات إمبراطورية بائدة على أساسٍ من مزاعم تاريخية ليس لها أساس .

- التوازن في النظام الدولي ، إين تكمن إشكالياته ومعضلاته ؟ :

أولاً - هنالك حقائق يجب عدم إغفالها ، ومنها أن الواقع ليس ثابتًا كله وليس متحركًا كله .. وهذا يعني أن الثابت، الذي تتصارع عليه السياسات ، يتحكم في طبيعة ( توزيع عناصر القوة ) الكامنة والمتاحة من ناحية ، والقدرة على استثمارها وإعادة تكييفها استراتيجيًا من ناحية أخرى .

ثانيًا - توزيع القوى وطبيعة توازناتها إقليميًا ودوليًا وبأي صيغة 1- محاور 2- تحالفات 3- تجمعات اقتصادية 4- أحلاف .

ثالثًا- توازن المصالح لا يتم إلا من خلال أنماط ذات طبيعة عقلانية من توازن القوى .. وإن الواقع المتغير المتحرك يعكس اختلالات في عناصر القوة ، وبالتالي ربما إعادة تشكيل القوى بطريقة لا تبتعد عن محور التوازن ، مثلاً : إن مصر دولة عربية مركزية كبيرة في المساحة والسكان والطاقة المادية والاعتبارية والحضارية تُعَدُ ( محورًا لميزان تعادل القوى ) ازاء قوى إقليمية أخرى كالدولة الإيرانية والدولة التركية على سبيل الحصر .

رابعًا - الدول التي تتمكن من تجاوز خطها التنموي اقتصاديًا وصناعيًا وتكنولوجيًا وعسكريًا وأمنيًا ، قد تشكل ( تحديًا ) لقوى أخرى في معادل القوة .. وهنا يكمن الاختلال الذي يتوجب إحتواءه بمدلولات التعايش السلمي وبروابط الاستثمارات الاقتصادية مع التمسك بمبدأ الحصانة السيادية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وبأي صيغة كانت أو ذريعة أو تفسير .

- إن النظام الدولي ، الذي يمر بمرحلة مخاض كي يتبلور جوهره أو تتشكل ( كينونته ) ، حسب تعبير " هيدجر " الفيلسوف المعروف .. هذا النظام الذي لم يولد بعد ، لمْ يَعْبرْ معضلة ( الدين ) التي عالجتها فلسفة نظام ( ويستفاليا ) عام 1648 حين حققت سيادة الدولة القومية ، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية .. إنما هو نظام ما يزال يعاني من اختلال بنيوي في إثر إنهيار التوازن الدولي وانهيار القطبية الثنائية ، الذي أوجد ( فراغًا أمنيًا دوليًا ) و( فراغات أمن إقليمية ) .. الفراغ الأول ملأته أمريكا فتسيدت على العالم ، والفراغات الإقليمية ملأته كل من إيران حين انساحت على المنطقة وكرست عامل القوة في العراق وسوريا ولبنان واليمن حتى باتت تهدد المنطقة بأسرها ، كما ملأته روسيا حين أحتلت سوريا بالتوافق مع إيران ووصلت إلى حافات مياه البحر الأبيض الدافئة عن طريق القوة العسكرية المفرطة .

- فراغات القوة هذه ، التي هي نتاج السياسة الخارجية الأمريكية ، قد أفرزت التطرف والارهاب الإيراني بتوافق وتنسيق مسبقين ميدانيًا وفي غرف العمليات المشتركة .. تحت أغطية طائفية وإثنية عبرت عن سياسات خارجية تتبنى إرهاب الدولة الفارسية .. وهنا يتوجب أن لا ننسى تنظيرات ما يسمى بـ( استيقاظ الأصوليات ) الدينية والمذهبية والأثنية ، التي كرس " زبيغنيو بريجنسكي " اليهودي المعروف ، نهج السياسة الخارجية الأمريكية حين كان مسؤولاً عن مجلس الأمن القومي الأمريكي .

- يقول المؤرخ " إريك هوبز باوم " ( التحولات على المسرح السياسي الدولي ، قد ألغت أو عتمت على جميع الخصومات والنزاعات ، التي شكلت السياسة الدولية قبل الحرب العالمية الثانية .. وإن التبدلات تلك سيكون لها تأثيرها على الألفية الثالثة أكبر مما كان للحرب الكورية أو لأزمتي برلين وكوبا .. ويظل في ذهن البشر ، أو عدم استبعاد وجود حرب نووية شاملة كائنة في الذهن يمكن أن تنشب ) .. ولكن في ضوء هذه الرؤية :

1- تحول الصراع العالمي من ( Geo-Strategic Wore ) إلى ( Geo -Economy Wore) ، وانتقال مركز الصراع من أوربا إلى الشرق الأوسط صوب العمق الآسيوي .

2- تصاعد معدلات الأزمة الرأسمالية في ركنيها البنيوي والعولمي ، وهو الأمر الذي سيجعل أي قوة رأسمالية غير قادرة على الهيمنة على العالم بمفردها .

3- بروز تكتلات اقتصادية من بلدان العالم النامي تقودها دول محددة استطاعت أن تتجاوز مرحلة الانتاج التقليدي إلى مرحلة التصنيع الإنتاجي ، ومن هذا الإنتاج ، الإنتاج الالكتروني المتطور والمتعدد الوظائف .

4- الأزمات التي اجتاحت العالم بعد الحرب الباردة فضلاً عن الكوارث الناجمة عن السياسات في ظل القطبية الأحادية المدمرة ، أنتجت موجة ترددات ، هي في حقيقتها تمثل الرد على الأفعال ، من شأنها أن تعزز أمن وسيادة الدولة القومية وهويتها ، كما تعزز مبدأ عدم التدخل ، لأي غرض أو سبب أو تأويل ، في الشؤون الداخلية لتقويض السيادة .!!

5- انحسار العنف في شكل الإرهاب وغياب دولة الإرهاب .. لأنها موجة صنعتها السياسة - الاستراتيجية من أجل إشاعة ( الفوضى الخلاقة ) ورعتها الدول الإقليمية لأغراض التوسع والهيمنة مستغلة اقتناص الفرص وملء فراغات القوة .!!

إن انتشار العنف والإرهاب وصناعة الاضطرابات هي سياسة خارجية انتهجتها دول فارتدت عليها .. أمريكا وأوربا وروسيا وإيران مثالاً .

- من أجهض القطب الأوربي الجديد الذي ولد في بيان بروكسل الصادر في 29/ نيسان / 2003 ؟! :

يتبـــع ...





الجمعة ٢١ صفر ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة