شبكة ذي قار
عـاجـل










يحتاج العمل القوميّ لإنضاجه وتحقيق أهدافه كافّة لجميع المجهودات الوطنيّة والقوميّة المخلصة للمشروع القوميّ العربيّ الاستراتيجيّ وغايته القصوى استرجاع الحقوق العربيّة المغتصبة وإعلاء راية العروبة والدّفاع عنها هويّة ثقافيّة وانتماء جامعا ووحدة سياسيّة واقتصاديّة تتلاءم كلّها مع وحدة التّاريخ والحاضر والمصير المشترك لجماهير الأمّة التي فرّقها وباعد بينها الاستعمار وما سبقه وما لحقه من اعتداءات شتّى اختلفت مظاهرها بحسب الفترات الزّمانيّة وبحسب الغايات والرّهانات أيضا.

واستنادا على هذه الحاجة الماسّة لجهد الرّضيع، وبالنّظر لواقع الأمّة المعاصر وقد بلغ مخاطر ومراتب من التّردّي والوهن والتّخلّف لم يعرفها مطلقا في أشدّ العصور انحطاطا، فإنّ الحاجة لتكاتف الأداء وتصعيد النّضال الوحدويّ القوميّ التّحرّريّ في أرجاء الوطن العربيّ الكبير تتضاعف بداهة، وهو ما يؤكّد على وجوب تلاحم الفعل النّضاليّ بين مشرق الأمّة ومغربها.

ولقد بيّنّا في الجزء الأوّل من مقالنا المنشور بتاريخ 15-09-2017 بمجلّة ( ألق البعث ) تحت عنوان " واجبات العمل القوميّ: انتظارات الأمّة من شطرها المغاربيّ والإفريقيّ " الدّواعي التي حتّمت ظهور حتميّة تسريع وتيرة الفعل القوميّ في الشّطر الإفريقيّ والمغاربيّ من الوطن العربيّ، وكان أهمّ العوامل على الإطلاق ما عرفه المشرق العربيّ من تطوّرات جسيمة وخاصّة بعد غزو العراق عام 2003 وهو الحدث الذي لم يتمّ استيعابه بالقدر الكافي لحدّ الآن من قبل العرب رسميّين وجماهير، حيث غرق هذا المشرق في الدّم لحدّ مفزع حتّى غدا من المستحيل مزيد تحيله أعباء المقاومة والتّصدّي لاستهداف الأمّة العربيّة في هويّتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها بل وفي وجودها من الأساس.

إنّ الدّعوة لفعل عربيّ مقاوم شامل وجامع في الشّطر الغربيّ من الوطن العربيّ باتت بلا أدنى شكّ أوكد الضّرورات القوميّة التي لا تحتمل تراخيا ولا تسويفا في التّصدّي لها، ولا شطط في القول إنّ مصير الأمّة يتوقّف على مدى توفّقها من عدمه.

يمكننا في هذا المجال تحديدا حصر ضوابط هذا الفعل القوميّ في ثلاثة أبعاد أو أصعدة:

1- النّضال في سبيل إجهاض المشاريع التي تستهدف أقطار الجزء الإفريقيّ من الوطن العربيّ بالتّقسيم.

ويستلزم ذلك رأسا توفير كلّ العوامل والأرضيّات الملائمة لتفادي هذه المخطّطات الاستعماريّة القبيحة التي تتلوّن وتتكيّف مع كلّ ساحة على حدة بنيّة الاستفراد بكلّ قٌطر لوحده من جهة، وبهدف إخفاء مضمونها الذي يترصّدها من خلال تقصّد الأمّة ككتلة واحدة يقتضي الإجهاز عليها قضمها ومنع أيّ ردّ موحّد ممّا يضعف محاولة التّصدّي لتلك المخطّطات الإجراميّة.

وتستدعي مهمّة منع التّقسيم بدورها خلق المناخات الصّلبة والمتينة الكفيلة بتفويت الفرصة على المتربّصين شرّا بهذا الجزء الحيويّ والمهمّ من الوطن العربيّ، وهي:

أ- تحصين الجبهات الدّاخليّة لضمان أعلى درجات التّماسك والوحدة الوطنيّة، ويكون ذلك بانفتاح الأنظمة على مطالب الجماهير وحسن التّعامل معها بالاستجابة لمطالبها المشروعة في حياة أرقى لائقة على جميع الأصعدة، وترجمة المواطنة وعلويّة القوانين وسريانها على الجميع دون تمييز أو تفرقة ناهيك عن ضرورة الإسراع بتحقيق العدالة الاجتماعيّة وردم الهوّة والفجوة الهائلتين بين الشّرائح والفئات الشّعبيّة بما يعود إيجابيّا على المواطن فيتعلّق بأرضه ويلبّي نداء الدّفاع عنها متى اقتضى الأمر ذلك بكلّ إخلاص ومسؤوليّة.

ب- القطع الكلّيّ مع اعتماد سياسة الانخراط في المحاور، والانضباط في المقابل للمصلحة القوميّة العربيّة الاستراتيجيّة العليا.

ج- الدّفع بكلّ السّبل المتاحة لاسترجاع الوحدة التّرابيّة السّودانيّة والحيلولة دون استنساخها، والمحافظة على وحدة مصر الوطنيّة وسيادتها لما تكتسيه من مركزيّة وأهميّة استراتيجيّة قصوى في المعادلة العربيّة والإقليميّة والدّوليّة.

د- التّسريع في العمل على تحقيق الوحدة المغاربيّة الشّعبيّة وتمتين الصّلات بين النّخب والجماهير في هذه الأقطار من جهة، ودفع الأنظمة في هذه الرّقعة الحيويّة لمغادرة سلبيّتها وتراخيها واستهتارها بهذا السّعي من جهة أخرى.

فليس معقولا ولا مقبولا في هذا العصر الذي لم يبق فيه مكان للضّعفاء والمنقسمين أيّ دور ولا اعتبار، أن تظلّ على سبيل الذّكر لا الحصر الحدود بين الجزائر والمغرب مغلقة، وأن تبقى العلاقات الدّيبلوماسيّة الثّنائيّة بينهما مقطوعة وهو الأمر الذي يعزّز من فرص تسلّل الأعداء التّقليديّين والمستحدثين من ثنايا هذه الفٌرقة. هذا وإنّ أيّ وحدة مأمولة للمغرب العربيّ تمثّل ولا ريب علاجا آليّا لمشكلة الصّحراء الغربيّة وتجنّب المغاربة كافّة والصّحراويّين كلّ تبعات الوضع القائم وآثاره الكارثيّة.

وإنّه وكما ذكرنا سابقا في مقالنا المشار إليه أعلاه، يظلّ إحياء مكتب المغرب العربيّ أولى المهمّات المستعجلة للتّوفيق في هذا السّعي، ولا يمكن الرّكون للمبادرات الرّسميّة في هذا الشّأن التي لاقت فشلا ذريعا لعزلة الأنظمة عن الجماهير أوّلا ولارتباطاتها اللاّقوميّة واللاّشعبيّة ثانيا، بل المطلوب البناء على تجربة تأسيس هذا المكتب أواسط الأربعينات من القرن الماضي إبّان الحقبة الاستعماريّة في باريس أوّلا ثمّ انتقل للمشرق العربيّ ومصر ثانيا ناهيك عن إثرائها وتطويرها بما يستجيب مع متطوّرات الواقع الرّاهن.

وإنّ من أهمّ واجبات هذا المكتب علاوة على تعزيز الرّابطة القوميّة وبثّ الوعي القوميّ في الجماهير وطرق كلّ السّبل لتعزيز التّلاحم الشّعبيّ في هذه الأقطار، الدّفاع عن المصالح الضروريّة لتلك الجماهير سواء المباشرة و الماديّة الملموسة أو المعنويّة غير المحسوسة.

وإذا أفلح القوميّون العرب في تحقيق الاحتكاك بالجماهير وتمتين الالتحام بها، سيصل هذا المكتب حتما لانتزاع ثقتها به ومن ثمّ الانخراط في مشروعه وما انبنى عليه.
2-معالجة الدّعوات لتغذية المطالب الانفصاليّة خصوصا في المغرب العربيّ.

إنّ من بين أهمّ النّقاط المستعجلة التي تتصدّر مهامّ العمل القوميّ في المغرب العربيّ وبالتّالي هي من مهامّ مكتب المغرب العربيّ والتي تتطلّب حلاّ جذريّا وهي التي يتوجّب إيلاؤها عناية مخصوصة ودقيقة تتلاءم وخطورة الوضع، المسألة الأمازيغيّة وما يرافقها من صخب وما يكتنفها من لبس لدى الجماهير.

وحين نتحدّث عن معالجة جذريّة للظّاهرة الأمازيغيّة، فإنّنا نعني وجوبا ضرورة العمل على التّعاطي معها تعاطيا رصينا هادفا ومسؤولا ينضبط رأسا للمصلحة القوميّة العربيّة، ولا يجب الانسياق للحملات المتشنّجة المتبادلة بين دعاة الأمازيغيّة ورافضيها. ويبقى الحوار البنّاء الهادئ المدخل الوحيد لرسم معالم حلّ هذه النّقطة الخلافيّة حلاّ نهائيّا حتّى لا تتطوّر فتصير عائقا وعقبة مهدّدة للسّلم والتّماسك المجتمعيّ والوحدة التّرابيّة في المغرب العربيّ.

فالأمازيغيّة لا ترتقي لمرتبة الإطار أو الفضاء القوميّ الذي يمكن أن يجتمع حوله قسم من البشر أو جزء من الشّعب، ذلك انّها تفتقر لمقوّات الكينونة القوميّة وخاصّة المعالم التّاريخيّة والحضاريّة واللّغة تحديدا.

وبعيدا عن ضروب المغالاة، واستنادا على كمّ هائل من البحوث الانثروبولوجيّة والتّاريخيّة، فإنّ الأمازيغيّة تنهل من العروبة في سوادها الأعظم، ويكفي الإشارة لأعمال عدد من الباحثين المرموقين الذين اهتمّوا بالمسألة لنتبيّن أنّ الأمازيغ في النّهاية هم عرب عاربة كما يثبته الدّكتور العلاّمة عثمان السّعدي ( ومن المثير ههنا أنّ الرّجل من أكبر الرّافضين للقول إنّ المازيغ أو البربر أمّة رغم انحداره من عائلة أمازيغيّة )، وكذلك الباحث اليمنيّ المعروف محمّد سعيد الدّارودي والباحث التّونسي المختار العرباوي وغيرهما حيث يجمع كلّهم على عروبة البربر أو الأمازيغ.

إنّه ولدرء ما يمكن أن ينجرّ عن الدّعوات التّبشيريّة بالأمازيغيّة، لا بدّ من سلك جميع الأنهج الكفيلة بعقلنة المسألة وضبطها وتطويق ما يسمها من انفلات.

فلا مبرّر للانسياق لدعاوى انفصال الأمازيغ، ذلك أنّ القوميّين العرب كانوا السّبّاقين دوما لتأصيل مفاهيم العيش المشترك وتقنينه وتطبيقه. فليس صحيحا مثلا ما يروجّه غلاة الأمازيغيّين حول عنصريّة العرب تجاههم وليس لمثل هذا الادّعاء من مؤيّدات ملموسة.

ويمكن في إطار العمل على حسم هذا اللّغط، الانفتاح على الأمازيغ عبر إقامة ندوات ومؤتمرات دوريّة يشرّح فيها الباحثون والمؤرّخون والمفكّرون والمناضلون القوميّون المسألة من جوانبها كافّة وينصتون في المقابل لطرحهم المقابل.

ولا يجب بحال من الأحوال الرّكون للسّلبيّة في هذا الإطار تحديدا، فمن غير المسموح أبدا أن تتواتر وتتعالى دعوات ما يسمّى بالاستقلال دون أن يحرّك ذلك في القوميّين ساكنا.

إنّ احتواء الأمازيغ أمر متاح وواجب وضرورة ملحّة وعاجلة، وحين نتحدّث عن الاحتواء فلا يعني ذلك بأيّ حال من الأحوال التّعالي على الاعتراف بحقوق هذه الشّريحة الواسعة وطمأنتهم بعيدا عن بوتقة الشّعاراتيّة، ويكون ذلك بتذكير الأمازيغ وغلاتهم بأنّ العروبة ليست انتماء عرقيّا شوفينيّا ولم تكن كذلك يوما، بل هي ذلك الانتماء الثّقافيّ والحضاريّ الجامع الذي اتّسع ولا يزال منفتحا على القوميّات الأخرى، إذ يكفي مثلا استحضار ما أولاه القوميّون العرب لأكراد العراق من حقوق لم يحصل على مثيلها أكراد تركيا وإيران ولو بنسبة ضئيلة. فالعروبة وهذا ما يتوجّب شرحه للإخوة الأمازيغ لا تقوم على إلغاء الآخر المختلف بل على العكس تماما هي وعلاوة على احتضانه ومعاملته بمنتهى الاحتراميّة تؤمن بفوائد التّعدّد وتتغذّى من التّنوّع دون أن تسمح بتحويله لمدخل تخريبها والعبث بمصيرها.

وإنّه لمن الصّادم حقّا أن يصرّ بعض الأمازيغ على التّنكّر لانتمائهم لهذه الحاضنة الجامعة على عكس عدد كبير من المناضلين والمفكّرين الذين عرفوا بشراستهم في الدّفاع عن عروبة المغرب العربيّ الكبير وكذلك في الدّفاع عن الامّة العربيّة جمعاء من أقصى الغرب لأقصى شرقها وينحدرون من أصول أمازيغيّة، وإنّه ليضيق المجال لتعداد مئات الشّواهد على ذلك.

وكما يتوجّب انفتاح القوميّين العرب على الأمازيغ وتفهّم مطالبهم، فإنّه على الأمازيغ أيضا أن يتواضعوا للوطن وأن يدركوا أنّ الاحتكام للمواطنة هو السّبيل الأمثل لدرء الفتن وتجنّب الفوضى والصّدام والاحتراب لأنّ الصّراع لن ينجو من آثاره أحد سواء كان عربيّا أم أمازيغيّا، وعليهم في هذا الصّدد أن يتّعظوا ممّا يحدث في المشرق العربيّ، وعليهم بالتّالي أن يدركوا يقينا أنّ التّناسق المجتمعيّ الذي يميّز الفضاء المغاربيّ حيث تغيب فيه الطّائفيّة والإثنيّة والمذهبيّة، لا يمكن القبول باختلاق أسس عرقيّ موهوم ومغلوط وبلا سند تاريخيّ لخلخة الأمن العامّ وانتهاك السّيادة الوطنيّة وتخريب وتهرئة المغرب العربيّ وإحالته للفوضى عوض رصّ الصّفوف وتحشيد الطّاقات للبناء والتّعمير والرّقيّ من جهة وتحمّل المسؤوليّة التّاريخيّة في مجابهة تحدّيات الواقع القوميّ العربيّ وهو يشهد أخطر مراحله على مرّ التّاريخ.

وعلى القوميّين العرب وكلّ القوى الوطنيّة والتّقدّميّة الحيّة جنبا لجنب مع الإخوة الأمازيغ ألاّ يستهينوا برهانات الدّوائر الاستعماريّة ببلداننا ومصائرنا من وراء تشجيع هذه الظّواهر، فليس يخفى على أحد أنّ الاستعمار الفرنسيّ الماكر هو من أنشأ الأكاديميّة البربريّة ( راجع مقالة الأكاديمية البربرية في باريس للدّكتور عثمان السّعديّ ) في انتهاجه للتّقليد الاستعماريّ المعروف " فرِّق تَسٌدْ " بعد أن غذّى النّزعة الانفصاليّة قبل ذلك بكثير أي منذ فجر الاحتلال الغاشم، بنيّة ضرب المقاومة الجزائريّة وللاحتفاظ بها ورقة ضغط وتحريب لوقت الحاجة وكلّما دعت الضّرورة.

هذا ويبقى الحرص على اتّباع منهج المحاورة والمكاشفة والمصارحة وتدعيم أواصر الثّقة بين أبناء الأمّة الواحدة وإخلاص النّوايا في العيش المشترك المبنيّ أساسا على المواطنة بعيدا عن أيّ تقوقع أو تحجّر دعامة النّماء والازدهار وما سواه لا يمكن إدراجه في غير دوائر الخيانة والتّواطئ.

ولكي لا يٌفهم ممّا تقدّم أنّه استهداف للأمازيغ، فإنّنا نؤكّد على ضرورة التّنبّه لاستخدام ورقات استعماريّة أخرى كالأقليّات وغيرها ممّا لا يعكس طبيعة المجتمع المغاربيّ المعروف بتسامحه وتساميه على الضّغائن والفتن ناهيك عن سيادة الاحترام بين جميع أبنائه على مرّ تاريخه.

3- التّصدّي الحازم للتّهديدات الخارجيّة المعادية.

إنّ الأعداء لا ينظرون للمغرب العربيّ أو لمصر والسّودان كوحدات مستقلّة بذاتها في تعاملهم مع هذا الجزء من الوطن العربيّ، بل إنّهم يتعاطون معهم كما أوضحنا سابقا من خلال تعاملهم وفق مخطّطاتهم وأجنداتهم مع الأمّة العربيّة كوحدة متكاملة تقضي التّعليمات الاستعماريّة الاستراتيجيّة بمنع أيّ فعل وحدويّ يؤدّي لقيام الدّولة القوميّة العربيّة مهما كلّف الأمر.
وعليه، فإنّ من أعلى المهامّ القوميّة العربيّة إلحاحا المطروحة على الشّطر الإفريقيّ من الوطن العربيّ هو التّحفّز لهذه المؤامرات الخارجيّة المتواصلة، ويكون ذلك بـــ:

أ- تصعيد النّضال ضدّ العدوّ الصهيونيّ.

إنّ العدوّ الصّهيونيّ تهديد جدّي ومقيم للأمّة العربيّة، واعتبارا لعروبة هذه الرّقعة فإنّ جماهيرها ونخبها وطلائعها الوطنيّة والقوميّة مدعوّة لتحمّل مسؤوليّاتها في الانخراط في الحرب المفتوحة ضدّ الصّهيونيّة وكيانها العنصريّ الإرهابيّ الدّمويّ الذي اغتصب فلسطين منكّلا بشعبنا العربيّ فيها وساعيا لمزيد التّوسّع لحين بسط سيطرته مطلقة على وطننا وإنشاء ما يعرف بــ ( "إسرائيل الكبرى"، من الفرات إلى النّيل ).

ويقتضي هذا الأمر محاربة الإجراءات الرّسميّة المعلنة والمخفيّة للاعتراف بالكيان الصّهيونيّ وإقامة علاقات ديبلوماسيّة معه، ناهيك عن ضرورة إسقاط كلّ تلك الاتّفاقيّات الاستسلاميّة المبرمة معه والتي ألحقت ضررا جسيما بالنّضال القوميّ العربيّ وبالمصلحة العربيّة العليا.

وليس من طائل من التّذكير بملاحم الجزء الإفريقيّ في حربه ضدّ الصّهيونيّة، فيكفي المرء تذكّر أنّ مصر لوحدها قدّمت مائة ألف شهيد في حروبها ضدّ الكيان الغاصب، وما كان لتونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا والسّودان من ملاحم بطوليّة في هذا المجال حيث كان الزّعيم النّقابيّ التّونسيّ ومنذ اغتصاب فلسطين لا يتردّد في تعبئة الشّباب في تونس وفي غيرها لضرورة الجهاد ضدّ الصّهاينة، وبالفعل فلقد استجاب الشّباب بأعداد هائلة لتلك الدّعوات واتّجهت الآلاف منهم لفلسطين على الأقدام فمنهم من استشهد ومنهم من أسر حتّى قبل الوصول إلى هناك، ويبقى مثلا إطلاق تسمية " باب المغاربة " عرفانا فلسطينيّا متقدّما لأبناء المغرب العربيّ في تصدّيهم للمغتصبين ونصرتهم لإخوتهم الفلسطينيّين.

ب- النّضال من أجل استقلال القرار الوطنيّ في هذه الأقطار، والقطع مع سياسة التّبعيّة للغرب وخاصّة لفرنسا التي يجب أن يتمّ تحجيم تأثيرها في المغرب العربيّ وتقليصه لأدنى المستويات حتّى تكفّ عن التّدخّلات العنجهيّة في شؤون هذه الأقطار في شتّى المجالات، وكذلك الأمر للنّفوذ الأمريكيّ والبريطانيّ في مصر والسّودان.

وحين نتحدّث عن استقلال القرار الوطنيّ فإنّنا نتحدّث بالضّرورة عن كلّ الممهّدات لذلك من اعتناء فائق بالتّعليم وتشجيع البحث العلميّ وتعزيز روح الانتماء وتثبيتها في النّاشئة وإبرام اتّفاقيّات سياسيّة واقتصاديّة مشتركة وفتح الحدود وتأميم الثّروات وتحقيق العدالة الاجتماعيّة ومحاربة الفساد بأنواعه وغيرها من العناوين الكبرى التي سنعود إليها بالتّفاصيل في قادم المناسبات.

ج- التّجنّد للتّصدّي للمشروع الإيرانيّ الفارسيّ الصّفويّ في مصر والسّودان والمغرب العربيّ، ويكون ذلك بمحاربة الأذرع الإيرانيّة المندسّة والمتخفّية وراء شعارات القوميّة والعمل على فضحها ومقاومتها وتعرية حقيقة عمالتها.

فالإيرانيّون وهم يحتلّون الأحواز العربيّة والجزر الإماراتيّة الثّلاث ويقتّلون العرب في المشرق العربيّ سواء في العراق أو سوريّة ويعملون على تفريسها وطمس عروبتها ناهيك عن سياساتهم الإجراميّة الإرهابيّة الاستيطانيّة الشعوبيّة الأخرى وعلى رأسها التّهجير القسريّ للسّكّان الأصليّين وسعيهم لإحداث تغيير ديموغرافيّ واسع فيها ويزعزعون أمن واستقرار أقطار الخليج واليمن، باتوا أشدّ خطرا على الأمن القوميّ حتّى من الكيان الصّهيونيّ ذلك أنّ هذا الأخير هو مغتصب طارئ ودخيل بينما إيران جار تاريخيّ تمتدّ حدوده مع العرب لعشرات مئات الكيلومترات. ولم يعد الصّراع معهم كما يدّعي ذلك دهاقنة الخونة العرب المتمرسين في المشرق والمغرب على حدّ سواء مجرّد صراع حدوديّ بل كشّر عن حقيقته البغيضة ألا وهي الطّبيعة الوجوديّة.

وإنّ العداء الإيرانيّ والحقد الدّفين على العروبة ليس مقتصرا على جزئها الشّرقيّ كما لا تتوقّف أطماعها الاستعماريّة الشّعوبيّة عند تلك الحدود، بل إنّ الدّارس الجيّد لعقيدة ولاية الفقيه ونظامها سيدرك جيّدا حقيقة أطماعها ونهمها الذي لن يتوقّف إلاّ بابتلاع العرب كلّهم مشارقة ومغاربة، وفي الحقيقة فإنّ ما لحق بالعرب من جرّاء الإجرام الإيرانيّ يفوق بمرّات ومرّات ما لحقهم بفعل غيرهم سواء كانوا من الصّهاينة أو من الأتراك.
ولعلّ السّلاح الطّائفيّ أخطر ما تشهره إيران ضدّ العرب لقدرته الهائلة على التّدمير والتّخريب وتمزيق الجسد الواحد.

فليس يخفى على أحد محاولات الاختراق المتكرّرة متعدّدة الأوجه والوسائل التي تتّبعها إيران منذ فترة طويلة تسارعت خصوصا بعد غزو العراق عام 2003 وتعمّقت وتيرته بعدما يسمّى بالرّبيع العربيّ.

ويتوجّب على القوميّين العرب والقوى الوطنيّة التّقدّميّة الأخرى في الشّطر الإفريقيّ من الوطن العربيّ أن تبادر بمحاصرة مشروع إيران ووأده في المهد، ويكون ذلك بمحاصرته ثقافيّا وعقائديّا واقتصاديّا وسياسيّا وإعلاميّا، ليبقى سلاح المقاطعة الشّاملة لإيران ورقة عالية المردوديّة في هذا الإطار تماما كما هي مقاطعة الصّهيونيّة.

( يتبع )

أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في  ١٣ / تشرين الاول / ٢٠١٧
 





الاثنين ٢٥ محرم ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / تشرين الاول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة