شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

- إستراتيجية ملء الفراغ .. هل تتحكم بها قواعد الـ ( Geo - Politics ) .؟

- الأنسحاب الأمريكي المفترض من أفغانستان .. ومسألة إهمال منطقة الخليج العربي .. وإستراتيجية ملء الفراغ .!!

1 - إستراتيجية ملء الفراغ :

إذا كان فكر الـ ( Geo - P0litics ) ، الذي تناوله علماء ومفكرون إستراتيجيون مثل ( راتزل وكيلن وكارل هوسهوفر وماكيندر ) ، وهم عمالقة الفكر الجيو - سياسي، قد وضعوا قواعد فكرية تحدد طبيعة حركة الدولة في داخلها ومحيطها .. وطبيعة حيويتها ونموها وتعاملاتها، في ضوء إمكاناتها وقدراتها وحاجاتها المادية والأعتبارية، فأن نظرية ( ملء الفراغ ) تُعَدُ هي الأخرى من أخطر السياسات التطبيقية، التي ترتبط بما يسمى المجال الحيوي .. الذي يمثل التوسع أو التمدد على حساب جغرافيات سياسية أخرى .. كما جرب هذه النظرية " هتلر " إعتمادًا على نظرية هوسهوفر و ماكيندر ، كما جربها كل من "موسيليني" و "نابوليون بونابيرت" .

فبعض هذه الأفكار متأثر بأمن الدولة وحيويتها وحاجتها إلى النمو عن طريق القوة التي تؤثر في المجال الحيوي - كما ترى هذه الأفكار - أن حدود الدولة تنكمش في حالة ضمور عناصر القوة .. والمعنى في هذه الأفكار: انه كلما شعرت الدولة بالقوة توسعت نحو محيطها القريب إذا كان ضعيفًا وغنيًا ويفتقر إلى عناصر القوة ومنها السكان وعنصر الدفاع في العمق .. هذا المحيط تسميه الدولة التي تتبنى هذه الأفكار الجيو - سياسية ( المجال الحيوي ) ، الذي يكشف عن إهتمامات الدولة التوسعية مثل ( إيران ) بـالثروات المتاحة والكائنة والمحتملة فضلاً عن وفرة مصادر المياه والطاقة والأرض الخصبة .!!

فيما تشير بعض الأفكار الجيوبوليتيكية، التي يتبناها النظام الأيراني إلى ( أن القوة أهم من القانون الدولي وإن الضرورة لا تعرف هذا القانون وإن التوسع يختزل ضغط السكان وضغط الموارد المادية والمائية وأمن الدولة ) .

مغالطة الحرب خارج الأقليم .. فكرة جيو - سياسية تعلن عنها إيران :

تمثل هذه الفكرة في حقيقتها خدعة إستراتيجية كبرى تفيد بأنها ( تدافع عن نفسها في خارج أراضيها وإن قتالها العدو في سوريا والعراق يمنع قتالها العدو في مدنها وفي أراضيها .. ولكن إن من أهم ما جاء في الفكر وقواعد الجيوبوليتكس ( أن الدولة ذات المساحات الكبيرة لا تحتاج للدفاع عن نفسها في خارج حدودها .. بينما الدول ذات المساحات الصغيرة تعيش هاجس النقص الجيوبوليتيكي - العمق في الدفاع - يضطرها إلى نقل معاركها إلى داخل أراضي العدو ) ، وهذا ينطبق على جغرافية فلسطين المحتله التي يبني العدو الصهيوني نظرية أمنه بنقل كل حروبه العدوانية إلى خارج الحدود الأقليمية لفلسطين منذ عام 1948 وحتى الوقت الرهن .

هذه المغالطة الجيو - سياسية التي يعلن عنها النظام الأيراني بأستمرار لتبرير تدخله العسكري الخارجي بالضد من العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من أشكال التدخل، لا تقوى أمام الحقائق العلمية والقانونية والأعتبارية .. وليس هنالك من تبرير أي أغطية للتدخل المسلح بالضد من القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة .. فهي مغالطة غبية ومكشوفة.

فالدولة التي تمتلك مساحات العمق في الدفاع وهي إيران لا تحتاج خططها الدفاعية إلى المغامرة في خارج حدودها الأقليمية، وإن إدعاءات قادتها تمثل شكلاً فارغًا من أشكال الغطرسة الفارسية السقيمة .. وهي خدعة تخفي دوافع التوسع الأمبراطوري الفارسي على حساب دول الجوار تحت ذرائع واهية وكاذبة وفاضحة.

- إن سياسة ( ملء الفراغ ) ، التي تمثل قفزة في التوسع الأقليمي - خارج ضوابط القانون الدولي - تعتبر جزءًا من مفاهيم الجيوبوليتكس، التي تشير إلى أن التوسع لا يشترط إقتحام المدن وتدميرها وتهجير سكانها إنما محاصرتها على وفق معايير الحرب وليس حسابات العصابات ومليشيات الأرهاب .

- بيد أن معظم نظريات الجيو - سياسة لم تتوقع تطورًا مذهلاً سيحصل في إمكانات وقدرات أسلحة الدمار الشامل المؤكد بظهور الأسلحة النووية والهيدروجينية والفراغية والـ ( ميني ) ذرية والكيميائية وغيرها من الأسلحة غير التقليدية والتقليدية، التي باتت هي الأخرى ذات قدرات تدميرية هائلة كالصواريخ الباليستية، على مسرح التسليح العسكري وانتشارها بريًا وبحريًا وجويًا بوسائل الأيصال المختلفة والمحمولة والقاذفات وحاملات الطائرات العملاقة والغواصات، فضلاً عن عسكرة الفضاء الخارجي بالأقمار الصناعية ذات الفعاليات العسكرية الألكترونية المعقدة المرتبطة بأنظمة عسكرية هجومية مبرمجة ذات قدرات تدميرية هائلة .

هذه التطورات والتحولات في مكونات عناصر القوة قد جعلت نظريات الجيو - بوليتكس تشترط إعادة النظر بفرضياتها في ضوء التحولات التي تجري على مستوى العالم .. بيد أن الردع النووي الشامل المؤكد قد أوجد توازنًا دوليًا في الرعب وحقق نسبة من الأنفراج، ولكنه حشر النظام الدولي في زاوية التهديد بالمثل ( Reciprocity Threatening Doctrine ) ، وهو الأمر الذي شل فعاليات مجلس الأمن الدولي في تنفيذ واجباته الأساسية، وهي منع وقوع الحرب، والأهم من ذلك تفادي وقوعها مسبقًا، والمحافظة على الأمن والسلم الدوليين .. وهذا الأمر يقتضي إعادة النظر في أسس التوزيع القاري التمثيلي لمجلس الأمن الدولي بصورة عادلة ومضمونة ومتفق عليها في ضوء واقع التحولات المفصلية التي تجري يوميًا على المسرح السياسي الأقليمي والدولي، والتي تنتج أو تظهر قوى كبرى على أعتاب دخولها كقوى عظمى تشكل القطبية المتعددة، التي من واجباتها أن تؤسس نظام العلاقات الدولية القائم على معايير القانون الدولي فضلاً عن العرف الدولي والموروث من المعاهدات والأتفاقيات التي تعالج أوضاع البيئة والمناخ ومعضلات الجوع والمرض والتصحر والبحار والتلوث والأوبئة الفتاكة وكوارث الطبيعة وما يقتضيها من تظافر الجهود لتذليلها .

2 - الأنسحاب الأمريكي المفترض من أفغانستان .. وإهمال منطقة الخليج العربي .. ومسألة ملْ الفراغ :

- التصعيد كما هو معروف لم يكن بين أمريكا وكوريا الشمالية ( متبادًلا ) ، إنما من طرف الأخيرة .. كما أن ( التكافؤ ) في القوة لم يكن على قاعدة المساواة ولا حتى في القدرات .. وسياسة التصعيد والتهديد الكوري الشمالي - وإيران تسير على منوالها - من الصعب بلوغه حافة الهاوية، وحين يصل بحسابات كورية وإقليمية يحصل ( التراجع ) .. فالسياسة الكورية الشمالية تتسم بعنصري ( التصعيد والتراجع ) .. وهو أسلوب يحصد رد الفعل ويختبره وصبره وقدراته وإمكانية إستخدام وسائله في التعامل .. ولكن التراجع ينطوي، في حالة التكرار، على التآكل التدريجي في الصدقية من جهة ويعرض الأمن القومي إلى الخطر .. وعلى اساس هذه الحقيقة فأن التصعيد الكوري الشمالي بتجارب الصواريخ البالستية بعيدة المدى يعرض الأمن القومي الروسي والصيني للخطر، فيما يضع باقي دول القارة الآسيوية أمام حقيقة التكهنات المروعة المتمثلة، التي قد تنجم عن الأستخدام المتفرد للقوة في ضربتها الأولى ومن ثم توقع الضربة الثانية، إذا ما بات الأمر في خارج حسابات السيطرة المحتملة أو المتوقعة.

وعلى وفق هذا المدخل، فأن السياسة الأمريكية الراهنة تأخذ شيئًا من التذكير المقابل بأن الرد سيكون قاسيًا .. ولكن لم يعد الأمر تقليديًا بشأن عملية صنع القرار الأمريكي .. فمن المعروف أن مؤسسات صنع القرار تجمع حصرًا ( البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ( NSC ) ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية ( CIA ) والخزانة الأمريكية ) ، ولكن مجموعة المبادرات الأستراتيجية الأمريكية ( NIG ) تحيط رأس القائمة المؤسسية لصنع القرار، والتي توظف عددًا كبيرًا من الخبراء في تخصصات مختلفة مهمتها وضع الخلاصات والتقديرات والتصورات والمعطيات عن السياسات الخارجية والداخلية الأمريكية ، يشاركها عدد آخر من الأكاديميين المتخصصين بمختلف الحقول السياسية والعسكرية والأمنية والأستراتيجية والأقتصادية وغيرها .

- وضعت مجموعة المبادرات الأستراتيجية الأمريكية هذه سياسة إستراتيجية جديدة سميت ( The Case For Offshore Balancing ) ، التي تعني تغيير حالة التوازن خارج المجال الحيوي، في ضوء سلسلة الفشل الذي نتج عن السياسات الخارجية للمؤسسات التقليدية الامريكية في صنع القرارات ، وهو الأمر الذي جعل ( مجموعة المبادرات الأستراتيجية الأمريكية ) تتبنى التبديل في ضوء واقع المتغيرات والتحولات التي تفرض على صانع القرار الأمريكي رؤية جديدة لواقع متحول تتحكم به لعبة التوازنات ( المختلة ) وضرورة وقف تداعياتها حفاظًا على المصالح الأمريكية وعلى الأمن والسلم الدوليين .

- فبدلاً من هدف سياسة السيطرة على العالم، إتباع سياسة ( تشجيع دول معينة على تولي عملية مراقبة وعرقلة القوى ( الصاعدة ) التي تتعارض سياساتها مع سياسة أمريكا، التي تدعو إلى إعادة الأستقرار إلى العلاقات الدولية ) .

- هذه السياسة ترفض التدخل الخارجي في مناطق مختلفة من العالم، لأنها أضرت بالأقتصاد الأمريكي دون أن تحقق عائدًا ( أمنيًا ) طيلة عقود من السنين .. وتقر بأن يتولى الحلفاء ( الكلف ) العسكرية والأقتصادية لعمليات التدخل من أجل ( حماية التوازنات الأقليمية والدولية ) .

وترتكز الأستراتيجية الأمريكية المعدلة على الآتي :

أولاً - عرقلة القوى المخلة بالتوازنات الأستراتيجية، التي تتسبب بتهديد أمن واستقرار المناطق الحيوية .

ثانيًا - عرقلة قوى الأستقطاب الصاعدة التي تتعارض سياساتها مع السياسة الأمريكية عسكريًا وسياسيًا وإقتصاديًا .

ثالثًا - المحافظة على النفوذ الأمريكي في أوربا .

رابعًا - مواجهة مهيمنين محتملين في أوربا وشرق آسيا والخليج العربي .

خامسًا - أن يتولى الحلفاء دفع ( الكلف ) العسكرية لعمليات التدخل حين يقتضي الحال منع ( الأخلال بالتوازنات الأقليمية والدولية ) .

- أدركت الأدارة الأمريكية الراهنة متأخرة، خيارات كوريا الشمالية، والتي تأخذ شكل ( التصعيد ) معها لكي تتمكن من ( شد ) الداخل الفقير المنهك إقتصاديًا وتفسيًا وتعزيز اطروحات القيادة السياسية للنظام الكوري الشمالي .. وإن تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج، بضاعة أثمرت سياسة تصعيدية في التسليح والتهديد معًا .. وهذا الأسلوب سارت إيران على نهجه تمامًا مع بعض الأختلافات .. تصدر طهران أزماتها إلى الخارج بمعادات أمريكا و ( إسرائيل ) لتشد الداخل الأيراني الفقير والمفكك أصلاً لتعزيز مكانة النظام الثيوقراطي في الداخل والخارج فضلاً عن تنفيذ اجندة أمريكية بصورة توافقية ذات طابع إستراتيجي عن طريق التمدد والتوسع الخارجي .. والفارق في الأسلوب هو أن كوريا الشمالية تعادي أمريكا فعلاً دون توافق إستراتيجي معها في الخفاء ، أما إيران فهي تعادي أمريكا و ( إسرائيل ) إعلاميًا وتتوافق معهما سرًا .!!

- فبدلاً من الأنجرار وراء التصعيد الكوري الشمالي بالمثل .. فتحت أمريكا عنبار أسلحتها المتطورة لكل حلفائها في العمق الآسيوي وفي مقدمتهم ( اليابان وكوريا الجنوبية ) ، من أجل، ليس الحرب والأستجابة للتصعيد، إنما من أجل وضع حالة ( التوازن ) الأقليمي في نصابه بل والتفوق بالقدر الذي يسمح بكبح جماح النظام السياسي لكوريا الشمالية .. وبهذا تحقق أمريكا من خلال هذه الأستراتيجية ما يلي :

أولاً - إن أمريكا لن تنساق وراء التهديد المتصاعد المتبادل كوسيلة من وسائل الرد ، إنما تستخدم وسائل أخرى محلية .

ثانيًا - جعل التوازن الأستراتيجي بين كوريا الشمالية وحلفاء أمريكا في العمق الآسيوي، ومنهم اليابان وكوريا الجنوبية، يشكل عاملاً مهمًا ومؤثرًا للرد على التهديد.

ثالثًا - رفع المحظور عن الأسلحة الأمريكية المتطورة جدًا لتعزيز التوازن الأستراتيجي الآسيوي وتحقيق التفوق .

رابعًا - تصريف أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات جراء هذه الأستراتيجية .

خامسًا - معالجة الوضع الأقتصادي الأمريكي وعجز الميزانية المزمن ومجابهة الأنفاقات الناجمة عن الكوارث المتوقعة .!!

- الصين وجهودها لحل ( المشكلة السورية ) وحل الصراع ( الفلسطيني - الأسرائيلي .. ومسائل إستثمارات الطاقة :

- العقوبات الأمريكية ضد موسكو ( الطاقة ) ، العصب الروسي الذي يؤلم :

يتبـــــــــــع ...





الاحد ١٩ ذو الحجــة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أيلول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة