شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ ظهور التّنظيم الإرهابيّ داعش قبل ثلاث سنوات في غربيّ العراق وإعلان الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام، لم ينقطع سيل القراءات والتّحليلات بشأنه، واستحوذ كلّ ما يتعلّق به ببالغ الاهتمام والتّركيز حتّى ملأ الدّنيا وشغل النّاس.

ومنذ السّاعات الأولى لبداية التّنظيم في الإفصاح عن نفسه، اتّفق الجميع باختلاف مشاربهم وأجنداتهم ومخططّاتهم على المستوى الرّهيب من الخطر الذي يشكّله التّنظيم الوليد وقتها على الإنسانيّة جمعاء، ولقد مثّلت هذه النّقطة تحديدا ضالّة كبار صنّاع القرار الدّوليّ لاسيّما الأمريكان والغرب والصّهيونيّة العالميّة ومن تذيّلهم من الفرس وغالبيّة الأنظمة العربيّة الرّسميّة ، ذلك أنّ هذا الظّهور المفاجئ لداعش وفّر سبيلا مضافا لتخدير الشّعوب وخاصّة الأمّة العربيّة ومن ثمّة تيسّر إلهاؤها عن الغايات والرّهانات على مثل هذا التّنظيم بعد اندثار القاعدة وزوال خطرها ثمّ المرور لتحقيق الأهداف لكلّ جهة حسب مصالحها وبرامجها وتكتيكاتها واستراتيجيّاتها.

ودونما تبصّر أو تعقّل، تحوّل السّواد الأعظم من الجماهير لمنصّات تبرّم وتشكّي وسخط على التّنظيم الإرهابيّ حديث التّشكّل وتعالت أمواج الصّراخ والعويل المطالبة بضرورة التّصدّي الحازم لدرء هذا الخطر الزّاحف وهو الذي لا يبقي ولا يذر، وبالتّزامن مع ذلك لم يكلّف أحد نفسه عناء التّقصّي والبحث في الماورائيّات الحقيقيّة لمثل ذلك الحدث.

في تلك الأثناء التي انساق العالم وراء الحملات الإعلاميّة المركّزة والمتّفقة على التّشهير بخطر داعش ودمويّته ووسط انضمام عدد مهول من المفكّرين والباحثين والمثقّفين وركوبهم لتلك الموجة، سعى حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ من خلال مفكّريه وفيالقه الإعلاميّة المجاهدة وخاصّة قيادته القوميّة وأمينه العامّ رأسا لتعرية ادّعاءات من صنعوا داعش وتجلية مقاصدهم من ذلك ناهيك عن التّأشير عليهم بمنتهى الوضوح ليشكّل الجهة الوحيدة في الدّنيا قاطبة التي تفطّنت للخديعة الكبرى في يوم النّاس هذا، وأطنب البعث في استعراض جميع المؤيّدات والقرائن التي تثبت أنّ داعش ما هو إلاّ صنيعة مخابراتيّة أمريكيّة صهيونيّة إيرانيّة فارسيّة تمّ الإعداد لها بخبث شديد وتدريب عناصرها تدريبا محكما والتّخفّي وراءها بهدف تحقيق ما عجز عنه مشروع الغزو الأمريكيّ للعراق عام 2003 ألا وهو مشروع الشّرق الأوسط الجديد الذي يعني ضرورة إعادة تقسيم الوطن العربيّ وتفتيته لدويلات متناثرة تتنازعها الحروب الأهليّة والفتن الطّائفيّة والصّراعات المذهبيّة وذلك لاستكمال السّيطرة على أكبر خزّانات الطّاقة في العالم ولضمان التّفوّق النّوعيّ الكيان الصّهيونيّ وإدامته في المنطقة للأبد، وليس من فائدة في تكرار تبيان أنّ هذه الأهداف هي الدّوافع الرّئيسيّة لإسقاط النّظام الوطنيّ في العراق وحلّ جيشه واجتثاث حزب البعث نظرا لما شكّله ذلك النّظام الوطنيّ من حجر عثرة في طريق الأحلام التّوسّعيّة الأمريكيّة والمخطّطات الصّهيونيّة، وهو ما يفسّر بدوره السّعي لضرب سوريّة وتخريبها ( دون التّفكير في تنحية النّظام ) وهو ما ينسحب تقريبا على ليبيا التي تعرّضت لعدوان امبرياليّ أطلسيّ غادر أنهى فيها كلّ مقومّات الدّولة.

كان إذن الطّرح الوحيد المعاكس للتّيّار الذي جرف الجميع هو طرح حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وهو الذي شدّد على أنّ داعش رغم كونه ظاهرة منبوذة في الوطن العربيّ وزائلة لا محالة، فإنّه أكبر من مجرّد تنظيم إرهابيّ قد يمارس بعض الأعمال التّخريبيّة في هذه البقعة من العالم أو تلك على غرار بقيّة التّنظيمات الأصوليّة المشابهة وذلك بالنّظر للمهمّات الحقيقيّة التي بٌعث من أجلها.

فالمعلوم أنّ داعش ظهر أوّلا غربيّ العراق مع احتدام عمليّات المقاومة العراقيّة التي حقّقت نجاحات ميدانيّة تكتيكيّة واستراتيجيّة في جزء كبير منها في ذلك الوقت الأمر الذي دفع نوري المالكي رئيس وزراء العمليّة السّياسيّة في بغداد المحتلّة لإصدار أوامره لجيشه بإخلاء مواقعه وترك أسلحته لداعش في خطّة خبيثة لشيطنة المقاومة العراقيّة من جهة ولتبرير كلّ الفظاعات المخطّط لارتكابها لاحقا، أمّا في سوريّة فإنّ داعش كان المطيّة المثلى للنّظام الأسديّ لتقتيل الشّعب العربيّ السّوريّ وترويعه وإبادته.

إنّ المتابع لتطوّرات الأمور على الأرض في كلّ من العراق وسوريّة وما تشهده السّاحتان من جرائم متنوّعة وغير مسبوقة من حيث وحشيّتها وتدميرها للإنسان والأرض على حدّ السّواء، سيخلص بيسر شديد لحقيقة أنّ داعش لا يزيد عن كونه تلك الصّنيعة المخابراتيّة القذرة لثالوث الإرهاب العالميّ الممثّل في الأمريكان والصّهاينة والفرس الصّفويّين. فليس يخفى على ذي بصر وبصيرة ما ارتكبه هذا الثّالوث الشّيطانيّ من جرائم ساديّة ومخزية في العراق كما لا يمكن أن يختلف عاقلان حول تعكّز أركان المؤامرة الدّوليّة على العراق والأمّة العربيّة جمعاء والتقاءهم حول داعش بما شكّله من أداة تنفيذيّة طيّعة لبرامج تقسيم العراق وإغراقه في مزيد من الفوضى والدّمار باستغلال أمثل للورقة الطّائفيّة بما تنطوي عليه من توفير مستلزمات إطالة أمد الصّراع وإثخان الجراح العراقيّة ونكئها ناهيك عن تبرير ما ينتج عن ذلك من إباحة تدخّلات متزايدة ومحمومة في شتّى الرّبوع العربيّة بتعلّة التّصدّي للخطر الدّاعشي المحدق بالعالم وهو في الواقع ليس سوى إضفاء الشّرعيّة على كلّ التّجارب والتّنافس بين القوى الدّوليّة الكبرى على ساحتنا.

يمكن بناء على متابعة دقيقة للمتغيّرات في المنطقة منذ ظهور داعش التّأكيد على جملة من الحقائق أهمّها :

1- خلفت داعش القاعدة استجابة لتغيير تكتيكات الحلف الشّيطانيّ الاستعماريّ وهو ما يعرف بالجيل الرّابع للحروب، والهدف الأساسيّ من ورائه ضمان استمرار تشويه الإسلام وضرب العرب وتعويق مساراتهم نحو التّوحّد وإنشاء وطنهم القوميّ وملك نواصيهم بأيديهم.

2- اختيار العراق وسوريّة لانطلاق أعمال داعش تتماهى مع تلك المخطّطات وتستجيب لمضامينها ومراميها وهي رأسا تخريب العراق وتنفيذ حملة الإبادة العرقيّة وفرض التّغيير الدّيموغرافيّ باعتماد حفنة من المجرمين القتلة المستقدمين من شتّى أصقاع الدّنيا، وهو ما يتمّ استنساخه في سوريّة مع بعض الخصوصيّة فيها لاشتراك النّظام الأسديّ في الاستفادة من داعش وتأسيسه من الأساس.

ويحقّق داعش وأعماله الوحشيّة في العراق تحديدا مجموعة من الأهداف أهمّها :

أ- ضرب مشروع المقاومة العراقيّة وشيطنة قواها الحيّة ونواتها، والسّعي إلى إدامة الاحتلال والتّهيئة لتقسيم العراق.

ب- استغلال التّركيبة الفسيفسائيّة للمجتمع العراقيّ وتنوّعها، لإذكاء فتيل الاقتتال الطّائفيّ والتّنازع العرقيّ وهما معضلتان مفروضتان عل العراقيّين ودخيلة عليهم.

ج- التّركيز على أنّ داعش فصيل "سنّيّ"، يستجلب مباشرة في ظلّ النّقاط المشار إليها سابقا نهوض فصيل أو فصائل "شيعيّة" مضادّة تدّعي مقاومتها للإرهاب " السّنّيّ" وهو ما تمخّض عنه بالفعل في العراق تأسيس ما يسمّى بالحشد الشّعبيّ بأوامر سياسيّة وعسكريّة إيرانيّة غطّتها فتاوي السّيستاني.

3- السّماح لداعش بحريّة الحركة واحتلال مساحات شاسعة من الأرض كان الهدف منه مزيد من التّرويع والتّرهيب للعراقيّين والسّوريّين المنهكين بطبعهم، وبالتّالي ضمان تحقيق أكبر قدر ممكن من الخسائر بين المدنيّين ليسهل تطويعهم وتهجيرهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يضفي الامتداد الجغرافيّ لداعش الذي طال ليبيا هي الأخرى نوعا من الاسترخاء والتّسليم لدى جيوب المقاومة الشّعبيّة الهشّة ما يفقد المقاومة سندا وحزاما شعبيّا هي في أمسّ الحاجة إليه وهو ما يصبّ في وفاض الرّعاة والمؤسّسين الحقيقيّين لداعش. وهذا ما يؤدّي في النّهاية للقبول بكلّ الجرائم المرتكبة سواء من التّحالف الدّوليّ أو من إيران وميليشيّاتها الطّائفيّة في كلّ أرجاء الوطن العربيّ وبالطّبع لا يجب التّغافل عن شفط ثروات العرب ومزيد تهرئة مجتمعاتهم.

إنّ كثيرا من المؤشّرات والتّصريحات الرّسميّة وخصوصا الأمريكيّة ناهيك عن كثير من التّقارير الاستخباراتيّة تؤكّد ضلوع أمريكا في تأسيس داعش والتحاق حلفائها ومرتزقتها بها، كما لا تخفي تلك المؤشّرات الأهداف الآنيّة والبعيدة من ورائه. ويكفي ههنا التّأشير على ثلاثة أدلّة :

1- اعتراف هيلاري كلنتون في أحد كتبها بأنّ الإدارة الأمريكيّة هي من أسّست داعش.

2- تصريح مدير المخابرات الأمريكيّة السّابق في أوروبّا ( فرنسا ) أنّ العراق وسوريّة في المستقبل لن يكونا كما يعرفهما العالم في إشارة منه لمعاودة رسم الخائط بل ذهب لأبعد من ذلك ليقول وقتها إنّ العراق وسوريّة الحاليّين سيختفيان، وكان ذلك في إطار اجتماعات لتدارس التّحالف العالميّ لمحاربة داعش. وهو ما يؤكّد وبقوّة ما ذهبنا إليه من أنّ هدف خلق داعش هو تفتيت المفتّت من الوطن العربيّ وهو ما يفسّر فيما بعد أمرين اثنين هما الإبادة العرقيّة للسّكّان الأصليّين للعراق وسوريّة واستبدالهم بأقوام فارسّة وأفغانيّة وغيرها، وتأمين الطّيران الحربيّ للتّحالف الدّوليّ بقيادة أمريكا لحركة أرتال داعش غرب العراق وشماله ومنع أيّ جهة كانت من استهدافه.

3- تواتر عشرات التّقارير الإعلاميّة والمخابراتيّة على أنّ كبار الدّاوعش وقادة التّنظيم تلقّوا مرارا الإسعافات الطّبيّة في مصحّات خاصّة في العراق تابعة لإيران وداخل المستشفيات الإيرانيّة، ناهيك عن أمر المالكي لجيوشه بإخلاء مواقعهم في الموصل وغرب العراق وترك ذخيرتهم وأسلحتهم لعناصر داعش، هذا بالإضافة لاعترافات منسوبة لأحد كبار ضبّاط المخابرات الإيرانيّة يعترف فيها باشتراك إيران في تأسيس داعش. كما لا يجب إغفال ثبوت تواجد أكثر من خمسين قياديّا بين دواعش العراق يتكلّمون العبريّة بطلاقة وأوردت وسائل إعلاميّة صهيونيّة تقارير عدّة عن عودة هؤلاء لفلسطين المحتلّة.

أمّا اشتراك الكيان الصّهيونيّ والعدوّ الإيرانيّ الفارسيّ في ذلك، فيتأكّد وبشدّة من خلال بقائهما – وهما الوحيدان في هذا الصّدد - في مأمن من بطش داعش رغم التّصادم والتّضادّ والتّناقض الرّهيب على جميع المستويات بينهما وبين التّنظيم الإرهابيّ.

إنّ هذا العرض السّريع لما يتعلّق بداعش وما رافق ظهوره والقراءات المختلفة بشأنه أمر ضروريّ تمليه المغالطات التي أصرّ أعداء الأمّة على تثبيتها وحرص بالقدر نفسه أعوانهم على ترديدها ومحاصرة أيّ صوت يصدح ويجاهر ببطلان تلك الرّواية الرّسميّة المكذوبة المعتمدة.

وإنّ التّأكيد على قراءة حزب البعث لملفّ داعش لا يمكن إدراجه في باب التّحزّب الضّيّق أو التّعصّب له، إذ أنّ الأمر حقيقيّ وموثّق ولا مزايدة فيه وقراءاته منشورة يمكن لمن يساوره الشّكّ حولها العودة إليها ليتبيّن تمايزها عن كلّ ما سواها في هذا الغرض، كما أنّه حتميّ بالنّظر لما لاقاه البعث ومقاومته لا في العراق فقط بل وعلى المستوى القوميّ كاملا من حصار وتشويه متعمّد بفعل داعش وتماسّهما على الأرض خصوصا في العراق.

لا غرو في القول إنّ أكثر من استفاد من داعش سياسيّا وإعلاميّا وعسكريّا هو العدوّ الإيرانيّ، حيث ونظرا لإجادته العزف على الأوتار الطّائفيّة من خلال سيطرته على البسطاء والمخدوعين بما يسمّى بالثّورة الإسلاميّة والتّشيّع الصّفويّ، برز كمحارب للخطر الدّاعشيّ الذي اعتبره ومرتزقته مرّة خطرا وهّابيّا ومرّة أخرى خطرا سنّيّا، وأوعز لميليشيّاته الطّائفيّة المزروعة في العراق وسوريّة لتصفية كلّ الوطنيّين والقوميّين والمعادين لأجندات الفرس وغيرهم في الوطن العربيّ واكتفى للإفلات من تبعات ذلك بإطلاق التّهم جزافا على الجميع بأنّهم من الدّواعش أو من حلفائهم.

وتقمّص الفرس بناء على كونهم قوّة احتلال فعليّة وبالوكالة عن الأمريكان في العراق في الأذهان ثوب المقاومة والمخلّص للبشريّة من بعبع داعش.

وبناء عليه، تجنّدت الميليشيّات الإلكترونيّة والبشريّة والحزبيّة والجمعياتيّة فارسيّة الهوى وصفويّة المذهب في كلّ الوطن العربيّ للدّفاع عن المشروع الإيرانيّ وللادّعاء بفضل الفرس المتقدّم في تقليص تمدّد الدّولة الإسلاميّة الدّاعشيّة المزعومة.

ولقد سكت بيادق الفرس عن الأهوال التي عانى منها شعبا العراق وسوريّة وصفّقوا لحملات الإبادة العرقيّة هناك والتي نفّذتها الميليشيّات الطّائفيّة والحشد الشّعوبيّ الصّفويّ والنّظام السّوريّ والحرس الثّوريّ الإيرانيّ وميليشيا حزب الله، وكانوا لا يتردّدون في التّسابق للحجّ لطهران طورا ولدمشق والجنوب اللّبناني أطوارا أخرى لتقديم التّحايا والإكبار والعرفان والامتنان لأقطاب محور المقاومة والممانعة وهو الصّدّ المنيع والحصن الواقي من شرور داعش وحلفائهم.

لكن، لم يدر بخلد هؤلاء ما تخفيه لهم الأيّام أبدا، إلى أن جاءت الفضيحة الكبرى التي تمثّلت في المفاوضات التي أجراها حزب الله مع داعش بما يمثّله حزب الله من رمزيّة ومكانة في نفوس المنخرطين والمنغمسين في مشروع ولاية الفقيه.

فبعد ثلاث سنوات بالتّمام والكمال، وبعد أن استفرغ أعوان إيران ما في جرابهم من تمجيد وتقديس لمحور المقاومة وتعداد أفضال حزب الله ودوره الرّياديّ في التّصدّي للمشروع التّكفيريّ الدّاعشيّ الإرهابيّ وتضحياته الجسام في سوريّة والعراق- وهي جرائم غادرة وخسيسة واقعا - وبعد أن تفنّنوا في شيطنة من حدّثته نفسه بكشف المستور وفضح سياسات حزب الله الإجراميّة الإرهابيّة وتعرية خلفيّته الطّائفيّة، بعد كلّ هذا يفاجئ " سيّد المقاومة " أتباعه ومريديه ونغول إيران بالحقيقة المرّة وبالصّفقة المخزية المهينة ويوجّه لهم الطّعنة النّجلاء بعد اضطراره للإذعان والتّسليم بالتّفاوض مع داعش.

هكذا، ويا سبحان الله، اختفت النّزعة الإرهابيّة لداعش، واندثرت دمويّته، وتلاشت موجبات الاستبسال في محاربته للرّمق الأخير، واضمحلّت تلك الشّعارات الجوفاء واستبدلت تلك النّبرة العالية بأخرى مستسلمة راكعة خافتة لا تهديد فيها ولا وعيد ( انظر بيانات حزب الله حول المفاوضات وما تلاها ) .. وهكذا، أضحى داعش طرفا كغيره من الأطراف يمكن الجلوس إليه وتجوز مفاوضته ولو عبر وساطات، فتبرم معه الصّفقات التي يتمّ بموجبها تمتيع عناصره وعوائلهم بالرّحلات المكيّفة والمؤمّنة، وتصبح الجماعة الأشدّ خطرا في العالم سابقا جديرة بالدّفاع عنها وعن حقّها في بلوغ مأمنها ما يوجب بدوره شجب وإدانة أيّ تحرّش عسكريّ بها ( انظر بيان حزب الله حول النّزعة الإنسانيّة التي شجب بموجبها استهداف التّحالف لقوافل الدّواعش، وكذلك مواقف إيران الرّسميّة وحديثها عن ضرورة مراعاة الجانب الإنسانيّ لعوائل المرحّلين ).

انتقلت داعش بقدرة قادر من ذلك البعبع الذي يقضّ مضاجع العالم وخصوصا محور المقاومة الممتدّ من جنوب لبنان لعتبات قٌم ومشهد إلى حمل وديع يٌشار إلى عناصره بالمقاتلين والمسلّحين شأنهم شأن أيّ جماعة أخرى.

فما الذي استجدّ فجأة؟ وما الذي طرأ لتتغيّر المقاربات والمناهج الاستراتيجيّة لحزب الله ومن خلفه محور المقاومة للضّدّ تماما ؟

إنّ الإجابة الوحيدة عن هذه الأسئلة هي قطعا أنّه لم يحدث شيء يستجلب مثل هذا التّغيّر المفاجئ، سوى أنّ سيّد المقاومة وقاهر التّكفيريّين كشف عن حقيقته بلا مساحيق وأسقط عنه ما تدثّر به من أقنعة أثّثتها خطب مشحونة طائفيّا وشعارات تنضح ثارات وأحقادا سحر بها ألباب المغرّر بهم حينا والمتسابقين للارتزاق والمفتونين بسحر التّومان الإيرانيّ أحيانا، لتبرز مرّة نهائيّة وإلى الأبد مضامين جوهره الفارسيّ الإيرانيّ الصّفويّ الشّعوبيّ – وهو لم يٌخْفها حقيقة -، ذلك أنّ الصّفقة التي تمّت بين حزب الله وداعش فٌرِضت عليه من إيران التي اعتبرت احتفاظ داعش بجثّة أحد قتلاها من قيادات الحرس الثّوريّ المدعوّ ( حججي ) أمرا مهينا لها بل وغير مقبول بالمرّة.

لقد سبق أن هلك مئات عناصر حزب الله من شباب لبنان ( العرب ) وأسرت عشرات منهم بل مئات، ولم يحرّك كلّ ذلك العدد في سيّد المقاومة ساكنا، ولكن عندما تعلّق الأمر بإيرانيّ صفويّ تنازل السيّد من عليائه وغادر كبرياءه وأجبر على عقد صفقة خسيسة ضربت هيبته في مقتل.

إنّ صفقة حسن نصر الله مع داعش وهي فضيحة ترقى لفضيحة إيران غايت تثبّت حقيقتين مخزيتين لمحور المقاومة المزعوم ولجماهير مريديه من أبناء هذه الأمّة وهم المرتزقة والخونة فعلا، وهتان الحقيقتان هما :

1- التّبعيّة المطلقة لحسن نصر الله لإيران ولولاية الفقيه، وبطلان ادّعاءات أنّه ينافح من أجل العروبة أو لبنان، وهذا كما سبق وذكرناه آنفا يتجلّى من خلال الهرولة لاستعادة جثّة النّافق حججي الصّفويّ.

2- تأكّد ضلوع إيران واشتراكها في تأسيس داعش ودعمه لارتكاب مختلف الجرائم بحقّ العرب والعروبة ضمن المشروع الفارسيّ الصّفويّ وأحلام استعادة أمجاد الامبراطوريّة الفارسيّة، ناهيك عن ثبوت العلاقة السّرّية بين حزب الله وداعش نظرا لاشتراكهما في الارتباط بولاية الفقيه من جهة وحقدهما الدّفين على العروبة.

لقد رافق صفقة حسن نصر الله مع داعش عدد من القرائن التي تنسف نهائيّا وإلى الأبد كلّ الرّوايات الرّسميّة الفارسيّة والتّقارير الإعلاميّة عن ريادة إيران لمشروع المقاومة والممانعة بما يختزلانه من رفض للصّهيونيّة والامبرياليّة وغير ذلك، ولعلّ من أهمّها على الإطلاق اشتراك النّظام السّوريّ في الصّفقة التّاريخيّة القاطرة خسّة ونذالة وإشراف قوّاته على تأمين تنقّل قافلة الدّواعش وهم الذين لطالما ردّد نظام دمشق بشأنهم علكة تعرضّه لأكبر مؤامرة في العصر الحديث بقيادة التّكفيريّين والقتلة الإرهابيّين وخاصّة داعش.

وإنّ من بين أهمّ ما يفضح هذه الصّفقة تلك البنود التي تقضي بترحيل عناصر داعش للحدود العراقيّة بما يعنيه ذلك من إباحة تقتيل العراقيّين وتذبيحهم، وهذه البنود في حدّ ذاتها فضيحة أخرى أشدّ قتامة من سابقيها، إذ كيف يجوز الحديث عن فضل ميليشيّا حزب الله في تخليص العراقيّين من داعش جنبا لجنب مع بقيّة الميليشيّات المرتبطة بإيران وفي نفس الوقت يتعهّد سيّد المقاومة للدّواعش ويعبّد لهم طريق العودة للعراق لممارسة جرائمهم بكلّ طلاقة وحريّة؟

لقد خلّف التّباين في موقف أقزام المنطقة الخضراء من هذه الصّفقة بين مؤيّد ورافض مزيدا من الشّبهات المؤكّدة حولها ويبقى تقديم روايتين رسميّتين حول المسألة إحدى الأدلّة التي تكشف حقيقة حزب الله الإرهابيّة، حيث وفي الوقت الذي يتباهى فيه العميل العبادي بانتصارات ماحقة للدّواعش يجد نفسه مجبرا على تقبّل هديّة مسمومة من حليفه وشريكه في التّبعيّة المطلقة لإيران. وهنا تحديدا، لا بدّ من الإشارة إلى التّراشق بالاتّهامات بين نوري المالكي والعبادي حول صفقة حزب الله مع داعش، ففي الوقت الذي أكّد فيه العبادي عدم علم بغداد بالأمر كذّبه رفيقه وخصمه اللّدود المالكي، لتحسم إيران ربّ الثّالوث نصر الله والعبادي والمالكي الأمر في بيان رسميّ تؤكّد فيه علم بغداد المسبق بكلّ تفاصيل العمليّة.

هكذا إذن، وبتتبّع دقائق تفصيلات صفقة حزب الله مع داعش تحضر إيران وبقوّة. ولا يجب النّظر إلى حضورها على أنّه هامشيّ أو عرضيّ بل على العكس تماما هو حضور المشرف والموجّه والرّاعي للعمليّة من أوّلها إلى نهايتها.

ويتأتّى الحضور الإيرانيّ من خلال سيطرتها المحكمة على تلابيب الأمور كافّة في العراق وسوريّا وفي لبنان وخصوصا على حزب الله، إذ لا يعقل أن ينجز نصر الله صفقته دون علم إيران ومباركتها وموافقتها عليها.

وإنّ هذا الحضور بثقله الدّيبلوماسيّ والعسكريّ والإعلاميّ هو ما يفسّر ما دوّخ أكثر المتابعين للصّفقة بخصوص عدم إشراك الجيش اللّبنانيّ في العمليّة، ولا يجب ههنا الادّعاء بأنّ الجيش اللّبنانيّ اختار النّأي بنفسه عنها لأنّه إن فعل فستكون تلك النّقطة محسوبة عليه وستستوجب تبعات عدّة وتساؤلات أكثر حول مدى فاعليّته وجاهزيّته وغير ذلك من المسائل، ولكنّ الأقرب إلى الحقيقة هو أنّ حزب الله تعمّد إقصاء الجيش اللّبنانيّ خشية وقوع ما يثبت العلاقة الحميميّة بين داعش وحزب الله من جهة وبين داعش وإيران ونظام دمشق ونوري المالكي من جهة أخرى بيد الجيش.

قد يكفي هذ الاستعراض المقتضب لبعض فصول صفقة الخزي والمهانة التي أبرمها حسن نصر الله مع داعش لتتّضح معالم المؤامرة التي يقودها حسن نصر على لبنان والعرب والعروبة لمصلحة أولياء نعمته في إيران الشّرّ والرّذيلة، ونحسب أنّ تبيان العلاقة الوطيدة بين إيران وداعش كفيل بإماطة اللّثام عن حقيقة خطر المشروع الإيرانيّ الفارسيّ الصّفويّ وبالتّالي قد يوفّر فرصة ثمينة لكثير من المنساقين وراء أكاذيب الفرس ليراجعوا حساباتهم ويعودوا عن غيّهم ويقدّموا نقدهم الذّاتي ويعتذروا عن تجاهلهم المتعمّد لدماء مئات آلاف الشّهداء العرب واستخفافهم بمعاناة المهجّرين والمطاردين من أبناء أمّتهم على يد إيران وملاليها وميليشيّاتها الطّائفيّة الإرهابيّة المجرمة.

هكذا سقط آخر أقنعة الفرس وحسن نصر الله، فهل يستعيد المخدوعون العرب وعيهم ورشدهم وينضمّوا لمقارعة السّرطان الفارسيّ الصّفويّ؟


أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في  ٥ / أيلول / ٢٠١٧





الجمعة ١٧ ذو الحجــة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أيلول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة