شبكة ذي قار
عـاجـل










طلع حاكم دمشق الأسد الّصغير على فريقه الدّيبلوماسيّ قبل يومين ليتحدّث عمّا أسماه أبرز تطوّرات الوضع في سوريّة وفي المنطقة والعالم وليوضّح ويرصد مظاهر انتصاره على الهجمة الكونيّة على بلاده.

وافتتح الأسد الصّغير خطابه بالتّأكيد على ضرورة الفصل بين العاصفة والمقصلة في حديثه عمّا يجري في بلاد الشام، وحاول جهد طاقته أن يفرد ما يجري في دمشق بخصوصية تتلاءم مع ما دأب النّظام السّوريّ على تسويقه انتصارا وصمودا لا مثيل له بالنّظر لحجم المؤامرة وأبعادها.

ودون أن ننكر المؤامرة على سوريّة، وهي المؤامرة التي تنهل من مؤامرة أوسع وأشمل مدى وأكثر حدّة تستهدف العروبة والأمّة العربيّة وأقطارها، فإنّ مستهلّ خطاب رأس النّظام الأسديّ في سوريّة أكّد مرّة أخرى وبكلّ الوضوح الممكن على أنّه – أي هذا النّظام – جزء أصيل وحربة متقدّمة في هذه المؤامرة الكبرى ليسقط مجدّدا آخر ما تبقّى في رصيده من ورقات التّوت التي قد تستر عورته لمن لم تنكشف لهم بعد.

لقد تعمّد الأسد الصّغير ودون موجب إلاّ موجبات ما تقتضيه فروض طاعاته وولاءاته وارتباطاته الإقليميّة والدّوليّة والتي سنعود لها في آخر هذه القراءة التّحليليّة، أن يٌرجع زمن العاصفة وهي التي أسماها بالمقصلة فوق رؤوس الجميع لما قبل غزو العراق عام 2003 بما حمله من حدث فارق في التّاريخ البشريّ برمّته وتحديدا في التّاريخ العربيّ، فأصرّ إصرارا على ضرورة اعتماد حرب العراق وإيران عام 1980 تاريخ تلك العاصفة المقصلة وكذلك تاريخ دخول الكويت.

وهكذا وبدون مقدّمات، اختار الأسد الصّغير تأريخا خاصّا به وبالمحاور التي يرتبط بها ويدين لها بالطّاعة، ليفرضه تاريخ انطلاق المأساة في الوطن العربيّ، وهكذا تشبّث مرّة أخرى بعقيدة النّظام الأسديّ المتوارثة وجوهرها قلب الحقائق وتحريف أخبار التّاريخ وتزييف الوقائع.

ولقائل أن يقول ههنا: وما ضير ذلك؟ وما خطر الرّجوع لفصول الحرب العدوانيّة الإيرانيّة الخمينيّة على العراق؟

إنّ المتابع لهذا الخطاب والقارئ الجيّد لخبايا الشّطر الشّرقيّ من الوطن العربيّ وخصوصا منذ انفراد حافظ الأسد بالسّلطة في سوريّا عقب انقلابه الشّهير، سيخلص بكلّ يسر لحقيقة فاجعة وصادمة مفادها أنّ هذا التّزييف والكذب المفضوح هو جوهر كلّ الخطاب ذاته، فلا غايات له بعد المحاولة الاستعراضيّة في الظّهور بثوب المنتصر إلاّ ذلك التّأريخ وفق أهواء الأسد الصّغير وزمرته.

فلقد اختار المجرم بشّار الأسد، أن يقفز على حقيقة الأرض والتّاريخ، فيجعل من المعتدي ضحيّة، ومن الضّحيّة معتديا في قلب سمج وركيك للأدوار وللأحداث، ومراده في ذلك تأكيد مبادرة العراق بالاعتداء على إيران بما يختزله ذلك من ادّعاءات وافتراءات وتشويهات للعراق ونظام الوطنيّ، وفي هذا التّمشّي مغازلة لنظام الملالي المجرم رديف نظام الأسد الصّغير وحليفه الاستراتيجيّ. أمّا الوقوف عند حادثة غزو الكويت فلا تخلو بدورها من منهج لئيم وسعي خبيث لتدعيم الزّعم الأوّل بما يصبّ في وفاض الفرس الصّفويّين وذلك بتبرئتهم من أيّ اتّهام سابق باعتدائهم الغادر على العراق والعرب من خلاله ناهيك عن تبرئتهم لاحقا من كلّ الجرائم التي يرتكبونها في الأحواز العربيّة والعراق وسوريّة ولبنان واليمن والخليج العربيّ وغيرها من أقطار الأمّة. ومثلما شكّل الحديث عمّا سمّاها الأسد الصّغير الحرب العراقيّة الإيرانيّة مغازلة للملالي، فإنّ في حادثة الكويت مغازلة مكشوفة ولا حياء فيها للأمريكان والغرب وحتّى دول الخليج ذاتها.

هكذا إذن، سعى المجرم بشّار الأسد في خطابه المموّه إلى أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فتودّد للفرس وللأمريكان من جهة، وشنّ هجوما مبطّنا ومخاتلا للنّظام الوطنيّ في العراق بقيادة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ باحثا من خلال ذلك على ترويج تلك الحقيقة المخزية التي ورثها عن أبيه وزمرته ومضمونها أنّه حامي العروبة وحادي ركب العرب المخلصين.

وإيهاما منه للحضور وللمتابعين معا، عمد الأسد الصّغير إلى إغراق خطابه في سيل من الشّعارات الرّنّانة والفضفاضة من قبيل الحرص على العروبة ودعم المقاومة والإبقاء على قضيّة فلسطين محور كلّ عمل ونضال. وأفاض في التّشديد على أنّ العروبة هي جوهر الهويّة الوطنيّة السّوريّة وسخر في الوقت نفسه من الانتقادات التي واجهها نظامه لحذف مفردة "العربيّة" من تسمية الجمهوريّة السّوريّة ليقع بنفسه في تضارب هجين، إذ كيف لمن يعتبر العروبة جوهر هويّته أن يسقطها بإرادته إلاّ إذا كانت هذه الإرادة صوريّة ومسقطة من طرف كاتبي الدّستور الجديد وهم الرّوس تحديدا؟؟

إنّ خطاب الأسد الصّغير ليضيق بالتّناقضات للحدّ الذي ذهب فيه صاحبه لإنكار معالم الدّمار والخراب الشّامل في سوريّة، بل ويمتلك صاحبه من الوقاحة ما يجعله يتشدّق بالتّماسك والتّجانس المجتمعيّ ونموّ الاقتصاد السّوريّ، وفي المقابل يصوم عن الكلام عن ملايين القتلى والجرحى والمعوّقين والمشرّدين والنّازحين والمهجّرين والفاريّن من براميل الموت اليوم ومن الطّائرات الرّوسيّة والميليشيّات الطّائفيّة وغيرها.

ورغم ما يمثّله هذا الإنكار من ساديّة واستخفاف بمعاناة شعبنا العربيّ في سوريّة، وهو الذي شكّل كذلك مثار سخريّة رئيس نظام دمشق في مواضع عدّة من خطابه، فإنّ الأمر لم يتوقّف عند تلك الحدود بل أوغل في جلد الجماهير السّوريّة عبر الإصرار على التّثمين والإشادة بأدوار المحاور الإقليميّة التي تفنّنت في تقتيل السّوريّين وملاحقتهم وتهجيرهم وتسليط كلّ الأحقاد والثّارات عليهم للحدّ الذي تجرّأ فيه الأسد الصّغير على إفراد ميليشيا حزب الله والنّظام الفارسيّ الصّفويّ الاستيطانيّ التّوسّعي الشّعوبيّ والنّظام الرّوسي بالتّحايا والإكبار، وانحنى إجلالا لما أسماه حزب الله الغنيّ عن التّعريف مكبرا حرص مقاتليه على التّراب السّوريّ وهو حرص لم يكن أبدا أقلّ من حرص القوّات المسلّحة السّوريّة، كما أفرد روسيا بالتعظيم وهي التي استخدمت الفيتو مرارا ولم تتوقّف عن دعم الجيش ، ليبقى المجرم الخامنئي الأكثر جدارة بالودّ والاحترام وذهب في توصيفه بأنّه الرّجل الذي ستكتب عنه فصول جديدة في التّاريخ وكذا الأمر بالنّسبة لإيران وروسيا وحزب الله.

إنّ هذه الفصول المزعومة التي ستكتب عن الخامنئي وإيران وروسيا وحزب الله وفق ما نضح به خطاب الأسد الصّغير، هي الدّافع الرّئيسيّ لافتتاحه بتجريم العراق من خلال تحديد تاريخ للمؤامرة على الأمّة وسوريّة وفق السّرد الأسديّ والتي تنطلق مع حرب 80 وحادثة الكويت، وهي أيضا سبيله للتّشديد على مواصلة دعم النّظام الأسديّ المجرم الطّائفيّ لما أسماه بالمقاومة الحقيقيّة لا تلك المزيّفة كحال البعض؛ فتتطابق بذلك المقدمة مع جوهر الموضوع وخاتمته.

فإلى أيّ مقاومات مزيّفة يلمّز الأسد الصّغير؟ بل وما هي مقاييسه المعتمدة لتصنيف المقاومات وللبتّ في أمرها؟ أليس قوله هذا اتّهام مباشر وصريح للمقاومتين في العراق والأحواز العربيّة؟؟ بل هل من مقاومات أخرى غيرهما بحجمهما وتنظيمهما يمكن أن نطلق عليها أصلا مصطح المقاومة خارج فلسطين؟

لقد جاء خطاب الأسد الصّغير مرّة جديدة ليقيم الحجّة عليه وعلى نظامه منذ تأسّسه واغتصابه للسّلطة في دمشق فتفتضح حقيقته الطّائفيّة لدى من لازالت تساوره الشّكوك حولها، وإلاّ فما تفسير إفراد ميليشيّا حزب الله بكلّ ذلك القدر من التّعظيم وتلك الهالة من الاهتمام؟

أليس الحديث عن حرص مقاتلي نصر الله على سلامة تراب سوريّة ضرب من التّذاكي والتّحذلق ونوع من الضّحك على الذّقون؟ ألم يزجّ حزب الله بمقاتليه ومجرميه بناء على أوامر إيرانيّة وفتاواها القاضية بضرورة الدّفاع عن العتبات المقدّسة في سوريّة؟

ولماذا يا ترى تناسى الأسد الصّغير عشرات الميليشيّات الطّائفيّة المقاتلة الأخرى إلى جانبه من العراق وأفغانستان وباكستان بإشراف إيرانيّ صرف؟ هل الهدف منها تقليص مخزون النّفس الطّائفيّ أم هو تماه مع التّسريبات التي تؤكّد عزم واشنطن خصوصا على تغيير سياساتها تجاه الميليشيّات العراقيّة كالحشد الشّعوبيّ وغيره؟

وهل في كلّ هذا الخضمّ كان التّأكيد على التّشبّث بمحوريّة القضيّة الفلسطينيّة لصرف الأنظار عن الطّبيعة القذرة لهذا النّظام المجرم الطّائفيّ؟ وهل يستوي مثل هذا التّشبّث بفلسطين مع حديث وزير الخارجيّة الأمريكيّ الأسبق جون كيري عن عرض الأسد الصّغير نفسه على المجرم نتانياهو استعداده لاستئناف محادثات السّلام في رسالة أرسلها له مع بدايات الأزمة السّوريّة؟

بل هل لنظام نشأ على التّسليم بمتلازمة " إسرائيل وجدت لتبقى "التي خضع لها حافظ الأسد بعد لقائه مع وزير المستعمرات البريطاني هو حقّا نظام جدير بالحديث عن فلسطين والمقاومة وصدّ المؤامرات؟

ألم يخلق النّاظم السّوريّ لتسهيل تلك المؤامرات؟ ألم يتخندق مع إيران خميني وفق تلك المخطّطات؟
أيّها الأسد الصّغير، هل تناسيت كيف اصطفّ نظام والدك مع إيران ومع الخميني ضدّ العراق عام 80؟ وهل تناسيت حفر الباطن؟
إنّ هتين الحادثتين كفيلتان بإباحة إشادتك بالخامنئي كما أشاد سلفك بسلفه الخميني دون أن تزيّف التّاريخ ودون أن تتمسّك بشمّاعة فلسطين والمقاومة ..





الخميس ٢ ذو الحجــة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أب / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة