شبكة ذي قار
عـاجـل










تلعب الاحزاب والقوى السياسية المتأسلمة وتراهن على صفة و مسار حياء الناس من الله سبحانه ومن حالة الاحجام أو التردد الذي يصل الى الانغماس في الحيرة والارتباك عندما يواجهون بطروحات سياسية مغطاة ومتسترة بمضمون ديني أو مذهبي . وهو المسار نفسه الذي تتمكن فيه هذه القوى من الكسب ( الارغامي الناتج عن التزوير ) والتحشيد الشعبي المؤسس على ( حق يراد به باطل ) . ورغم ان اللعبة السياسية المتسترة بالدين والمذهب قد أضحت مكشوفة وخسرت الكثير من وقعها ونفوذها على جزء مهم من الناس الذين خدعتهم في زمن مضى أو الذين تنبهوا الى كيلها بمكاييل مزدوجة غير ان المتلهفين الى السلطة والسحت الحرام والفساد والجريمة التي تمولها وتقويها السلطة لم يغادروا احراج الناس ومسكهم من نقطة ضعفهم الا وهي الله سبحانه والدين والمذهب لما يحملونه من ايمان وخوف وتقديس للذات الالهية.

لا جدال في ضرورات مقاتلة الإرهاب وقواه وطرده من أية بقعة يحل بها ويدنسها. وداعش بالذات فاق ارهابها وأذاها وظلمها كل من سبقها من تشكيلات الإرهاب. وداعش انتقلت بالارهاب الى مرحلة غير مسبوقة الا وهي اقامة دولة على اراضي الدول التي منحت فرصة السيطرة عليها . دولة لا حدود لها ولا تعترف بالدول ولا تحتاج اعترافا دوليا !!!.

داعش تأسست ونمت وتسلحت وسيطرت وباعت واشترت وتاجرت في العراق وسوريا وكلا البلدين يعيشان ظروفا استثنائية قاهرة. فالعراق محتل وتديره عملية سياسية أنتجها ويحميها الاحتلال المركب في حين تعيش سوريا حربا أهلية طاحنة بدأت كثورة شعبية للتخلص من نظام الاسد ودخلت عليها تدريجيا عناصر ردة وتخريب وأرهاب وأجندات أقليمية ودولية كما هو معروف. ايران تلعب أدوارا ومعها حزب الله وحكومة العراق التي هي حكومة ايرانية خالصة ونظام بشار في كلا البلدين وبالتالي فان أي خرق أمني وأي بروز لتشكيلات غير قانونية تتحمل ايران ومن معها مسؤولية ظهورها وانتشارها.

انطلقت داعش من سجن أبو غريب المعروف حيث بنيت مؤامرة أطرافها المؤسسة لها ,أميركا وايران وحزب الله وبشار الأسد ومنفذها الاول نوري المالكي . تم السماح بهروب عناصر القاعدة المعتقلين في أبو غريب . وفتحت لهم ساحة الموصل حيث انسحب الجيش والشرطة تاركين الاسلحة والاموال وكل ما يعاون على تأسيس ( دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام ) . وتمت مزامنة اطلاق داعش مع تصاعد الثورة الشعبية العراقية التي قررت مسك الارض في الموصل ومدن العراق الثائرة ووصلت حزام بغداد بل قاتلت في مطار بغداد فكان هدف داعش الأول ومن أسسها هو القضاء على المقاومة العراقية وتمهيد الساحة لاستكمال الاحتلال الايراني للعراق تحت سلطة عليا من الولايات المتحدة الامريكية .

واذا ما تركنا ظروف اطلاق الارهاب الداعشي ليعيث تقتيلا وفسادا في مدن العراق باسم طيف من أطياف شعبنا وطيفنا هذا براء منه ومن غلوه وجرائمه وليكون هذا التمثيل المزور غطاء لنمو المزيد من الشروخ المذهبية القاتلة للعراق وطنا وشعبا .. اذا ما تركنا خلف ظهورنا كل هذه التفاصيل الهامة والخطيرة وركزنا على داعش كمنظمة أرهابية والكيفية التي تمت بها محاربتها لتثبيت الخطايا والكوارث واللوثات المشينة التي رافقت تلك الحرب فاننا سنكون ازاء المحطات الاتية :

*أولا: لم تحارب داعش كمنظمة أرهابية بل حوربت من قبل حكومة الاحتلال ومعها ايران وحزب الله الايراني على انها تمثيل مذهبي وتم التحشيد لمحاربتها على أساس مذهبي . ولم تكن محاربتها بمنهج وعقيدة وطنية بل بمنهج وروح وقوى طائفية. ولذلك فان طرد داعش لا يمكن النظر اليه على انه عمل وطني خالص فضلا عن كون كل المحاربين لداعش هم محتلين وعملاء للاحتلال .

*ثانيا: الاعلام الحكومي والمجندين من قبله في قنوات التواصل الاجتماعي والمتعاملين مع داعش مذهبيا وليس كمنظمة ارهابية شكلوا ثقافة تعزز وتتعاطى بالطروحات المذهبية وخاصة في الفرات الاوسط والجنوب . لذلك انطلق الشعر الشعبي والاهازيج ( الهوسات ) تنكل باهل الموصل والمنطقة الغربية وتنتقص منهم وتعيرهم وتتهمهم باطلا بانهم هم من صنع داعش واواها وتسيء لاعراضهم بما يتعارض ويتنافى تماما مع الاخلاق العراقية المدنية والعشائرية والدينية.

*ثالثا: تجنبت المليشيات الايرانية والحكومة واعلامهم الرسمي والمجندين في قنوات التواصل دور نوري المالكي المحوري وايران والكيان الصهيوني ونظام بشار وحزب الله اللبناني وأميركا في صناعة داعش وتحميل شعب المحافظات المنتفضة على العملية السياسية طلبا للحقوق وتصديا للظلم والتعسف والاعتقال والاهمال هذه المسؤولية لتسويغ قتله وتهجيره وتدمير مدنه. هذا النهج كرس النزعة الطائفية وزرع تدريجيا روح البغضاء عند بعض الشعب وخاصة البسطاء الذين صدقوا ان داعش هي عدو طائفي وليس عدو ارهابي فقط بل وجردت داعش من أي مضمون سياسي لكي تطغي سمتها المذهبية البغيضة واستهدافها لمقدسات مذهبية لم تصلها ولم تطالها وبدل عنها هدمت وخربت معالم للمدن الثائرة .

*رابعا: تم تهميش هزيمة الجيش الحكومي والشرطة وترك المحافظات وما فيها من سلاح وأموال لبضعة مئات من الارهابيين وتجنبت كل الاطراف محاكمة رئيس الوزراء المجرم نوري المالكي وقادة الفرق وأمراء الالوية الذين غادروا المدن واحدة بعد الأخرى تاركين وراءهم اطنان من السلاح والمعدات ومليارات الدولارات والدنانير في البنوك . وهذا الاهمال كان مقصودا لتحميل ابناء المحافظات الثائرة المسؤولية عن انتاج الارهاب وتعميق ردود الافعال ضدهم وتسويق جرائم التدمير والنزوح والتهجير .

*خامسا: رغم محاولات منح الحشد السيستاني الشعوبي الصفوي الايراني مسحه عراقية , غير ان المجندين من أبناء المحافظات الثائرة قد تمت التغطية على أدوارهم , هذا ان منحوا اي دور أصلا, وعزلوا عن العمليات العسكرية بالاعم الاغلب ومنحت التشكيلات اليزيدية والمسيحية على رمزيتها البسيطة اهتماما أكبر من تشكيلات أبناء العشائر العربية الرافضة لداعش وخاصة في الموصل .

*سادسا: قرار محاربة داعش ليس عراقيا خالصا بل أممي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية رغم يقيننا ان قدرات العراق لوحده قادرة على دحر داعش لو ان القرار الوطني هو الذي يخطط ويحرك وينفذ.

*سابعا: المدة الزمنية لبقاء داعش في العراق وضعته اميركيا وحددته بالسنوات والاشهر والاسابيع والايام.

*ثامنا: لم تحسب الخطط التي وضعت لقتال الدواعش في المدينة حساب مئات الالاف من المواطنين الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ والرجال الذين حبستهم داعش في بيوتهم كدروع بشرية. وتعامل طيران التحالف الكوني وطيران حكومة الاحتلال وقوتها الصاروخيه والمدفعية وقطعات جيش الدمج والمليشيات الطائفية المجرمة مع السكان على انهم أعداء يموت منهم من يموت في الخطة التي اعتمدت على منهجية احراق الاخضر واليابس . لقد طغت السادية والاجرام وانعدام أي حس انساني ودون أي استحضار لحماية ارواح الناس الأبرياء والذين عانوا من أجرام داعش.

*تاسعا: بشاعة ووحشية قتل الاسرى في ساحة المعركة واظهار روح البغضاء والحقد الطائفي عند حرق الاحياء وتمزيق رقابهم بالسكاكين .

*عاشرا: المشاركة غير المبررة لايران, بدء من قاسم سليماني ومرورا بالسيستاني وتشكيلات الحرس الثوري والقناصين القتلة المجرمين .

ولعل الممارسات الطائفية المعبر عنها عند القيام بذبح وحرق الاسرى في ساحات المعركة وهم كلهم مدنيين باستخدام لغة طائفية بذيئة موجه لعامة أبناء المحافظة وأهازيج ( هوسات تسبقها مقاطع شعرية ) تطعن بالاعراض وتعير الرجال بالجبن والتخاذل وتستحضر مفردات دونية وسخه وبلهجة عامية ومحلية حاقدة هي اللوثة والخطيئة التي سيسجلها تاريخ داعش ومن أنتجها ليحاربها فالشعب العراقي لا زال يحتفظ ويردد هوسات وأهازيج والشعر الشعبي لثورة العشرين مع فارق المقارنة وعدم جواز المفاضله ونحن نذكر فقط بخطورة هذه الممارسات والمنتجات في الموروث والثقافة العراقية الشعبية .

( من مقالات مجلة صدى نبض العروبة في عددها 26 في 12 تموز – جويلية 2017 )
 





الخميس ٣ ذو القعــدة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / تمــوز / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة