شبكة ذي قار
عـاجـل










جمعت ثورات تموز في مصر والعراق أبعاد أعمق من صدفة تاريخية، فهي أبعاد تلتقي فيها عوامل الثورة القومية ضد ما خططت له القوى المعادية للأمة العربية من مشاريع تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها، وإبقائها في حالة الجهل والتخلف.

ولكي نتأكد من أن عامل المؤامرة ضد القومية العربية هي فعل دائم رافق التاريخ الحديث للأمة، علينا أن نضع نصب أعيننا القرار الأم الذي نصت عليه مقررات مؤتمر كامبل بانرمان، الذي حدد استراتيجية الاستعمار والصهيونية تجاه الجزء العربي في الإمبراطورية العثمانية.

لقد نصَّت مقررات مؤتمر بانرمان ( 1905 – 1907 ) ، الذي استبق إسقاط الإمبراطورية العثمانية، على: إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة. ومحاربة أي توجه وحدوي فيها. ومن إعادة قراءة المشروع – المؤامرة الأم، واعتباره ساري المفعول في كل زمان ومكان من الوطن العربي الكبير، طالما لم يصل إلى أهدافه كاملة.

إن تلاوة تلك المقررات والوقوف في وجهها، واجب قومي عند كل المؤمنين بوحدة الأمة وتقدمها، ومنها نتأكد كم كانت كل دعوة إلى القومية والوحدة العربية خطاً أحمر يعتبره الاستعمار والصهيونية تحدِّ واضح لأهدافهما، ومنها نتأكد أيضاً كم كانت دعوة البعث والناصرية تمثِّل ذلك التحدي. ونتأكد أيضاً كم كانت مشاريع الاستعمار والصهيونية مستعجلة في القضاء على الدعوتين معاً. وفيها ما يفسِّر استعجالهما في توقيت حرب حزيران من العام 1967. والتي يأتي على رأسها إجهاض أهداف حركة التحرر العربية التي كان البعث والناصرية يحملان لواءها بشكل رئيسي.

ولما لم تؤد حرب حزيران نتائجها المرسومة في إسقاط شعار الوحدة العربية، إذ ظلت الناصرية عاملاً دافعاً في رفع شعار التحرير والوحدة، وانطلاقة الثورة الشعبية الفلسطينية، وتفجير ثورة السابع عشر – الثلاثين من تموز من العام 1968 في العراق، نتائج بارزة في تحدي أهداف الحرب ضد القومية العربية.

نتيجة كل ذلك تواصلت المؤامرة فصولاً ومراحل. وكان الهدف إعادة تجديد حركة الاستعمار والصهيونية في إسقاط ما يستطيعون إسقاطه من الأنظمة والحركات القومية. وما جرُّ مصر في عهد أنور السادات إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد سوى الخطوة الأولى. التي تلتها خطوة احتواء المقاومة الفلسطينية وجرِّها إلى توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993، ولم يبق سوى الحلقة العراقية التي استعصت على الحل أكثر من عشر سنوات لم تف المؤامرة بالغرض إلاَّ بإسقاط النظام الوطني في العام 2003.

لقد استخدم التحالف الاستعماري – الصهيوني كل وسائل اجتثاث الفكر القومي، ولم يفته استغلال حركات الإسلام السياسي، لأنه حسب أن عقيدة تلك الحركات هي المضاد الداخلي في معركة المواجهة مع الحركات القومية، خاصة أنها رفعت شعار ( ما وُجدت القومية إلاَّ لمحاربة الإسلام ) . ولهذا السبب احتضن حركة الإخوان المسلمين في أكثر من قطر عربي، ووثَّق العلاقة مع النظام الإيراني، واستخدمهما كحصان طروادة في حصار الحركات القومية. وما فصول إشهار العداء المنتشرة في هذه المرحلة ضد الدعوة القومية، والعمل على بناء دول دينية، سوى الخبر اليقين الذي يؤكد ما نصَّت عليه مشاريع تفتيت وتجهيل العرب، منذ مؤتمر بانرمان وصولاً إلى مشروع حدود الدم الذي يطبع الآن، ومنذ ست سنوات خلت، بجرائمه الهمجية الحجر والشجر والبشر في أكثر من قطر عربي.

في عتمة هذا الليل العربي الطويل، وفي مناسبة ذكرى انطلاقة ثورتي تموز في مصر والعراق، تبقى الثورتان بأهدافهما القومية مشعلاً يضيء آخر النفق العربي المسدود. وتقع مسؤولية إدامة هذا الأمل على عاتق البعث والناصرية وكل الحركات الأخرى التي تؤمن بأن الحل يبقى معقوداً على نواصي خيل العروبة. وليعرف القاصي والداني ممن أعلنوا الحرب ضد العروبة واعتبروها في حكم الميتة أنها لن تموت طالما ظلَّ هناك من يهتدي بأهداف الوحدة والحرية والاشتراكية.

فيا أبطال البعث الذين ألحقوا الهزيمة بالولايات المتحدة الأميركية في العراق، ويا أبطال الحركة الناصرية الذين ما زالوا يحتضنون الفكر القومي بحدقات العيون، هذه مرحلتكم في توحيد الصفوف، وتوحيد الصوت، وتوحيد السواعد، من أجل إعلاء راية القومية العربية التي تحتها وحدها نخوض معركة المواجهة ضد كل أعدائها وكارهيها والذين يمنُّون النفس بموتها صباحاً ومساء.
 





الاثنين ٣٠ شــوال ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / تمــوز / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي - المحرر السياسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة