شبكة ذي قار
عـاجـل










ما أسعد "إسرائيل" بأعداء مثلنا،
تُرى، أما زلنا نكره إسرائيل بأكثر مما يكره بعضنا بعضاً
( الأديبة غادة السمان / جريدة القدس العربي 10 / 6 / 2017 )

بداية، واستباقاً لأي استنتاج لما سيؤول إليه من خلاصة لهذا المقال،
لا بد من التأكيد وبما لا يمكن أن يتطلب أية شكوك في ذلك،
إن المتضرر الأكبر، وربما الوحيد، من تأزيم العلاقات الأخوية بين بعض اللبنانيين من جهة، والنازحين السوريين إلى لبنان من جهة أخرى،
هو التيار القومي العربي الممثل للعروبة بكل أطيافها الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية ومصالحها المشتركة،

بالقدر الذي هو متضرر به، الفكر القومي العربي ومختلف المكونات السياسية اللبنانية التي تعتنق هذا الفكر وتجهد في سبيل نشره، وانتشاره بالتالي لدى أوسع شرائح المجتمع اللبناني.
أما المسؤول الأول والأخير فهي الدولة اللبنانية بحكوماتها الأخيرة المتعاقبة المترددة والمقصرة والمتسببة بكل ما آلت إليه أوضاع النازحين من تردٍ وفوضى وانتشار غير منظم على كل الأراضي اللبنانية.

وما يجري اليوم من إضاءات إعلامية، ساطعة المجهر، على بعض الحالات الشاذة لتواجد النازحين السوريين في لبنان،

إنما يشكل ابشع إساءة للعروبة وفكرها ماضياً وحاضراً وسيفاقم من هذه الإساءة مستقبلاً بدون أي شك، حيث ان الغالبية من هذه الإضاءات، ببعدها عن تناول الأزمة من جذورها الحقيقية، سياسياً على الأقل، تضع نفسها في موقع السلبية و"البروباغندا" الإعلامية غير البريئة وتطغى عليها بصمات التوجيهات المسبقة وزرع الأسافين بين اللبنانيين والسوريين بافتعال جراح معنوية ومادية ليس من السهولة تضميدها مستقبلاً أن لم يبادر العقلاء وأصحاب الرأي الحصيف في هذا البلد، والاقتصاديون الكبار ورجال المال والأعمال بالتحديد، وعلى رأس كل هؤلاء الدولة اللبنانية مجتمعة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية، إلى تصحيح الصورة المسخ المشوهة التي يقذف بها الإعلام المستهتر يومياً على اللبنانيين، والكل يعلم أن لبنان، ومع أولى بدايات النهاية للأزمة السورية الداخلية، هو المؤهل الأول عربياً ودولياً لتولي مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، وطرابلس بالتحديد وميناءها، هي الأكثر أهلية لذلك، وما إنشاء المنطقة الاقتصادية الجديدة فيها، سوى أكبر دليل على عِظَم هذه الأهمية ومقدار جدواها الاقتصادية على لبنان بشكل عام.

ولأننا لسنا في هذه العجالة، في معرض التأكيد على الروابط القومية والإنسانية التي تجمع أبناء الوطن العربي الواحد من المحيط إلى الخليج،
فكيف، إذن، بالوشائح التي تتحكم بماضي وحاضر وتاريخ آلاف العائلات اللبنانية والسورية التي تجمعها رابطة الدم وهم أبناء عمومة فرقت بينهم خرائط سايكس-بيكو اللعينة التي وضعت حدوداً فيما بينهم ومزقتهم جنسيات مستحدثة بغية القضاء على كل انتماء للوطن العربي الأم، وتعاملت مع الأشقاء أبناء الجد الواحد، بحسب المنطقة الجغرافية التي يسكنون فيها، فصار ابن مدينة حمص على سبيل المثال، سوري الجنسية، وأخيه ابن طرابلس لبنانياً، وهكذا فإنه لم يكن من المستغرب، وحتى قبل الأزمة السورية الداخلية لسنوات، أن يدخل إلى لبنان ويخرج منه ويقيم فيه ما لا يقل عن المليون سوري والعكس بالعكس، وهذا الواقع لا ينطبق على السوريين واللبنانيين فقط وإنما يمتد إلى الأردن وفلسطين أيضاً بتطابق الأوضاع المماثلة وتشابهها حيث أن عائلات كبرى بمجملها تتوزع على الأقطار الأربعة (سوريا، لبنان، الأردن، وفلسطين) ولم تزل أواصر القربى فيما بينها لم تنقطع إلى يومنا هذا.
ولأن ذرف الدموع الحزينة على عزيز قوم ذُلَّ، لا تكفي لوحدها على إبداء أي تضامن مع النازح السوري إلى لبنان، حيث أنه وبالقدر الذي يشعر به هذا النازح من مرارة وأسىً لواقعه المزري التعيس، بالقدر الذي لا يضاهيه سوى ما ينتاب اللبناني من تعاسة على ما لحق بقضية النازحين السوريين على أراضيه من تجاهل رسمي متعمد بإيجاد الحلول الجذرية لمعاناة هؤلاء فتركت مآسيهم تُرمى بكل أثقالها على اللبنانيين البسطاء بينما الدولة كانت غارقة في خلافاتها السياسية وانقساماتها الحادة فتركت للحالات الإنسانية الغرائزية التي تفتك بالحياة اليومية للبعض، أن تطلق من عقالها كل ما يثير الشحن والبغضاء، كل ذلك أمام مرأى ومسمع الحكومات المتعاقبة ومزايداتها، فلا هي نظمت هذا النزوح ولا هي ضبطت الحالات التي تتطلب فيها التمييز بين من تنطبق عليه صفة النازح ومن استغل الظروف للتكسب من وراء ذلك، بينما اللبناني الغارق في همومه الذاتية المزمنة يرى بأم العين كيف يتساوى المستحق وغير المستحق من هؤلاء، فضلاً عن اختلاق أزمات أشد وطأة تسببت بها أعداد النازحين لبعض البلدات والقرى اللبنانية حيث فاقت عشرات أضعاف السكان اللبنانيين المقيمين وعجز البلديات عن تدارك الاستمرار في توفير الخدمات والبنى التحتية للجميع، وبالتالي لم يكن لأصوات الاعتراض الداخلي إلا أن تتنامى وتتفاقم في ظل العجز الفادح في معالجة لبنان الرسمية لهذه القضية مع المجتمع الدولي وشلل وزراتي العمل والشؤون الاجتماعية، أمامها، إن لناحية تنظيم العمل لمن هم من غير الحاملين للجنسية اللبنانية، أو لارتباك الإدارة الرسمية اللبنانية أمام تشكيل إحصاءات دقيقة للنازحين وتنظم أماكن وجودهم وضبطها والحد من مختلف الأشكال السلبية والشاذة الناجمة عنها .

إنه، ومع التأكيد على أن أية مقاربات علاجية للنزوح السوري إلى لبنان، اجتماعياً واقتصادياً على الأقل،
يجب أن لا تكون على حساب اللبنانيين ومعيشتهم وأمنهم الاجتماعي والاقتصادي،
ففي نفس الوقت، فإن شتى أشكال التحريض على وجود النازحين السوريين في لبنان وبهذه العنصرية المقيتة، لهي أمور مرفوضة ومدانة حتماً كما هو مدان معها كل ما يزرع الشحن والبغضاء بين أبناء الأمة الواحدة.

فهل تبادر السلطات اللبنانية المعنية إلى تدارك كل ما هو ناجم عن سلبيات هذا النزوح قبل فوات الأوان، أم تترك الأمور على غاربها فتنحو إلى المزيد من التآزم والشقاق فيصح فينا وعلينا وحوالينا التساؤل مجدداً ومن حيث بدأنا: "ترى، أما زلنا نكره "إسرائيل" بأكثر مما يكره بعصنا بعضاً.





الثلاثاء ١٨ رمضــان ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / حـزيران / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة