شبكة ذي قار
عـاجـل










قيام الكيان الصهيوني في الخامس عشر من أيار لسبعين سنة خلت، نقل المواجهة بين أمتنا وأعدائها إلى مستوى جديد، وقد تجسد هذا الكيان على الأرض بفعل إسناد كل قوى الاستعمار ودعمها التي أضفت شرعية دولية عليه، لأنها أرادته قاعدة متقدمة تدافع عن أهدافها ومصالحها في السيطرة على أرض العرب وثرواتهم، واستهداف عمقهم الحضاري ودورهم الرسالي ومشروعهم النهضوي، فكان ترجمة أمينة لسايكس بيكو ولوعد بلفور، كما تمثلت نتائجه الأولية في اقتلاع الشعب العربي الفلسطيني من أرضه إلى مخيمات اللجوء والتشرد وتحويل البقية الباقية إلى أقلية ما تزال تعاني العدوان والعنصرية والحقد.

لقد كشفت النكبة الفلسطينية الكبرى الوضع العربي على حقيقته، إذ فضحت وهم الاستقلال السياسي، وتواطؤ الأنظمة وعجز الجيوش، واستفاقت الجماهير العربية على هول الصدمة، واندفعت باتجاه التغيير والتحرير، خاصة أن الحركة الشعبية العربية وأحزابها أدركت معنى النكبة ودلالات الحدث لا سيما حزب البعث العربي الاشتراكي فاحتلت فلسطين موقع الصدارة كقضية مركزية في النضال العربي، وربط بين تحرير فلسطين وأهداف الأمة التاريخية الكبرى، وشدد على العلاقة بين الوحدة والتحرير وأن الكفاح الشعبي المسلح وحده الذي يحول إمكانات الأمة إلى قدرات فيحقق التحرير والوحدة، إلا أن الحركة الشعبية العربية بسبب من حداثة تجربتها وضعف بنيانها الشعبي لجأت في إحداث التغيير المطلوب عبر امتداداتها في الجيش لتكتشف بعد حين أنها محكومة لا حاكمة، وكان هذا التغيير في خواتمه كارثي النتائج من قبل أنظمة التوريث والتأبيد التي سقطت في الامتحان على كل المستويات وتحللت من أعباء المواجهة ومستلزماتها، وانخرطت في عملية تصفية القضية الفلسطينية، خاصة بعد حرب حزيران عام 1967 ونتائج حرب تشرين عام 1973، وجاء مسار ما سمي بالتسوية السياسية.. ليسقط البراقع عن الوجوه والمواقف، ودخل النظام العربي مرحلة التراجع ثم الانحدار وصولاً إلى الانهيار.

لقد شهد الوطن العربي في هذا العدوان غير المسبوق والصراع الوجودي بين الأمة وأعدائها كل أشكال المواجهات، وأثبتت تطورات الأحداث ومجريات الأمور أن كل الأحداث والحروب والتوترات على أرض فلسطين وتخومها، وكذلك في قلب الوطن العربي وعلى تخومه أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعركة تحرير فلسطين، وأن الاستعمار وقاعدته المتقدمة في فلسطين يسعيان بكل السبل والوسائل ليصبح هذا الجسد الغريب جزءاً من نسيج المنطقة يمتلك القوة والسيادة والقيادة عبر خرائط جديدة ترسم بالدم كيانات مصطنعة وهويات مفتعلة على حساب الهوية القومية الجامعة، ومن خلال سياسة السيطرة الاستعمارية – الصهيونية على الوطن العربي سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.

وعلى الرغم من حجم هجوم قوى العدوان وضخامته وما حققه هذا الهجوم استناداً إلى نتائج اللحظة الراهنة، فإن النتائج الاستراتيجية محسومة لصالح الأمة وحقوقها التاريخية وأهدافها الكبرى، فظلامية الصورة ومأساوية الأوضاع الراهنة لا تغيب ما تحققه أمتنا من نجاحات، فإذا كانت الأمة قد استطاعت في مرحلة، من مراحل الصراع الرد على العدوان من خلال انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في الأول من كانون الثاني عام 1965 وقيام ثورة 17-30 تموز المجيدة عام 1968 في العراق، بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، فإن هذين الحدثين أعادا في حينه للنضال حيويته وحرارته، وأعادا للجماهير العربية ثقتها بنفسها وقدراتها، وهي تستعيد زمام المبادرة من خلال تكامل الوطني الفلسطيني والقومي العربي وتلازمهما على قاعدة التمسك بالثابت القومي الذي يؤكد على أن فلسطين هي ملك الشعب العربي الفلسطيني وملك الأمة، وملك الأجيال السابقة والحالية واللاحقة فلا يجوز ولا يحق لأحد التنازل عنها أو التفريط بذرة من ترابها، كما أنها متلازمة ومترابطة عضوياً بالأهداف التاريخية الكبرى للأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية، وقد تعزز هذا النهج وحفر عميقاً في العقل والوجدان العربيين عندما وحد عراق البعث خندق الجهاد من بغداد إلى القدس، وأكد قائد ثورة العراق ومسيرته القائد صدام حسين أن "فلسطين في قلوبنا وفي عيوننا إذا ما استدرنا إلى أي من الجهات الأربع"، وكذلك وهو يشدد على التمسك بفلسطين عربية من النهر إلى البحر وهو ينطق بالشهادتين.

إن ما حققته أمتنا عبر قواها الطليعية والحية دفع قوى الاستعمار إلى تشديد هجومها على الحالات المتقدمة في الوطن العربي لإسقاط مواقع النهوض والمقاومة عبر إدخال الثورة الفلسطينية أو بعضاً منها في منزلق

"التسوية" بعد أن تعذر عبر الحروب والمجازر تصفيتها، وتشديد الهجوم على ثورة البعث في العراق التي تجاوزت كل الخطوط الحمر وعلى كل المستويات، فكان أولاً التمرد الكردي وسيلة ثم العدوان الإيراني وسيلة ثانياً، وتوج بالعدوان الأميركي الأطلسي والحصار وصولاً إلى غزو العراق واحتلاله عام 2003.

وكما في كل مرة، لم تنطبق حسابات الحقل على حسابات البيدر فلم تكن أبداً النتائج بحجم الحسابات والتوقعات، واصطدمت قوى العدوان بسد من المقاومة غير المسبوقة فالشعب العربي الفلسطيني ومعه كل الجماهير العربية والذي يخوض مواجهة دامية ويقدم التضحيات الجسام منذ أكثر من قرن ونيف واصل حربه ضد الاحتلال من خلال انتفاضاته المتتالية (انتفاضة الحجارة) (انتفاضة الأقصى) وحالياً انتفاضة السكاكين، بقدرة إبداعية خلاقة تعبر عن نفسها هذه الأيام بإضراب الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال في معركة الأمعاء الخاوية، والتي تمثل أنموذجاً حياً وحلقة مفصلية في طريق تحقيق الهدف الأكبر متمثلاً بالثابت الستراتيجي، وهو تحرير فلسطين كل فلسطين، وفي الجانب الآخر استطاعت المقاومة الوطنية العراقية بقيادة شيخ المجاهدين المناضل عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي أن تلحق الهزيمة بالولايات المتحدة الأميركية وتجبر جيشها على الانسحاب مهزوماً من أرض العراق، وتنتزع أوهام النصر من أيدي الأميركيين الذين ظنوا في لحظة ما أن مفاتيح المنطقة أصبحت بين أيديهم، هذه المقاومة البطلة التي تواصل كل أشكال المواجهات مع النظام الإيراني وأدواته وعملائه بعد أن أوكلت الولايات المتحدة إلى كل هؤلاء مهمة تدمير العراق ونسيجه الوطني والاجتماعي، وهي بلا شك أي المقاومة ستهزم إيران وتقتلع إلى الأبد سياسة الإبادة وقوانين الحظر والاجتثاث وبدع الملالي وأوهامهم.

في الخامس عشر من أيار، لا بد من الإشارة إلى أن قوى العدوان العالمي على اختلاف مشاربها رأت في حالة التراجع والضعف العربيين فرصتها لتنفيذ مخططاتها الخبيثة وأهدافها العدوانية، في تجزئة المجزأ، وتفتيت المفتت، عبر تغذية نار الحروب الأهلية والفتن الداخلية في محاولة مفضوحة لإعادة رسم خرائط الكيانات القائمة على أسس أثنية ومذهبية وعرقية، بدليل ما يجري في أكثر من قطر عربي لا سيما سوريا وليبيا واليمن... مما يتطلب فعلاً عربياً على كل المستويات لإغلاق باب الفتن والحروب عبر مواجهة كل قوى التكفير والإرهاب بكل أطرافها ومسمياتها داعشاً أو حشداً شعبياً من خلال التصدي لكل أشكال التدخل الأجنبي الإقليمي والدولي، وإنجاز حلول سياسة تؤمن انتقالاً سلمياً وديمقراطياً للسلطة بمشاركة أوسع فئات الشعب، وتعزيز الثقافة الوطنية وروح المواطنة بديلاً لما طفى على السطح من زيف لا يعبر عن روح الأمة ولا يستجيب لتطلعات الجماهير وأهدافها.

وفي الخامس عشر من أيار، ذكرى النكبة الفلسطينية ندعو الفصائل والقوى الوطنية والقومية والإسلامية الفلسطينية إلى :
- تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني في الداخل والخارج من خلال العمل الجاد والسريع والحاسم لإنهاء حالة الانقسام الحاصلة وابتعاد الجميع لا سيما الفصيلين الأساس (فتح، حماس) عن عقلية الفئوية والمحاصصة، إذ سقطت كل المبررات وانكشفت كل الذرائع، ولم يعد جائزاً استمرار هذا الانقسام الذي الحق ضرراً لا يمكن وصفه بالقضية الفلسطينية على كل المستويات وفي شتى المجالات.

- مراجعة شاملة ونقدية للسياسات الراهنة من قبل كل الأطراف والاتفاق عل برنامج وطني فلسطيني شامل يضع النقاط الأساسية لبرنامج مرحلي على قاعدة التمسك بالثابت الاستراتيجي عبر تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بعد إعادة هيكلتها والذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية.
- التصدي لسياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي والقيام بأوسع تحرك على المستويات الوطنية والقومية والدولية لفضح هذه السياسة والضغط لوقفها.

-تأمين مستلزمات الصمود الجدي للشعب العربي الفلسطيني لتمكينه من مواصلة كل أشكال نضاله ضد الاحتلال وفي مقدمة ذلك المقاومة كحق شرعي لا يجوز النيل منه أو التطاول عليه.

- دعم صمود الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الذين يرفعون شعار تحسين أوضاع اعتقالهم، ورفع سقف ذلك بالمطالبة بتحريرهم ومعاملتهم كأسرى حرب.

أما على الصعيد القومي :
- تعزيز المقاومة وثقافتها وروحها على مستوى الوطن العربي عبر تقديم كل أشكال الدعم والإسناد للمقاومة في العراق والمقاومة في فلسطين وهما يقاتلان نيابة عن الأمة على قاعدة الإدراك الواعي أن فلسطين كانت وستبقى قضية العرب المركزية، وأن قضية تحرير العراق تحتل أهمية مركزية في هذا الظرف الخطير ليعود العراق عربياً ديمقراطياً موحداً وكما كان في الموقع الأول للدفاع عن أمته خاصة وأن المقاومة الوطنية العراقية تواجه مخططاً يستهدف تغيير شكل العراق سياسياً واجتماعياً وديمغرافياً وأن الخطر الإيراني لا يقل عن مثيله في فلسطين، وأن هذه المقاومة التي تقاتل بلحم ثوارها تقاتل ليس من أجل العراق فحسب، بل نيابة عن الأمة كلها.

- الضغط على النظام العربي بكل السبل والوسائل لتقديم كل أشكال الدعم للمقاومة في العراق وفلسطين كخندق واحد ومتقدم للأمة ضد أعدائها.
- قيام الجبهة الوطنية في كل قطر من الأقطار وفتح أوسع حوار بين كل الشخصيات والأحزاب والقوى الوطنية والقومية على مستوى الوطن العربي لقيام جبهة قومية واسعة وفق برنامج يستعيد زمام المبادرة ويؤمن مستلزمات المواجهة المطلوبة.

في الخامس عشر من أيار ذكرى النكبة الفلسطينية الكبرى، على كل الوطنيين والقوميين الارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية في مواجهة الأخطار التي تتعرض لها أمتنا وصدارة ذلك أن تكون قضية فلسطين كما قضية العراق مرادفتين لكل أشكال النضال من رغيف الخبز وحبة الدواء والكتاب المدرسي في تلازم لا لبس فيه بين الوطني والقومي، بين الأوضاع القومية والأزمات الداخلية في كل قطر، من منطلق الفهم الواعي والعلمي والصحيح أن كل قضايا العرب وهمومهم متلازمة ومتداخلة، وأن الأولوية هي للمقاومة والتحرير كبوابة خلاص مما نعانيه ونتعرض له، وبذلك نخرج من دوامة الراهن إلى فضاءات المستقبل المشرق، فالمقاومة في العراق وفلسطين قناديل فجرنا المقاوم.





الجمعة ١٤ رمضــان ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / حـزيران / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة