شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

- برنامج المساعدات الخارجية الأمريكي الجديد .. ماذا يعني؟ :

- ثلاثي : أمريكا - الأتحاد الأوربي ( الناتو ) - روسيا .. مساحة للتحليل :

- إستعراض العضلات في السياسة وإختبار للقوة .. الأهداف والأحتمالات :

1- برنامج المساعدات الخارجية الأمريكي .. ومؤشرات خارطة السياسة :

الأدارات الأمريكية المتعاقبة، ومنذ ما بعد مشروع ( مارشال ) والنقطة الربعة حيال أوربا، إعتادت على أن تضع برنامجًا سنويًا للمساعدات الخارجية ( إقتصادية ومالية وعسكرية وأمنية ) توزع على الدول التي لها موقع جيو- سياسي متميز يخدم الأهداف السياسية والأستراتيجية والأمنية والأقتصادية الأمريكية .. كما ويشتمل هذا البرنامج تدعيم الحكومات الموالية، فضلاً عن توظيف بعض الأرصدة لدعم المعارضة من أجل إسقاط الحكومات التي لا تستجيب للسياسات الأمريكية، والتمويل من أجل خلق توازنات قوى على ألأرض كلما دعت الحاجة إلى ذلك .. فقد خصصت امريكا في برنامج مساعداتها الخارجية سابقًا لـ ( إسرائيل ) 3.2 مليار دولار سنويا، ولمصر ( 1.3 ) مليار دولار سنويا .. وتأتي هذه المساعدات في شكل مساعدات عسكرية ولوجستية ، رغم أنها غير متوازنة إلا أنها تضع الكيان الصهيوني ومصر في دائرة التعامل السياسي والأمني والأستراتيجي الأمريكي، فضلاً عن فرض حالة من التوازن غير المنطقية، بأن تجعل كفة القوة الأسرائيلية تتفوق ليس على مصر فحسب، وإنما على القوة العربية مجتمعة ، ومع ذلك فأن إحكام القبضة السياسية والأستراتيجية بين ( إسرائيل ) ومصر يُعَدُ الهدف المركزي بغض النظر عن الأدارة التي تحل في البيت الأبيض سواء كانت من الجمهوريين أو الديمقراطيين .. فيما يأخذ برنامج المساعدات الخارجية الأمريكي مداه على مستوى الشرق الأوسط وأسيا وأفريقيا وأمريكا اللآتينية، وحسب الأهداف السياسية والأستراتيجية الخارجية وتقييمها . ولم يقتصر برنامج المساعدات الخارجية على أمريكا إنما كان للأتحاد السوفياتي برنامج مساعدات خارجية مماثل يدعم من خلاله الحكومات والأحزاب والحركات المسلحة والمنظمات المدنية المعارضة .

هذه المقدمة ضرورية لتقصي حركة السياسة الخارجية الأمريكية واهتماماتها وثقل حركتها صوب أهدافها، فضلاً عن معرفة طبيعة الصراع والتنافس الكائن بين الدول الكبرى والعظمى والأقليمية .. وإذا كان التنافس قائمًا بين برنامجي المساعدات الخارجية الأمريكية والسوفياتية تحت سماء الحرب الباردة، فأن روسيا الأتحادية لا تملك برنامجًا للمساعدات كما كان عليه سابقًا، فيما استمرت أمريكا ببرنامجها متعدد الأوجه إذ ساعد تدخلاتها العسكرية والأستخباراتية في أفغانستان والعراق على وجه التحديد وفي دول أخرى في ضوء متطلبات سياساتها التدخلية .. الآن، تفكر إدارة ( ترمب ) في تقليص أرصدتها بصورة تعكس طبيعة التوجهات السياسية الخارجية الأمريكية للمرحلة المقبلة، وخاصة بعد ( المؤتمر الأمريكي العربي الأسلامي ) في الرياض، إذ يمكن تحليل مضمين وعناصر البرنامج على وفق النسب والأرقام الظاهرة في البرنامج لعام 2018 :

- خفض الأنفاق على وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بنسبة 28% ، يصاحب ذلك زيادة في تخصيصات البرامج العسكرية .

- تخفض المساعدات الخارجية الأمريكية لمنطقة ( الشرق الأوسط ) وشمال أفريقيا بنسبة تصل إلى 80% ، أي ما مقداره ( 850 ) مليون دولار على وفق مشروع يسمى ( الديمقراطية في الشرق الأوسط ) .

- الأبقاء على المساعدات الأمريكية المخصصة لـ ( إسرائيل ) محددة بـ ( 3.1 ) مليار دولار سنويا، فيما تحددت المساعدات لكل من الضفة وغزة بـ ( 168 ) مليون دولار سنويًا .

- زيادة في المساعدات الأمريكية، شملت كل من ( سوريا والعراق وليبيا ) ، لأرتباط هذه المساعدات بأهداف الأمن القومي الأمريكي، حسب ( الأندبندنت ) ، فيما تتمتع ( إسرائيل ) خارج برنامج المساعدات الأمريكية بما يسمى بالهبات الأمريكية، التي تصل بصفة مساعدات عسكرية دفاعية وأسلحة وذخائر .. إلخ

- تخفض المساعدات المقدمة للأردن بنسبة 21.7% .

- وتخفض المساعدات المقدمة للبنان بنسبة 22.7% .

- وتخفض المساعدات المقدمة لليمن بنسبة 16.8%

- وتخفض المساعدات الأمنية المقدمة للمغرب بنسبة 65% والأقتصادية بنسبة الثلث .

- وتخفض المساعدات الأمنية المقدمة للبحرين بنسبة 86% .

- وتخفض المساعدات الأقتصادية لمصر بنسبة 47.4% لتصل إلى ( 75 ) مليون دولار سنويًا بدلاً من ( 142.7 ) مليون دولار.

- تخفض ارصدة برامج المساعدات الصحية لجميع دول العالم بنسبة 25% ويشمل ذلك مؤسسات الأمن الغذائي وبرامج قضايا المرأة ومبادرات تغيير المناخ.

- يتم تخصيص مدخرات إلى الميزانية الجديدة للمساعدات المالية والعسكرية بقيمة ( 200 ) مليون دولار لتوفير ما يسمى بالمرونة لوزارة الخارجية من أجل تعزيز الأمن حيث ما تراه مناسبًا، بدلاً من ربط الميزانية بالقروض والمنح لبعض البلدان المعينة .. وقد حددت الأدارة الأمريكية الأهداف جراء التخصيصات الجديدة ببرامج المساعدات الخارجية في أن تكون الدبلوماسية الأمريكية وبرنامج المساعدات الخارجية أكثر كفاءة لتعزيز الأمن القومي والمصالح والقيم الأمريكية.

ماذا نستشف من جملة هذه الأرقام التي حددها برنامج المساعدات الخارجية الأمريكي كإطار عمل يتساوق مع حركة السياسة والدبلوماسية الأمريكية؟ :

أولاً- إن تخفيض نسب التخصيصات يأخذ شكل إعادة النظر كخطوة أولى في رسم السياسة الخارجية الأمريكية، والملفت الأقتصاد في إنفاق المساعدات من جهة وزيادة الأنفاق في التحديث العسكري من جهة أخرى، يتماشى مع المبدأ العام الذي جاءت به الأدارة الجديدة وهو ( مبدأ الصفقة ) ، الذي يعني ( أخدمك مقابل خدمات .. أقف معك مقابل ذلك .. ولكن لن أحارب معك أو من أجلك ) .

ثانيًا- إن تقليص المساعدات لا يعني تغيير الأولويات، فـ ( إسرائيل ) تظل هي الألتزام الأول للأدارة الأمريكية، ولكن مع ذلك فأن الأدارة تريد أن تسجل لنفسها مواقف تاريخية بأنها استطاعت أن تحل أو تزعزع ما تراكم على الملفات العالقة من غبار وأن تضفي شيئًا من الواقعية السياسية، التي هي في حقيقتها الرضوخ للأمر الواقع ( إسرائيل ومنذ ( 69 ) عامًا ولحد الآن وحتى المستقبل، لم تتمكن على الرغم من جرائم القتل والتهجير من كسر الأرادة الوطنية للشعب الفلسطيني ) ، إذن لا بد من حل تراه أمريكا ( واقعيًا ) .. أما باقي القوى في المنطقة كـ ( مصر ) وثقلها فأن أمريكا قد أبقتها دون إهتماماتها بعد أن روضتها وكبلتها بإتفاقيات وشاغلتها بموجات الأرهاب ووضعتها أمام خيار أوضاعها كما هي أو الطحن الداخلي كما يحصل في العراق وليبيا وسوريا واليمن، وأرعمتها على تشتيت إنتباهها وتركيزها الوطني والقومي .. وما على الدول العربية الأخرى إلا أن ( تدبر ) حالها.!!

ثالثًا- إن التوجه العام الأمريكي في هذا المجرى يؤكد أن ( التحالفات السياسية ) يتوجب أن تكون مقرونة بـ ( صفقات إقتصادية ) .. وعملية الفرز تتم على أساس توزيع الدول من حيث ثقلها المالي وثقلها الجيو- إقتصادي وثقلها التعاوني الأستخباراتي .. ويتوزع هذا التوجه الـ ( Geo-Economy ) ، حسب ما قلناه سابقًا، على مستوى الأستقطاب القاري، ( الصين ) تقع في العمق الأسيوي، و ( السعودية ) في قلب منطقة الشرق الأوسط .. أما الأتحاد الأوربي و ( الناتو ) فهما يشكلان مرتكزًا إستراتيجيًا أمريكيًا من الصعب الأستغناء عنه لأعتبارات الصراع الدولي، ولكن ضمن رؤية تقوم على ما يسمى تصحيح الهيكلية الدفاعية وتحديثها، تحت خيمة التهديد بسحب مظلة الحماية النووية.

رابعًا- وإن الأهتمامات الأمريكية تنصب، ليس على مصالح القوى بقدر إهتماماتها بمصالحها الأقتصادية والعسكرية والأستخباراتية .. وإنها تؤشر في إنفاقاتها على خارطة الحركة الميدانية العسكرية، منها على وجه التحديد ( أمريكا ستضرب العمق الأيراني إذا جازفت مليشيات الأرهاب الأيرانية الأقتراب من ( التنف ) أو أي تشكيل جديد تلتقي فيه قوات نظام دمشق بالحشد الشعوبي الأرهابي الأيراني ) .. لأن ليس من مصلحة واشنطن أن تخط إيران لنفسها ممرًا إستراتيجيًا فارسيًا عبر العراق حتى البحر المتوسط لتغذية إرهاب ( حزب الله ) في الجنوب اللبناني، بطريقة التغول وتكريس النفوذ وفرض سياسة الأمر الواقع المليشياوية الشعوبية المسلحة.

خامسًا- من الصعب الأعتقاد بأن أمريكا ستتكفل الأنفاق على ما حصل من تدمير- هي سببه الأساس- إنما سيصار إلى الأنفاق الجمعي في تعمير ما دمرته الحرب، والشركات الأمريكية وغيرها ستدخل خرائب المدن المدمرة لتعميرها .. أما في العراق فأن تعمير الخراب العام وإنهيار البنية التحتية والكارثة البيئية والأجتماعية، سيتم على وفق ( التعمير مقابل النفط والغاز ) لآماد بعيد قد تطال المخزون النفطي وإحتجازه لعقود، ضمن آليات مرسومة ومعدة للشركات الأمريكية وغيرها .. وليس هناك من إعتراضات أو قبول مساومات أو مخاتلات تبديها حكومة الأحتلال وحكومة طهران في هذا الشأن .. ولا مجال للحديث عن الطبقة الفاسدة في حكم العراق تبقى تنهب النفط وواردات النفط وتبتز شركات الأعمار .. فالآمر هنا لا ينفع واشنطن أبدا .

2- ثلاثي : أمريكا- الأتحاد الأوربي ( الناتو ) - روسيا .. مساحة للتحليل :

 - تحاول أمريكا أن تستبقي على جسور للعلاقة مع الأتحاد الأوربي، وإن إبتعادها كليًا يدفع إلى عاملين، الأول : التنمر أو التغول الروسي في أوربا، والثاني : إيقاظ النزعة الألمانية في المجال الحيوي، وخاصة إذا ما تمكنت عاصمتا ألمانيا وفرنسا من تجسير علاقاتهما على أسس الواقعية الأقتصادية لليورو، وإستقطاب باقي الدول الأوربية حيث ينشأ محور القطبية الأوربية، الذي يتشكل من كل من باريس وبرلين .. وهذا ما لا تريده واشنطن، لأعتبارات تسيدها الكوني البراغماتي المخاتل.!!

- قيل إن أمريكا أسقطت حلف ( وارسو ) فلا داعٍ لبقاء حلف ( الناتو ) .. ولكن حلف الناتو باتت له وظيفة أخرى رسمتها واشنطن، صاحبة المساهمات المالية الكبرى في حلف الناتو- لغايات رجحان صنع القرار بيد أمريكا حصرًا- وهي إستقطاب دول المنظومة السوفياتية التي انفرطت بعد سقوط حلف وارسو، وإنضمام العديد من دوله إلى الناتو حتى دعوته روسيا للأنضمام إليه .. والوظيفة هذه مهامها مستمرة على الصعيد السياسية والأقتصادي والعسكري والأمني .. وهو الأمر الذي يجعل الدولة ( العميقة ) الأمريكية تفكر جيدًا قبل التصرف بما يضر الناتو والأتحاد الأوربي، على الرغم من أن إدارة ( أوباما ) كانت قد شجعت لندن على الخروج من الأتحاد الأوربي، وحاولت أن تفكك تركيا أحد أعضاء الناتو .. والتصرف هذا كان غبيًا وكارثيا .. فقد أهمل أوباما منطقة الشرق الأوسط وشجع على إتساع القتال فيها وتدميرها ولم يكترث لموجات الهروب إلى أوربا - هنا بيت القصيد - من أجل تفجير أوربا بلغم الهجرة العابرة للحدود طالما أستبقت الحروب العبثية مستعرة في منطقة الشرق الأوسط .. يقابل هذا الوضع تشجيعها إيران على الأنسياح كأداة للتدمير والتهجير، وهما هدفان أساسيان من أهداف الأستراتيجية الأمريكية.!!

- أوربا ستجتاز محنتها نهاية عام 2017، هذا ما يتوقعه الخبراء .. على الرغم من أنها تجد نفسها بين ( تهديدات ) روسيا و ( مراوغة ) السياسة الأمريكية و ( غدر ) بريطانيا، بيد أن ( فرنسا وألمانيا ) هما اللتان ستعيدان الوضع الأوربي ( إقتصاد- اليورو – والسياسة الجغرافية الأمنية ) إلى حالة الكتلة الأوربية المؤثرة .. فالمتغيرات : هي في طبيعتها تداخل أو تفاعل عناصر السياسة والجغرافيا والفكر، وهي تفاعلات مستمرة ريثما تنضج .. وعملية الأنضاج قد تفضي إلى نتائج تفرزها ثلاثة عناصر : 1- التفاهم الأمريكي الروسي 2- وما يتمخض عن إجتماعات وصفقات أمريكية خليجية وعربية وإسلامية وتحويله إلى واقع عملي ملموس 3- النتائج التي ستفرزها إجتماعات مجموعة العشرين في صقلية .

- روسيا الأتحادية، وهي تفكر بعقلية ( ماكندر ) الجيوبوليتيكي، الذي يقول ( إن الدولة التي تريد أن تكون قوة عالمية، عليها أن تبسط سيطرتها على المناطق ذات الأهمية الجيو- إستراتيجية ) .. بيد أن هذا الهدف لا يعني شيئًا بدون عوامل أخرى ذات أهمية وفي مقدمتها ( الأقتصاد ) والفائض الأستراتيجي الذي يُمَكِنُ الدولة من مواجهة المشكلات الطارئة .. وهذا لا تملكه روسيا، ومن الصعب الأعتقاد بأن ما تملكه موسكو من عملات صعبه تمكنها من الأعتماد عليها في العمل الجيو- إستراتيجي وإحتمالاته .

- فيما تتوجه الصين لتعزيز قوتها ( البحرية ) وتمكينها من السيطرة على الطرق العالمية للتجارة البحرية وتشديد حمايتها وتقوية البنى التحتية البحرية على طول إمتدادات خطوط بحريتها ( بناء موانئ خارجية - أشترت الصين مؤخرًا أحد موانئ اليونان ) بتوجهاتها الأقتصادية نحو أفريقيا والشرق الأوسط، بينما التوجه الروسي نحو الشرق عسكريًا لتكريس مناطق النفوذ.

- إستعراض العضلات في السياسة وإختبار للقوة .. الأهداف والأحتمالات :

- ما الفارق الجوهري بين سياسة الأدارتين ( أوباما ) و ( ترمب ) وهل أنهما تكملان بعضهما بعضًا؟ :

يتبــع ..





الاحد ٩ رمضــان ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / حـزيران / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة