شبكة ذي قار
عـاجـل










احتضنت مدينة أوفيدو الاسبانيّة مؤخّرا مؤتمر المغتربين العراقيّين في دورته الحادية عشر والذي تداعت له مئات الشّخصيّات العراقيّة ذات التّاريخ النّضاليّ الوطنيّ والقوميّ الحافل والكفاءات والخبرات العلميّة المتنوّعة، تحت شعار "يجمعنا حبّ العراق وجذورنا فيه أينما نكون"

وكان العراق بقضاياه وأوضاعه ومشاغل جماهير شعبه ومعاناتها ومآسيها ناهيك عن كلّ ما ترتّب عن جريمة الغزو الأمريكيّ ثمّ الاحتلالين الأمريكيّ والإيرانيّ له ثمّ البحث في السّبل الكفيلة بتطوير الأداء النّضاليّ حقوقيّا وسياسيّا وإعلاميّا بغرض فضح جرائم الغزاة وعملائهم وأدواتهم المختلفة وملاحقتهم محور المؤتمر بدءا وانتهاء.

ولقد شهد مؤتمر المغتربين في دورته الحادية عشرة نجاحا منقطع النّظير من حيث مضمونه ومداولاته ورهاناته والمهامّ التي تعهّد أعضاء المؤتمر بإنجازها لفائدة العراق على درب تخليصه من المحنة المفتوحة التي استفحلت وأهلكت وأفسدت الحياة في بلاد الرّافدين ومزّقت نسيجه المجتمعيّ وأثخنت جراحات شعبه وخرّبت ودمّرت وفكّكت ما بناه العراقيّون بسواعدهم وأموالهم وجهودهم طيلة قرون من الزّمن.

ولنجاحات المؤتمر شواهد وقرائن وحجج دامغة وبراهين ساطعة لا يمكن أن ينكرها عاقل ولا أن يختلف حولها منصفان موضوعيّيان.

ولعلّ من أبرز أمارات نجاح المؤتمر توفيره لفرصة التقاء مختلف أبناء العراق وكوادره ونخبه العلميّة والفكريّة والأدبيّة والفنيّة والقانونيّة والإعلاميّة والسّياسيّة وبتنوّعهم وألوانه الفسيفسائيّ الثّريّ الذي شكّل طويلا أحد دعائم ريادة العراق في إسهاماته الحضاريّة والإنسانيّة لا على المستوى القوميّ العربيّ فقط بل وعلى المستوى الكونيّ كلّه، وذلك لما تتمتّع بهذه الكفاءات المغتربة والمهجّرة بالقوّة والسّلاح والقوانين الجائرة التي استهدفت عروبة العراق ورصيده الحضاريّ وموروثه الفكريّ الزّاخر من ولاء وتشبّث بسيادة العراق وصدق الانتماء إليه وتقديمه عمّا سواه من الانتماءات والهويّات المصطنعة والمزيّفة الملغومة المغشوشة بما من شانه ان ينعكس إيجابا ولا ريب عمّا ستتفتّق عليه قرائحهم من حلول ومهامّ سيكون لها الأثر الحميد على قضيّة العراق فيما بعد.

وبالفعل، وكما كان مأمولا من تلك النّخب، فلقد جاء بيانها الختاميّ ليدلّل على مدى التصاقهم وارتباطهم الرّوحيّ بالعراق وبقضيّته وتشعّباتها حيث أتى ذلك البيان على مختلف مظاهر الأزمة الكارثيّة التي يرزح تحتها العراق وشعبه وأرضه ومقدّراته وثرواته، كما أنّه لم يكتف باستعراض معضلة بلاد ما بين النّهرين بل انتقلت نخبة المغتربين المشاركين في هذا المؤتمر وقد بلغ عددهم ألف مشارك مباشرة لرسم التّكتيكات والخطوات الإجرائيّة الكفيلة بالمساهمة مساهمة فعّالة في جهود قوى المقاومة الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة الكفاحيّة الرّساليّة لوضع حدّ فوريّ للجريمة الامبرياليّة بحقّ العراق منذ 2003 وكان من أبرز ما تضمّنه بيانها الختاميّ رفض كلّ العمليّة السيّاسيّة القائمة في العراق وأسسها الطّائفيّة والمعادية للعراق أرضا وشعبا وتاريخا وحضارات والتي نشأت من رحم الاحتلال وعزمها على التّصدّي لها وللمهامّ القذرة التي كلّفت بها من قبل أقطاب الشّرّ والعدوان الأمريكيّ والإيرانيّ والصّهيونيّ، وتعهّد المغتربين بالعمل على كشف كلّ الجرائم المرتكبة في العراق من طرف الاحتلال وزبانيته وميليشيّاته وأعوانه وعرضها لدى الهيئات الدّوليّة المختصّة لمقاضاة الوالغين في الدّمّ العراقيّ ومبدّدي مقدّراته وثرواته كما شدّدوا على ضرورة طرق كلّ السّبل والأبواب الكفيلة بمزيد التّعريف بمظلمة العراق وقد تحوّلت لمظلمة القرن ومدّ جسور التّواصل مع كلّ المنابر والأوساط الشّعبيّة المؤثّرة في الدّول الكبرى التي ساهمت حكوماتها في ما آل إليه العراق من دمار وتخريب غير مسبوق،.

ويعانق المؤتمرون المغتربون العراقيّون كلّ مراتب النّجاح خصوصا من خلال عدم اقتصار نضالهم على العراق وإيجاد الحلول للمهجّرين والنّازحين والمشرّدين والملاحقين والمختطفين والمهدّدين وغير ذلك، بل طورّوا صيغة مؤتمرهم ليكون مستقبلا منصّة معارضة وطنيّة حقيقيّة تؤازر جهد أبناء العراق وماجداته في الدّاخل وتعانق مآثرهم البطوليّة في مطاردة الاحتلالين الأمريكيّ والإيرانيّ وما أنتجاه من ويلات وكوارث، والتزموا على ضرورة المداومة والمواصله على عقد هذا المؤتمر ليكون سنويّا في المستقبل ويزيد من انفتاحه على كلّ الأصوات الخيّرة العراقيّة ودعوتها للانخراط بأيّ السّبل كانت في هذا التّمشّي النّضاليّ الحميد.

إنّ من أهمّ ما ميّز هذا المؤتمر، أنّ المشرفين عليه ومؤثّثيه لم يغرقوا في الشّأن العراقيّ على فداحته وقتامته، ولم يهملوا الاستحقاق القوميّ والإنسانيّ فخصّصوا لبقيّة معضلات الأمّة بنودا ونقاطا شدّدوا فيها على وجوب تحشيد كلّ الطّاقات واستنهاض الهمم في كلّ مكان للتّصدّي للمؤامرة الكونيّة التي تستهدف العرب والعروبة استهدافا ماكرا حاقدا عنصريّا بغيضا، وإنّ هذا التّمشّي لوحده حجّة معبرّة عن مدى التصاق هذه النّخبة الخيّرة من أبناء العراق وكفاءاته المهاجرة والمهجّرة والمغتربة بهموم أمّتهم وقضاياها الحارقة وهو أمر جدير بالوقوف عنده مطوّلا لما يحمله من دلالات وأبعاد ورسائل حبلى بمعاني إدراكهم لما يحاك للأمّة من دسائس ومؤامرات خسيسة لا مجال معها لعزل كلّ قضيّة عن غيرها من شبيهاتها في بقيّة سوح الوطن العربيّ الكبير.

وفي الحقيقة، ومن باب الإنصاف للمغتربين العراقيّين، لا يمكن إلاّ أن يسجّل لهم فضلهم في كسر التّعتيم الإعلاميّ الرّهيب المفروض على قضيّة العراق ناهيك عن سيل المغالطات والأكاذيب المروّجة بشأنه، ويظهر ذلك النّجاح الباهر في التّعريف بمعالم معاناة العراقيّين ما لقاه هذا المؤتمر من صدى إعلاميّ وشعبيّ لافت لا في أوفيدو الإسبانيّة وحدها بل وفي كلّ إسبانيا بل وفي أروربّا والعالم بأسره، وهو إنجاز مهمّ وعلى درجة كبيرة من المحوريّة بما يشكّله من حاجّة ماسّة لكشف الأكاذيب التي انبنى عليها الغزو الظّالم للعراق والتي استمرّت لحدّ اليوم في تبرير سمج صفيق لحملة الإبادة العرقيّة التي تشنّ ضدّ أبنائه وضدّ كلّ العرب في أكثر من مكان.

إنّه وبالرّبط بين ما حقّقه هذا المؤتمر من نجاح إعلاميّ باهر في مزيد طرح قضيّة العراق بكلّ قوّة على الرّأي العامّ الدّوليّ، وبين ما خلّفه هذا الاختراق الإيجابيّ والجهد المحمود من ردود أفعال هيستيريّة في مجاميع الأحلاف المعادية للعراق والعاملة على تأبيد محنته. وتتوضّح هذه الرّدود خصوصا في مواقف عملاء المنطقة الخضراء بقيادة حزب الدّعوة الإيرانيّ من جهة وإيران من جهة ثانية.

لقد خلق نجاح هذا المؤتمر حالة من الارتباك والهلع والجزع استبدّت بعملاء الاحتلال وأسيادهم قضّت مضاجعهم من يومها للآن، حيث لم يكفّوا عن إطلاق التّهديدات العشوائيّة صوب الجميع لكلّ من شارك في أعمال المؤتمر من جهة وللجهة المضيّفة للمؤتمر من جهة ثانية إذ بلغت رعونة حزب الدّعوة مبالغ غير مسبوقة فدعا بعض قياداته المجرمة الطّائفيّة الإرهابيّة لحدّ قطع العلاقات مع إسبانيا في حركة تنمّ عن مدى وجعهم ممّا لمسوه من تصميم المغتربين على وأد عمليّتهم الجاسوسيّة القذرة المتهالكة ولما رأوه من صدى إعلاميّ واسع للمؤتمر فضح عمالتهم وإجرامهم وفسادهم وتخلّفهم وشعوبيّتهم وعنصريّتهم، كما أفاضوا في لطميّاتهم المعهودة وتهديداتهم التي لا تزيد عن كونها مجرّد فقاقيع صبيانيّة تبرز مدى جهلهم بالقوانين والأعراف الدّيبلوماسيّة فدعا حزب الدّعوة الإيرانيّ لضرورة إصدار بطاقات استرداد للمشاركين في المؤتمر بنفس التّهم السّخيفة والقوانين المتخلّفة التي تحرّكهم دوما.

ويتنزّل في هذا الصّدد خصوصا، إطناب حزب الدّعوة الإيرانيّ العميل على محاولة الادّعاء بأنّ هؤلاء المغتربون إنّما هم في الحقيقة بعثيّون وما المؤتمر إلاّ مؤتمر بعثيّ بامتياز رغم أنّ البعث والبعثيّين كانوا فقط جزء من المشاركين فيه باعتبارهم عراقيّين أوّلا ولأنّهم مغتربون ثانيا.

وفي الواقع، لقد كشف هذا المؤتمر بما شكّله من إسفين جديد في نعش حكومة العملاء في بغداد عن الإفلاس الكلّيّ لبيادق الاحتلالين وخصوصا حزب الدّعوة العميل الذي يريد التّغطية على حقيقته المخزية وعجزه عن تحقيق منجز يتيم واحد في العراق على امتداد 14 عاما كاملا ما جعل قياداته محلّ سخط وغضب جماهيريّ عراقيّ عارم وواسع، ليتحصّن فقط بمهاجمة كلّ نفس وطنيّ وقوميّ لا يدين بغير الولاء للعراق وللأمّة عسى ذلك التّهجّم الرّخيص المبتذل يبدّد بعضا من الرّعب والوهن اللّذين يميّزان هذه الغربان الوافدة من الشّرق ومن شتّى أصقاع الدّنيا والتي جاءت خلف دبّابات الغزاة طورا ومتخفّين في بساطيل جنود القوات الأمريكية أطوارا، وهي – أي غربان العمليّة السّياسيّة الجاسوسيّة - تدرك أنّ رحيلها بات وشيكا بل أقرب ممّا يعدّون إذ لولا حماية الفرس والأمريكان وحلفائهم لما تمكّنوا من البقاء يوما واحدا بالعراق.





الاربعاء ٢٢ رجــب ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / نيســان / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة