شبكة ذي قار
عـاجـل










كشفت المتغيرات الدولية وتبعات الثورات العربية التي سميت بالربيع العربي توظيف تيارات الإسلام السياسي للمقدس ومحاولة استغلاله لكسب تأييد شعبي وتحقيق مكاسب براغماتية سياسية. وهو ما نتجت عنه عواقب وخيمة قادت إلى استقطاب الشباب العربي نحو الإرهاب واستفحال التطرف عربيا وعالميا، ليعاد بذلك طرح الإشكالية الجدلية بين الدين والدنيوي مجددا، اللذين يرى الكاتب الاردني عبدالله طوالبة في حوراه مع “العرب” أن المجتمعات العربية أخفقت في تحقيق توازن بينهما على مدى التاريخ، أمام عجز المثقف العربي عن ردع الفكر المتطرف ومواكبة التطورات المعرفية، ما يستدعي بالضرورة مراجعة علمية نقدية لموروثنا التاريخي العربي.

داعش ينشر أيديولوجيا الفوضى والخراب
دعا الكاتب الأردني عبدالله طوالبة، مساعد المدير العام لهيئة الإعلام، إلى إجراء مراجعة نقدية علمية للموروث التاريخي للعالم العربي، وإعادة دراسة هذا الموروث بموازين العقل وبما يعزز التوافق الوطني داخل المجتمعات العربية، كخطوة لتجفيف منابع التنظيمات الإرهابية.

ويقول في حوار أجرته معه “العرب” إن “هناك أسبابا سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية لنشوء ظاهرة الإرهاب، وإن علاج هذه الظاهرة يستدعي الكشف عنها وتجفيف منابعها”، مشددا على أنه لا خيار أمام العالم العربي إلا تعميق الإصلاحات السياسية الحقيقية على طريق التحول الديمقراطي، إذا أراد القضاء على هذه الظاهرة.

وعلى صعيد اقتصادي، يلاحظ طوالبة، الذي صدر له قبل أيام، كتاب أثار الجدل بعنوان “العرب والديمقراطية ..أين الخلل؟” أن المنطقة العربية هي أغنى مناطق العالم بمواردها البشرية وبالعنصر الشبابي تحديدا، وأن على “صانع القرار أن يعي أن سد الطرق أمام الشباب، وخصوصا من خريجي الجامعات هو من الأسباب المغذية للتنظيمات الإرهابية”.

ويضيف أن هناك سببا آخر، وهو الأهم، يتلخص في “أننا الأمة الوحيدة على وجه الأرض غير المتصالحة مع تاريخها وغير المتفقة بشأنه ولا متوافقة عليه”، وهذا يعني “ضرورة المراجعة النقدية العلمية لموروثنا التاريخي لإعادة دراسة هذا الموروث بموازين العقل وبما يعزز التوافق الوطني داخل المجتمعات العربية”.

ويعتقد طوالبة أننا “الوحيدون في هذا الكون، الذين أخفقوا في إيجاد حلّ لإشكالية الاشتباك بين الديني والدنيوي”. مشيرا إلى أن “تجارب التاريخ، وبالذات تجارب الأمم المتقدمة، تعلمنا أن أهم شروط الاستقرار والنهوض في المجتمعات تبدأ من حل هذه الإشكالية”.

ويلفت إلى أن أسباب هذه الظاهرة، يفترض البحث عنها في الواقع العربي ذاته، وليس خارجه. فالبلدان العربية لم تشهد مجابهة بين المؤسسات الدنيوية والدينية تفضي إلى الفصل بين الديني والدنياوي، وتهيئة الظروف المناسبة لهذا الأخير، ليتطور بمعزل عن الأطر اللاهوتية، التي بطبيعتها وبحكم أنماط تفكيرها، تحد من دينامية الدنياوي وتقيد حركته لمواكبة سيرورة الحياة.

على صانع القرار العربي أن يعي أن سد الطرق أمام الشباب، وخصوصا من خريجي الجامعات، من الأسباب المغذية للتنظيمات الإرهابية

ولم يشهد التاريخ العربي المعاصر حركات إصلاح ديني على غرار ما حصل في أوروبا، في القرن الوسيط، إذ كان لهذه الحركات دور تاريخي في تجاوز الفهم المتحجر للدين الذي يقيد الإنسان فكرا وإبداعا.

ولا ننسى أن البلدان العربية تتداخل فيها أنماط الإنتاج ووسائله وعلاقاته، كونها لم تشهد انقلابا برجوازيا فعليا في تاريخها. لهذا تتداخل في البلد العربي الواحد أنماط الإنتاج الرأسمالي والإقطاعي، مع ما يرافق ذلك من علو شأن العوامل الشخصية على العوامل الشيئية والسلعية والحقوقية، ولا يجوز، في هذا الخصوص، إغفال دور الأمية الأبجدية والثقافية والتدخل الخارجي.

الخطاب الماضوي
إذا كان الإرهاب ضرب بأطنابه المنطقة العربية كلها والعالم إلا أن بعض الدول، ومنها الأردن، كانت لها خصوصية في مواجهة الإرهاب.

ويعزو طوالبة ذلك إلى عدم وجود حواضن شعبية، بالمعنى الاصطلاحي والمعرفي لهذا المصطلح في الأردن، خاصة وأن الأردنيين يدركون فظاعات التنظيمات الإرهابية في الدول الشقيقة.

ويضيف “إن مواجهة هذه التنظيمات في الأردن، كما حدث في الكرك وسواها، لا تقتصر على رجال الأمن وحدهم، بل نرى دور الشعب، بمختلف مكوناته، واضحاً في مواجهة هذه التنظيمات، وربما يكون الدور الشعبي في المواجهة أسبق من دور الأجهزة الأمنية”.

ويلفت إلى أن خصوصية الأردن مستمدة من كشف مخططات تنظيمات الإسلام السياسي، منذ حوالي عام، على أكثر من صعيد وأهمها الخطاب، الذي يتبناه الإسلام السياسي، فهو لا يزال ماضويا لا ينسجم إطلاقا مع متطلبات العصر وشروط النهوض والتقدم بمعايير الحاضر القائمة على الديمقراطية والحوار والتعددية.

ويعتقد بأن “تنظيمات الإسلام السياسي لا تزال بمختلف تنويعاتها تفتقر إلى خطاب يواكب تحولات العصر ويلبي طموحات الإنسان العربي، فضلا عن أن فهم هذه التنظيمات للدولة لا يزال ضبابيا ولا يحتكم إلى منطق العصر، بل هو بعيد عنه، فهذه التنظيمات، أصلا، لا تؤمن بالدولة القائمة، ولا يوجد لديها البديل، بل هي تتغنى بما يعرف بـ(دولة الخلافة)، التي أصدر التاريخ حكمه عليها وقضي الأمر”.

شعار فقد الصلاحية
وأوضح طوالبة، الذي أصدر 8 مؤلفات تعنى بقضايا فكرية أن تنظيمات الإسلام السياسي ليست لديها برامج تهتم بتساؤلات الإنسان العربي والتحديات الراهنة، المتمثلة في كيفية تحقيق التنمية ومواجهة تحديات العصر والقضاء على البطالة والفقر واللحاق بالأمم المتقدمة في ميادين العلم والعقل ومنتجاتها (التصنيع والتقنية التكنولوجية). ويتساءل “لا أدري ما إذا كانت هذه التنظيمات انتبهت إلى أن شعار (الإسلام هو الحل) قد فقد صلاحيته في عصرنا بالكامل، أم لا؟".

وأشار الى أن الإسلام لم يكن، طوال تاريخه، منظومة فلسفية وفكرية واحدة، وفي التطبيق العملي، حتى في حقبة الخلفاء الراشدين، لم يشهد الإسلام السياسي ما تردده بعض التنظيمات ذات الصفة الإسلامية وبخاصة التنظيمات التكفيرية ما يعرف بالدولة الدينية.

وأعرب طوالبة عن أسفه من أن “نكون الأمة الوحيدة بين الأمم، التي لا تزال تدفع ثمنا باهظا لإشكاليتين إلى الآن؛ الأولى خلط السياسة بالدين، أو ما يعرف بتسييس الدين وتديين السياسة، والثانية، التي لا تقل خطورة عن الأولى هي إشكالية السلطة السياسية، التي لا يزال العقل السياسي العربي عاجزا عن إيجاد حل لها بمفاهيم حديثة، قائمة على الديمقراطية والتعددية".

وهناك من يرى أن الحرب على الإرهاب لم تجنِ إلا الفشل، فإذا ووجه الإرهاب في منطقة ظهر قويا في أخرى، لكن طوالبة يختلف مع دعاة هذا الرأي.

ويقول “إن العالم مختلف في تعريف مفهوم الإرهاب، فهناك بعض الدول القوية اليوم، بينها دول تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، تحاول الربط بين الإرهاب وبين مقاومة الشعوب للاحتلال الذي ترزح تحته”، مشددا على أن “احتلال الأرض واغتصاب حقوق أي شعب إرهابان سافران”.

ويضيف “مقاومة الاحتلال حق تقره الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية أولا، والمكافحة الحقيقية للإرهاب لا تتم بالعمل العسكري والاحتكام إلى القوة فقط، بل تحسم في ميادين الفكر والاجتهاد، الفكر يقاوم بالفكر، والمقاومة الحقيقية للإرهاب تبدأ أولا وأخيرا بمعالجة أسباب هذه الظاهرة سياسيا واقتصاديا وفكريا واجتماعيا وثقافيا”.

ولمس كثيرون أن من أسباب انتشار ظاهرة الإرهاب في واقعنا العربي هو التدخل الأجنبي في الشؤون العربية، والاحتلال الأجنبي لأراض عربية بأساليب تخالف القانون الدولي والشرعية الدولية نفسها، والدليل على ذلك أن هذه التنظيمات ظهرت في السنوات الأخيرة، فيما الاحتلال الإسرائيلي، مثلا، للأراضي العربية في فلسطين والجولان مرّت عليه عقود من الزمن، إذ تبدو إسرائيل مستثناة من القانون الدولي.

الإرهاب يتمدد إلى قارعة طرق لندن
ولو تأملنا التاريخ المعاصر لمنطقتنا لوجدنا أن التنظيمات الإرهابية ظهرت بعد احتلال العراق في العام 2003، فلم يكن لها وجود قبل ذلك.

ويعتقد طوالبة أن احتلال العراق بالصفة التي تم بها، وبناء على أكاذيب ملفقة وتدمير الدولة العراقية، كان عاملا لا يجوز إغفاله في فتح (صندوق بندورة)، أي صندوق الشرور كلها، وفقا للأسطورة الإغريقية القديمة، وهو لا يغفل عن تداعيات ما يعرف بالربيع العربي في العام 2011.

ويقول إن “هذه الأحداث اندلعت نهاية العام 2010 في تونس وانتشرت في عدد من الدول العربية، بنحو عفوي وتلقائي، لأسباب سياسية واقتصادية، بالدرجة الأولى، ولم يكن للإسلام السياسي أي دور في نشوبها، لكنه لم يلبث أن ركب الموجة واستثمر هذه الأحداث لتحقيق مآرب سياسية”.

أصبح واضحا أن الإرهاب لا يقتصر على أبناء دين بعينه أو بلد دون غيره وهو يمثل تهديدا للسلام والأمن الدوليين، ويرى طوالبة أن الإرهاب ليس له دين وليس له عرق لا في الماضي ولا في الحاضر، منوها إلى أن هذا الفهم هو أحد ثوابت السياسة الأردنية في مكافحة هذه الظإهرة، كما يتم التعبير عنها في الخطاب السياسي الأردني، وفي وثائق تاريخية مهمة أصدرها الأردن مثل رسالة عمان، مذكرا بالتأكيدات الأردنية الدائمة في المحافل الدولية واللقاءات المهمة، على المستويين الإقليمي والعالمي، بضرورة إبراز قيم التسامح والعدل والحوار والتعايش بين الأديان والثقافات.

وأوضح أن السياسة الأردنية تتميز دائما بمرونة عالية واستشراف واقعي، فالأردن، تاريخياً، ونتيجة هذين العاملين، وبحكم موقعه وتركيبته لم يقطع شعرة معاوية مع أي شقيق عربي، فهو يحرص دائما على أن تكون علاقاته مع الدول العربية كافة إيجابية يسودها التعاون والحرص على أن تسود الأجواء العربية ظروف تعاون بين الأشقاء، وهذا يصب في مصلحة الأردن لأن سياسته تتطلب ذلك.

ويضع الأردن في حسبانه دائما أنه أكثر بلد عربي يتأثر بالقضايا العربية، وخاصة على صعيد القضية الفلسطينية والإسهام في المسؤولية العربية المشتركة إزاء التحديات، التي تواجهه وتواجه العرب، فضلا عن ذلك فإن الأردن يتميز بين أشقائه في موضوع التجاوب مع شروط العصر والتحولات، التي يشهدها العالم، وخاصة في مجال الإصلاح السياسي والحريات، التي يمتلك دائما طموحا لتحقيق المزيد منها.

ويضرب طوالبة مثلا على ذلك أنه بعد اندلاع ما يسمى بالربيع العربي، أجرى الأردن سلسلة من الإصلاحات الدستورية والسياسية كان لها دور فاعل في تجنيبه ما حلّ ببعض الدول الشقيقة من ويلات واقتتال داخلها. مضيفا إلى ذلك عنصرا وصفه بالمهم وهو وعي الشعب الأردني نفسه، بجميع مكوناته، وحرصه على ما يتمتع به من أمن واستقرار سواء لخدمة الأردن أو لدعم القضية الفلسطينية، خصوصا وأنه أكثر البلدان العربية قربا من هذه القضية وتأثرا بتداعياتها.

ويطرح طوالبة تساؤلا في ما يخص دور المثقف العربي في مكافحة ظاهرة التنظيمات الإرهابية قائلا “من هو المثقف في وقت نعيش فيه منذ حقبة الحرب الباردة، مرحلة تغير للكثير من المفاهيم، وبخاصة مفهوم المثقف”. ويتابع “هل المفهوم الغرامشي القائم على المثقف العضوي ما زال صالحا؟"

العقل العربي لا يزال يتخبط في إشكاليته التاريخية
المثقف والمفهوم الغرامشي
يشير الكاتب الأردني عبدالله طوالبة إلى أن دور المثقف العربي بمفهومه التقليدي ليس كما يجب أن يكون في هذه المرحلة لأسباب عدة، أولها تغير النظرة إلى المثقف نفسه، وثانيها الارتباك لدى المثقفين العرب، في إدراك التحولات الجديدة للعالم، وخاصة بعد انهيار جدار برلين 1989، ثم تقوقع بعض المثقفين في أبراجهم العاجية وتكلس بعضهم فكريا. فما نلاحظه هو أن العديد من مثقفينا لا يزالون يرددون كليشيهات وشعارات تجاوزها الزمن، وتخطتها مستجدات العالم، وهي في المبتدأ والخبر تتغذى من تبعات حقبة الحرب الباردة.

فالعالم يشهد تحولات متسارعة في العصر الحديث، تقودها التطورات العلمية في تكنولوجيا الاتصال ومنجزات المعرفة الإنسانية على الصعيد التقني. فلأول مرة في التاريخ الإنساني تسبق الابتكارات والاختراعات التقنية الثقافة، إذ باتت الثقافة تسعى لمواكبة التقنية لإدراك كنه ما يجري وللإحاطة بالأحداث المتسارعة، التي ترتبت على هذا التقدم المذهل.

فما يقصده الطوالبة، على وجه الدقة، أن التطور المذهل في المعرفة بجانبيها النظري والعملي التطبيقي، زلزل فرضيات أيديولوجيات كانت تبدو حتى الأمس القريب مسلما بها، وأصبحت المعرفة، الآن، هي عنصر القوة الرئيس في التاريخ المعاصر، وليس رأس المال، وأصبحنا أمام نظام اقتصادي يقوم على العقل، ولم يعد الصراع الطبقي يحرك التاريخ، بل أصبحت المعرفة بجانبيها اللذين ذكرت أهم عناصر القوة وميدان التنافس بين الدول.

ويقول “لم يعد بإمكان اقتصادات العالم اليوم الاستغناء عن الكمبيوتر ولو لثوان، وفي اقتصادات اليوم أيضا، حل المعرفيون أو ما يسمى بـ’الكوجينتاريا’ مكان الطبقة العاملة، وأصبحنا أمام طاقة عاملة وليست طبقة عاملة، وهذه الطاقة تعمل ما بوسعها لتبدع أكثر لتحصل على أجور أعلى، ولم يعد واردا في حساباتها التناقض مع رأس المال والتأثر بفائض القيمة. وأمام هذه التطورات المتسارعة فإن العقل العربي -ومعه المثقفون- لا يزال عالقا في إشكالية العقل والنقل المتوارثة، منذ قرون. فالعقل العربي لا يزال يتخبط في إشكاليته التاريخية، بالهروب إلى الماضي، أو تقليد الآخر".





الثلاثاء ٧ رجــب ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / نيســان / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة