شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

 - هل تعود الحرب الباردة إلى المسرح السياسي الدولي؟ :

 - حركة الأتحاد السوفياتي الأممية .. وحركة روسيا الأتحادية القومية .. الأيديولوجيا الجديدة التي تجمع بين ( القومي والديني ) .!! :

 أولاً - هل تعود الحرب الباردة ؟ معايير تتحكم في ميزان تعادل القوى :

 - إن وجود قوتين عظميين في نظام دولي، يشترط قيام ( تكافؤ ) نسبي تقريبًا في القوة بينهما - ليس المقصود الجانب العسكري إنما كل عناصر القوة بمعناها الواسع - ولا يستتبع هذا التكافؤ توازن مؤسساتي للقوى إلا إذا أمتنعتا عن استخدام الموارد والطاقات في الحشد والقوة وسباق التسلح بهدف المحافظة على التوازن لأغراض الأمن والأستقرار الدوليين .. أما إذا كان وجود عدد من القوى الكبرى فأن التفاوت الكبير في القوة قد لا يضع الدولة الأقوى في موضع المتفوق .. وهذا يعني، ان الحفاظ على توازن شبه مستقر للقوى قد يكون سهلاً في نظام متعدد الأقطاب منه في نظام ثنائي القطب :

1 - هنالك عامل تعقيد يتعلق بتوزيع القوة جغرافيًا على مستوى العالم ، فهي ليست موزعة بالتساوي في أنحاء الساحات الدولية - صراعات حول خامات المعادن وصراعات حول مصادر المياه وصراعات حول مصادر الطاقة وصراعات حول المواقع الأستراتيجية .. إلخ - ولما كان الأمر كذلك، فأن مسألة توازن القوى بين دولتين عظميين قد لا يكون المعيار الأساس في التوازن العالمي، لأن قوى إقليمية راهنة ومحتملة قد تدخل دائرة التوازن عن طريق ( التحالفات ) ، الأمر الذي يميز حالة الثقل في مسألة التوازن .. ومن هنا، فأن توازن القوة الروسية لم يصل بعد إلى مستوى التحقق إلا في مسألة ( الردع ) النووي .. أما إكتمال عناصر القوة الأخرى فماتزال في طور التشكل ومحاولات التقارب ونسج خطوط التحالفات غير المضمونة .. مثل التحالف الروسي الأيراني .. مثل هذا النوع من التحالفات من الصعب أن يصل إلى مستوى التحالف الأستراتيجي، لأنها تضم بين طياتها عناصر التصادم في السياسة والفكر والآيديولوجيا وإمتداداتهما، التي تؤثر على قاعدة التحالف .. فهو في كل الأحوال تحالف مؤقت ومشروط بفترة زمنية عالقة محاطة بدوافع التصادم .. رغم أن هذا النوع من التحالفات تقتصر مقترباته على التعاون الأقتصادي والتجاري والأمني، وهو عامل مهم مثل مجموعة ( بريكس ) ودول مؤتمر ( شنغهاي ) .!!

2 - أما مسألة القوة في الجانب الأمريكي، فقد تراجعت مستوياتها كثيرًا بفعل الأنهاك والأستنزاف خارج الحدود الأمريكية ، ( فكلما أمتدت القوة العسكرية إلى خارج حدودها، كلما شكلت عبئًا ثقيلاً على الداخل إقتصاديًا وماليًا وإعتباريًا - وهذا ماحدث حين تدخل الأتحاد السوفياتي في أفغانستان، وأمريكا حين تمددت في أفغانستان والعراق ، وما يحدث لأيران حين تمددت في العراق ولبنان وسوريا واليمن - وكذلك حين تمددت روسيا في أوكرانيا والقرم وسوريا وربما في ليبيا ) ، والأستخدام المفرط للقوة في حروب عبثية وغير ضرورية، أسفرت عن إنهيارات في التوازنات الأقليمية وأخَلَتْ بميزان تعادل القوى في الشرق الأوسط على وجه الخصوص .. فيما مهد أفول الحرب الباردة إلى تلك الأنهيارات، وسَهْلَ إعادة تَشكلْ المنطقة، ليس على أسس جديدة وحديثة ومتطورة، إنما على قاعدة الفوضى والتدمير المتعمد للدول، لأغراض صياغة الخرائط السياسية وملء فراغات الأمن، التي سببت تلك الأنهيارات والكوارث .. كل هذا ومرماه بناء نظام للأمن الأقليمي يُمَكِنُ الكيان الصهيوني من أن يكون فاعلاً فيه حسب منطلقات مشروع ( شمعون بيريز ) سيئ الصيت من جهة، وإعادة رسم خارطة النفط والغاز والمياه في المنطقة على حساب شعوبها من جهة ثانية.!!

3 - إن إنهيار التوازن الدولي من شأنه أن يزعزع أسس التوازن الأقليمي .. وهذا ما حدث حين إنهار الأتحاد السوفياتي تفكك حلف ( وارسو ) وإنفردت دولة عظمى ( أمريكا ) في تدمير التوازنات الأقليمية، وحين ضُرِبَتْ ( أفغانستان ) اضطربت آسيا فكرست أمريكا قواعدها على تخوم المجال الحيوي لكل من روسيا والصين وباكستان والهند، وحين ضربت ( العراق ) واحتلته اضطربت منطقة الشرق الأوسط برمتها فمهدت لقوة إقليمية ( إيران ) لها مطامعها في بسط نفوذها وفرض إرادتها عن طريق القوة على محيطها القريب .. الأمرالذي دفع بمنطقة الشرق الأوسط الى الفوضى المشحونة بالعنف الطائفي والأرهاب وإرهاب الدولة الأيرانية .. لم يأتِ هذا مصادفة أو كنتيجة ميكانيكية لفعل الأحتلال فحسب، إنما جاء نتيجة تخطيط ( أمريكي - صهيوني - إيراني ) مسبق .

4 - موسكو وهي تحاول أن تستعيد مكانتها الدولية، التي بدأتها بـ ( الفيتو ) المتعلق بزخمها السياسي - الأستراتيجي في سوريا، وكذلك وراء ملف إيران النووي، لم تصل بعد إلى الخطوة الأولى وهي الأستقطاب الدولي والذي مارسه الأتحاد السوفياتي حين استند على منهج ( آيديولوجي ) لبلورة منهج ( الأستقطاب ) .. روسيا الآن لا تمتلك أيديولوجيا للأستقطاب وفقدت الأحزاب الشيوعية والتيارات اليسارية بعد إنهيار الأتحاد السوفياتي ، وتوجهها الراهن يكتسب صبغة قومية، وحركتها قارية، وتهدف إلى تعزيز مكانتها الدولية عن طريق القوة .. فهي دولة غير آيديولوجية، كما أسلفنا، والوصول الى المكانة الدولية كقطب موازن، عليها ان توظف سياستها الخارجي نحو هذا الهدف شريطة ان تعتمد على ايديولوجيا تحقق لها وزنًا كوزن الأتحاد السوفياتي، والآيديولوجيا المقصودة هي عقيدة الدولة في حركتها الأستراتيجية الدولية ( وسنتحدث عن هذا التحول الآيديولوجي الروسي حين نصل إلى نقطة الربط الموضوعية بين القومية الروسية والديانة الأرثودوكسية كقاعدة عامة للتحرك غير الشامل ) .

فالحديث عن حرب باردة مستنسخة، حديث لا يتطابق مع طبيعة الأشياء في حركتها الدائبة .. فروسيا بزخمها العسكري والسياسي في سوريا ووقوفها خلف ايران ودعمها للملف النووي وسكوتها على تمددها وجرائمها، وضمها شبه جزيرة القرم وموقفها من الأزمة الأوكرانية ، قد جعلها تفقد عناصر الأستقطاب الدولي ممثلة بـ ( حركات التحرر الوطنية ) ، حيث تشترط هذه السياسة الوقوف مع تلك الحركات ودعمها، ولكن موسكو تقف الى جانب نظام فاشيستي متخلف في طهران ودمشق، ولا تعير إهتمامًا لشعوب المنطقة والعالم المضطهدة .

5 - فقد رسم ( الكرملين ) آيديولوجية روسية هي ( الدولة القومية ) التي أكدها " بوتين " في خطابه السنوي امام البرلمان في كانون أول - ديسمبر2014 ، وإن هذه الدولة تعتمد البراغماتية والذرائعية ولا تتحمل أعباء حرب باردة جديدة مكلفة ما لم ينشأ تحالف إستراتيجي بين روسيا والصين يقوم على تثبيت محور التوازن .. بيد أن الصين لا ترغب في مغامرة تحالفية غير مضمونة تفتقر الى قاعدة مادية ساندة للعمل إلا إذا تعرض أمنها القومي ومجالها الحيوي إلى الخطر، على الرغم من أن روسيا تستشعر خطر التضخم السكاني الصيني في آسيا وخاصة على حساب الشرق الروسي من جهة ، كما تستشعر النمو المضطرد للأقتصاد الصيني من جهة ثانية، ولا تجاري روسيا أمريكا في سباق التسلح.!!

6 - إن تقييد خارطة القوة العالمية لا يتم إلا ضمن حسابات يحكمها منظور واقعي يؤمن بأهمية الترابط بين خارطة القوة الأقليمية وخارطة القوة الدولية من أجل إرساء قواعد تحكم نظام تعادل القوى داخل النظام الدولي .. فالحرب الباردة لن تعود مستنسخة لأن طبيعة الصراع قد تغيرت وقواعدها لم تعد صالحة إلا وفق شروط يقتضيها بناء النظام الدولي الذي يؤسس للقطبية المتعددة .. دعونا نأخذ مثالاً حول ( العمل المشترك ) الذي تحدثنا عنه في الحلقات السابقة .. ماذا يحصل حاليًا في سوريا ؟ :

 - روسيا تستخدم مليشيات إيرانية على الأرض السورية .

 - أمريكا تستخدم مليشيات كردية على الأرض السورية والعراقية.

 - روسيا وأمريكا تؤسسان قواعد عسكرية في سوريا .. الأولى: في ( طرطوس - حميميم - تدمر - صلنفه - مطار المزه – ووجود عسكري روسي في جبله و درعا ) ، والثانية : في ( الحسكه ، شمال شرقي سوريا ، ومنبج في ريف حلب الشمالي ، رميلان ، المبروكه ، لافراج ، روياريا ، تل بيدر ، تل ابيض على الحدود السورية التركية ) .. فضلاً عن أربع قواعد عسكرية أمريكية في العراق .

 - روسيا وأمريكا ما تزالان تتحرجان في زج جيوشهما النظامية بشكل مباشر، وأحيانًا بأستحياء لأمر تتطلبه الترتيبات الميدانية بإبقاء الصراع مستدامًا .. بينما تبقى إيران مهتمة بـ ( توطين ) مليشياتها المسلحة المؤدلجة في سوريا وتتطلع لأحكام سيطرتها على العراق بعد مجازر الموصل .!!

 - مستقبل سوريا في ظل ( العمل المشترك ) الروسي الأمريكي ، تقسيم نفوذ بينهما وتغيير النظام في دمشق لـ ( موته سريريًا ) ، وإبعاد إيران نهائيًا من سوريا .

7 - سيتركز الصراع في منطقتين مهمتين هما ( الشرق الأوسط وملفاته الساخنة وبضمنها الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط الذي يحتوي على مخزن الغاز الطبيعي الهائل ) و ( حوض بحر قزوين ) .. والتعاون المتبادل في شكل تنسيق لا يتعدى الأستفادة في مسألتين : ملكيات بحر قزوين ، والغاز وأنابيبه الأستراتيجية ، فضلاً عن مبيعات السلاح وبناء مفاعلات وبالتالي ( تنفيس ) إختناقات السياسة الأيرانية، واللعب المشترك عسكريًا وسياسيًا على الأرض السورية وتحويلها إلى ساحة صراع دولية، تعبر من خلالها روسيا عن مصالحها الجيو - سياسية، فيما تعبر إيران عن مطامعها في تثبيت مواقع نفوذها في سوريا واليمن وقبلهما لبنان والعراق بدعم روسي .. فكليهما يجعلان من الساحة السورية مجالاً لتصريف سياساتهما الخارجية وتصدير مشكلاتهما الداخلية إلى الخارج .. ومن هذا تتضح خطوط المشتركات غير الأستراتيجية القائمة بين موسكو وطهران، وهي مشتركات قائمة أساسًا على ( البراغماتية ) و ( الذرائعية ) ، لتأخذ هتان المسألتان بشيء من التحليل للوقوف على طبيعة العلاقة بين موسكو وطهران .

 ( بحر قزوين ) .. المشتركات، واللعب على وتر المصالح :

تقدر إحتياطات بحر قزوين من النفط بـ ( 28 ) مليار برميل، وهذا التقدير يقع بعد إحتياطات نفط الخليج العربي، فيما تقدر إحتياطات نفط الشمال ب ( 16 ) مليار، أما إحتياطات نفط العراق فتقدر بـ ( 300 ) مليار برميل .. وعلى هذا الأساس يتركز الصراع في العراق تحت سقف مدة نفاد وتراجع الأحتياطات النفطية، والعراق يمتلك خزينًا إستراتيجيًا هائلا من النفط والغاز في المنطقة، وخاصة إذا ما أدركنا مستودع الغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط .. ومن هذا المدخل ولدواعي أخرى قررت واشنطن عام 2002 إعتبار روسيا شريكا إستراتيجيًا للولايات المتحدة لأدارة موارد الطاقة في العالم . وقبلت موسكو بهذا العرض .. ومعروف إن حوض بحر قزوين يضم ( آذربيجان وكازاخستان وروسيا وتركمانستان وإيران ) .

8 - فالتقارب الروسي الأيراني له علاقة بالموقف الأيراني من حوض بحر قزوين : فقد ألتَفْتْ موسكو حول العقوبات الأقتصادية المفروضة على طهران، وباعت روسيا ما قيمته من النفط الأيراني ( 20 ) مليار دولار في الأسواق العالمية في إطار إتفاقية مقايضة لدواعي مصالح مشتركة في حوض بحر قزوين .. وعلى هذا الأساس، دعت موسكو إلى عقد ( مؤتمر للطاقة ) حول هذا الحوض في أيلول - سبتمبر 2014 .

9 - الخطة الروسية الراهنة هي أن تحصل على 20% من بحر قزوين، وكازاخستان على 27% وتركمانستان على 23% وآذربيجان على 18% وإيران على 12% .. فموسكو تفكر، بعد حركتها في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا وإنتشارها العسكري غير الضروري في سوريا، إن حوض بحر قزوين هو حوض لها فيه الحصة السياسية الكبرى في إدارته بعيدًا عن وصاية أحد من خارج الحوض .. والتفكير الروسي هذا جاء في ضوء التحولات في القوة، التي جرت وتكرست خلال العقدين الأخيرين، والتي تظهر مؤشراتها ميل أمريكا إلى الأنكفاء نحو الداخل لترميم أوضاعها الداخلية المزرية إقتصاديًا وماليًا وإجتماعيًا، نتيجة لهزيمتها الماحقة في العراق على يد المقاومة الوطنية العراقية الباسلة.

10 - الذي يحكم الحركة الروسية تجاه شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، عاملان أساسيان، الأول : الأهمية الأستراتيجية لشبه الجزيرة، لأنها تطل على البحر الأسود الذي ترسو فيه قطع الأسطول العسكري الروسي وغواصاته النووية، فيما تضم مدينة ( أوديسا ) أكبر مصانع السفن الروسية - الأوكرانية المشتركة، التي تنتج قطع الطيران الحربي الروسي والمولدات العسكرية وغيرها، ويعد أيضاً المنفذ الحيوي إلى البحر الأبيض المتوسط ، فيما تقع شبه جزيرة القرم حاجزًا إستراتيجيًا أمام التدخل الخارجي، إذ تبعد قرابة ( 300 ) ميل أقرب نقطة لحلف شمال الأطلسي عن موسكو، إذا ما أصبحت أوكرانيا عضوا في الـ ( الناتو ) . أما العامل الثاني : الهوية القومية الروسية في محيط هائل يتمتع بعناصر الأحتكاك والحساسية العرقية والدينية، مثل ( الأتراك والتتار والمسلمين في جمهوريات الأتحاد السوفياتي السابق، وتعدادهم قد يصل إلى أكثر من ( 65 ) مليون مسلم.!!

- سياسة ( التحييد ) و ( الشد والجذب ) في منطقة متوترة :

- مسار الصراع في مجال ( Geo - Economic Polarization ) :

- الآيديولوجيا الجديدة التي تجمع بين ( القومي والديني ) .!!

يتبـــــــــع ...





الجمعة ٣ رجــب ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة