شبكة ذي قار
عـاجـل










إضاءات عمّا جاء عنها في المشروع الوطني العراقي الذي أعلنه حزب البعث العربي الاشتراكيّ للحلّ الشّامل لقضيّة العراق ..


- تنويه –

سنعكف في هذه المحاولة المتواضعة على التّركيز على الدّوافع والغايات من تأكيد مشروع البعث على ضرورة فصل الدّين عن السّياسة .

أطلق حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ – قيادة قٌطر العراق مشروعا وطنيّا عراقيّا مفصّلا متضمّنا لحلّ شامل وجذريّ لقضيّة العراق، وعبّر بيان قيادة قٌطر العراق بتاريخ 20/03/2017 الموافق للذّكرى الرّابعة عشر لاحتلال العراق عن رؤية عميقة وتصوّر عمليّ جامع لا يشوبه نقص ولا تشينه منافع حزبيّة ضيّقة ولا حسابات أو شعارات ذلك أنّه انبنى من جذور متّصلة اتّصالا وثيقا بالمعاناة الكبرى للعراق أرضا وشعبا وتاريخا وحضارات بفعل ما ترتّب عن الغزو الأمريكيّ الجائر الظّالم وما خلّفه الاحتلال الأمريكيّ الإيرانيّ المزدوج للعراق فيما بعد.

وبالغوص في أعماق هذا المشروع الذي حمله البيان المذكور آنفا، تتّضح شموليّته وتتكشّف استجابته الاستثنائيّة لمطالب الجماهير العراقيّة المختلفة ناهيك عمّا يوفّره من فرصة تاريخيّة كبرى وفارقة وقادرة على معالجة أمراض العراق التي فرضها الاحتلال وتفشّت بفعله لتعمّ الجسد العراقيّ كلّه للحدّ الذي ارتقى فيه لمرتبة الوصفة الطّبّيّة متناهية الدّقة ذلك أنّها سليلة تشخيص عميق وموضوعيّ وطويل للوضع في العراقيّ منذ عقد ونصف من عمر الاحتلال علاوة على نبوعها من رحم المأساة المفتوحة التي عمّت العراق بشكل عامّ وعاشها حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ بشكل أخصّ لما استهدفه من تشويه وشيطنة وملاحقة وقوانين إقصائيّة إلغائيّة عنصريّة نضح بها الاجتثاث الأمريكيّ والحظر الإيرانيّ ما أدّى لتقتيل السّواد الأعظم من قيادته التّاريخيّة المناضلة وأسر ما تبقّى منها وملاحقة من أفلح في الإفلات والتّخفّي وواصل النّضال السّرّي موزّعين بين الأعمال العسكريّة الكفاحيّة الجهاديّة في سوح العراق كافّة وبين العمل والنّضال الإعلاميّ والسّياسيّ والحقوقيّ قصد التّقليل والحيلولة قدر المستطاع دون إحالة مظلمة العراق التّاريخيّة لرفوف النّسيان ولسيول المغالطات والافتراءات والأكاذيب وما ينتج عنها من تزييف ومواقف وسياسات لا تخدم غير مصالح أعداء العراق والأمّة العربيّة جمعاء وما يسهّل تمرير مخطّطاتهم الشّيطانيّة ودسائسهم الماكرة، ناهيك عن تذبيح مائة وسبعين ألفا من الكادر المتقدّم في الحزب ومناضليه الأبرار.

ومن بين أهمّ ما ورد في مشروع الحلّ، التّشديد على ضرورة فصل الدّين عن السّياسة في العراق مستقبلا، وأفردها البيان بفقرتين كاملتين جاءتا في الباب الثّالث المتعلّق بالنّظام السّياسيّ والإداريّ وخصّص لهما الفصلين أو البندين الثّالث والرّابع منه ونصّهما التّالي:

٣- يفصل بشكل تامّ بين الدّين والسّياسة ويعالج المشاكل والصّراعات والاختلافات في هذا المجال والتي سبّبها الاحتلال، وفقاً للدّستور والقوانين المدنيّة .
٤- يتعامل مع المؤسّسة الدّينيّة في العراق بطريقة متوازنة بما يضمن احترام كافّة الاديان والمذاهب والطّوائف والمعتقدات، ويضمن حرّيّة الفرد في ممارسة طقوسه الدّينيّة وفي اختياراته وانتماءاته المذهبيّة، وبما لا يخلّ بأمن الدّولة والمجتمع. وتشكيل ( مجلس أعلى للأديان )، في العراق يضمّ ممثّلين من كافّة الأديان والطّوائف والمذاهب ينسّق المواقف فيما بينها، ويحدّد الممارسات ويطبّع العلاقات بين الأديان والطّوائف وفق قانون خاصّ يشرع لهذا الغرض .

كما شدّد في البند الأوّل من الباب الثّالث نفسه وفي نقطته الأولى على حتميّة القطع مع النّزاعات الدّينيّة حيث جاء فيها:

( ... واعتماد التقسيمات الإداريّة التي تأسّست عليها الدّولة العراقيّة الحديثة وتطويرها واستحداث محافظات ومدن أخرى، بعيدا عن النّزعات والتّقسيمات الدّينيّة والطّائفيّة والقوميّة والمناطقيّة، وبما يضمن المحافظة على وحدة العراق الوطنيّة. ).

وتكتسي هذه الرّؤية والمطالبة بفصل الدّين عن السّياسة أهمّيتها البالغة للحدّ الذي يجيز اعتبارها من أثرى ما تضمّنه المشروع الذي قدّمه حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ – قيادة قٌطر العراق كحلّ شامل للقضيّة العراقيّة، بالنّظر لوضعها الإصبع على داء لعلّه من أخطر ما يهدّد المستقبل العراقيّ برمّته، كما أنّها تنبع من رؤية البعث للدّين وهي إحدى مميّزاته عن بقيّة الأحزاب التّقدّميّة واليساريّة في الوطن العربيّ، حيث حافظت قيادة الحزب في العراق على تلك المنزلة المخصوصة التي يتنزّلها الدّين في فكر البعث وفي الوجدان والضّمير والتّشكيل المختلف للإنسان العربيّ، فلم تطالب مثلا بفصل الدّين عن الدّولة لتتشبّث بمرونة البعث وثوريّته المتلازمتين ونظرته لمختلف المسائل انضباطا للتّركيبة العربيّة وللخصوصيّات الفكريّة والحضاريّة والنّفسيّة للأمّة.

وتستمدّ هذه الدّعوة لفصل الدّين عن السّياسة مركزيّتها في هذا المشروع من خلال رصد كبير لما ألحقه إقحام الدّين في السّياسة من أضرار فادحة وما انجرّ عنه من تداعيات كارثيّة على العراق وشعبه، حيث لم يكتف العملاء الجاثمون على صدور العراقيّين وأقطاب العمليّة السّياسيّة المتولّدة من رحم الاحتلال والقائمة على أسس المحاصصات الطّائفيّة بالاتّجار بالدّين بما يدرّه من مغانم ومنافع ضيّقة لا تعود بالنّفع إلاّ على أصحابها بينما تقوّض الصّالح العامّ تقويضا مدمّرا وتحرم الجماهير من حقوقها كافة وتفقدها مواطنيّتها التي تصبح مرتهنة بالارتباطات والانتماءات الطّائفيّة الصّرفة بما يضيّق عليها الخناق فيحرمها من العمل والإبداع والإسهام في البناء والتّعمير والتّشييد سواء كان ذلك اجتماعيّا أم عمرانيّا أم اقتصاديّا أم فنيّا أم غير ذلك.

إنّ فصل الدّين عن السّياسة كما ألحّت عليه قيادة البعث في العراق، ليس مطلبا عبثيّا ولا مقتصرا على البعث ومناضليه ورجالاته وأنصاره، بل إنّه مطلب يعبّر عن حاجيّات العراقيّين بكافّة تلويناتهم الدّينيّة والعرقيّة والاثنيّة وحاجيّات العراق لمعاودة النّهوض وتلافي ما يحيكه لهم دهاقنة الأعداء من الدّاخل والخارج على حدّ سواء من مطبّات مدروسة ومعوّقات خبيثة تهدف لتفكيك بنيتهم وتركيبتهم المجتمعيّة التي عملت طوابير الأعداء تلك لتمزيقها كلّ ممزّق واعتمادها مدخلا لتغذية الصّراعات بين أبناء الامّة الواحدة والأرض الواحدة والتّاريخ الواحد واللّغة الواحدة والمصير الواحد، وعملوا على إفقاد تلك التّركيبة المتعدّدة والمتلوّنة تماسكها وتراصّها وتلاحمها الذي ميّزها طيلة قرون من جهة وأسهم في إبداعها وابتكاراتها المشهودة والمحفوظة لشعب بلاد ما بين النّهرين على الدّوام.

لقد شكّل المزج بين الدّين والسّياسة وهو أحد أكبر حيل غزاة العراق باختلافهم طيلة سنوات الاحتلال الأربعة عشرة، منفذا تسلّل عبره أعداء العراق وشعبه وغذّوا من خلاله الانقسام والتّشظّي انسجاما مع المخطط الاستعماري التّقليديّ " فرّق تسد " لا من باب انتصار حقيقيّ للأديان بل لزرع حقول من الألغام المتفجّرة باستمرار بوجه أيّ سعي لتخليص العراق وشعبه من محنتهما ونكبتهما المفتوحة وإعادة صنع أمجادهما التّليدة.
ولقد عاين العراقيّون طيلة هذه السّنوات وكابدوا حجم الأهوال والجحيم الذي استبدّ بالعراق من خلال التّركيز الممنهج والمكثّف على الطّائفيّة، كما عانى العراقيّون الأمرّين من السّياسات الطّائفيّة من جهة ومن عبث الميليشيّات الطّائفيّة التي ذبّحت أهاليهم وأقربائهم وأصدقائهم وخلاّنهم وأحبّتهم وجيرانهم دونما ذنب مرتكب حتّى غدا القتل على الهويّة قوتهم اليوميّ لتغرق أرض الرّشيد في بحار من الدّماء المراقة لأسباب متخلّفة وبالية أفسدت ونسفت معالم الحياة في العراق كما باتت تهدّد جدّيا المستقبل العراقيّ حيث ما من بيت في العراق وما من عشيرة وما من قضاء أو قرية أو مدينة لم تدفع خيرة أبنائها رجالا ونساء ورضّعا وشيوخا في صراع مغلوط ماكر نجح العملاء وأسيادهم في تمريره والتّحيّل بواسطته على العراقيّين جميعا إلاّ فئة قليلة ظلّت متمسّكة بانتمائها لعراق عربيّ واحد حرّ وسيّد وظلّ إيمانها ببطلان الغزو ودوافعه وبضرورة التّحرير والتّغيير أقوى ممّا سواه. كما لامس العراقيّون أكثر من غيرهم السّرقات المخزية وعمليّات التّحيّل التي كدّس بفعلها أقطاب الطّائفيّة وسماسرة الدّين ثروات طائلة لهفوها من عائدات الدّولة العراقيّة ومقدّراتها ومن المال العامّ، كما شاهدوا وعاصروا التّفويت مثلا في تلك الثّروات الوطنيّة لإيران باعتبارها راعية العمليّات الطّائفيّة كلّها، وإنّه ليضيق المجال لتعداد الشّواهد على تلك الأحداث.

لم ينتج توظيف الدّين وتثبيته ثابتا في السّياسة لا في العراق فقط، وإنّما في كلّ الدّول والشّعوب والأمم والحضارات على مرّ التّاريخ سوى القتل والدّمار والخراب، ولم يتفّرع عنه سوى التّخلّف والتّردّي الحضاريّ الشّامل. وتتعمّق كارثيّة ذلك التّوظيف في العراق نظرا لتركيبته الفسيفسائيّة المتلوّنة والمتعدّدة سواء دينيّا أم إثنيّا أم عرقيّا، وهو لم يستخدم إلاّ لتمرير أجندات تقسيم العراق على تلك الأسس الواهية الشّعبويّة التي لا تليق مطلقا ببلد التّاريخ والعزّ والحضارات، فلم يكن المرمى الحقيقيّ منه سوى فَدْرلة العراق وإذهاب ريحه وتحييده عن دوره التّاريخيّ الوطنيّ والقوميّ والإنسانيّ سيّما عن دوره الاستراتيجيّ في المعادلة الأمنيّة الاستراتيجيّة القوميّة العربيّة وخصوصا فيما يتعلّق بمكانته الحيويّة في الصّراع العربيّ الصّهيونيّ.

إنّ فصل الدّين عن السّياسة في العراق هو أحد البوّابات المهمّة والضّرورات المصيريّة للعراق وللعراقيّين للعبور لشطّ الأمان، وهو أمل العراق وشعبه في التقاط أنفاسهم وتوحيد كلمتهم وإعلاء رايتهم وبلسمة جراحاتهم وتطبيبها والنّهوض مرّة أخرى. كما أنّه سبيلهم الأوحد في مواجهة الأعداء وتقويض مكرهم من جهة، وسبيلهم في عدم تكرار ما لحق بهم جرّاء استسلامهم لمخدّر الطّائفيّة المقيتة التي لم تزد عن ورقة استعماريّة أجاد المحتلّون التّخفّي وراءها للتّعمية عن حقيقة مقاصدهم وأجنداتهم.

إنّه ومن خلال ما تقدّم، وهو غيض من فيض، نخلص للدّوافع التي انبنت عليها مطالبة قيادة قٌطر العراق المجاهدة في مشروعها بضرورة فصل الدّين عن السّياسة، لأنّها تعي وعيا متقدّما ولا ينازعها فيه أحد سواء كان حزبا أم أشخاصا بأنّه ما من خلاص للعراق إلاّ بغلق المنافذ التي تعيق نهضة العراق وتضرب وحدة نسيجه المجتمعيّ خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تشديد قيادة قٌطر العراق دوما ومعها القيادة القوميّة للحزب على أنّ من بين أكبر المخاطر العاصفة بالعراق هي سياسة التّغيير الدّيموغرافيّ، وتلك السّياسة حدّدت القيادتين رافعتها بوضوح ألا وهي الطّائفيّة التي هي امتداد لتوظيف الدّين واعتماده ثابتا في البرامج السّياسيّة، وليس من باب أسوأ من باب المزج بين الدّين والسّياسة.

فقيادة قٌطر العراق وهي تضع خارطة طريق لحلّ شامل وجذريّ سيقي العراق كلّ ما يرسف تحته من أوضاع مأساويّة وكلّ ما يهدّده مستقبلا، لم تكتف بالتّشديد على فصل الدّين عن السّياسة بل أسهبت في توضيح الخطوات المكمّلة له والتي تراعي مراعاة فائقة العناية بطبيعة الشّعب العربيّ في العراق فوضّحت الإجراءات المكمّلة والمرافقة لذلك، حيث دعت لبعث مجلس أعلى للأديان وحدّدت مهامّه وأدواره والغايات منها كما قنّنت نشاطاته ومجالات عمله وضبطته بضرورة انضباطه لمصالح الدّولة وعدم التّعارض معها ولا تهديدها بما يفوّت الفرصة على الطّائفيّين والمتاجرين بالدّين للخبطة الأمور، وبذلك تكون قد حافظت على حريّة التّديّن وقنّنتها وأخضعتها للمصلحة القوميّة العليا وضربت دابر المتسلّلين من ثناياه لتهديم الدّولة وللتّنغيص على حياة العراقيّين وتكدير صفوهم.

وعليه، فإنّ دعوة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ – قيادة قطر العراق لضرورة فصل الدّين عن السّياسة إنّما تدلّل على الطّابع الوطنيّ والقوميّ والإنسانيّ وتؤشّر على النّزعة الثّوريّة الأصيلة لهذا الحزب، حيث لم تفته شاردة ولا واردة إلاّ وعدّدها وفصّلها ووضّحها لتخليص العراق من سنوات القحط العجاف التي فرضها الاحتلال الأمريكيّ الإيرانيّ لبلاد ما بين النّهرين، وتزداد هذه الخصال تثبيتا وترسّخا من خلال تأكيد الحزب على أنّه لا يرنو من خلال هذا المشروع الشّامل الجامع إلاّ لرصّ الصّفوف العراقيّة وتوفير الأرضيّة الصّلبة المثلى لانطلاقة العراق وشعبه نحو استرداد أمنه ومناعته ووحدته وسيادته الوطنيّة وبسط نفوذه على ثرواته ومقدّراته ناهيك عن حقن الدّماء العراقيّة وترميم ما أفسدته الخطيئة الامبرياليّة الكبرى المتمثّلة في الغزو الامبرياليّ التّتّريّ البربريّ الأمريكيّ للعراق، وأنّه – أي الحزب – لا يطلب جزاء ولا شكورا، ولا يطرق الأبواب كافّة إلاّ لمصلحة العراق وشعبه وأنّ العودة للحكم ليست أبدا من مشمولاته ولا من هواجسه، ليتأكّد مرّة أخرى للجميع أصدقاء ومناصرين وأعداء أنّ الحزب يتحرّك انطلاقا من إحساسه العالي بالمسؤوليّة الأخلاقيّة والسّياسيّة والقانونيّة والثّوريّة تجاه شعبه ووطنه وامّته جمعاء.

والله وليّ التّوفيق.
 





الجمعة ٣ رجــب ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة